العراق: هل يضمن الدستور والتشريعات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟

العراق: هل يضمن الدستور والتشريعات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل

: أهم المبادئ الدستورية والقانونية
الدستور، وهو الوثيقة الأهم لدى أي شعب، لا تنتهي بمجرد إقراره من قبل الجمعية الوطنية أو الشعب، وإنما هي عملية مستمرة من التعديل والإضافة والبحث والنقاش. فالدساتير تنمو وتتطور جنبًا إلى جنب مع تطور المجتمعات وتنامي حاجاتها وتبعًا للتحديات والمشاكل التي تواجهها في المستقبل. وفي الصياغة الدستورية الأهم واجه العراقيون نوعين من التحديات تمحور النوع الأول من هذه التحديات حول التوصل إلى إجماع عراقي على القيم السياسية الاجتماعية التي يفترض أن تعبّر عن الهوية الجمعية العراقية. ضمن وحدة البلد من عروبة العراق وانتمائه، ومعنى وحدته كبلد وكيفية ضمان هذه الوحدة. فهل تضمن وحدة البلد من خلال نظام اتحادي ضعيف نسبيًّا يقوم على وجود حكومات أقاليم ومحافظات قوية؟ أم من خلال سلطة تنفيذية مركزية (الحكومة المركزية) مقيّدة بضوابط السلطتين التشريعية والقضائية؟ هذا وعلاوةً على قضايا أخرى لا تقل أهمية مثل إدارة الثروات الطبيعية وتوزيع عوائدها ودور الدين في التشريع وحقوق المرأة.

أما النوع الثاني من التحديات فتمثّل بإيجاد موازنة حقيقية بين القيم الجمعية العراقية، والقيم الديموقراطية العالمية التي يراد لها أن تسود في عراق المستقبل، لذلك نقيم هذا الدستور من خلال النص ذاته وتحليله من زاوية قانونية. من المفيد الإشارة إلى أن أهم أعمدة أي دولة ديموقراطية هو وجود دستور دائم يرتكز على الأسس والمبادئ الآتية:

أولاًمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ثانيًامبدأ التداول السلمي للسلطة واعتماد مبدأ الانتخاب في هذا الجانب.

ثالثًامبدأ استقلالية القضاء ومراقبة دستورية القوانين.

رابعًامبدأ المساواة بين المواطنين واحترام حقوق وحريات الإنسان في جميع المجالات. بناءً على ذلك، يتطلّب تقييم الدستور فحص جميع النصوص للتحقق من وجود هذه المبادئ من عدمها. ونعتقد أن السبيل لذلك يتأتى عبر متابعة تسلسل أبواب الدستور ذاته.

المحور الثاني: أهم الإشكاليات القانونية المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية:

على الرغم من وجود تشريعات عديدة تكفل وتضمن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعراقيين، إلا أن هذه التشريعات تواجه مشكلات عديدة تعرقل أو تضعف من مدى تطبيقها على أرض الواقع، ويعود السبب الرئيس لتلك المعرقلات إلى الصراعات السياسية بين الكتل السياسية المختلفة والتي تحاول تحقيق مكاسب عرقية أو دينية أو إثنية على حساب الهوية الوطنية في العديد من الأحيان.

ومن أبرز تلك الإشكالات القانونية:

1 – مادة (2) قانون حماية الأقليات الدينية والعرقية، حيث أن الحكومة العراقية لم تتخذ خطوات جادة لتسهيل إعادة ملكية الأقليات الدينية والعرقية كافة خصوصًا في المناطق التي هجرت منها قسرًا على يد التنظيمات الإرهابية أو الجماعات المسلحة.

2 – مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص لجميع العراقيين، وعدم وجود تقدم محرز في تطبيق المراجعة القانونية للتشريعات المحلية على الرغم من تقديم مشروع قانون الحماية من العنف الأسري في مجلس النواب والذي تمت قراءته قراءة أولى.

3 – الحق في العمل والحماية الاجتماعية ما زال يعاني الكثير من المشاكل والتحديات، وذلك على الرغم من انضمام العراق للعديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية ولديه قوانين سارية في موضوع العمل والضمان والرعاية الاجتماعية.

4 – حماية الأم والطفل والأسرة، وبهذا الجانب يمكن ملاحظة زيادة ظاهرة عمالة الأطفال بنسب كبيرة وقلة وسائل الحماية لمنع هذه الظاهرة أو الحد منها.

وعلى الرغم من إعلان الحكومات العراقية المتعاقبة وجود استراتيجيات التنمية الوطنية والاهتمام الذي أعطته الحكومة للقطاع السكني، إلا أن البلد يعاني من أزمة سكن خانقة وعدم وجود إجراءات من قبل الحكومة لتنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية، وكذلك قلة الوحدات السكنية المخصصة من الدولة وزيادة عدد أفراد الأسرة وعدد الأيتام المشردين، وأن أغلب المشاريع التي تم تنفيذها هي مشاريع إسكان صغيرة ولا تتناسب مع الاحتياجات الكبيرة لعدد المواطنين الذين هم بحاجة إلى السكن.

مع الإشارة إلى وجود العديد من الإشكالات القانونية الأخرى التي يعود سببها إلى عدم جدية الساسة والمشرّعين والأحزاب الحاكمة في وضع حلول واقعية ونهائية لتلك الإشكالات. يضاف إليها عدم وجود رؤية أو حرفية في إدارة البلد، وكذلك الفساد الإداري والمالي، والروتين القاسي في دوائر الدولة ومؤسساتها. كما أن انتشار التنظيمات المسلحة وعدم حصر السلاح بيد الدولة، وأيضًا سطوة السلطة العشائرية والتي تعلو على سلطة الدولة في العديد من الأحيان، عوامل تساهم في استفحال تلك الإشكالات، بل وإضافة إشكالات أخرى تتمثل في تطبيق القوانين وضعف المؤسسات الأمنية، خصوصًا إذا كان الموضوع متعلق بالمرأة إذ أن السلطة العشائرية في العديد من الحالات تكون لها اليد العليا في حل تلك المسائل.

المحور الثالث: السياق العام (اجتماعي، اقتصادي، سياسي، إلخ)

  1. اجتماعيًّا: يعاني العراق من تراكمات عقود طويلة من الصراعات والحروب والأزمات الداخلية والخارجية التي ألقت بظلالها على جميع جوانب الحياة. هذه المشاكل والأزمات أدت إلى غياب الدولة في بعض الأحيان وإلى توجه المواطنين نحو الأنظمة الاجتماعية الثانوية كضامنة وحاميه للحقوق الاجتماعية الفردية، مثل النظام القبلي (العشائري) أو النظام الديني. وبعد العام 2003، ولعدم جدية صنّاع القرار الجدد في بناء دولة مدنية حقيقية قائمة على مبدأ سيادة القانون، وأيضًا للفهم الخاطىء أو المتعمد لممارسة الديموقراطية، فقد مُنِحت تلك النظم الثانوية أهمية كبيرة لدى حكام العراق لكون تلك النظم قادرة على حسم الفوز في الانتخابات. الأمر الذي أدى إلى استمرار تلك النظم في تنظيم الحقوق الاجتماعية بما تراه مناسبًا، أي بحسب العقائد والعادات المتوارثة والتي بعضها يخالف الحقوق الاجتماعية الحقيقية. فالمرأة بحسب تلك الحقوق هي الحلقة الأضعف والتي لا تمتلك حقوقًا بالمعنى الواقعي، فإذا ظلمها زوجها فعليها الطاعة حتى وإن ضُربت بقسوة من دون ذنب. وإذا قُتلت فلا يتم احتساب القصاص من القاتل بنفس القصاص لو كانت رجلاً. وأيضًا لا يحق للمرأة الخروج بحسب تلك النظم التقليدية وغيرها من التقاليد التي تُفقد المرأة حقوقها الاجتماعية.

