دعم المواد البترولية في مهب الريح .. هل تدرك الحكومة المصرية وصندوق النقد تضحيات المصريين؟

دعم المواد البترولية في مهب الريح .. هل تدرك الحكومة المصرية وصندوق النقد تضحيات المصريين؟

أوضح وزير البترول المصري طارق الملا في تصريحاته لوكالة رويترز يوم الأربعاء 3 مايوالجاري، أن تكلفة دعم المواد البترولية في مصر زادت إلى نحو 78 مليار جنيه (4.3 مليارات دولار) في أول 9 أشهر من السنة المالية 2016-2017، مقارنةً بـ 41 مليار جنيه في الشهور التسعة الأولى من السنة المالية السابقة 2015-2016.

وعلى هذا الأساس زاد الدعم بقيمة 37 مليارًا، أي بنسبة 92.2%، وأوضح الملا أن الزيادة جاءت بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016.

وزادت تكلفة الدعم على الرغم من أن الحكومة المصرية رفعت أسعار المواد البترولية بعد ساعات من إصدار قرار تحرير العملة في نوفمبر 2016. وتخطط الحكومة المصرية لإلغاء الدعم نهائيًا بحلول 2018-2019 وفقًا لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه القاهرة على قروض بقيمة 12 مليار دولار، إلا أن الملا قال في تصريحات صحفية في مارس الماضي، إن الحكومة لا تخطط لإلغاء دعم الوقود بالكامل بل خفضه فقط خلال ثلاث سنوات.

فما الأسباب الخفية وراء تلك الأزمة؟

كانت مصر بدأت منذ منتصف 2014 في تنفيذ عدد من الإجراءات الاقتصادية ذات الأثر التضخمي سعيًا لاقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وهو الاتفاق الذي تم فعليًا في نوفمبر الماضي، وذلك عبر خطة تقشف مالي لخفض عجز الموازنة كان أبرز ملامحها فرض ضرائب جديدة، منها ضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى تقليص دعم الطاقة،وعلى صعيد السياسة النقدية، رفع البنك المركزي سعر الفائدة 3% في مرة واحدة ليبلغ 14.75% للإيداع، و15.75% للإقراض، في نفس يوم تحرير سعر الصرف، الذي أدى بدوره إلى انخفاض قيمة الجنيه في مقابل الدولار بأكثر من النصف، وفي الشهور اللاحقة وصل التضخم السنوي إلى أحد أعلى معدلاته التاريخية، ليبلغ 32.5% في مارس الماضي.

وأشار صندوق النقد الدولي إلى أهمية إبقاء مصر على سعر الفائدة مرتفعًا لمواجهة زيادة التضخم، إلا أن قدرة ذلك الإجراء على التأثير على معدل التضخم قد تكون منعدمة؛ إضافةً إلى الآثار السلبية المحتملة لذلك الإجراء، حيث أن الدائنين الدوليين هم من يستفيدون منه فقط.

وفي بيان أصدرته مدير عام صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد خلال شهر أبريل، قالت فيه إن:” مصر تنفذ برنامج قوي للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى مساعدة الاقتصاد على العودة إلى مستوى يتناسب مع إمكاناته الكامنة وتحقيق معدلات نمو أعلى وخلق المزيد من فرص العمل،ونحن ندرك التضحيات والمصاعب التي يتعرض لها الكثير من المواطنين المصريين، خاصة بسبب التضخم المرتفع، ويعمل الصندوق على مساعدة الحكومة والبنك المركزي للسيطرة على التضخم، كما يدعم الخطوات التي تتخذها السلطات المصرية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل”.

وأضافت : «من الواضح وجود سؤال يحتاج المواجهة بشكل رئيسي وهو التضخم، الإصلاحات الأخرى يجب أن تستمر، إلا أنه يجب أن يكون هناك تركيز على التضخم، أعتقد أن البنك المركزي ووزير المالية المصري يدركان، كما أتمنى، التعامل مع مخاطر التضخم التي يتحمل السكان أثرها».

في حين قال جهاد عازور، مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في الصندوق، خلال حديثه عن مصر في مؤتمر صحفي خلال شهر أبريل الماضي، إن «مستوى التضخم تخطى الـ 30% خلال الأشهر الماضية، وذلك مؤذي ليس فقط للاستقرار المالي بصفة عامة، لكن يؤذي أيضًا الاحتياجات الاجتماعية، وأصحاب الدخول الأقل، والقطاع الأفقر من السكان». مضيفًا: «في تلك الحالة، يكون استخدام اﻷدوات النقدية، وتحديدًا سعر الفائدة، هو اﻷفضل».

وعلى الرغم من الاتفاق على الخطورة الاقتصادية والاجتماعية لتسارع معدلات التضخم متخطية التوقعات الأولى لصندوق النقد الدولي، إلا أن رؤية الصندوق لقدرة الإبقاء على سعر الفائدة مرتفعًا على تخفيف تلك الآثار، هي محض شكٍ.

عادة ما ترفع سعر الفائدة كي يتم تقليص التضخم المدفوع من الطلب وليس التضخم المدفوع من العرض، إضافةً إلى أن القدرة على استخدام سعر الفائدة في التحكم في التضخم المدفوع من العرض على المدى القصير، هي قدرة محدودة، على سبيل المثال، رفع البنك المركزي بالفعل سعر الفائدة بنسبة 3% ومع ذلك تخطى التضخم نسبة الـ 30%.

ويعد التضخم المدفوع من الطلب هو أن يكون لدى الناس سيولة مالية، ويسعون وراء عدد قليل من المنتجات، وبالتالي إذا أقبل ألف شخص على سلعة واحدة، طبيعي أن يتسبب ذلك في زيادة التضخم. في تلك الحالة ترفع سعر الفائدة حتى يتم تشجيع الناس على الادخار وتقليل الشراء.

إلا أن ما يواجهه الاقتصاد المصري هو التضخم المدفوع من العرض أي أن المنتج يواجه ارتفاع في تكلفة الإنتاج فيمرر تلك التكلفة للمستهلك سواء تقبل المستهلك تلك التكلفة أو لم يتقبلها، وبالتالي، إذا رفع سعر الفائدة في ظل عدم إقبال الناس على السلع ستستمر الأسعار في الزيادة لأنها مدفوعة أصلًا بزيادة أسعار المعروض وليس أن الطلب أعلى من العرض، وبالتالي فإن شعبًا أكثر من 30% منه تحت خط الفقر، وأكثر من 80% منه يكفي دخلهم استهلاكه بالكاد، لن يفاضل ما بين أن يأكل وجبة الغذاء أو أن يضع أموال الغذاء وديعة في البنك.

وبالتالي فإن أسعار الفائدة المرتفعة هي عبء على المديونيه، وبالتالي هي عبء على الحكومة المصرية. وبالتالي فإن ارتفاع تكلفة الدعم على المواد البترولية نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار الفائدة التي يلاحقها في الارتفاع معدلات التضخم.

فما الحل؟

بعد قرار زيادة تكلفة الدعم على المواد البترولية لم يبقى أمام الحكومة سوى أمرين وهو الاقتراض من السوق المحلية أو الخارجية لتغطية الزيادة الكبيرة في تكلفة الدعم أو تمرير تلك الزيادة على عاتق المواطن المصري.. فإلى أي الحلول ستلجأ الحكومة؟!

يبدو أن الحل الأول وهو الاقتراض محليًا أو دوليًا بات مستحيلًا؛ خاصةً وبعد إعلان وزارة المالية في بيانها لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة إنها تتخوف من أن يؤثر تكرار الأزمات المالية العالمية وعدم استقرار الأسواق على قدرة مصر على الحصول على التمويل بتكلفة غير مرتفعة.

وأضاف البيان أن ارتفاع أسعار الفائدة على السندات الأمريكية يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية من دول العالم ما يقلل فرص مصر في الحصول على تمويل بسعر فائدة مناسب.

وبحسب ما أعلنه البنك المركزي في أبريل الماضي، بلغت تدفقات العملة الأجنبية إلى النظام البنكي المصري 19.2 مليار دولار، منذ تعويم الجنيه والاتفاق على قرض صندوق النقد، وبالتالي فإن الاقتراض المحلي قد زادت تكلفته، الأمر الذي دفع الحكومة في منتصف أبريل الماضي لرفع حد الاقتراض من سندات دولية، من خمسة إلى سبعة مليارات دولار، وهي الخطوة التي تسمح للحكومة بطرح سندات دولية جديدة خلال العام الجاري. وكانت الحكومة اقترضت في شهر فبراير الماضي 4 مليارات دولار من خلال سندات دولية.

إضافةً إلى افتقار الحكومة المصرية لأي مشروعات تجعل متغيرات الاقتصاد تتحسن، ما قد يرفع من جدارتها الائتمانية تجاه الدائنين، فالحكومة لا تسيطر على عجز الموازنة بمعدلات ملحوظة ولا تحقق نموًا يتجاوز الـ 5% وبالتالي يظل وضع الاقتصاد المصري ثابتًا، إن لم يكن إلى اﻷسوأ، وفي ظل ذلك الوضع تزداد حاجة الحكومة إلى الاستدانة، ورفع سعر الفائدة هي وسيلة الحكومة الوحيدة لجذب الدائنين، ما ينذر بمعدلات تضخم لم يشهدها تاريخ الاقتصاد المصري من قبل.

وبالتالي لم يبق أمام الحكومة سوى تمرير هذه الزيادة إلى المواطنين في شكل ضرائب، والضرائب نوعان؛ إما مباشرة تجمعها الحكومة من دخول وثروات الأفراد والشركات والهيئات حسب القدرة على الدفع، وإما غير مباشرة تجمعها الدولة على السلع والخدمات، ويدفعها في نهاية المطاف المستهلك النهائي، ومن المشكلات التقليدية في الضرائب غير المباشرة، كضريبة المبيعات والقيمة المضافة والجمارك، أنها لا تتحرى العدالة الاجتماعية، بسبب جمعها ضريبة على الاستهلاك بشكل متساوٍ من الجميع، بغض النظر عن قدرتهم على الدفع، وبالتالي فهي عكس الضرائب التصاعدية، التي تقوم على رفع سعر الضريبة كلما ارتفع الدخل، توخيًا للعدالة، ومن ثم فإن الضرائب غير المباشرة تعتبر في مجملها ضرائب رجعية -عكس تصاعدية- أي أنها تعاقب فعليًا الشرائح الأقل دخلًا، بإجبارهم على دفع نفس المبالغ عند الاستهلاك، التي يدفعها نظراؤهم من ذوي الدخول الأعلى.

تحاول الحكومات، بما فيها الحكومة المصرية، معالجة هذا القصور بإعفاء بعض السلع الأساسية من ضرائب المبيعات والقيمة المضافة، وباستهداف بعض السلع الترفيهية بأسعار ضريبية أعلى، ولكن المشكلة تظل ماثلة بشكل عام، وهي أن أصحاب الثروات والدخول العالية لا يمكن تحميلهم العبء المستحق إلا من خلال ضرائب مباشرة، تفترض بدورها وجود أجهزة بيروقراطية لديها الكفاءة والمعرفة والنزاهة كي تجمع معلومات دقيقة عن دخول وثروات المواطنين الأفراد، وكذلك شركات القطاع الخاص، وهو أمر مكلف للغاية ويتطلب زمنًا طويلًا، ليس فقط لبناء القدرات والخبرات والمهارات للعاملين في أجهزة تحصيل الضرائب، وإنما كذلك لتطوير علاقات سياسية مع غالب المواطنين تسهّل على أجهزة الدولة الحصول على المعلومات المطلوبة، وجمع الأموال المستحقة بتكلفة اقتصادية وسياسية منخفضة، ما لا يتوافر في مصر ولا في الغالب الأكبر من بلاد العالم النامي، نتيجة مزيج من ضعف قدرات أجهزة الدولة الإدارية واختراقها بالمصالح الخاصة، التي تزيد من حوادث التهرب وعدم الإفصاح، وكذلك نتيجة غياب ميراث ديمقراطي ممتد يؤسس لعلاقة تقوم على قدر من الثقة بين الدولة والمواطنين ترتّب واجبات المواطنة مقابل حقوقها، وعلى رأسها أداء الضرائب، وتحقق حدًا أدنى من الإدراك بأن الضرائب لن تذهب سدى في جيوب موظفين فاسدين، أو أجهزة بيروقراطية فاشلة، بل ستموّل خدمات عامة تعود للمواطن دافع الضرائب، أو «الممول» كما تحلو لوزارة المالية تسميته في مصر.

ويقوم التوسع في إيرادات الدولة الضريبية في مصر، تاريخيًا على تحصيل المزيد من الضرائب غير المباشرة، وذلك أولًا لأنها أقل تكلفة، رغم عدم عدالتها، لكونها تُحصّل على السلع والخدمات لا على الأفراد والشركات، ولأنها ثانيًا أقل تكلفة سياسيًا، حيث يسهل جمع مليون جنيه من مليون شخص، بواقع جنيه من كل واحد منهم، بدلًا من تحصيل مليون جنيه من شخص واحد، وهي لا تتطلب أخيرًا بناء قاعدة معلومات عن الأفراد والشركات، وبالتالي فإن سوق الوقود في مصر بصدد فرض ضريبة غير مباشرة عليه أو تحرير سعر المواد البترولية وتقديمها للمواطن باعتبارها سلعة تخضع لأحكام وأسعار السوق العالمية وليست خدمة من الدولة للمواطن.
المراجع:
1- تكلفة دعم المحروقات في مصر تزيد 92% ، 3 أبريل/ نيسان 2017م، https://goo.gl/ieb6hs

2- Gerry Rice,Transcript of Press Conference by IMF Managing Director Christine Lagarde, April 20, 2017, IMF: http://www.imf.org/en/news/articles/2017/04/20/tr042017-press-conference-by-imf-managing-director-christine-lagarde

3- WafaAmr, Transcript of Middle East and Central Asia Press Briefing, April 21, 2017, IMF.: http://www.imf.org/en/News/Articles/2017/04/21/tr0417-middle-east-and-central-asia-press-briefing

4- وعد أحمد، (بارومتر الأعمال): استمرار تراجع الاستثمارات والتشغيل.. وآمال التعافي لا زالت بعيدة، 15 مارس 2017، مدى مصر.https://goo.gl/ebGo23

5- تقرير (بارومتر الأعمال):http://www.eces.org.eg/MediaFiles/Uploaded_Files/6dfc3e7f.pdf

6- Reuters, Foreign currency inflows for Egyptian banks at $19.2 bln since flotation -central bank, Apr 18, 2017. 

http://af.reuters.com/article/egyptNews/idAFL8N1HQ3Y9

7- Reuters, UPDATE 2-Egypt to raise maximum issuance of dollar bonds to up to $7 bln, Apr 19, 2017. http://www.reuters.com/article/egypt-bonds-idUSL8N1HR5KK
8- بيان وزارة المالية لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة، وزارة المالية.

http://www.mof.gov.eg/MOFGallerySource/Arabic/budget2017-2018/Financial-Statement2017-2018.pdf

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart