الاقتصاد السياسي والحركات العمالية والانتفاضات الشعبية في 2011
تميل التحليلات الغربية للانتفاضات العربية التي اندلعت سنة 2011 إلى التأكيد على دور “شباب الفيسبوك” ووسائل التواصل الاجتماعي أو “منظمات المجتمع المدني”. وترجع أصول هذه الرؤى إلى افتراض أن “تمدُد المجتمع المدني” داخل النظم الأوتوقراطية هو الطريق إلى مقرطة هذه النظم، وهو زعم تختلط الدلائل حول صحته. ولعل التركيز على الحركات الاجتماعية للعمال والعاطلين قبل اندلاع هذه الانتفاضات وأثناءها يوفر لنا مزيدا من العمق التاريخي والفهم الأصيل للأمور التي على المحك.
شارك العمال في المغرب والبحرين والأردن، وعلى وجه الخصوص في مصر وتونس، على نحو بارز في الانتفاضات الشعبية العربية لعام 2011. وقد شاركوا كثيرا من أبناء وطنهم في الشعور بالغضب الناتج عن المهانة اليومية والانتهاك والتعذيب على أيدي أجهزة الأمن الداخلي، والمعاناة من الفساد واسع النطاق في جميع مجالات الإدارة الحكومية، وارتفاع تكاليف المعيشة واتساع الهوة بين النخب والجماهير الفقيرة، وتدهور الخدمات الاجتماعية الحكومية، وإذعان السياسة الخارجية لمصالح الولايات المتحدة.
كما تَجَسد دور العمال في الانتفاضات في عقود من النضالات ضد إعادة هيكلة الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عبر الاسترشاد بسياسات إجماع واشنطن النيوليبرالية التي روج لها صندوق النقد والبنك الدوليان والحكومات الغربية. وحتى عندما ترتب على تطبيق هذه السياسات ارتفاع مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي، فقد أدت هذه السياسات أيضًا إلى تراجع الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى التي كانت تقدمها الدولة، وانخفاض الأجور الحقيقية، وارتفاع مستويات البطالة التي تركزت بين الشباب، إلى جانب المعاش المبكر الذي طال مئات الآلاف من العاملين في القطاع العام، وفقدان الأمان الوظيفي والحماية الاجتماعية لأعداد كبيرة ممن لا يزالوا يعملون. وقد تأثرت النساء أكثر من الرجال بتراجع التشغيل في القطاع العام وارتفاع معدلات البطالة، لأن الأجور وسياسات التشغيل في هذا القطاع تُعتبر صديقة للمرأة نسبيا.1 وبالتالي، فبالنسبة لمن يعملون، كانت انتفاضات 2011 أكثر من مجرد تمرد ضد الأوتوقراطية لاستعادة الكرامة الإنسانية. وجرى التعبير عن هذه الهموم من خلال شعارات مثل “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق”، الذي رفعه العاطلون التونسيون في حوض استخراج الفوسفات في قفصة سنة 2008، والشعار الرمزي “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، الذي رفعه المتظاهرون في ميدان التحرير في القاهرة.
لقد انبثقت الانتفاضات العربية من التصدعات التي ظهرت في النظم السلطوية الحصينة التي وفرت “فرصا سياسية” مقيدة للغاية أو متذبذبة. معظم المنظمات غير الحكومية، خاصة في تونس، كان لها صلات محدودة بالعمال والفلاحين والفقراء. وكان الاستثناء الأهم يتمثل في دار الخدمات النقابية والعمالية في مصر. ولم تتوفر للحركات الاجتماعية في تونس ومصر ـ باستثناء الإخوان المسلمين وحركة النهضة ـ سوى موارد محدودة للتعبئة، كما اتسمت تنظيماتها الرسمية بالضعف. أما الأحزاب السياسية والنقابات العمالية التي كانت تزعم أنها تمثل مصالح العمال، فقد أضعفها القمع ومحاولات الدولة لاستقطابها. ومنذ أن سمح جمال عبد الناصر، على مضض، بإقامة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر سنة 1957، ظل هذا الاتحاد يعمل كمؤسسة مرتبطة بالدولة.
ونظرا لأن مصر هي البلد العربي الأكبر، وأن الحياة السياسية بها لها صدى عربي واسع، فإن الدروس التي يمكن أن نتعلمها من تاريخ حركتها العمالية تصبح مهمة على وجه الخصوص. ومع ذلك، فإنه بالرغم من القوة غير العادية لحركة الإضرابات والاحتجاجات العمالية في العقد السابق على الإطاحة بحسني مبارك، فإنه يبدو أن تأثيرها على السياسة كان محدودا في فترة ما بعد مبارك وحتى الآن. ومن ثم، فإنه في الجزء الأخير من هذا المقال، سوف أقارن باختصار بين الحركة الاجتماعية للعمال المصريين التي انبثقت في العقد الأول من الألفية الثالثة واستمرت حتى الآن، وبين الدور الأبرز والأكثر تأثيرا الذي لعبه العمال البولنديون والتونسيون في تغيير النظام.
إعادة هيكلة الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
خلال نحو ثلاثة عقود في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، شهدت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان ومعظم الجنوب العالمي، بما في ذلك مصر، نموا وتوسعا متواصلين. وفي الشمال العالمي، ضمنت السياسات الاقتصادية الكينزية أو الديمقراطية الاجتماعية حصول العاملين على نصيب من هذا النمو. وبناء على وصفات جون مينارد كينز، ضخت الحكومات استثمارات واسعة في القطاع العام بغرض الإبقاء على المستوى المرتفع من التشغيل، وتقييد قوة رأس المال خلال اللوائح والقوانين التي سمحت لنقابات العمال بالازدهار، كما سمحت للأجور ومستويات المعيشة بالارتفاع نوعا ما. وفي الجنوب العالمي، أدت السياسات التي أُطلق عليها الاشتراكية العربية والاشتراكية الإفريقية (وهي شكل من أشكال الكينزية الطرفية) إلى نتائج مماثلة.
انتهت هذه “السنوات الـ30 المجيدة”، كما يسميها الفرنسيون، في بداية السبعينيات. وخلال العقد التالي، غرقت اقتصادات الشمال العالمي في الركود والتضخم. ومن أجل حل هذه المشكلة، تحولت هذه الاقتصادات إلى سياسات مثل خصخصة القطاع العام، ورفع الدعم الحكومي على السلع الاستهلاكية، وإنهاء الرقابة الحكومية على رأس المال، وخفض الضرائب على الشركات والأغنياء ـ وهي حزمة سياسات أصبحت تُعرف بسياسة “إجماع واشنطن” النيوليبرالية، وتزعم أن السوق هي الحل لكل المشكلات الاقتصادية. واستطاع صندوق النقد والبنك الدوليان والحكومة الأمريكية تشجيع النيوليبرالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والجنوب العالمي، عن طريق التعاون مع الحكام المتواطئين من أمثال أنور السادات وحسني مبارك في مصر، والحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي في تونس، وزمرة رأسمالية المحاسيب المرتبطة بهم. وكانت سياسة “الانفتاح” الاقتصادي التي أعلنها أنور السادات في مارس 1974 أول خطوة في التحول النيوليبرالي في مصر. وكانت تونس قد أعلنت بالفعل نهاية “التجربة الاشتراكية” سنة 1969.
رد فعل العمال المصريين على سياسة الانفتاح الاقتصادي
في 1 يناير 1975، احتج عمال الصناعة وغيرهم في القطاع العام على مشروع قانون يرفع أجور الموظفين في الحكومة مستبعدا العمال في القطاع العام الصناعي، استنادا إلى أنه يزيد من الفجوة بين ذوي الياقات البيضاء وذوي الياقات الزرقاء. احتل العمال محطة قطار باب اللوق في القاهرة، واحتل عمال مصنع الحديد والصلب بحلوان مكان العمل بالتزامن مع ذلك. وترتب على هذا موجة إضرابات كان سببها الأجور، استمرت حتى سنة 1976. 2
كان أعضاء النقابات اليساريون في البرلمان الذين عارضوا مقترح القانون من المنظمين البارزين لاحتجاجات أول يناير سنة 1975. 3 فقد قام هؤلاء بتوزيع نص خطاب رئيس الوزراء الذي يعلن فيه هيكل الأجور الجديد على زملائهم. وكان مما زاد غضب العمال الإعلانات عن حفلات رأس السنة الفاخرة في فنادق الخمس نجوم في القاهرة. وكان الإعلان عن هذا المسار الاقتصادي الجديد، إلى جانب الاستهلاك الترفي الواضح للنخبة، وراء اختيار ذلك اليوم للتظاهر.
وكان تراجع أجور العمال الصناعيين عاملاً أساسيًا وراء واحدة من أقوى ردود الأفعال العمالية خلال دورة احتجاج 1975-76 -وهي احتلال مصنع شركة مصر للغزل والنسيج (غزل المحلة) في مارس 1975. وكان لهذا الاحتجاج أهمية استراتيجية ورمزية كبيرة بالنظر إلى أنه أول مصنع نسيج آلي امتلكه مصري- حيث أسسه طلعت حرب في 1927 ـ وكان واحدا من أوائل المصانع التي جرى تأميمها في فترة الاشتراكية العربية في الستينيات، وأكبر منشأة صناعية في مصر. استمر العمال في الإنتاج خلال فترة احتلال المصنع بغرض إثبات التزامهم الوطني ببناء الاقتصاد القومي. وحصلوا على زيادة في الأجر شملت جميع عمال القطاع العام الصناعي ـ وهو المطلب الذي رُفع يوم رأس السنة.4
ونتيجة دعم عديدين من أعضاء البرلمان، والدعم على المستوى المحلي، ووجود نقابات ذات خبرة ونشطاء يساريين، كانت موجة إضرابات 1975-76 أكثر تنظيما مقارنة بحركة العقد الأول من الألفية. وكان اليسار الماركسي التقليدي قد أُضعف على نحو محزن بفعل هيمنة الناصرية والاشتراكية العربية في الخمسينيات والستينيات. فقد تم حل الحزبين الشيوعيين في 1965، وجرت إعادة تأسيس الحزب الشيوعي المصري سنة 1975، بينما انبثقت الأحزاب الماركسية الأخرى من اليسار الطلابي الجديد. لكن نشطاء العمال والمتقاعدين المخضرمين، سواء كانوا أعضاء في أحزاب أم لا، كانوا أكثر أهمية من الأحزاب السياسية، لأنهم حافظوا على التراث النضالي للنقابات التي كانت قد ازدهرت منذ نهاية الثلاثينيات وحتى 1952.
وكانت رؤية عبد الناصر للنقابات غير ديمقراطية وتقوم على الاحتواء وتبادل المصالح. ومع ذلك، فإنه بالرغم من الطبيعة السلطوية للنظام، فقد قام بتحسين مستوى المعيشة بالنسبة لكثير من العاملين، لذلك فقد كانوا يتذكرونه بصورة إيجابية. وكان المتظاهرون في السبعينيات كثيرا ما يهتفون “ناصر”، أو “عبد الناصر دايما عال، خلي بالك من العمال”.5
في خريف 1976، زار وفد من صندوق النقد الدولي مصر، وأوصى بأن تقوم الحكومة بخفض الدعم على السلع الاستهلاكية الأساسية بمقدار 50 في المائة، وهو أحد الإجراءات التقليدية التي يتبناها “إجماع واشنطن” النيوليبرالي. قبلت الحكومة النصيحة، وردت الأمة على إعلان تخفيض الدعم بانتفاضة الخبز في 18-19 يناير 1977. وأشعل العمال الصناعيون انتفاضة الخبز، ولعبوا دورًا أساسيًا فيها. وأُعيد العمل بالدعم، لكن الأسعار ظلت ترتفع على نحو تدريجي خلال الأعوام الـ 30 التالية.
حدثت انتفاضات مثيلة في تونس (سنة 1978 و1984)، والمغرب (1981، 1990)، والسودان (1985-1987)، والأردن (1989 و1996).6 وفي الواقع، فإنه بين 1976 و1992 حدثت 146 “حالة تمرد من أجل الغذاء بفعل سياسات صندوق النقد” عبر الجنوب العالمي، في ظل فرض المؤسسات المالية العالمية سياسات إجماع واشنطن كشرط في مقابل إنقاذ الحكومات من الديون.
