العدالة الاجتماعية

العدالة الاجتماعية

العدالة الاجتماعية ، هي نظام اقتصادي ، اجتماعی يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع.

تسمى أحيانا العدالة المدنية، و تصف فكرة المجتمع الذي تسود في العدالة في كافة مناحيه، بدلا من انحصارها في عدالة القانون فقط. بشكل عام، تفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة و حصة تشاركية من خيرات المجتمع.

العدالة الاجتماعية تشكل مادة خصبة للنقاش في السياسة، و الدين، و محددات المجتمع المتحضر. من وجهة نظر اليسار ، تتمثل العدالة الاجتماعية في النفعية الاقتصادية، و إعادة توزيع الدخل القومي ، و تكافؤ الفرص ، و غيرها من أمارات المجتمع المدني.

مفهوم العدالة الاجتماعية

تعاني المجتمعات العربية على ما بينها من تفاوت اقتصادي وتنموي من الإخفاق في تحقيق التنمية القائمة على العدالة الاجتماعية، بسبب انخراط العديد من الدول في تطبيق سياسات تكرس الفقر والتهميش والإقصاء وعدم المساواة. إذ يكاد لا يخلو بلد عربي من صور الإجحاف والتمييز وصور الإقصاء والتهميش، وتحقيق العدالة الاجتماعية هدف دونه الكثير من التحديات يرتبط بعضها بالبعد الدولي أو بتراكمات تاريخية وتعقيدات سياسية وجغرافية وتنموية، لكن ذلك لا يعفي الدول والحكومات العربية من واجباتها والتزاماتها السياسية والاجتماعية والقانونية والأخلاقية، حتى أصبحت شرعية أي نظم حكم ترتكز على أساس قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية لمواطنيها.

وهو ما يبرز الحاجة لانتهاج مقاربات التنمية القائمة على نهج حقوق الإنسان على نحو يلبي التمتع الفعلي بمختلف فئات حقوق الإنسان، ويأخذ في الإعتبار قدرات الدول والحاجة للتدرج التراكمي في تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (العيش الكريم – الغذاء – المسكن – الصحة – التعليم – العمل). والعدالة الاجتماعية يمكن تحقيقها ووضع معايير وأهداف ومؤشرات لقياس مدى الوفاء بها إذا وجدت الإرادة السياسية.

مرتكزات العدالة الاجتماعية

ويخضع تحديد ما تعنيه العدالة الاجتماعية وأفضل السبل لتحقيقها في كثير من الأحيان لجدل كبير، كما يخضع حدود مفهوم العدالة الاجتماعية لتغيير مستمر لأن الفكرة هي في حد ذاتها ثمرة لنظام قيمي وثقافي متغير.

لكن رغم التنوع الكبير في مفهوم العدالة الاجتماعية، والتعريفات التي لا تحصى للعدالة الاجتماعية، يجمع عدد كبير من البحوث الأكاديمية، والمؤلفات العلمية على عدد من العناصر الواجب توافرها لتحقيق العدالة الاجتماعية أبرزها :

* المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص.

* التوزيع العادل للموارد والأعباء.

* الضمان الاجتماعي.

* توفير السلع العامة.

* العدالة بين الأجيال.

1-  المساواة وتكافؤ الفرص:

يعد مبدأ المساواة وعدم التمييز هو حجر الزاوية في العدالة الاجتماعية، بل كثيرا ما ينظر إلى العدالة الاجتماعية كمرادف للمساواة، ولكن يجب الانتباه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة الكاملة أو المطلقة، بمعنى التساوي الحسابي في أنصبة أفراد المجتمع من الدخل أو الثروة، فمن الوارد أن تكون هناك فروق في هذه الأنصبة تتواكب مع الفروق الفردية بين الناس في أمور كثيرة كالفروق في الجهد المبذول في الأعمال المختلفة، أو فيما تتطلبه من مهارات أو تأهيل علمي أو خبرة، أو طبيعة الإحتجاجات.

والأمر المهم هو أن تكون هذه الفروق بين الناس في الدخل والثروة أو في غيرها مقبولة اجتماعياً، بمعنى أنها تتحدد وفق معايير بعيدة عن الاستغلال والظلم ومتوافق عليها اجتماعياً، وحسب أحد المفكرين البارزين فإن اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تنظم على نحو يجعلها تقدم للأفراد الأقل حظاً في المجتمع أكبر نفع ممكن من جهة، ويجعلها تتيح في الوقت نفسه إمكانية الالتحاق بالوظائف والمواقع المختلفة أمام جميع الأفراد في إطار من المساواة المنصفة في الفرص من جهة أخرى. وعموماً فإن العدالة الاجتماعية تعني فى الأساس المساواة فى الحقوق والواجبات، والمساواة أو التكافؤ في الفرص.

ويشير مبدأ المساواة في الحقوق إلى أن فكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان، فالعدالة الاجتماعية استحقاق أساس للإنسان نابع من جدارته كإنسان بالتمتع بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية، والمدنية والسياسية من ناحية أخرى على نحو ما هو مقرر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيره من العهود والاتفاقيات الدولية المعنية.

وتقترن المساواة في الفرص بثلاثة شروط عدم التمييز بين المواطنين وإزالة كل ما يؤدى إليه من عوامل، وغياب ما يترتب على التمييز من نتائج سلبية كالتهميش والإقصاء الاجتماعي والحرمان من بعض الحقوق. توفير الفرص حيث لا معنى للحديث مثلا عن التكافؤ في فرص العمل إذا كانت البطالة شائعة. وهو ما يرتب التزاماً على الدولة بوضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوافر فرص العمل، تمكين الأفراد من الاستفادة من هذه الفرص ومن التنافس على قدم المساواة.

فاغتنام الفرص قد يرتبط بتوافر قدرات معينة مثل مستوى تعليمي معين، أو امتلاك أرض أو رأسمال، والمنافسة على الفرص سوف تفتقر إلى التكافؤ عندما تتسع الفروق في القدرات بين المتنافسين. وهنا تظهر الحاجة إلى دور الدولة في إتاحة التعليم والتدريب، وإعادة التدريب، والرعاية الصحية وغيرها من عوامل بناء القدرات وتنميتها.

لكن حتى لو توافرت الشروط الثلاثة السابقة فإن ذلك قد لا يحقق العدالة، إذ ينتج الاختلاف في قدرات الأفراد، ونصيب أسرهم من الفقر أو الغنى، ومن تدني المكانة الاجتماعية أو علوها، فروقا واسعة في العوائد تتجاوز ما يمكن اعتباره فروقاُ مقبولة اجتماعياً. ومن هنا تظهر ضرورة تدخل الدولة بسياسات إعادة التوزيع لتقريب الفروق في الدخل والثروة بين الطبقات حتى لا تؤدي هذه الفروق للإطاحة بمبدأ تكافؤ الفرص ذاته. ذلك أن التكافؤ في الفرص وان كان شرطاً ضرورياً للعدالة الاجتماعية، فإنه غير كافٍ لتحقيقها، ويلزم أن يضاف إليه شرط السعي المستمر لتضييق الفوارق في توزيع الدخول والثروات ومن ثم الفوارق في النفوذ السياسي.

–  التوزيع العادل للموارد والأعباء (العدالة التوزيعية)

كذلك تعني العدالة الاجتماعية التوزيع العادل للموارد والأعباء من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية. ويتحقق ذلك من خلال عدد من المحاور التي يتم من خلالها توزيع الدخل، وإعادة توزيعه داخل المجتمع.

والمحور الأول لتحقيق هذا الهدف هو إصلاح هيكل الأجور والدخول: الذي يتم من خلاله تحديد المستوى المعيشي للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى توزيع القيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية بين أرباب العمل والعاملين لديهم.  وتشكل سياسات الأجور حجر الزاوية في تطبيق العدالة الاجتماعية، يتضمن إعادة النظر في هيكل الأجور ثلاثة جوانب يقضى الأول وضع حد أقصى وأدنى للأجور، ويستلزم الجانب الثاني اعتماد مفهوم الدخل بدلاً من من الأجر أو الراتب، ويتطلب الجانب الثالث تحقيق “العدالة الأفقية” و”العدالة الرأسية” للدخول داخل القطاع الواحد.

ويختص المحور الثاني بنظام الضرائب الذي يعيد توزيع الدخول من خلال طريقة توزيع الأعباء الضريبية. وكلما تعددت الشرائح الضريبية واتخذت منحنى تصاعدي يتناسب مع المقدرة التكليفية للممولين، فإن النظام الضريبي يتمتع بدرجة أعلى من الكفاءة في تحسين الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتستند فلسفة النظام الضريبي متعدد الشرائح والتصاعدي إلى أن الأعلى دخلاً، يكون أكثر استفادة من الإنفاق العام على البنية الأساسية وعلى الخدمات العامة الأساسية بما يستوجب عليه أن يسهم بمعدلات أعلى في الحصيلة الضريبية التي يتم من خلالها ذلك الإنفاق العام.

ويختص المحور الثالث بالدعم السلعي والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وهو إنفاق عام موجه إلى الفقراء ومحدودي الدخل وشرائح رئيسية من الطبقة الوسطى لإتاحة الرعاية الصحية والتعليمية لهم، وتوفير مصدر دخل للفئات الأشد فقراً والعاطلين عن العمل. باعتبار أن ذلك حقهم وجزء من حصتهم من إيرادات الموارد الطبيعية في بلدهم، وكواجب ومسؤولية اجتماعية على الدولة إزاء مواطنيها وحقهم في الحياة والطعام والشراب  والمسكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية.

ويتعلق المحور الرابع بتمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة من خلال توفير فرص العمل لهم، مما يتيح لهم الحصول على حصة من الدخل القومي بصورة كريمة من عملهم  وكدهم، سواء تم ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية، وليس بطالة مقنعة لدى الدولة وقطاعها العام وجهازها الحكومي وهيئاتها الاقتصادية، أو من خلال قيام الحكومة بتهيئة البنية الاقتصادية، وتسهيل تأسيس الأعمال بكل أحجامها بما يخلق فرص العمل في القطاع الخاص.

3-  الحق في الضمان الاجتماعي (الحماية الاجتماعية):

يعد الضمان الاجتماعي أحد الأركان الرئيسية للعدالة الاجتماعية، ويحظى بمكانة في ضمان الكرامة الإنسانية لجميع الأشخاص، كما يحظى بتأكيد في وثائق القانون الدولي لحقوق الإنسان وبرامج منظمة العمل الدولية، كما ، ويلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الدول الأطراف فيه “بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية”. ويشمل الضمان الاجتماعي، الحق في الحصول على استحقاقات، نقدا أو عينا، والحفاظ عليها دون تمييز لضمان الحماية من أمور تشمل ما يلي :

(أ) غياب الدخل المرتبط بالعمل بسبب المرض، أو العجز، أو الأمومة، أو إصابات تحدث في إطار العمل أو البطالة أو الشيخوخة، أو وفاة أحد أفراد الأسرة.

(ب) ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية.

(ج) عدم كفاية الدعم الأسري خاصة للأطفال أو البالغين المعالين.

وتذهب لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن التدابير التي يتعين استخدامها لتوفير استحقاقات الضمان الاجتماعي لا يمكن تعريفها في نطاق ضيق، ويجب أن تكفى في جميع الأحوال حداً أدنى من التمتع بهذا الحق من حقوق الإنسان لجميع الأشخاص. ويمكن أن تشمل هذه التدابير النظم القائمة على الاشتراكات أو على التأمين الاجتماعي التي توفر استحقاقات لكل شخص يواجه خطراً معيناً، أو حالة طارئة معينة، أو نظم الإعانة الاجتماعية الهادفة، وتدفع فيها الاستحقاقات لذوي الحاجة. ويتعين على الدولة وضع أنظمة غير قائمة على الاشتراكات لأنه من المستبعد أن يتمكن الجميع من دفع تكاليف نظم التأمينات.

النظريات التي وضعت في العدالة الإجتماعية :

الليبرالي جون رولس اعتمد على نتائج الفيلسوفان (جيرمي بينتام و جون ستيوارت ميل) ، والأفكار عند (جون لوك و كنت) عن طريق أدبيات الفكر الإنساني والفلسفة “العقد الإجتماعي” ، للتعبير عن نظريته والتي أطلق عليها (نظرية في العدالة) والتي تم نشرها في النصف الثاني من القرن الماضي ، حيث تعتبر نظريته العدالة الإجتماعيّة (فكرة فلسفيّة ، لا سياسيّة) ، وتعد أحد الأركان الأربعة لـ(حزب الخضر) . ومن أهم دعائم العدالة الإجتماعية (المساواة ، وحقوق الإنسان) . والحريّات الأساسيّة عند جون رولس هي حرية التجمع ، والعمل المشترك ، والصحافة والتعبير ، والحرية الفكرية ، والإختيار الوظيفي ، والتنقل . ظهر عدد من الحركات التي تعمل على نشر وتطبيق العدالة ، وتسعى للوصول جاهدةً إلى عالمٍ يحتوي على جميع أطياف المجتمع ، بغض الطرف عن خلفياتهم الإجتماعية ، أساسه المساواة وحقوق الإنسان ، ومن الأمثلة عليه (حركة العدل الدوليّة) . ويطلق على العدالة الإجتماعية عند “حزب الخضر” :- العدالة الإقتصادية و المساواة العالميّة والإجتماعيّة ، أما حزب الخضر الكندي فيعرف العدالة الإجتماعية على أنها (توزيع الموارد بشكل متساوٍ لضمان حصول الجميع على فرصٍ متكافئة ، لضمان التطور الإجتماعي والشخصي) . على هذا الأساس تعرف العدالة الإجتماعية على أنها المبدأ الأساسي من مباديء التعايش السلمي في الدولة ، وتتم عن طريق تحقيق المساواة للجنسين أو تحصيل حقوق الشعب أو المهجرين . وإزالة الحواجز التي تقف في وجه الشعوب لأسباب مختلفة (كنوع الجنس أو السن أو الإنتماء أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العجز) عند تحقيق كل ما ذكر ، تكون الدولة قد جعلت من مجتمعها مدنياً تسوده العدالة بين أفراد الشعب على اختلافاتهم . وعلينا أن ندرك في أيامنا هذه بأنّ الفجوة بين فقراء العالم وأثريائها تزداد اتساعاً ، الأمر الذي أدى إلى تساع الهوة والخلافات بين البلدان والمجتمعات حول العالم ، وبين أفراد وطبقات المجتمع في البلد الواحد ، الأمر الذي يجعلنا نفكر ملياً بالأسباب في هذا الإتّساع ، والعمر على طمر تلك الهوّة بإيجاد الطرق والحلول لتحقيق العدالة دمن نطاق الدولة التي ننتمي لها .

Share this post

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart