الخبير في السياسات الاجتماعية، نور الدين بودربة، لـ”الخبر”… “2017 ستشهد تفقير 80 بالمائة من الجزائريين”
يحمل مشروع قانون المالية لسنة 2017 زيادات كبيرة في الرسوم على الوقود وارتفاعا في الضريبة على القيمة المضافة، ويستحدث أنواعا جديدة من الرسوم على السيارات المستعملة.. ما هو الدافع بالنسبة للحكومة لاتخاذ هذه الإجراءات؟
هذه الزيادات كانت الحكومة قد شرعت فيها في قانون المالية التكميلي لسنة 2015 الذي تقرر فيه فرض ضرائب جديدة على المواطنين البسطاء، بمن فيهم ذوو الدخل المساوي للأجر الأدنى وأصحاب السكنات الاجتماعية وغيرهم، وذلك من خلال الزيادة في حقوق الطوابع الإدارية والرسم العقاري، ومضاعفة رسوم إزالة القمامة المنزلية وزيادة الرسوم على السكن. ثم جاء قانون المالية لسنة 2016 الذي احتفظ بكل الإجراءات اللاشعبية التي وردت في قانون المالية التكميلي لسنة 2015، وأضاف عليها الزيادات في أسعار الكهرباء والماء والوقود (بنسبة تصل إلى 30 بالمائة بالنسبة للمازوت). العديد من أنواع الأدوية التي يتم تصنيف بعضها تعسفا بالكمالية، لم تعد كذلك قابلة للتعويض في الضمان الاجتماعي، وبعض هذه الأدوية ارتفعت أسعارها بسبب إخضاعها لرسم جمركي بـ15 بالمائة، ورفع الرسم على القيمة المضافة من 10 إلى 17 بالمائة. حتى فئة كبار السن لم ترحمها هذه الموجة، فارتفعت أسعار الحفاظات التي تستعمل للمرضى منهم، علما أن كبار السن في الدول المتقدمة يتمتعون بالعلاج المجاني وبعدة خدمات في ما يخص الصحة والنقل.
زيادات أخرى طرأت على الأسعار جراء تخفيض قيمة الدينار بنحو 40 بالمائة ورفع أسعار الوقود، مست كامل المنتجات المستوردة والمواد الغذائية المنتجة محليا والنقل. وضمن هذا الاتجاه، يحمل مشروع قانون المالية لسنة 2017، زيادات أخرى، خاصة الرسم على القيمة المضافة، من 12 إلى 29 بالمائة، وهي زيادة ضخمة، وعلى الوقود بأنواعه مرة أخرى.
هل معدو هذه المشاريع في اعتقادك لا يراعون مبدأ العدالة الاجتماعية بين الجزائريين؟
ما هو غير مقبول، أن هذه الزيارات المقررة منذ نحو سنة تهدف إلى تمويل الهدايا الجبائية المقدمة للأثرياء. خذ مثلا الضريبة على السكن ورفع القمامة وما إلى ذلك، جاءت لتعويض انخفاض الرسم على النشاط المهني لفائدة المؤسسات التي انخفضت مساهمتها من 3 بالمائة إلى 1 بالمائة من رقم الأعمال. يجب التذكير أن 80 بالمائة من هذا الرسم تمول به الجماعات المحلية. بهذا التخفيض، أصبحت البلديات دون موارد واليوم يطلب منها أن تتدبر أمرها.
بالنسبة للوقود، لا يجب أن ننسى أن السيارة في الجزائر تعد ضرورة وليست شيئا كماليا، وذلك بسبب الخيارات الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومات المختلفة من خلال الاعتماد حصريا على الطريق بدل تطوير النقل العمومي. إن رفع سعر الوقود، ليس هو الحل، ولكن بفرض رسوم على السيارات المستهلكة بكثرة للوقود ومالكي أكثر من سيارة.
زيادة أسعار الكهرباء للأسر، لم تكن بدورها مبررة خاصة بالنسبة لدرجة الاستهلاك الأولى والثانية. يبدو أن الغاية كانت حرمان طبقات واسعة من المواطنين من الكهرباء. كان المفروض أن تكون زيادة الرسوم على أصحاب درجة الاستهلاك الثالثة والصناعات المستهلكة للطاقة بقوة. من حقنا أن نتساءل: كيف يمكن تفسير هذه الزيادات في وقت توزع الهدايا الجبائية وتحمى الثروات الخاصة من أي ضرائب؟ كيف يمكن قبول هذا التقشف المفروض على الفقراء رغم أننا نعلم أن حجم المبالغ المحولة من العملة الصعبة إلى الخارج عبر تضخيم الفواتير، وفق ما قاله وزير التجارة، تعادل قيمة التحويلات الاجتماعية في سنة 2015 وحدها، وتعادل 7 مرات القيمة الإجمالية للدعم الموجه للمواد الغذائية (225 مليار دينار). كيف يمكننا قبول هذه الزيادات، إذا كانت الضريبة على الدخل تمثل 25 بالمائة من الجباية العادية، مقابل 15 بالمائة من الضريبة على أرباح المؤسسات؟ ليس هذا فحسب، فـ80 بالمائة من الضريبة على أرباح المؤسسات تأتي من الشركات الأجنبية والمختلطة التي يتم الاقتطاع لها من المصدر. نحن البلد الوحيد مقارنة بجيراننا والدول المتقدمة الذي تفوق فيه الضريبة على الدخل، الضريبة على رجال الأعمال، دون أن نتحدث عن أن الأجر القاعدي الوطني الأدنى المضمون لم يتغير منذ 5 سنوات.
