مراجعة كتاب “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة: إجابات أفضل لأكبر مشاكلنا”
اكتشاف كيفية التعامل مع المشكلات الاقتصادية الحرجة اليوم، أصبح أكبر تحدي يواجه العالم في الوقت الحاضر، فالهجرة، وعدم المساواة، والنمو المتباطىء، والتغير المناخي، كلها تحديات تشكل مصدر قلق كبير للعالم.
ورغم أن الموارد اللازمة لمواجهة هذه المشكلات موجودة، إلا أن ما يفتقر إليه العالم حقاً هو الأفكار التي من الممكن أن تساعد على تجاوز انعدام الثقةوالخلافات التي تفرق المجتمعات.
ويحاول الاقتصاديان الحائزان على جائزة نوبل للاقتصاد “أبهيجيت بانيرجي” و”إستير دوفلو”، مواجهة هذه التحديات في كتابهما الثوري “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة: إجابات أفضل لأكبر مشاكلنا”، وذلك بناءً على أحدث الأبحاث في الاقتصاد.
– يطرح كل فصل في هذا الكتاب سؤالاً هاماً، مثل كيف يمكن تجنب تغير المناخ؟، وهل تجعل المساعدات الاجتماعية والنقدية الأشخاص كسالى؟
– كما تتضمن اسئلة الكتاب أفكارًا مثل ما هو تأثير الأتمتة على الوظائف والرفاهية؟، وهل يستولى المهاجرون من البلدان الفقيرة على الوظائف من العمال المحليين ذوي الأجور المنخفضة؟
– رغم أن مثل هذه الأسئلة والموضوعات ذات طبيعة خلافية، إلا أن المؤلفين تمكنا من تنظيم نقاش متوازن حولها يستند إلى الأبحاث والأدلة والرأي العام.
– ففي قضية الهجرة على سبيل المثال أوضح المؤلفان أنه خلافاً لقانون العرض والطلب، فإن تدفق العمال المهاجرين ذوي المهارات المتدنية لم يؤثر على الأجور في معظم الدول.
– يكشف المؤلفان في الفصل الخاص بالتجارة زيف قانون الميزة النسبية، الذي وضعه الاقتصادي السياسي البريطاني”ديفيد ريكاردو”، والذي يشير إلى أن البلدان تكون أفضل حالاً في ظل التجارة الحرة.
– إلا أن المؤلفين يؤكدان في كتابهما أن التحرر الاقتصادي استفاد منه البعض بشكل أكبر بكثير من البعض الآخر.
– ترجع الفجوة بين التجربة الفعلية والنماذج أو النظريات الاقتصادية إلى أن عملية تكيف الأشخاص مع التغيير تكون أبطأ مما تتصوره هذه النظريات، إذ يكون من الصعب تغيير العادات القديمة.
– وفي حين يمكن أن يؤثر المال على بعض أنواع السلوكيات (وليس كلها)، فلا يحدث ذلك بسرعة، ولا يؤثر ذلك أيضاً على سلوكيات كل الأشخاص.
– ويرى “بانيرجي ودوفلو”أن هناك حاجة إلى نهج مختلف تماماً لصياغة السياسة الاقتصادية، نهج يعتمد على التجارب والبيانات الحقيقية أكثر من النماذج الاقتصادية والتنبؤ.
– كما يؤكد الخبيران أن هدف السياسات، على الأقل في الدول المتقدمة، يحتاج إلى التغيير أيضاً، فلا يجب أن تقتصر الأهداف على القيام بما يحقق النمو الاقتصادي.
– وقد وصف الخبيران ذلك بـ”الاقتصاديات السيئة”، مشيرين إلى أن “الاقتصاديات الجيدة” على الجانب الآخر تركز بشكل أكبر على السياسات التي تعالج تحديات مثل عدم المساواة، وتدعم المرونة.
– يتضح اهتمام “بانيرجي” و”دوفلو”بقضية عدم المساواة عبر إجاباتهما علىالأسئلة الأخرى المطروحة في الكتاب.
– فعلى سبيل المثال وفيما يتعلق بكيفية مواجهة التغير المناخي، يوضح الخبيران الاقتصاديان أن عدم توافر التكنولوجيا النظيفة بقدر كافِ هو أمر أخلاقي وليس تكنولوجي.
– يطرح الخبيران سؤالاً يوضح الأمر، وهو ألا ينبغي أن تستهلك الدول الغنية سلعاً كمالية أقل حتى يتمكن المواطنون في الدول الفقيرة من الحصول على بعض أساسيات الحياة.
– ومن ثم يؤكدان على الدور الذي تلعبه السياسات في التأثير على سلوكيات الأفراد وعاداتهم، مثل ضريبة الكربون التي دفعت الأشخاص لاتخاذ قرارات أفضل.
– وفيما يتعلق بالمخاوف الخاصة بالتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، أشار المؤلفان إلى أن التحدي الحقيقي هو أن تضع الحكومات سياسات تساعد أولئك الأقل قدرة على التكيف مع المتغيرات، وذلك من خلال تقديم بعض أنواع التدريب لهم.
– وقد وجه المؤلفان على صفحات الكتاب انتقادات عديدة ضد هوس الاقتصاد بالنمو، مشيرين إلى أوجه القصور في استخدام الحوافز المالية للتأثير على السلوك.
– وأكدا على أهمية ألا تكون السياسات الاقتصادية مقتصرة على آراء الاقتصاديين فحسب، أو مثلما قالا: “الاقتصاد أهم من أن يترك بيد الاقتصاديين”.
– بهذا يمهد المؤلفان الطريق للاعتماد على تخصصات متعددة بما في ذلك علم النفس والتواصل، وليس الاقتصاد وحده، من أجل تحسين رفاهية المواطنين، وحماية الكرامة الإنسانية.