المغرب: انتفاضة سكان مدينة فجيج ضد خوصصة الماء
تشهد مدينه فجيج موجة نضال شعبي منذ قرابة ثلاثة أشهر معلنة رفضها قرار المجلس الجماعي القاضي بتفويت قطاع الماء الصالح للشرب والكهرباء لفائدة الشركة الجهوية “الشرق للتوزيع”، نضالات عارمة شارك فيها مختلف شرائح سكان المدينة التي أبدعت في اشكالها النضالية (وقفات احتجاجية، مسيرات، قوافل بالدراجات الهوائية…). عرفت هذه النضالات انخراطا واسعا لسائقي الشاحنات وأرباب المقاهي والمتاجر حين جسدت معه اضرابًا عامًا شلّ الحركة الاقتصادية بالمدينة.
كما تميزت هذه النضالات بالمشاركة والحضور البارز والنوعي للنساء في كل الأشكال النضالية، وتُعد المسيرات النسائية إحدى أهم هذه الأشكال كفاحية وصمود.
فجيج.. واحة نخيل تاريخية
تقع مدينة فجيج التي لا يتجاوز عدد سكانها 18000 نسمة، بجهة الشرق على بعد 105 كلم من مدينة بوعرفة. وهي عبارة عن واحة كبيرة تتكون من عدد ضخم من أشجار النخيل يتوسطها مجموعة من القصور وهو ما يفسر اعتماد اقتصاد المدينة على إنتاج مختلف أنواع التمور.
باعتبار المنطقة واحة يسود فيها مناخ شبه صحراوي فإن الثروة المائية خصوصًا الجوفية منها تُشكّل عصب الحياة بالمنطقة والمورد الحيوي الذي يعتمد عليه الساكنة في السقي ومختلف الأنشطة الفلاحية بالإضافة إلى الماء الشروب. وأي مساس بهذه الثروة الثمينة إنما هو بمثابة حكم بموت الواحة وتهجير لسكانها.
إن السمة الأساسية التي ميزت تدبير الثروات المائية بمنطقة فجيج عبر التاريخ هي تدبير تشاركي وديمقراطي للماء يشارك فيه جميع السكان عبر مجالس الماء و”الصرايفية”1 واعتماد نظام الخطارات من أجل توزيع عادل وبيئي يحافظ على المياه ويلبي حاجيات السكان.
قرار المجلس الجماعي.. النقطة التي أفاضت الكأس
تبنى المجلس الجماعي (هيئة منتخبة تدبر الشأن العام لمدة خمس سنوات) قرار تفويت خدمة الماء الصالح للشرب والكهرباء لفائدة الشركة الجهوية “الشرق للتوزيع” في دورته الاستثنائية لـ 30 اكتوبر 2023، بعد أن ّصوت تسعة مستشارين بمن فيهم الرئيس لصالح القرار ورفضه ثمانية مستشارين آخرين؛ وقد سبق أن رُفض هذا التفويت في دورة سابقة بتاريخ 26 أكتوبر 2023 بالإجماع من جميع الأعضاء واعتبرت ساكنة فجيج هذا التراجع بمثابة رضوخ لضغوط السلطات الإقليمية التي أرغمت المجلس على عقد دورة استثنائية بعد أربعة أيام فقط من رفض قرار التفويت.
قانون 83.21: طور جديد من الإجهاز على الخدمات العمومية
إن تفويت الخدمات العمومية لفائدة الشركة الجهوية “الشرق للتوزيع” إنما هو تنزيل مباشر لمضامين القانون 83.21 المؤطر بظهير شريف رقم 53 123 صادر يوم 12 يوليو 2023 ومنشور بالجريدة الرسمية يوم 17 يوليو 2023، هذا القانون الذي يفتح طورا جديدا ومتقدما من هجوم الدولة على الخدمات العمومية كما يفتح سوقا جديدا أمام الرأسمال الخاص لمراكمة أرباحه على غرار باقي الخدمات من صحة وتعليم…إلخ.
يهدف القانون إلى تفويت خدمات أساسية (الماء، الكهرباء، تطهير السائل…) لصالح الشركات الخاصة من أجل مراكمة أرباحها على حساب جيوب المواطنين عبر ضرب القدرة الشرائية ورفع فواتير الاستهلاك. وقد منح نفس القانون امتيازات عديدة لهذه الشركات مثل الإعفاء الضريبي وإمكانية نزع ملكيات الأفراد بمبرر المنفعة العامة كما جاء في المادة (4)، ويُمكنها كذلك من تفويض تدبير هذه الخدمات لشركة أخرى أو أشخاص معنويين كما تنص المادة (10).
نضال مستمر من أجل الحق في الماء
لا شك أن انتفاضة ساكنة فجيج من أجل الحق في الماء باعتباره ثروة عمومية وليس سلعة كما تريد لها الدولة والقطاع الخاص أن تكون، ليست الوحيدة في الرصيد النضالي للشعب المغربي.
نرصد باختصار أبرز هذه النضالات 2:
- نهاية التسعينات: مع ظهور مفهوم التدبير المفوض خرج آلاف المواطنين احتجاجا ضد نتائجه الكارثية على جودة الخدمات وعلى القدرة الشرائية للمواطنين هذا رغم عدم صدور القانون المنظم له إلا في عام 2005.
- طنجة: رفع المواطنين شعاره “أمانديس إرحل” بعد ارتفاع فواتير الاستهلاك بشكل مهول وضرب القدرة الشرائية.
- حراك الدار البيضاء ضد شركة ليديك، والرباط ضد شركة ريضال.
- تجربة تنسيقات مناهضة الغلاء في مدن عديدة مثل بوعرفة وصفر والتي وصلت الى أكثر من 50 تنسيقية بالمغرب تنديدا بموجة الغلاء خصوصا في فواتير الماء والكهرباء الموزعة من شركات تدبير المفوض.
- بوعرفة أول تجربة لمقاطعة جماعية لتسديد الفواتير مصحوبة باعتصامات أمام المكتب الوطني للماء والكهرباء.
- نضالات ساكنة اميضر دفاعا عن ثرواتهم المائية أمام هجوم وجشع شركات التعدين والمناجم.
- نضال ساكنة بن صميم دفاعا عن منابعها المائية أمام الاستغلال ونهب الثروات من الشركات الخاصة خصوصا شركات بيع المياه المعبئة.
- احتجاجات وانتفاضات العطش وندرة المياه بزاكورة تنغير طاطا الرشيدية.
على سبيل الختام
تحاول الدولة عبر أبواقها الإعلامية تسييد فكرة أن ما يعانيه المواطنون من مشاكل تخص قطاع الماء ترجع أساسا إلى أنماط الاستهلاك وتوالي سنوات الجفاف، بينما الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن السبب الرئيسي وراء الكارثة هو سياسات الدولة لعقود في هذا القطاع. سياسة تقوم على تشجيع فلاحة تصديرية نحو الأسواق الخارجية تصدر معه ثرواتنا المائية دون نسيان ترسانة القوانين التي فتحت قطاع خدمات الماء أمام رأس المال الخاص الذي يستهدف جيوب الفقراء؛ التاريخ أثبت مدى كارثية هذه الخيارات الماكرو اقتصادية بإملاءات المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، منظمة التجارة العالمية).
إن نضالات فجيج تفرض علينا واجب التضامن الشعبي معها وفك العزلة الإعلامية عنها مع التعريف بمختلف النضالات السابقة لاستخلاص الدروس لصالح مستقبل النضال الشعبي من أجل الحق في الماء.