كيف ستتضرر القدرة الشرائية للمواطن بفعل الزيادات المنتظرة في قانون المالية 2017؟
إن الزيادات التي تضمنها مشروع قانون المالية 2017 تدخل في إطار مواصلة سياسة تفقير الطبقات الشعبية الجارية الآن، وهي تتكامل في محتواها مع سياسة تخفيض قيمة الدينار المطبقة أيضا. من الواضح أننا نتجه في مسار تفقير جماعي لأغلبية الشعب الجزائري، مع التنبيه إلى أن هذه الأغلبية تعيش أصلا في الفقر، إذ أن حوالي 60 بالمائة من الجزائريين يخصصون أكثر من 50 بالمائة من مداخيلهم للغذاء، وهو ما يمثل علامة للفقر. يكفي فقط زيادة هامة في أسعار المواد الاستهلاكية حتى يسقط 80 بالمائة من الشعب في الفقر المدقع.
لا شك في أن هذه الزيادات ستضرب بقوة القدرة الشرائية. ستزيد من الفقر ومن الفوارق الاجتماعية. الانعكاسات ستكون واضحة فيما يخص التفريط في العلاج وعدم تدريس الأطفال، خاصة لدى العائلات الفقيرة وفي المناطق الريفية. شيئا فشيئا سيرتفع عدد الجزائريين المحرومين من الكهرباء، وسنشهد العودة إلى عصر الشمعة والشمعدان. هذا في الوقت الذي سيزداد فيه الميسورون ثراء، علما أنهم حققوا ثرواتهم بفضل الريع وعلى حساب صفقات الخزينة العمومية، وسيستمرون في تدريس أبنائهم في المدارس الخاصة، وستكون لهم الأولوية في العلاج في الخارج وحتى القطاع العام، كما أن استثماراتهم ستزيد في عقارات فرنسا وإسبانيا.
بالنسبة لقانون التقاعد الجديد.. ما هي المظالم التي يحملها في اعتقادك؟
كل التبريرات التي تتحدث عنها الحكومة وخبراؤها من أجل إلغاء الحق في التقاعد قبل سن 60 سنة ليست حقيقية. الواقع الديمغرافي يبين أن الجزائر بلد شاب مقارنة بالدول المتقدمة. هذا القرار بإلغاء التقاعد دون شرط السن، سيعاقب أولا من بدأوا في العمل في سن مبكر. هؤلاء سيكون عليهم دفع اشتراكات لـ44 سنة في مهن شاقة، لأن من بدأ العمل في سن مبكرة، الأكيد أنه عمل من دون تأهيل، أي أن عليه أن يدفع اشتراكات بـ7 سنوات إضافية مقارنة بالإطارات السامية، بالنظر إلى أن معدل حياة أصحاب المهن الشاقة أقل من الإطارات وفق الإحصاءات الدولية.
هذا القانون الجديد سيوصلنا إلى مأزق، لأن تحديد المهن الشاقة لا يمكن أن يتم بشكل موضوعي، بسبب عدم وجود دراسة جادة حول المهن والوظائف وإحصائيات بخصوص حوادث العمل والأمراض المهنية، اللهم إلا إذا كانت الحكومة تريد فرض الخضوع للأقوى، كما حصل في زيادات الأجور لسنة 2008، عندما كانت أكبر الزيادات من نصيب المهن التي تمتلك نقابات لها قدرة على الضغط والتفاوض.
الحل في اعتقادي موجود. الصندوق الوطني للتقاعد يعرف مشكل توازن مالي، ولكن ليس بسبب عدد المتقاعدين، بل بسبب “التهرب الاجتماعي” بالنسبة لرجال الأعمال الذين لا يصرحون بعمالهم، ويمكن التعويض بذلك. كنت في هذا الصدد قد قدمت 25 اقتراحا مبنية على التضامن والتوزيع العادل.
هل النقابات بشكلها الحالي قادرة على مواجهة هذا التراجع عن المكاسب الاجتماعية؟
المشهد النقابي في الجزائر منقسم بين المركزية النقابية، التي هي في صف السلطات العمومية، وتتمتع بالحصرية في تمثيل العمال في اجتماعات الثلاثية، وبين النقابات المستقلة التي احتوتها السلطات، خاصة أن مطالبها تكون في العادة فئوية.
لا شك أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين قد أدار الظهر للمطالب العمالية، إلا أن قواعده في بعض الفروع نشطة، على غرار ما يحدث في الرويبة وتيزي وزو، حيث نرى قدرة على التعبئة قوية في صفوف العمال. بقي أن النقابات المستقلة التي من النادر أن تجتمع على مطالب وطنية، يمكن لها هذه المرة أن تفوّت على السلطات فرصة الاستثمار في التشتت النقابي، وبالتالي التصدي لهذا المشروع الذي يهدف إلى تفقير العمال.