مفهوم العدالة الاجتماعية وتصورات القوى السياسية
أين تقع الجماهير في خريطة القوى السياسية؟ وماذا يمكن أن تقدمه تصورات تلك القوى حول أهم مطالب الثورة المصرية وهي العدالة الاجتماعية؟. للإجابة على هذه الأسئلة عقدت مناظرة بنقابة المحامين, الثلاثاء 13 يونيه, بتنظيم من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي, شارك في المناظرة عن التيار اليساري وائل خليل الاشتراكي الثوري, وعن التيار الليبرالي الدكتور عمرو حمزاوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعن التيار الإسلامي الناشط السياسي مجدي سعد. جريدة“الاشتراكي“تابعت المناظرة انطلاقا من عرض وجهات النظر المختلفة وإليكم التالي.
الفكر الليبرالي: الحرية وتكافؤ الفرص وسيادة القانون في البداية تحدث عمرو حمزاوي عن مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الليبرالي انطلاقا من رؤية حزب مصر الحرية والذي شارك في تأسيسه قائلا: أن الفكر الليبرالي يعتمد بالأساس على الحقوق المتساوية لكل المواطنين بما في ذلك الالتزام التام بالمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر الخاصة بحقوق الإنسان. ففي الشق السياسي ترى الليبرالية ضرورة الحريات الأساسية والانفتاح على ثقافة الحوار, وهو ما سيعكس تداول السلطة والتعددية الحزبية. أما اجتماعيا واقتصاديا, فالرؤية الليبرالية تعتمد على ثلاثة مبادىء رئيسية هم الحرية, تكافؤ الفرص وسيادة القانون في ظل مجتمع ديمقراطي تعددي. وواصل حمزاوي توضيحه لمبادىء الليبرالية اجتماعيا واقتصاديا بأنه في ظل حرية النشاط الاقتصادي ستكون هناك العدالة الاجتماعية على عدة مستويات تنحصر في دور الدولة كمنظم لاقتصاد السوق في إطار الحريات الاقتصادية ومن خلال فرض تشريعات وقوانين تحمي السوق من الاختلالات كالهيمنة والاحتكار, كذلك انضباط الدولة في إدارة المنشآت الحيوية كقناة السويس والبترول. كما أن العدالة الاجتماعية هي ضمانات العدالة التوزيعية بعد فرض الضرائب, كالتصاعدية والعقارية, التي يتم استغلالها طبقا لأدوات عدالة التوزيع للدولة المتمثلة في تقديم شبكات خدمية كالتأمينات والرعاية الصحية والتعليم. أما عن تكافؤ الفرص, فقد وجد حمزاوي أن النظام السابق صنع هوة اقتصادية كبيرة بين أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة وبين كبار المستثمرين, هذه الهوة كانت صلبة بالدرجة التي لم تسمح لصغار المستثمرين من الانطلاق في الأسواق, لذا تجد الليبرالية بأن تكافؤ الفرص هو أحد أهم السبل التي لابد أن تنتهجها الدولة في ضبطها للسوق, أو في دخولها كمشارك مع بقية المستثمرين لتنظيم مبدأ التكافؤ. سيادة القانون هو المبدأ الثالث في الرؤية الاجتماعية والاقتصادية لليبرالية, فضمان النزاهة في كل من الحرية الاقتصادية وتكافؤ الفرص لابد أن يشرع له قوانين سيتم اعتبارها نقطة انطلاق متساوية لكل المشاركين بالسوق دون تقديم تسهيلات لأحد دون الآخر. كما أكد حمزاوي أن العدالة الاجتماعية لها علاقة بالعدالة الاقتصادية, وهذا سيحدث بحرية فتح الأسواق للمستثمرين في وجود الدولة كمشارك منظم للاقتصاد.
التصور الإسلامي: تطبيق الحدود والعدالة الاجتماعية أما مجدي سعد ممثل التيار الإسلامي فقد رأى أن فكر العدالة الاجتماعية عند الإسلاميين, ممثلا في العدل والحق, هو جزء من المصالح المنزلة في الشريعة الإسلامية, وتلك المصالح يتم تحديدها في أطر أنظمة وفقا للظروف على ألا تخرج من الضوابط العامة للشريعة. فالتشريع اللإسلامي طرح فكرة المساواة والسواسية بين البشر, وقد مارس الإسلام بالفعل العدالة بتحريمه للاحتكار, كما أوصى بإعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه وفي المقابل وضع الحدود بقطع يد السارق حتى لو كانت فاطمة بنت محمد. وفي هذا السياق أوضح سعد أن دولة الإسلام تدخل ضمن أهدافها الفئات الضعيفة والنساء وهم مقصد تطبيق العدالة. أما عن كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية فقد تحدث سعد عن فرض الضرائب على الأغنياء وذلك في صورة الزكاة (2.5%) وأحقية الدولة أن تنزع ممتلكات الأشخاص في حالة حيادهم عن الهدف الرئيسي الذي أقرته الشريعة وهو إعمار الأرض. كما تابع سعد أن العدالة الاجتماعية ستتحقق بتدخل الدولة في تبني مشروعات لبرامج مباشرة تخدم الفئات الأكثر تضررا من ناحية, ومن ناحية أخرى تعود الدولة لدورها الاقتصادي في توفير الاحتياجات الأساسية ومكافحة الفساد والقضاء على الرشوة والسرقات. كما على الدولة أن تتدخل في الرعاية الصحية وتعيد هيكلة المخصصات بما في ذلك الدعم وإصلاح هيكل الأجور وربط ذلك بمعدلات الإنتاج والأرباح. كما طالب سعد الدولة ومنظمات المجتمع المدني بإعادة نموذج الوقف كما يحدث في تركيا, والذي عليه يتم توزيع نسبة من ممتلكات الأغنياء على الفقراء.
الموقف اليساري: إعادة توزيع الثروات أولا وفي كلمته, وجد وائل خليل ممثل التيار اليساري أن ما نشهده اليوم في مصر من ثورة تفتح الباب على مصراعيه لضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والتي وفقا للمؤشرات وجد أن 65% من الثوار المصريين خرجوا من أجل المطالب الاقتصادية. إلا أن العدالة الاجتماعية كما رأى وائل لن تنحصر فقط في تعديل الأطر العامة للنظام البائد, ولكن بإعادة توزيع الثروات بالأساس من خلال إعادة تنظيم السياسات ككل. فالنظام الرأسمالي المتبع من مبارك حصد 40% من الشعب المصري تحت خط الفقر في حين أوجد طبقة رقيقة من فاحشي الثراء المتحكمين بثروات البلاد. وعن كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية أكد وائل أن وضع حد أدنى وحد أقصى للأجور وتطبيق الضرائب التصاعدية ليس فقط هو الهدف, ولكن التفكير في كيفية توزيع عائداتها هو الأهم, فالعائدات والاستثمار لابد أن يداروا من أجل مصالح الأغلبية الساحقة, لعل ذلك يستوجب ضرورة رفع الدعم عن مصانع أحمد عز محتكر الحديد بل وتأميم الشركات التي بيعت للقطاع الخاص وتدهور معها الاقتصاد وتشريد آلاف العمال. كما أن أولويات التنمية والاستثمار لابد أن تتم في إدارة وتدخل المجتمع, كالمجالس العمالية, التي تضمن حق المجتمع في تحديد أولويات الإنتاج بعيدا عن المستثمرين الذين يلهثون وراء السلع الربحية دون الاهتمام بالاحتياجات الأولية للمجتمع, وأيضا بعيدا عن تعويم الأسواق التي تعكس مؤشرات تنمية مرتفعة ليس لها علاقة بالمستوى الاقتصادي المتدهور لدى الأفراد.
العدالة الاجتماعية والملكية الاجتماعية ومن جانب الحضور طرحت مداخلة كمال خليل الاشتراكي الثوري والناشط بحزب العمال الديمقراطي, بأن العدالة الاجتماعية لن تحدث وفقا لتوافق القوى السياسية ولكنها ستحدث بثورة اجتماعية حقيقية تؤدي للملكية الاجتماعية لأدوات الإنتاج بشكل ديمقراطي تحققه مجالس عمالية منتخبة قادرة على تحويل كل النظريات إلى واقع ملموس مثل تحديد حد أقصى للملكية ووضع إجراءات جديدة لفلاحي اللإقطاع وتحديد حد أقصى للضريبة على الفلاح كذلك وضع حد أدنى وحد أقصى للأجور. كما لايصح الحديث عن عدالة اجتماعية في ظل وجود 30% من العمالة مؤقتين و11 مليون عاطل وتدنى الأجور, وفي ظل 2 مليون يسكنون المقابر و3 مليون يسكنون الصفيح. وتسائل كمال هل لازلنا نثق بتطبيق العدالة تحت ظل سياسات الخصخصة والليبرالية الجديدة؟ كما طرح وائل جمال, الاشتراكي الثوري والصحفي الاقتصادي, في مداخلته أن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظروفنا الراهنة سيؤدي حتما لدخول معركة مصالح في مجتمع أوجدته الرأسمالية في شكل طبقي صارخ, فهناك من سيقفون بالعرض ضد تحقيق العدالة بل سيؤجرون البلطجية ويوقفون بإرادتهم عجلة الإنتاج حتى لا ينتقص من وضعهم شيئا. فماذا ستفعل التيارات الإسلامية والليبرالية في مواجهة هؤلاء؟. القدرة الحقيقية على مواجهة بلطجة رجال الأعمال هو اللجوء للقواعد الجماهيرية القوية التي صنعت الثورة والقادرة على استكمالها لحين تحقيق العدالة الاجتماعية. وهنا يؤكد الاشتراكيون الثوريون أن المعركة القادمة التي تطرحها مصر ما بعد الثورة لن تتوقف عند حدود الإصلاحات السياسية أو تعديل بعض المواد الدستورية, كما لن يتم تحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الصحيح من خلال تعويم حدة الصراع الطبقي تحت مسميات براقة من المساواة وسيادة القانون, فالقوانين المطاطية التي صنعت أحمد عز وأمثاله قادرة على صناعة الكثير منهم, أما الثورة التي رفعت شعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية مازالت في طريقها النضالي في بناء نقابات مستقلة تنتزع حقوقها من رجال أعمال يتغذى وجودهم بالأساس على التقسيم الطبقي للمجتمع. الاشتراكيون الثوريون يؤكدون أن تحقيق العدالة الاجتماعية لن يحدث إلا بالقضاء الجذري على كل مسببات أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكافة أشكال القهر والاستغلال المسئول عنهم النظام الرأسمالي وسياسياته الاقتصادية, حتى تكون السلطة للشعب, عندها فقط ستتحقق المساواة