  2. اقتصاديًّا: تمارس بعض تلك النظم الاجتماعية التقليدية دورًا مهمًّا في تعزيز التكافل الاجتماعي القائم على أساس الجندر، أي أن ذلك التكافل الاجتماعي خاص بالرجل حصرًا. ففي حالة ارتكب الرجل جريمة واقتضى الحكم العشائري أن يدفع ديّة معينة وهو غير قادر على دفعها، تعمل القبيلة (العشيرة) على جمع مبلغ تلك الدية وتأديتها بدلاً عنه والدفاع عنه. لكن لو كانت المجرمة إمرأة فسيتم دفع نصف الدية مع ترك المرأة تواجه مصيرها. وفي بعض الحالات تجمع العشيرة أموالاً من أبناء العشيرة الميسورين ودعم العوائل الفقيرة من أبناء العشيرة، لكن هذه ممارسات فردية حينما يتولى إدارة شؤون العشيرة شيخ يمتلك إنسانية وثقافة تجعله يفكر في أبناء عشيرته. وأيضًا في المناطق الريفية التي تدار بواسطة النظم الاجتماعية القبلية، فالمرأة يقع على عاتقها جميع الأعمال المنزلية وغير المنزلية، فهي التي تتولى إدارة شوؤن المنزل والأطفال والطهي وكذلك الحراثة والزراعة والحصاد، أما الرجل فيقتصر عمله على تسويق المنتوجات الزراعية. ومن السياقات العامة القائمة في العراق حاليًّا زيادة أعداد الفقراء، إذ وصل عدد هؤلاء إلى ما يقارب 30% بعد تداعيات جائحة كورونا، في بلد يُعدّ من أغنى البلدان في المنطقة، وتبلغ ميزانيته السنوية أكثر من 100 مليار دولار. كما أنّ أعداد الجياع والساكنين في مساكن غير صالحة للعيش إلى ازدياد وذلك لعدم وجود سياسات حكومية فعالة تعمل على مساعدة تلك الفئات المهمشة والضعيفة.

  3. سياسياً: بالرغم من وجود الفقرات الدستورية التي تلزم الحكومة دعم تلك الفئات، إلا أنها مجرد حبر على ورق إذ ليس لها أي اعتبار أو اهتمام بسبب المحاصصة السياسية والفساد المستشري أذ تكون عائقاً امام التطور والتنمية المجتمعية.

المحور الرابع: تأثير السياق على التنمية المستدامة والسياسات العامة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:
تم اعتماد أهداف التنمية المستدامة، المعروفة أيضًا بالأهداف العالمية، من قِبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015، كدعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتّع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. وهناك تأثير من قِبل السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على التنمية المستدامة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فمن الناحية السياسية هناك إعاقة لعملية التنمية المستدامة بسبب عدم الاستقرار السياسي والحروب والنزاعات والانقلابات. كما أن التغييرات المتكررة في الحكومة تؤدي إلى تضارب في السياسات وبرامج التنمية ونقص الاستمرارية في أنشطة التنمية، والفساد والعجز في الحكم، إلى جانب الافتقار إلى المساءلة، وإهدار المال العام، والافتقار إلى المؤسسات الديموقراطية الشعبية والمشاركة في صنع القرار، بمعنى آخر، يجب صياغة السياسات في ما يتعلق بالأهداف المراد تحقيقها، وتلافي القصور في الدعم القانوني والتشريعي لبرامج التنمية، وايضاً هناك حاجة إلى حوافز اقتصادية وصكوك قانونية وتشريعية لدعم مشاريع التنمية التي تحظى فيها جودة البيئة والمحافظة على الموارد بأولوية عالية. فعند غياب هذه الأدوات، سيكون من الصعب ضمان تحقيق الحفاظ على الموارد والجودة البيئية واتخاذ التدابير اللازمة. ويجب أن تهدف الاستراتيجيات التي سيتم اعتمادها إلى مجموعة من الخيارات الاستراتيجية البديلة التي تضمن الحفاظ على الموارد وتعزيز جودة قاعدة الموارد قدر الإمكان.
أما من الناحية الاجتماعية، فيتمثل جوهر التنمية المستدامة في تزويد أفراد المجتمع بأساسيات العيش الكريم بغية القضاء أو الحد من جميع مظاهر الفقر، من خلال استراتيجية مترابطة بما في ذلك تعزيز نظـم الحماية الاجتماعية وتوفير العمالة اللائقة وبناء قدرة الفقراء على الصمود، وعلى ضوء ذلك وضعت الخطة الوطنية الاستراتيجية للتخفيف من الفقر(2018 – 2022). أما على مستوى البيئة، فالوضع البيئي المتردي قد نتج عن تدمير متعمد من قبل تنظيمات داعش الإرهابية، وتدمير البنية التحتية لقطاع البيئة بما في ذلك طمر النفايات الخطرة والسامة في الأراضي العراقية، نتيجة العمليات العسكرية المتكررة داخلها وتدمير شبكات وأحواض الصرف الصحي وشبكات وآبار المياه.

نستنتج مما سبق:
التنمية المستدامة بحاجة إلى بناء الإنسان أولاً لأنه يُعد أساس التطور السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، عن طريق زيادة الدعـم الفني والمالي للسلطة الوطنية لتطوير خطة شاملة لبناء المؤسسات والنهوض بالمجتمع، وكذلك تركيز الجهود الدولية نحو تعزيز قدرات المؤسسات ذات العلاقة لمساعدتها على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، ويجب الاعتناء بصياغة السياسات التنموية والاهتماـم بوضوحها وتجنب كل الغموض أو أي لُبس قد يتسبب في سوء تطبيقها، وكذلك ضرورة تبنّي الدولة السياسات والبرامج التي تضمن حقوق الإنسان العراقي، والقضاء على الخلافات السياسية، والتركيز على اعتماد أساليب المحافظة على الموارد البشرية وتعزيز دورها في العملية الإنتاجية، والاهتماـم ببرامج تقويـة الشفافية والنزاهة والمساءلة الإدارية ومكافحة الفساد الإداري لتعزيز انتماء الموظف لوظيفته والتزامه بالأخلاقيات والقيم التي تعكس مستوى عالٍ من الإخلاص والتفاني
. ومن الناحية الاجتماعية، دعـم خطط العمل والبرامج الوطنية لتخفيف حدة الفقر وزيادة دخل الفرد وتعزيز دور المرأة، دعـم المؤسسات الصحية والتعليمية والخدمات الاجتماعية ماديًّا وفنيًّا، الاهتمام الحقيقي ببرامج شبكات الحماية عن طريق إعادة هيكلة نظام الحماية الاجتماعي القائـم الذي لا بد له أن يتضمن التأمينات الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعي. أما من الناحية الاقتصادية، يكمن استمرار عملية التنمية في دعم القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والتجارة والسياحة عن طريق زيادة المساعدات الفنية والمادية، وأيضًا المساعدة في خلق بيئة ملائمة لجذب المستثمرين في مختلف القطاعات. تحقيق انتقال صحيح من اقتصاد حكومي مركزي مخطط هو حاضنة الثقافات الأبوية إلى اقتصاد ليبرالي تمارس فيه المبادرات الفردية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني دورًا كبيرًا. ومن الناحية البيئية، تشجيع الإبداع التكنولوجي في الميادين الحديثة والمعلوماتية، والأبحاث الصحية والطبية والغذائية، والحد من التلوث البيئي وإنتاج مصادر للطاقة البديلة.

Share this post

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart