رحلة مصر في 6 أشهر من “تعويم الجنيه”: الحكومة تقصم “ضهر الغلابة”.. وغموض حول “الخصخصة

رحلة مصر في 6 أشهر من “تعويم الجنيه”: الحكومة تقصم “ضهر الغلابة”.. وغموض حول “الخصخصة

أنهى فريق من صندوق النقد الدولي بقيادة كريس جارفيس، زيارته إلى القاهرة في الفترة من 30 إبريل إلى 11 مايو 2017 لمناقشة أولويات السياسات في إطار المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته مصر ويدعمه “تسهيل الصندوق الممدد” البالغة مدته ثلاث سنوات.
وتوصل فريق خبراء الصندوق والسلطات المصرية، بحسب بيان البعثة، إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته مصر ويدعمه الصندوق باتفاق تبلغ قيمته 12 مليار دولار.
ويخضع هذا الاتفاق لموافقة المجلس التنفيذي للصندوق. ومع استكمال المراجعة، يتاح لمصر الحصول على 895.48 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 1.25 مليار دولار أمريكي)، ليصل مجموع المبالغ المنصرفة في ظل البرنامج إلى حوالي 4 مليارات دولار أمريكي.
ونفذت حكومة شريف إسماعيل حزمة من الإجراءات المتفق عليها مع الصندوق، ومنها قرار تحرير سعر الصرف، ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة المحلية إلى نصف قيمتها السابقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتخفيض دعم المحروقات.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أجرت دراسة تحليلية حول الإجراءات التي نفذتها الحكومة بعد 6 أشهر من تعويم الجنيه، وكذلك تتبع آثار البرنامج الاقتصادية والاجتماعية.
النمو
توقع صندوق النقد معدل 4% معدل نمو، وهو معدل نمو متفائل نظرًا إلى حالة الركود التي عادة ما تصاحب التعويم، وخفض الصندوق توقعه لمعدل النمو في مصر إلى 3%، بحسب ما نشر في تقر ير آفاق النمو العالمي في أبريل 2017.
ويوضح تقرير بارومتر الأعمال، الصادر في مارس 2017، والذي يشمل توقعات الشركات المتشائمة المتعلقة بالإنتاج والاستثمار والتوظيف، عن الفترة من يناير حتى مارس 2017، “تستمر حالة عدم التفاؤل نتيجة لغياب الثقة في بيئة الاستثمار وعدم استقرار السياسة النقدية، حيث تتوقع الشركات الكبرى نموًا طفيفًا جدًا وانخفاضًا في كل من إنتاجها ومبيعاتها المحلية وصادراتها واستمرار ارتفاع الأسعار والأجور وتكلفة مدخلات الإنتاج ولكن بمعدل أقل بسبب تباطؤ معدل التضخم في الربع الثالث بينما تتوقع استمرار الانكماش في حجم استثماراتها في الربع الثالث وتشاركها الشركات المتوسطة والصغيرة نفس التوقعات”.
وبحسب نفس التقرير، يشهد قطاع الصناعة بشكل خاص تباطؤ وانكماشًا كونه أكثر المتأثرين بقرار تحرير سعر الصرف، والذي تسبب في انخفاض الإنتاج نتيجة لارتفاع التكلفة بجانب انخفاض المبيعات المحلية نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، بجانب ارتفاع تكلفة الاستثمار والتكنولوجيا المستوردة ومدخلات الإنتاج المستوردة نتيجة لانخفاض قيمة العملة المحلية، ما جعل قطاع الصناعة يشهد أقل نمو وأقل تشغيل مقارنة بباقي القطاعات في الربعين الثاني والثالث من العام المالي الجاري 2016/17، ذلك عقب تحرير سعر الصرف وارتفاع أسعار الوقود، لذلك يطالب المستثمرون بسياسة نقدية مستقرة والسيطرة على التضخم ووضعه في مسار منخفض من أجل تعزيز النمو الاقتصادي.
الخصخصة
لم يرد ببرنامج الصندوق موضوع خصخصة بنك القاهرة، على الرغم من إعلان الحكومة أنه جزء من البرنامج، وهو ما يشير إلى نقص الشفافية في موضوع بمثل هذه الأهمية وحساس اجتماعيًا.
ووفقًا للتقرير، هناك إشارة مبهمة في صفحة 50 من وثيقة صندوق النقد في خطاب الحكومة الموقع، تتضمن زيادة التنافس عبر “بيع بعض حصص شركات عامة عن طر يق طروحات عامة أولية” في البورصة، بدون أي إشارة إلى أسماء الشركات ولا تلك القطاعات التي تنتمي إليها الشركات.
ويقول أحمد كوجك، نائب وزير المالية، إن بنك القاهرة جاهز تمامًا للطرح، وإن هناك شركة واحدة على الأقل تابعة للهيئة المصرية للبترول جاهزة لطرح حصص منها للبيع، وهناك احتمال أيضا لحصص أخرى في بنك آخر على الأقل.
وأضاف: “تلك الإيرادات الاستثنائية غير مدرجة في مشروع الموازنة، لأننا فضلنا ألا نعتمد على تلك الإيرادت الاستثنائية، فإذا نجح الطرح أثناء العام المالي القادم فهو خير، وإذا لم يحدث لأي ظرف، فلا تتأثر الموازنة، ولكن لا توجد معلومات حول حجم الشرائح المطروحة للبيع، ولا ما إذا كان هناك تسريح للعاملين في الشركات المطروحة”.
وتتحفظ المبادرة على بيع أصول الدولة من أجل اجتذاب رؤوس أموال أجنبية، والأفضل أن يكون جذب الاستثمار الأجنبي في إنشاء شركات جديدة، كما تتحفظ على الخصخصة من أجل تخفيض عجز الموازنة، لأنها لا تشكل علاجًا للعجز الهيكلي، بل هي إيرادات استثنائية، بحسب التقرير.
التضخم
فشل الصندوق في التنبؤ السليم الخاص بارتفاع معدلات التضخم الناجمة عن التعويم، حيث كان التوقع أن يرتفع مؤشر الرقم القياسي إلى أسعار المستهلك بنسبة 18%، في حين ارتفع التضخم إلى أعلى معدلاته في 30 عامًا، فقد بلغ 31.7% في فبراير 2017، ثم إلى 32.2% خلال مارس 2017.
ووفقًا للتقرير، يؤثر هذا الخطأ في التنبؤ إلى تعريض الملايين من المصريين للسقوط تحت خط الفقر وحرمانهم من احتياجاتهم الأساسية وعلى رأسها المأكل.
سعر الفائدة
ينص البرنامج على رفع سعر الفائدة بالتوازي مع قرار التعويم بأكثر من 300 نقطة أساس، وطرح الحكومة أذون خزانة بمتوسط سعر فائدة 17.5٪، وذلك بهدف السيطرة على الدورة الأولى من الضغوط التضخمية.
الفكرة وراء هذا الإجراء هو سحب السيولة من السوق، إضافة إلى تثبيت الاستثمار والاستهلاك الخاص، بحيث يضعف الطلب المحلي، فينحسر التضخم، أي خلق حالة من الانكماش المؤقت، وهو ما يؤثر على النمو، ومن ثم التشغيل.
يشار إلى أن سعر الفائدة على أوراق الدين الحكومية بلغ في المتوسط منذ التعويم 18%، وأدى التعويم إلى ز يادة الدعم الموجه إلى السلع المستوردة من قبل الحكومة والتي كانت قيمتها محسوبة على أساس أن الدولار يساوي 9 جنيهات، ومن ثم ارتفعت فاتورة شراء هذه السلع بالجنيه المصري جراء التعويم، ورغم رفع أسعار بعض هذه السلع، فإن الفارق ما زال يعني أن فاتورة الدعم قد زادت على المبلغ المقرر في الموازنة الأصلية، كما زادت أقساط الديون الحكومية إلى الضعف تقر يبًا أيضًا، ووفقًا لبيانات وزارة المالية، زاد الدين العام بنسبة 15% بسبب التعويم.
وفقًا لبيانات وزارة المالية، فقد زاد دعم الطاقة بسبب التعويم من 50 مليار جنيه، القيمة المقدرة في الموازنة للعام 2016-2017 إلى 100 مليار جنيه القيمة الفعلية لدعم الطاقة بسبب التعويم، وذلك خلال الشهور الثمانية الأولى من الموازنة (يوليو 2016- فبراير 2017).
وتتحفظ المبادرة على استمرار ارتفاع سعر الفائدة، ما يؤدي إلى زيادة في بند الفوائد على الدين العام المحلي، وهو البند الذي صار الأكبر نصيبًا من الإنفاق الحكومي، أو حوالي 34%، ما يحرم المواطنين من أموال عامة كان من المفترض أن تصب في خانة تحسين الخدمات الاجتماعية، كما أنها أموال تذهب إلى القادرين ممن يملكون فوائض ليستثمروها في أذون الخزانة، وهم أولئك الذين كان من الأجدى اجتماعيًا فرض ضرائب على دخولهم المرتفعة، لا المساعدة على زيادة ثرواتهم.
البنك المركزي وتعزيز سياسات الإفصاح
لم يلتزم البنك المركزي بما ينص عليه برنامج الصندوق من نشر تقارير الاستقرار النقدي وتقارير السياسة النقدية حتى إبريل 2017.
السياسات المالية وإدارة المال العام
ألزم الصندوق الحكومة بتطبيق ضريبة رجعية ذات أثر اجتماعي سلبي، هي ضريبة القيمة المضافة، كشرط للحصول على القرض، كما تغاضى عن تخفيض دعم الطاقة الذي يحصل عليه المنتجون، وأخيرًا، اختار الصندوق قياس معيار النجاح في تخفيض العجز عن طريق رصد كل البنود الأخرى ما عدا الفوائد، بما فيها بنود الإنفاق الاجتماعي.
ضريبة القيمة المضافة
تنظر إليها الحكومة كوسيلة لسد العجز، وارتفعت حصيلة ضريبة القيمة المضافة منذ تطبيقها في نوفمبر 2016، حيث ارتفعت من متوسط 11-12 مليار جنيه شهريًا إلى 15 مليار جنيه في فبراير 2017.
وعليه، زاد الإيراد من الضريبة على الخدمات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي إلى 12.4 مليار جنيه، مقارنة بـ10 مليارات العام الماضي، وعلى السلع بلغت الحصيلة 66.5 مليار جنيه خلال نفس الفترة مقارنة بـ44 مليار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بحسب بيانات وزارة المالية.
الدمغة على تعاملات البورصة
وافق مجلس الوزراء في 21 مارس 2017 على تعديلات ضريبة الدمغة وأحالها إلى مجلس الدولة لنظرها تمهيدًا لإرسالها إلى البرلمان، والمتوقع أن تقر في مايو 2017.
الأثر المتوقع هو 1 مليار جنيه زيادة في الإيرادات العامة، هو إجمالي حصيلة الدمغة بواقع 0.1% على تعاملات البورصة، و0.3% على الاستحواذ على 33% أو أكثر من أصول أي شركة.
وكان صندوق النقد قد وافق في البرنامج على تأجيل تنفيذ ضريبة أخرى أكثر عدالة وأعلى إيرادًا، وهي ضريبة الـ10% على التوزيعات النقدية وعلى الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعاملات بالبورصة لمدة 3 سنوات بشكل مبدئي، وإقرار ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة في نهاية مارس 2017 بدلًا منها.
الأجور
بدأت الحكومة منذ بداية العام 2017 في خفض إجمالي الأجور الحكومية، حيث يتوقع أن تصل الفاتورة إلى 5.6% بحلول 2018 – 2019، كما تعهدت الحكومة بتجميد نسبة المعينين الجدد.
وترى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن العدالة الاجتماعية كانت تقتضي أن يقتصر هذا التخفيض على أجور ومكافآت كبار موظفي الدولة، واحتساب هذا التخفيض بعد إلزام الحكومة بضم كافة الصناديق الخاصة، والتي تخفي بدورها جزءًا كبيرًا من دخول كبار الموظفين، واستبعاد احتياجات التعليم والصحة من تجميد نسب التعيين.
زيادة تعريفة الكهرباء
زادت تعريفة الكهرباء بنسبة 40% بهدف خفض الإنفاق بنسبة 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الأول 2017، وطالت الزيادة بندين، الأول زيادة تعريفة شريحة استهلاك الكهرباء، والتي زادت بمتوسط 33% عن العام الماضي على مستوى الشرائح، ولكن الزيادات الأعلى طالت شريحتي الاستهلاك المنخفض والمتوسط، حيث بلغت 34% و38% في الشريحة الثالثة والرابعة و36% و34% لشريحتي الاستهلاك الأعلى الخامسة والسادسة.
وكذلك زاد بند مقابل الخدمة على ثلاث شرائح فقط وهي الاستهلاك الضئيل والمنخفض والمتوسط بزيادة قدرها 33% و100% و33%، بينما لم تطل الز يادة شرائح الاستهلاك العالي.
خفض دعم الطاقة إلى 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي
فشلت الحكومة في خفض فاتورة دعم الطاقة، بسبب أثر التعويم، فقد زاد الدعم على الطاقة بسبب التعويم من 50 مليار جنيه، القيمة المقدرة في الموازنة للعام 2016-2017 إلى 100 مليار جنيه القيمة الفعلية لدعم الطاقة بسبب التعو يم، وذلك خلال الشهور الثمانية الأولى من الموازنة (يوليو 2016- فبراير 2017)، وهذا المبلغ لا يتضمن الدعم الموجه إلى الغاز الطبيعي الموجه إلى المصانع، على الرغم من أن الحكومة تبيعه بسعر 3 دولارات في المتوسط إلى المصانع كثيفة استخدام الطاقة، شامل تكلفة النقل والتسييل في مقابل متوسط 3.2 دولار سعره في السوق العالمي وهو سعر غير شامل التكاليف المشار إليها.
حزمة الإنفاق الاجتماعي
وفقًا لبرنامج الصندوق، تلتزم الحكومة بتوجيه ما يعادل 1% من الناتج المحلي من الوفر المتحقق في الإنفاق العام (ثلث الوفر)، إلى حزمة إنفاق اجتماعي محددة، وهذا ما يتم بعد أخذ الشريحة الثانية عبر تكافل وكرامة ودعم المرأة.
تعزيز إدارة المالية العامة
لم تظهر الحكومة بتاريخ نهاية يناير 2017، تقارير عن جميع الضمانات الحكومية للقروض الحكومية وقروض الهيئات العامة، لكن وزارة المالية أكدت أن ذلك التقرير تم إعداده، وهو داخلي ليس للنشر.
ويتضمن التقرير، بحسب برنامج الصندوق، تعزيزًا للإطار الذي يتم التعامل في إطاره مع إصدار تلك الضمانات ومتابعتها.
إصلاحات قطاع الطاقة
تعهدت الحكومة بأن تعد استراتيجية متوسطة المدى لتحديث قطاع الطاقة، بناءً على تقييم من شركة استشارات حسنة السمعة، بحسب الاتفاق، ستهدف الحكومة إلى تقليص دعم الوقود وإنشاء هيئة رقابية مستقلة للطاقة لضمان كفاءة القطاع ككل.
واهتم الصندوق في تقريره بذكر الديون المتأخرة لشركات البترول الأجنبية لدى الهيئة، والتعثر المالي لها نتيجة انخفاض إيراداتها وارتفاع تكاليف تشغيلها.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا في أبريل الماضي، إن الدولة بدأت تطبيق “مشروع استراتيجية تطوير وتحديث قطاع البترول” التي تعكس رؤية خالصة وضعها قطاع البترول حتى عام 2021 لزيادة كفاءة الأداء في مختلف أنشطته.
وطرحت وزارة البترول مناقصة لشركات استشارات إدارية، لاختيار إحداها لإعادة هيكلة الهيئة، فازت بها شركة ماكنزي في شهر إبريل الماضي.
وتتحفظ المبادرة بشكل خاص على موافقة الصندوق على تجنيب الصناعات كثيفة استخدام الطاقة أي ارتفاعات في الأسعار، كما تعترض على عدم إدماج الغاز الطبيعي في تعريف أنواع الوقود المدعومة في وثيقة برنامج القرض، وكذلك في بيانات الموازنة العامة.
الإصلاحات الهيكلية من أجل النمو والتوظيف
يخلو البرنامج المنشور، والذي لا يتضمن سوى الإجراءات المطلوبة خلال نصف مدة البرنامج فقط، من أي إصلاحات ذات شأن في مجال التوظيف، سوى تسهيل تراخيص المصانع.
ووافق البرلمان على قانون التراخيص الصناعية الجديد في 26 مارس 2017، والذي يأمل برنامج الصندوق أن يؤدي إلى تقليص البطالة وتشجيع الاستثمار.
وترى المبادرة أن البرنامج يخلو من إجراءات داعمة للنمو الاحتوائي، وتقترح حزمة من الإجراءات العاجلة لتحسين الوضع الاجتماعي، لإقرارها قبل المراجعة الثانية التي سيقوم بها فريق الصندوق في نهاية عام 2017.
وتشمل الإجراءات، كل من “مد الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص وغير الرسمي، وإعفاءات ضريبية للشرائح الدنيا من الدخل، وتحسين جودة التعليم والصحة في المنشآت الحكومية والمعاشات ومد مظلتهما، وصرف تأمينات البطالة لأولئك الذين يفقدون وظائفهم جراء تباطؤ النمو الناجم عن أثر تعويم الجنيه والسياسات النقدية الانكماشية وتخفيض الإنفاق الحكومي، والإسراع خلال العام المالي 2017- 2018 بمد الدعم النقدي ليشمل كل من هم دون حد الفقر المدقع وقد كانوا يقدرون في عام 2015 بأكثر من أر بعة ملايين مواطن”.

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart