الاتجار في العطش مؤسسات التمويل الدولية والحق في المياه بالمنطقة العربية

الاتجار في العطش مؤسسات التمويل الدولية والحق في المياه بالمنطقة العربية

الاتجار في العطش

مؤسسات التمويل الدولية والحق في المياه بالمنطقة العربية

بيان ختامي

الرباط: 8 – 10 أكتوبر/تشرين الأول 2018

وسط أجواء من الترقب والتوتر لما يسود المنطقة العربية من حروب وصراعات بين القوى السياسية من ناحية والشعوب التواقة للحرية والحياة الكريمة وحكوماتها الجائرة من ناحية أخرى، وفي ظل سياسات نظام دولي يسعى إلى الربح واقتناص الموارد هنا وهناك، على حساب أرواح ومصير أجيال، لا سيما في هذه المنطقة الزاخرة بالموارد وعوامل الصراع، اجتمع أعضاء منتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية في دورته الخامسة للعام 2017- 2018 ليناقش ويحلل كل ما يتعلق بالمياه؛ هذا المورد المرادف للحق في الحياة على كافة المستويات؛ بداية من مياه الشرب مرورًا بالغذاء والتنمية وصولًا إلى سيادة الشعوب ومستقبلها.

حضر المنتدى ممثلو العضوية في كل من فلسطين ومصر والمغرب والأردن ولبنان وتونس، في غياب أعضاء آخرين من اليمن الذي يتعرض لحرب مدمرة وسط صمت إقليمي ودولي مخزٍ تروح ضحيته مئات الآلاف من الأطفال ومن كافة فئات الشعب، إما بالقصف أو بالتجويع والتعطيش. غاب عن هذه الدورة أيضًا أعضاء آخرين مهمين من العراق وسوريا والسودان والجزائر وموريتانيا، وهو غياب أبرز تناقض واضح لما تعيشه هذه البلدن أيضًا من ظروف استثنائية، لا سيما فيما يتعلق بالمياه كمورد وحق! ومن ثم كان هذا الغياب محفزًا لجميع الحاضرين بضرورة التحرك الجاد لإحياء الأنشطة الرئيسة للمنتدى ومعاودة تأكيد التواصل العملي الفعال مع هذه البلدان والأعضاء النشطين فيها من منظمات وحركات اجتماعية على جدول أعمال مؤثر في ظل الظروف المحيقة بهذا المورد الحيوي موضوع المنتدى.

أبرز الحاضرون ببيانات إحصاءات مهمة تتعلق بتحول المياه إلى سوق لدرُّ مزيد من الأرباح للشركات عابرة القومية، مثل شركات فيوليا، وفيفاندي …إلخ ، إذ يتوقع وصول حجم صفقات الاتّجار في المياه إلى 660 مليار دولار بحلول 2020، في حين تشير بيانات منظمة الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2030 يقدر أنّ يقيم زهاء 4 مليارات نسمة في مناطق تعاني من نقص حادّ في المياه!

وكان المنتدى قد أبرز ما جرى من تعامل مع مورد المياه، وما تدره مع غيره من الموارد الطبيعية من أرباح ، وكيف تحرّكت مؤسّسات التمويل الدولية وعلى رأسها البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوربي، وبنك التنمية والإعمار الأوربي وغيرها من بنوك وصناديق مالية أخرى مع الشركات عابرة القومية في محاولات مستميتة للسيطرة على تلك الموارد والعمل على احتكارها بهدف إحكام السيطرة عليها، لتكتمل دوائر الاحتكار لصالح تلك المؤسّسات والشركات على الموارد الاقتصادية.

وفى سبيل إحكام هذه السيطرة لجأت تلك المؤسّسات والشركات إلى ترويج خطابات تتناول فيها القيمة الاقتصادية لتلك الموارد الطبيعية ولجأت في سبيل ذلك إلى تعميم خطابات تركز على استعادة التكاليف كمبدأ أساسيّ للانتقال بالمياه من الملك العام إلى الخاص.

وفي هذا السياق، أبرز المشاركون في المنتدى كل في قطره/ها  مدى ما تعانيه الشعوب من ندرة مياه وارتفاع تكلفة الحصول عليها، وكذلك ما يتوقع من أضرار بيئية وحقوقية في العقود الأخيرة من عملية بناء السدود التي جارت بالفعل على فئات عريضة في بلدان مختلفة مثل مصر والسودان ولبنان وغيرها. وهذا في ظل تزايد الطلب على المياه العذبة وفق القياسات الرصدية بمعدّل 55% في الفترة من 2000 إلى 2050، والذي يذهب  قدر كبير منها للزراعة التي تشكّل 70% من إجمالي استهلاك المياه العذبة على مستوى العالم، وهذا ما يؤكده أنّ الحاجة إلى الإنتاج الغذائي ستزيد بنسبة 69% بحلول 2035 بناءً على التزايد في عدد سكّان الكوكب. كذلك استخدام المياه في الطاقة، وتبريد محطّات الكهرباء من المتوقّع أن يزداد أيضًا بنسبة 20%. بمعنى آخر يمثّل المستقبل القريب إهدارًا للمياه العذبة واحدًا تلو الآخر.

جاء التقرير هذه السنة بعنوان “الإتجار في العطش، المؤسسات المالية الدولية والحق في المياه بالمنطقة العربية” ليناقش استخدام آليات التمويل الدولية في فرض سياسات تستهدف تعظيم دور السوق في إدارة الموارد المائية، والضغط على حكومات المنطقة من خلال العمل على تغيير البنية التشريعية والمؤسساتية الرامية إلي تعميق الاتجار في المياه، وذلك من خلال القروض المقدَّمة من البنك الدولي ومؤسّسات التمويل الدولية الأخرى التي تمضى في الركاب نفسه.

وتعدُّ المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطق في العالم التي يتمّ فيها اختبار سياسات التتجير في الماء وذلك رغم ما يكتنفها من مشكلات جمّة فيما يتعلّق بحقوق المواطنين في الوصول للمياه، ففي الوقت الذي يشير فيه البنك الدولي إلى أنّه عندما طرح المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2015 على خبراء وقادة من المنطقة السؤال التالي: “أيّ المخاطر العالمية تعتبر منطقتكم أقل استعدادًا لها؟” فحدّدت غالبية المجيبين عن السؤال أزمات المياه باعتبارها أعظم تهديد يواجه المنطقة، بل هو أعظم من عدم الاستقرار السياسي أو البطالة.

في لبنان، عبر المشاركون عن قلق شديد من مشاريع القروض والديون التي يتكبدها  المواطنون من إنشاء سدود مكشوفة غير ضرورية، داعين في ذلك إلى التنبيه إلى مشاريع الخصخصة وتسليع المياه وإعادة النظر في الاستراتيجيات الوطنية الموضوعة في هذا السياق مثل الخطة الوطنية 2030 أو 2050 المشتركة بين معظم دول المنطقة.

في الأردن أيضًا استعرض المشاركون التحديات المرتبطة بالقطاع المائي التي تتمثل في محدودية المياه من المصادر التقليدية المتجددة والإجهاد المائي والضخ الجائر لمصادر المياه ومشاركة دول الجوار للأردن في روافد المياه بل والاعتداء عليها مما يقلص حصة الأردن إلى نحو 33% فقط إلى جانب الأثر الديمغرافي الناتج عن اللجوء السوري خلال الأعوام الثمانية الماضية مضافًا إلى ذلك التزايد في أعداد السكان الأصليين، والأخطار الطبيعية الداهمة من تملح وتلوث المياه، وهو ما يؤدي مجتمعًا إلى عجز مائي شديد في بلد يأتي الرابع بلد على مستوى العالم من حيث نقص المياه.

في مصر أيضًا أعرب المشاركون عن قلق متزايد من تدهور هذا الحق في المياه من حيث التلوث والندرة وكذلك ما يمثله بناء سد النهضة في إثيوبيا من خطر كبير على الحق في مياه نظيفة آمنة كافية للمواطنين.

وفي تونس، رأى المشاركون أهمية:

  • وضع سياسات فلاحية تقوم على تقسيم كميات التساقطات وإيقاف التوسع في المشاريع الزراعية الاستثمارية التي تجور على زراعة الغذاء الضروري للمواطني،
  • إعادة هيكلة المجامع المائية وتطوير أدائها،
  • تجديد شبكة المياه “الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه” والشبكات التي تديرها المجامع المائية،
  • الإسراع بربط سدود الشمال بسدود الوسط،
  • مراجعة استراتيجية تعبئة الموارد المائية،
  • البحث عن حلول مستدامة، خصوصًا مايتعلق بالأشغال المائية الكبرى، والموارد غير التقليدية، كمحطات تحلية المياه

وفي فلسطين، جاءت المشاركة من خلال ورقة استعرضت أوضاع وإشكاليات الوضع المائي في فلسطين والحال الفلسطيني في ظل السيطرة الكلية للاحتلال على مصادر المياه. إذ يسيطر الاحتلال على حوالي 80 % من مصادر المياه الفلسطينية. واستعرض المشاركون أيضًا الأطماع الاستعمارية للسيطرة على منابع المياه العربية في المنطقة المحتلة وكيف أنها جزء من الفكر الاستعماري القديم للسيطرة واحتلال تلك المصادر. وأفردت مساحة خاصة في هذا السياق للاستماع إلى تجربة اتحاد لجان العمل الزراعي والمؤسسات العاملة في فلسطين في مواجهة تلك الاطماع وتعزيز الصمود للمزارع الفلسطيني، كذلك استعرض الحضور الآليات الواجب اعتمادها لضمان عمل المنتدى في المنطقة العربية والدفاع عن هموم الفلاحين والمزارعين والوقوف في وجه الاستثمار الرأسمالي لحساب كبار المستثمرين على المزارع الصغير في المنطقة العربية ولعل من ابرز تلك المشاريع المهددة لوجود المزارع هي إنشاء واقامة السدود الاستثمارية في المنطقة العربية او السيطرة على منابع ومصادر المياه في الوطن العربي.

وفي المغرب، تم التأكيد على ما يلي:

تنامي الاستيلاء على مشاريع المياه وارتباط ذلك بعوامل خارجية مثل الاحتباس الحراري، وتراجع التساقطات، وعوامل داخلية مرتبطة بالتدبير السياسي: السياسية الفلاحية التصديرية واستزاف الفرشات المائية، وتخصيص موارد مائية كثيرة لمشاريع ترفيهية مصل الجولف والسباحة. فضلًا عن التلوث والإلقاء بالنفايات الصلبة والسائلة، هذا إلى جانب الخصخصة والاتجار بالمياه. وفي ذلك أبرز المشاركون من المغرب مشكلة بني صميم وسيدي علي والتدبير المفوض، الذي يفضي إلى عدة احترام دفاتر التحملات والذي يسفر عن عدة اختلالات مالية وإدارية وارتفاع الأسعار، وظهور حركات احتجاجية العام الماضي تمثلت في مقاطعة أكبر شركات مياه  (سيدي علي) والتي عرفت نجاحًا واسعًا لا يزال مستمرًا إلى حدود الساعة. كما كانت هناك احتجاجات العطش في إقليم زاكورة جنوب المغرب التي تضمنت مسيرات ومظاهرات تم على إثرها اعتقال عديد من النشطاء منهم من لا يزال متابعًا حتى الآن.

وفي هذا السياق، ونظرًا لما تمثله السدود من خطورة، فقد قرر المشاركون تخصيص الدورة القادمة 2019 من وضع أوراق بحثية تحليلية ورصد وأنشطة تعبوية ومناصرة لموضوع السدود في المنقطة العربية، وكيفية المشاركة المندية والشعبية في وضع الخطط التنموية التي تتضمن هذا النهج في التعامل مع مورد المياه، مع تغليب التعامل معه كحق لا كسلعة. خاصة أن الخطاب العام على مستوى الحكومات ومؤسسات التمويل الدولية أن الشعوب مسؤولة عن إهدار المورد طالما شعروا أنه متوافر دون ثمن باهظ. ترى هل تكتفي المؤسسات الدولية بتحذير المواطنين هنا وهناك من الإسراف في استخدام المياه العذبة، دون أن تلقي بالًا لمصادر أخطر لإهدار المياه في تصنيع المياه الغازية وغيرها من سلع تدرُّ الربح على الشركات الكبرى فيما حرم ملايين من الحق في مياه شرب نظيفة وفقًا للمواصفات المذكورة في المواثيق الدولية ذات الصلة.

وفي نهاية فعاليات المنتدى يؤكد المشاركون أن البحث عن الربح هو السبب الحقيقي في تدمير البيئة واستنزاف الثروات المائية وتعميق معاناة الفئات الشعبية الواسعة في المدن والقرى، لا سيما النساء والفلاحين الكادحين. كذلك أكد ممثلوا المنتدى على مطلب المشاركة الجماعية المناهضة للمنطق التجاري وتسليع الماء، ومن أجل إعادة تملك مواطني وديمقراطي لتدبير الماء والدفاع عن طابعه العمومي وضد خصخصته. ويعلن التزامه الى جانب النضالات الجارية في بلدان المنطقة المتعلقة بالحق في الماء، وربطه مسألة الدفاع عن الحق في المياه بمسألة السيادة الشعبية بجميع مكوناتها (السيادة المائية، السيادة الغذائية، السيادة في مجال الطاقة، إلخ)، ومقاومة نظام الديون التي تتضخم مع المشاريع الاستثمارية في مجال الماء وغيرها وتعمق تبعية بلداننا، والمؤسسات المالية (البنك االدولي وصندوق النقد الدولي) التي تفرض هذا النظام، واتفاقات التجارة الحرة الاستعمارية ومنظمة التجارة الدولية. كما يسعى المنتدى الى تدعيم التنسيق مع الشبكات التي تناضل على مختلف هذه الواجهات إقليميا ودوليا.

فضلًا عن ذلك خلص المشاركون إلى مجموعة من التوصيات

على المتسوى العام:

  • ربط النشاط الأهلي والتحرّكات الجماعية في كلّ بلد بالمشكلات نفسها في البلدان الأخرى، لا على الصعيد الإقليمي فحسب، بل العالمي أيضًا؛
  • إبراز الصلة بين مشكلات المياه من كمية وجودة وإمكانية الحصول عليها، وكذلك السدود والمشاريع الكهرومائية وبين عوامل التغيّر المناخي وخطورته على الأجيال الحالية والقادمة؛
  • الاهتمام بالجانب التوعوي/التحسيسي فيما يتعلّق بسلوكيات المواطنين في المحافظة على مورد المياه وعدم إهداره في الأماكن التي تتميز عن غيرها بوفرة مياه وهمية؛
  • اختصام البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية فيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن خصخصة المياه، أو رفع الدعم عنها، لا سيما أن هذا الدعم هو دعم وهمي في ظلّ غياب حياة كريمة من تعليم وصحة وسكن؛
  • إعلان المنتدى التضامن مع الشعب اليمني، والسوري والليبي لما يتعرض له من انتهاكات وتدمير الحروب كساحة لتوازنات القوى وتجريب الأسلحة،

وعلى مستوى المنتدى وإدارته:

  • تفعيل شبكة المنتدى وإحياء التواصل مع الأعضاء في البلدان الغائبة الحاضرة بمشكلاتها وأهمية موضوع المياه فيها، السودان، العراق، سوريا، الجزائر، موريتانيا.
  • وضع تقويم للمشاركات المهمة المتوقعة الدوري منها والجديد على مستوى السنوات الثلاث القادمة، وكيفية دعم أعضاء المنتدى في تحقيق مشاركة فعالة في فعاليات إقليمية ودولية، مثل التغير المناخي، وأنشطة المناصرة الأخرى.
  • تفعيل موقع المنتدى الإلكتروني، وكذلك الترويج لقيم المننتدى وأنشطته على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة،
  • تفعيل آليات الرصد، وإبراز أهم أنشطة الرصد خاصة للانتهاكات المرتبطة بالحق في المياه،
  • تكرار التجارب الناجحة في بعض البلدان مع بلدان أخرى، مثل وضع خريطة للمواقع التي تشهد بناء مصانع بالقرب من مصادر المياه، وأثر ذلك على حصة المواطنين من المياه من ناحية وتلويث المياه من هذه المصانع من ناحية أخرى،
  • تنشيط الدور الإعلامي للمنتدى لتعميم التجارب الناجحة واستقطاب الجهود على كافة المستويات لدرء المخاطر المحيطة بمورد المياه،
  • توسيع عضوية المنتدى لضم منظمات ومجموعات بحثية وحركات اجتماعية، لإثراء تحركات المنتدى في كل قطر.
Share this post

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart