عرض كتاب: مستقبل المشاعات بين فشل سياسات السوق وتدخل الحكومة

عرض كتاب: مستقبل المشاعات بين فشل سياسات السوق وتدخل الحكومة

عرض كتاب: مستقبل المشاعات بين فشل سياسات السوق وتدخل الحكومة
The future of the commons: Beyond Market failure and government regulation
النص الأصلي:
Elinor Ostrom (and others), Philip Booth (edt,), “The future of the commons: Beyond Market failure and government regulation”, published by The Institute of Economic Affairs in association with Profile Books Ltd, London, 2012.

 مقدمة عامة عن الكتاب:

في عام 2012 صدر كتاب عن معهد الشئون الاقتصادية في لندن، وكان هذا الكتاب نتاج لمجموعة من المحاضرات والفاعليات التي حضرتها الينور أوستروم ومجموعة من الأكاديميين والطلاب، وتم تحرير الكتاب بمشاركة أربعة كُتاب وهم كالتالي:

  • الينور أوستروم وهي أستاذة علوم سياسية في جامعة أنديانا، وأول سيدة تحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2009 عن إسهاماتها في تخصص إدارة موارد الملكية العامة عن طريق اتباع نهج الاختيار الرشيد في نظرية الاقتصاد السياسي، كما أن لها عدد من الدراسات المنشورة في مجال الاقتصاد، وتوفيت عام 2012 بعد مسيرة من النجاحات الأكاديمية.
  • كرستينا تشانج وهي محلل اقتصادي رئيسي في المؤسسة الكاثوليكية الدولية للتنمية، كما شغلت منصب مدير السياسات في غرفة التجارة الدولية بباريس.
  • مارك بينجتون وهو أستاذ سياسة عامة واقتصاد سياسي في كلية الملك بجامعة لندن، ومن أحدث كتبه: “اقتصاد سياسي سليم: الليبيرالية الكلاسيكية ومستقبل السياسة العامة”.
  • فلاد تاركو وهو طالب دكتوراه في جامعة جورج ماسون وباحث زميل في مركز ميراكتوس.

يضم الكتاب أربعة فصول، ويدور بأكمله حول مناقشة أفكار الينور أوستروم الخاصة بسياسات السوق ودور الحكومة بها، لذا يعد الكتاب ذا محتوى هام لدارسي الاقتصاد السياسي وصانعي القرار خاصة من يناضلون لمجابهة مشاكل الموارد الطبيعية، ويتم عرض الأفكار الرئيسية التي جاءت بالكتاب كالتالي.

معوقات إدارة المشاعات البيئية:

لا يمكن النظر للفاعلين كراشدين عند اتخاذ القرارات حيث أنهم يعانون من نقص المعلومات ومن قيود معرفية مختلفة، وتناولت دراسات أوستروم فكرة أن الأفراد في طبيعتهم فاعلين متأنيين يستجيبوا للدوافع التي تشكلها المؤسسات والتي عنيت بها الرسمية المرتبطة بالفرد والنظام الشرعي الذي يقر حقوق الملكية، وأيضا المؤسسات غير الرسمية وأسمتها الناعمة وأشارت لها بأنها العادات الثقافية تجاه حفظ الوعود والتفضيلات على المدى الطويل أو القصير. وفي حين أن المحللين الاقتصاديين يرجحون أن نظام المشاعات “The commons” لا يخلق الحافز لدى الأفراد للحفاظ على ممتلكاتهم حيث تترسخ لديهم فكرة أنهم حينما سيحافظون على تلك النسبة البسيطة الخاصة بهم من الموارد فسيذهب الكثير للآخرين، وفي ظل غياب الأجهزة الرقابية سيحاول الناس الحصول على أقصى قدر ممكن من الموارد خوفا من نفادها، فجاءت أطروحات أوستروم لتقر بأن الهياكل التحفيزية أكثر تعقيدا وتنوعا مما تفترض المدرسة المحافظة، ففي حالة موارد المشاعات الأمر لا يتوقف عن الاستغلال الزائد للموارد، حيث توجد أمثلة كثيرة لمجتمعات استطاعت تطوير طرق رقابية وقواعد فعالة تجنبت تراجيدية المشاعات بدون الحاجة للجوء للتنظيمات الخارجية، مثل إدارة المراعي العامة في الألب السويسرية وإدارة المزارع السمكية عن طريق التعاونيات في شرق الولايات المتحدة.[1]

الأسلوب الأمثل لإدارة المشاعات وفقا لأوستروم:

في بعض المجتمعات كما في أفريقيا يصعب فرض تنظيمات أو قواعد تحدد نظام الملكية سواء خاصة أو حكومية حيث أن العادات تقر بحماية الأفراد لأرضهم، لذلك عندما حاولت النخبة السيطرة على تلك الممتلكات لصالحها ولصالح حلفائها انتشر الفساد، وبناء على ذلك تقر أوستروم بأنه في تلك الحالة يكون أسلوب الملكية الخاصة هو أنسب نموذج مؤسسي لإدارة الموارد ويسمح بمزيد من الابتكارات، وفي حالات أخرى يكون الأنسب هو تنظيمات الحكومة.

واهتمت أوستروم بوضع إطار عمل يرشد صانعي القرار عن أنسب أسلوب إداري يجب اتباعه؛ فالعامل الرئيسي المؤثر على شكل الإدارة هو طبيعة وحدود الموارد، فالميكانيكيات الاستبعادية هي أساس التغلب على مشكلة “Free-rider” الراكب بالمجان،[2] ففكرة وجود حدود للموارد تزيد من قدرة من يستخدمون الموارد حيث تحد من دخول من يعيشون خارج تلك الحدود؛ كالمراعي وحدودها الطبيعية، على عكس المزارع السمكية؛ فالتي تكون على الشواطئ الداخلية يسهل التحكم بها عن التي توجد على الشواطئ الخارجية. كذلك فكرة وجود قوانين داخلية تنظم استخدام الموارد المتاحة أمر هام مثل نظام الري في إسبانيا الذي ينظم توقيت وكيفية استخدام المياه، وهناك مسألة اختلاف طبيعة الموارد من مكان لآخر؛ فالنظام الذي يمكن تطبيقه في مكان ما قد لا يصلح لمكان آخر، والاعتبارات الثقافية داخل المجتمعات تؤثر أيضا على نظام الإدارة المتبع.

وبالنسبة لأوستروم فوجود نظام رقابي وتطبيقي أمر هام لنجاح أي أسلوب إداري يتبع، فعدم وجود روادع وضوابط يساهم في تحفيظ المواطنين على كسر القوانين ومخالفتها. علاوة على ما سبق ذكره فوجود قوانين خاصة بحل النزاعات تديم من عمر الأنظمة المتبعة، فالمجتمعات ذات النظام القضائي المتين تميل لبناء نماذج أكثر استدامة لإدارة موارد المشاعات، وعند غياب تلك الأنظمة تزداد حدة ومدى الصراعات والمشكلات، كذلك عند صياغة القوانين المنظمة لإدارة الموارد العامة يجب مراعاة الظروف المجتمعية والتوازن بين المصالح المحلية والدولية، وعدم ترك الأمر في يد الحكومة فقط التي قد يستغل أفرادها مواقعهم لخدمة المصالح الخارجية.[3]

أحد النماذج الناجحة لإدارة المشاعات البيئية:

وواحد من أنجح النماذج التي أشارت لها أوستروم لإدارة المشاعات هو النظام المختلط الذي يجمع بين الملكية الخاصة بالأفراد والملكية العامة، مثلما في الألب السويسرية فالفلاحين يمتلكون قطع من الأرض لزراعتها في الشتاء ولكن ما ينظم أساليب الري والطرق وينسق بين الأفراد هي رابطة على مستوى القرية كلها، وأشارت أوستروم في أكثر من مناسبة إلى صعوبة وعدم جدوى استخدام القوانين المركزية ونجاح الإدارات الفردية أو المحلية بدرجة أكبر وذلك لإدراك الأفراد المقيمين في تلك المناطق ببواطن الأمور بها (فأهل مكة أدرى بشعابها)، وهم من لديهم القدرة على صياغة القوانين بصورة تمكنهم من حماية الموارد من نموذج الراكب الحر free-rider، ولذا فنظام تكوين المؤسسات من أسفل لأعلى غالبا ما ينجح خاصة حينما يتم التنسيق بين المستوى الحكومي والمجتمعي، كذا فصياغة القوانين المثلى لإدارة الموارد تتطلب التكرار والتعلم من الأخطاء، فالأمر لا ينجح من أول مرة. وتشدد أوستروم على أهمية دور الدولة الذي يتمثل في إتاحة المعلومات اللازمة وعرض أحدث الأساليب المستخدمة حتى تسهل على المواطنين صياغة القوانين وتكوين المحفزات الخاصة بهم.[4]

إطار عمل أوستروم للتحليل المؤسسي والتنمية:

طورت أستروم إطار عمل للتحليل المؤسسي والتنمية، ولم يتم ذلك بطريقة تبدأ من الصفر ولكنه تم بدمج نظرية الاختيار العام مع السياق المؤسسي الجديد، ويركز هذا الإطار على المؤسسات والقوانين الرسمية وغير الرسمية التي تتحكم في اتجاهات الأفراد، فالسياقات الثقافية والانتماءات المختلفة للأفراد تفرض نفسها لدرجة تحير علماء الاجتماع، ووجود الفرد في أكثر من مؤسسة وأكثر من وظيفة يؤثر على دوافعه وطريقة تفكيره.

ووفقا لأوستروم توجد أربع مستويات عمل يمكن تقسيمها كالتالي:

  • المستوى التشغيلي: وهو عبارة عن حزمة القوانين الخاصة بالأنشطة اليومية والتي تختص بدرجة مباشرة باستخدام المصادر المتنوعة.
  • مستوى الاختيار الجمعي: وهي حزمة القوانين التي تحدد كيفية تغيير القواعد التشغيلية.
  • المستوى الدستوري: هي الحزمة من القوانين التي توضح كيفية تغيير قوانين الاختيار الجمعي، كما أنها تشمل من يشغل الوظائف الرئيسية في مستوى الاختيار الجمعي.
  • المستوى فوق الدستوري: يتشكل عن طريق الحدس الأخلاقي، والعادات الاجتماعية والتقاليد والتي توضح أي نوع من القوانين في المستويات الدنيا يتم قبوله.

والتحليل الاقتصادي الأساسي سواء الكلي أو الجزئي يحدث عند المستوى التشغيلي نتيجة لمجموعة معينة من القوانين الممنوحة، في حين أن نظرية الاختيار العام والعلوم السياسية تعتمد على التفاعل بين مستوى الخيار الجمعي والمستوى التشغيلي، بينما الاختيار العام الدستوري يحلل مدى قدرة الدساتير على عرقلة مستوى الخيار الجمعي ووضع التحديات أمام دور القانون، بينما اقتصاديات وسيسيولوجيا الثقافة تتأثر بالمستويات فوق الدستورية التي تضع التحديات أمام تبني مؤسسات أفضل، وأحيانا أخرى تعرقل الخطوات اللازمة لتحقيق أمر ما، ويتمثل إسهام أوستروم هنا في إضافة الجانب التجريبي على تلك النقاط عن طريق إطار عمل التحليل المؤسسي والتنمية، ولقد أكدت أوستروم على ضرورة دراسة عدة حالات حتى يمكن إخراج نتائج حقيقية فلا يمكن بناء نموذج معين داخل دولة معينة بناء على نجاح ذلك النموذج في دولة أخرى.[5]

نظرية الإنتاج المشترك:

غالبا ما يقسم الاقتصاديون البضائع إلى نوعين وهما: بضائع يستغلها الراكب الحر الذي لا يدفع مال نظير استغلالها، ولا يميل المنتجون لإنتاجها لغياب العائد من ورائها، وتظهر بوضوح في حالة الموارد الطبيعية التي يستغلها الناس بدرجة كبيرة لإيمانهم الشديد بعدم رشادة الآخرين في استخدامها، والحل الكلاسيكي للتغلب على تلك النقطة يقتضي بفرض الضرائب عليها أو خصخصتها، والنوع الآخر هو البضائع التنافسية، وتأتي إسهامات لأوستروم في نظرية “الإنتاج المشترك” وتؤكد على أهمية التعدد المركزي الذي يساهم في جمع المعلومات الدقيقة عن كافة المواضيع وفي حل المشاكل بفعالية أكبر، وتم ضرب مثال على ذلك بمزارع المحار في حقبة العشرينات داخل بريطانيا حينما تدخلت الحكومة لتنظيم الأمر، فهي لم تنفذ قوانين من أعلى لأسفل، ولكنها تعاونت مع الجهود المحلية الغير رسمية لتنظيم الأمر ونجحت في ذلك. وهناك عوامل أخرى أيضا، فمثلا الدراسة الثقافية للمكان تمكن صانع القرار من تحديد عدد الركاب الأحرار، وكذلك الإدارة الذاتية تمكن من تحقيق الرشادة في الاستخدام، وبإتباع إطار عمل نظرية المستهلك التي تتطلب التفاعل بين المستهلك والمنتج أخرجت أوستروم وفريق عملها نظرية “الإنتاج المشترك”، فعن طريق العلاقة التفاعلية بين المنتج والمستهلك يتم إخراج المنتجات المختلفة وتتحدد أسعارها وكمياتها، على سبيل المثال تطوير التعليم إذا لم يخدم حاجة الطلاب فلا جدوى منه ولن يحالفه النجاح.[6]

مقارنة بين دراسات أوستروم لإدارة المشاعات البيئية والدراسات الأخرى:

هناك خلل يظهر بوضوح في الدراسات التي ركزت على أنواع بعينها من الموارد كالمزارع السمكية ونظم الري والغابات بدون عقد مقارنات مع الدراسات الأخرى التي تناولت الموضوع من محاور أخرى، فالتخصيص المفرط الذي يقع به بعض الباحثين، ورفضهم الاستفادة من الدروس والتجارب الماضية لحالات أخرى مثلت خطيئة من وجهة نظر إلينور. وحاولت دراسات أوستروم تجنب هذا الخلل؛ حيث تناولت إدارة موارد المشاعات على مستويات صغيرة ومتوسطة وكبيرة وعالمية ومحلية، فسعى الناس لمعرفة الطريقة التي من الممكن بها إدارة الموارد العامة بالتعاون بين الحكومة والمجتمعات بدون فهم الطبيعة الاجتماعية والجوانب التقنية لا ينتج نموذج إداري ناجح للمشاعات.

فتشير أوستروم إلى أن المشكلة الرئيسية التي ترتكبها الحكومات هي النظر إلى الجوانب الكلية للأمور وغض الطرف عن التفاصيل الدقيقة التي تختبأ بها الاختلافات الجوهرية التي قد تعيق أسلوب الإدارة، فلا يوجد ما يسمى بأفضل نظام سوق، ولا أفضل أسلوب إدارة، ولكن الدراسات الإمبريقية لعدة نماذج تكشف بوضوح عن تنوع أساليب إدارة المنشآت البيئية والمزارع السمكية وأساليب الري، ولذلك لابد من العمل على تطوير أطر عمل متعددة الأنظمة لتحليل “الأنظمة السوسيو-بيئية”، وتباعا لذلك عملت على ما أسمته “المستوى البؤري” الذي يؤثر ويتأثر بالأنظمة البيئية والسياسية والاقتصادية المختلفة.[7]

 وحدات النظام وفقا لأوستروم:

شرحت أوستروم نظام الموارد الكلي الذي يشكل الحالات والأفعال الضرورية، ولكن أشارت لمستوى أدق وهو وحدات الموارد؛ فمثلا عند الحديث عن الغابات فالأشجار هي الوحدات المكونة لها، وعند الحديث عن المزارع السمكية فالأسماك هي وحدة النظام وهما مختلفان في كلتا الحالتين ولكنهما يمثلان الحصاد في كليهما، ولفتت الانتباه أيضا لتنوع الفاعلين المساهمين في نظام الحوكمة وفي وضع القوانين وفي الحفاظ على استدامة النظم، لذا بدراسة كل تلك المتغيرات والعوامل من الممكن فهم أنسب أسلوب إدارة.

وشرحت أوستروم عدد من المتغيرات التي تؤثر على النظام المتبع وقسمتها كالتالي:

  1. أنظمة الموارد: وهي خاصة بكل مواصفات المورد مثل المكان والحرارة وخصائص الملكية وهكذا دواليك.
  2. أنظمة الحوكمة: وهي تشمل تحليل المؤسسات الحاكمة سواء رسمية أو غير رسمية وقوانين الإدارة والملكية والرقابة.
  3. وحدات الموارد: يندرج تحتها القيمة الاقتصادية للوحدات وعددها، ومميزاتها ومستوى نموها وتوزيعها.
  4. الفاعلين: وتشمل الفاعلين البشريين وصولا للوسائل التكنولوجية المستخدمة.
  5. التفاعلات: تشمل كافة أشكال التفاعلات سواء إيجابية أو سلبية.
  6. النواتج.

وبناء على كل تلك المتغيرات فالعلم في حاجة لمزيد من دراسات الحالات المختلفة حتى يمكن الاستفادة من اختلاف التجارب وتنوعها والخروج بنموذج ناجح لإدارة الموارد البيئية، وختاما فقد أجملت أوستروم النتائج التي توصلت لها في أن نجاح واستدامة الأنظمة لا يرتبط بنموذج معين للإدارة واجب تبنيه، ولكنه بدرجة مغايرة يرتبط بتناغم العناصر المختلفة داخل المجتمعات وإدراكها لواقع الأمر واحترامها لبعضها البعض ومن ثم الخروج بأفضل طريقة يمكن إتباعها في إدارة المشاعات أو الأنظمة البيئية.[8]

دولة بوليفيا كنموذج دراسي:

اتخذت الكاتبة كرستينا تشانج دولة بوليفيا كنموذج لتطبيق أفكار أوستروم، فوضحت الكاتبة إلى أن أفكار أوستروم تعتبر غير مألوفة لفلاحي الأنديز ومع هذا فالأنظمة التي يتبعوها تعتبر خير تطبيق لأفكار أوستروم، كما أن أفكارها ملهمة للمنظمات الغير حكومية والحكومية والدولية لصياغة أفضل وأنسب طريقة إدارة، وبالتطبيق على نموذج فلاحي الأنديز نجد أن النظام الذي حافظ عليه الفلاحون وعن طريقه حققوا أمنهم الغذائي معرض للانهيار نتيجة لتدخل بعض المنظمات الغير حكومية التي تريد أن تفرض رؤيتها على المكان وتطبق أفكارها، ولتوضيح الصورة بدرجة أكبر؛ الأراضي في تلك المناطق تدار بأسلوب المشاع، ويتم تقسيمها لقطع أراضي ذات مسميات مختلفة ويحدد مجلس البلدة نوعية المحاصيل التي يرجح زراعتها في تلك المناطق وطريقة الري المتبعة، وكل ذلك يتم تحديده بناء على الاحتياجات والظروف وإحاطتهم بنوعيات التربة المتوفرة لديهم، علاوة على ذلك فهم قادرون عن سد عجزهم عن طريق الروابط الأخوية والجيرة، فعندما تكون هناك حاجة للأيدي العاملة يستطيعون اللجوء للآخرين ثم يدفعوا نظير خدمتهم لاحقا، وهذا يمكنهم من تحقيق المنفعة القصوى وأعلى درجات الإشباع من الموارد المتاحة لديهم ومن القوى العاملة، وهم خير تطبيق لأفكار أوستروم عن اتخاذ القرارات الجماعية فهم يحددوا أهدافهم وأساليبهم بشكل جماعي وليس فردي. وكل المحاولات التي تتم من الحكومة البوليفية للتدخل في تلك الأنظمة، أو من المؤسسات التجارية المختلفة لحث الفلاحين على تحقيق أرباح من أراضيهم واستغلال علاقتهم الأسرية والإنسانية بصورة مادية تذهب هباء مع الريح، ولا تزد على كونها تحدث خللا مجتمعيا وبيئيا في تلك المنطقة.[9]

خاتمة:

بناء على ما سبق ذكره واستعراضه نلاحظ أن أفكار أوستروم وأطر العمل التي صاغتها قد فسرت بدرجة كبيرة أسباب الإخفاقات التي تحدث في أنظمة بيئية بعينها، فالإصرار على تغيير النظام القائم واستبداله بنظام آخر لمجرد نجاحه في مكان ما، دون النظر للاختلافات الموجودة بالأساس بين كافة الأنظمة، سواء كانت تلك الاختلافات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، يعيق تحقيق التطور والتنمية المرغوبة، فلاتخاذ قرارات فعالة لابد من العمل على دراسة كافة المتغيرات والعوامل الموجودة داخل تلك البيئة والتي قد تؤثر على عملية صنع القرار، وقرار اتباع نموذج معين بغض النظر عما قد يثيره من مشكلات داخل تلك الدولة يهدد الحفاظ على الموارد البيئية والاقتصادية المتاحة لدى الدولة أو الجماعات، ولعل خير مثال على ذلك اتباع عدد من الدول لاستراتيجيات وسياسات البنك الدولي والصندوق التي تضع الدول في مأزق لا يحمد عقباه، فالدول تنفذ أليات معينة دون النظر للطبيعة الاجتماعية والاقتصادية لتلك المجتمعات.

[1] Mark Pennington, “Elinor Ostrom, common-pool resources and the classical liberal tradition”, Philip Booth (edt,), “The future of the commons”, (London: The institute of economic affairs in association with profile books Ltd, 2012), pp.22-26.

[2] الراكب بالمجان free rider: وهو الشخص الذي يستفيد من مجانية الموارد فيستغلها لأقصى درجة.

[3] Ibid, pp.30-38.

[4] Ibid, pp.38-45.

[5] Vlad Tarko, “Elinor Ostrom’s life and work”, Philip Booth (edt,), Ibid, pp.48-56.

[6] Ibid, pp.57-62.

[7] Ibid, pp.62-64.

[8] Elinor Ostrom, “The future of the commons: Beyond market failure and government regulation”, Philip Booth (edt,), Ibid, pp.68-83.

[9] Christina Chang, “Ostrom’s ideas in action”, Philip Booth (edt,), Ibid, pp. 97-102.

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart