العدالة الاجتماعية بين السياسي والاقتصادي
فصل ضمن كتاب: العدالة الاجتماعية.. مفاهيم وتطبيقات “دليل تدريبي“
يتكون هذا التدريب من العناصر التالية:
- العدالة الاجتماعية بين القرار السياسي والاقتصادي
- العدالة الاجتماعية وطبيعة النظام السياسي
- العدالة الاجتماعية والقضايا السياسية
- دراستا حالة توضيحيتين
- تدريب عملي للمشاركين
أبرزت تجربة حربين عالميتين حقيقة أن الحرب بتكاليفها البشرية والمادية الباهظة أخطر من أن تترك للجنرالات، فعمل هؤلاء يجب أن يأتي تحقيقا لغايات يضعها المجتمع -عبر ممثلين سياسيين منتخبين، هم أقدر من غيرهم على تحديد الهدف والأولويات، وتقدير مدى استعداد الجماهير لدفع الثمن اللازم لتحقيقها-وتحت رقابته الصارمة. وكانت هذه قفزة ثانية للأمام، تنتقل بموجبها القرارات المصيرية التي تؤثر في حياة الملايين إلى يد الجماهير، والتي يعمل تحت إشرافها كل خبير أو أمير يناط به اتخاذ وتنفيذ هذه القرارات. وما يمكن قوله عن الحرب الأخطر من أن تترك للجنرالات، يمكن أيضا أن يقال عن الاقتصاد والقرارات الاقتصادية. فالقرار الاقتصادي في الكثير من الأحيان يكون أوسع تأثيرا من القرار العسكري، ومن ثم فإن قرارات السياسة الاقتصادية يفترض أيضا أن تكون أخطر من أن تترك للاقتصاديين والخبراء الفنيين. إلا أن المفارقة المذهلة التي شهدها القرن العشرون هي أن الاقتصاديين نجحوا فيما يبدو فيما أخفق فيه الجنرالات.
ولعل هذا ما يتضح من تسويق العديد من السياسات الاقتصادية التي أضرت بوضعية العدالة الاجتماعية في مصر منذ السبعينيات مرورا ببرامج الإصلاح الاقتصادي التي اتبعت في عدة دول عربية من قبل العديد من الفنيين على اعتبار أنها خيارات فنية ضرورية لا تحتمل التأخير، ثم ما إن تكتشف الجماهير فشل هذه السياسات حتى يتم اتهام النظم بأنها تستعين بأهل الثقة دون أهل الخبرة وهو ما يسارع الخبراء إلى ترديده، رغم أنه ليس بالضرورة هناك حلول فنية لمثل هذه المشكلات، بل إن تجارب دول عديدة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا أثبتت فشل الحلول الفنية وإن بدرجات متفاوتة بحيث الحلول الفنية القوية تعمل كمسكنات لفترة أطول بينما الأضعف لا تستطيع الصمود في وجه أزمات وعيوب النظام الاقتصادي وقد تسبب أزمات خطيرة في حالات كثيرة، لأن الغائب هنا عن هذه السياسات هو الجماهير وتمثيلها ورقابتها لأنه في الواقع ليس هناك وصفات مدرسية لحل مشكلات اجتماعية بل إن أي سياسة اقتصادية ما يقف معها أو ضدها من تمثل مصالحهم أو تتعارض معها لأنها ليست في الأصل وصفات فنية محايدة أو موضوعية ولا يفترض فيها أن تكون كذلك، فما وصف بأنه أخطاء فنية ناتجة عن سوء الإدارة أو التطبيق للسياسات الاقتصادية هو في حقيقته اختيار اجتماعي وسياسي واضح لخدمة فئات اجتماعية معينة ترتبط عادة بالنظام الحاكم في تحالفات ما.