وفي مصر، بخلاف ما كان عليه الحال خلال دورة احتجاجات 1975-76، لم يكن اليسار المنظم عنصرا أساسيا في “انتفاضة العيش” في 1977. 7 ومع ذلك، تم القبض على كثير من أعضاء حزب التجمع والأحزاب الشيوعية غير القانونية، وجرى اتهامهم بالمسؤولية عن هذه الحركة. ووفقًا لما يقوله صابر بركات، الذي كان من نشطاء عمال الصلب آنذاك، تم القبض بالفعل على جميع القادة النقابيين اليساريين بين 1977 و1981. وهو نفسه تم القبض عليه تسع مرات.8 وقد أرهقت عمليات القبض والمحاكمة في 1980 و1981 اليسار الجديد وأرهبت كثيرا من أعضاء حزب التجمع والحزب الشيوعي.9
لكن ما خفف نسبيا من حدة الغضب الجماهيري نتيجة تراجع الاشتراكية العربية في مصر، كان انتعاش الاقتصاد بفعل ارتفاع أسعار البترول في العالم. وإلى جانب ذلك، أدت الهجرة إلى دول الخليج الفارسي وليبيا إلى الحد من البطالة، ووفرت تدفقا من تحويلات العاملين بالخارج بالعملة الصعبة، قام بتمويل موجة الاستهلاك التي امتدت للأحياء الفقيرة والقرى. ووفرت إعادة افتتاح قناة السويس سنة 1975، والرسوم التي كانت تدفعها ناقلات النفط التي تعبر القناة، وتزايد عوائد صادرات البترول المصرية المتواضعة، دخلا إضافيا للدولة. وقدم التيار المتواصل من المساعدات الأمريكية في أعقاب التوقيع على معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية سنة 1979 مصدرا جديدا للدخل الاستراتيجي لمصر في فترة الطفرة النفطية وما تلاها. وأدت هجرة العمالة وارتفاع الأجور في دول النفط الغنية وتزايد نفوذ التيار الإسلامي المحافظ اجتماعيا إلى تفكيك وتشرذم الطبقة العاملة المصرية في تلك الفترة.
ترتب على انهيار الطفرة النفطية دورة جديدة من الاحتجاج من 1984-1994. 10 وفي ظل قوة السيطرة الحكومية على وسائل الاتصال الجماهيري، فإنه يصعب تحديد العدد الدقيق لأعمال الاحتجاج في تلك الفترة. واستنادا إلى جمع الأخبار الصحفية التي تكون أحيانا متضاربة، كان هناك في المتوسط 33 إضرابا عن العمل بين 1986 و1993، نقطة الذروة في الحركة. وكان ذلك أعلى بكثير من أي سنة منذ 1952، لكنه كان أقل كثيرا مما حدث أثناء حركة العقد الأول من الألفية وما تلاها.11
ساهمت الأزمة الهيكلية في صناعة النسيج، خاصة في القطاع العام، في إحياء النضال العمالي. وكان عدد العمال في هذا القطاع قد بدأ في التراجع في منتصف السبعينيات، بينما تراجع مؤشر الأجور الحقيقية في القطاع نفسه من 100 في 1986 إلى 61 في 1994. 12 وحيث إن النسيج كان القطاع القائد في مصر (حل محله منذ ذلك الحين التبغ والصناعات الغذائية)، فإن التراجع في أجور عماله أدى إلى تراجع أوسع في أجور عمال الصناعة. وكان تراجع الأجور الحقيقية لعمال القطاع الصناعي ظاهرة عربية أوسع نطاقا. ذلك أنه بحلول بداية التسعينيات، كانت الأجور الحقيقية لعمال الصناعة في كل من مصر والجزائر وسوريا والأردن والمغرب وتونس، في مستوى عام 1970 نفسه أو أقل.13 وفي مصر، استمرت الأجور الحقيقية في التراجع، لتصبح في 2006 أقل منها في 1988. 14
كان ما أشعل دورة الاحتجاج بين 1984-1994 هو ردود الأفعال الحادة على التشريع الذي أٌقر في صيف 1984 كي يضاعف مساهمة العمال في التأمين الصحي والاجتماعي. وبينما رضخت قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر للتشريع، فإن العمال في عديد من المنشآت، من بينها شركة النصر لصناعة السيارات وهيئة النقل العام بالإسكندرية، رفضوا استلام رواتبهم، وهو تكتيك يعود إلى الفترة الناصرية، حينما كان العمال يحافظون على استمرار الإنتاج أثناء الاحتجاج، كي يثبتوا وطنيتهم. وفي سبتمبر وأكتوبر، عندما تم تطبيق القانون على عمال كفر الدوار، قام العمال وسكان المدينة بقطع خطوط التليفونات وإشعال الحرائق ووقف حركة النقل وتحطيم عربات القطار خلال الانتفاضة التي استمرت ثلاثة أيام. وقتلت قوات الأمن ثلاثة من المحتجين، وألقت القبض على أكثر من 220 آخرين في حركة قمع واسعة قبل استعادة النظام.15
وفي يناير وفبراير سنة 1986، بدأ نحو 40 ألف عامل نسيج في شركة إسكو بشبرا الخيمة وغزل المحلة إضرابات ضخمة، مطالبين بإجازة مدفوعة الأجر أيام الجمعة، كان قد تم حرمانهم منها رغم أن قانون سنة 1981 كان يعطي هذا الحق لعمال الصناعة في القطاع العام. وتعاملت الأجهزة الأمنية باستخدام القوة في الحالتين. لكن في نهاية المطاف، حصل جميع عمال النسيج في القطاع العام على إجازة أسبوعية مدفوعة الأجر. وفي سبتمبر 1988، أدى وقف المنحة السنوية التي كانت تُعطى لعمال القطاع العام كي يشتروا ملابس ومستلزمات المدارس لأطفالهم في بداية العام الدراسي، إلى إضراب بدأه العاملات في غزل المحلة وأسفر عن إغلاق المصنع لثلاثة أيام.16
ويعد إضرابا يوليو وأغسطس المصحوبان باعتصام من جانب عمال شركة الحديد والصلب بحلوان سنة 1989 بمثابة ذروة العنف في دورة الاحتجاج هذه.17 فقد أطلقت قوات مكافحة الشغب الأعيرة المطاطية وقنابل الغاز على العمال المضربين الذين احتلوا المصنع للمطالبة بزيادة في الأجر ووجبة أثناء يوم العمل. وقامت قوات الأمن باقتحام المصنع، وقتلت عاملا وأصابت نحو 100 آخرين، وألقت القبض على المئات. وتم القبض على كمال عباس، أحد قادة الإضرابات البارزين، عدة مرات، وتعرض للتعذيب، وتم فصله عن العمل في نهاية المطاف بسبب مساهمته في إضراب غير قانوني. وفي سنة 1990، أسس دار الخدمات النقابية والعمالية، التي أصبحت في السنوات العشرين التالية أهم منظمة غير حكومية عمالية في مصر. وكان المحامي الشيوعي المخضرم يوسف درويش (1910-2006) مؤسسا مشاركا ومستشارا لدار الخدمات النقابية.
وبعد إضراب عمال الحديد والصلب، أصبح نظام مبارك أقل تسامحا مع الاحتجاجات العمالية، وهو ما كان أحد أوجه الطبيعة القمعية التي ميزت ذلك النظام في التسعينيات. ذلك أن آخر تحرك عمالي واسع النطاق في موجة الاستياء هذه ـ وهو الإضراب المصحوب باعتصام من جانب عمال شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار في سبتمبر-أكتوبر 1994، احتجاجا على فصل العمال وتقليل العلاوات والحوافز ـ جرى قمعه بعنف. وقتلت قوات الأمن أربعة أقارب للعمال كانوا يحاولون توصيل الغذاء للمصنع، وأصابت العشرات، وألقت القبض على 75 عاملا على الأقل. وبالرغم من ذلك، تم إعادة 2000 عامل كان قد تم فصلهم قبل الإضراب.18
جاءت احتجاجات 1984-1994 بينما كان حزب التجمع في أوج نفوذه. وبحلول منتصف الثمانينيات، كان عدد أعضائه قد بلغ 150 ألفًا، من بينهم قلب نشط يضم 20 ألفا، كثير منهم عمال. وكانت “الأهالي”، جريدة الحزب الأسبوعية، توزع أكثر من 120 ألف نسخة. وكان الحزب يساند التحركات العمالية في تلك الفترة، سواء عن طريق الدعاية لها، أم في بعض الحالات تنظيم المساعدة المادية والقانونية. لكن على خلاف احتجاج 1 يناير 1975، نادرا ما كان لأعضاء الحزب المبادرة في هذه الاحتجاجات.
اعتمد العمال على منظماتهم التي تشكلت لتحدي الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والذي كان يعارض بالفعل جميع أشكال العمل الجماعي للعمال خلال ذلك العقد. وأعلن النائب العام أن العمال الذين تم القبض عليهم في 1984 بتهمة الإضراب لم يكن لهم أي نشاط سياسي. ولم تكن لمنظمة الصنايعية التي تشكلت في مصنع الحديد والصلب بحلوان ورابطة عمال السكة الحديد، والتي قادت إضرابا مهما لسائقي القطارات في يوليو 1986، صلة بحزب التجمع. ولم يكن يوسف درويش عضوا بحزب التجمع ولا الحزب الشيوعي في منتصف التسعينيات، لأنه كان يراهما مهادنين جدا للنظام. وبالرغم من أن لجنة الدفاع عن العمال في غزل المحلة التي قادت إضراب 1986 كانت قد تشكلت في بداية الثمانينيات تحت رعاية حزب التجمع، فقد انفصلت عنه وتبنت مواقف أكثر راديكالية وقت حدوث الإضراب.19
في بعض الأحيان، شارك العمال أو المتقاعدون المرتبطون بالتجمع في منظمات عمالية محلية. فقد كان النقابيان المخضرمان طه سعد عثمان ومحمد متولي الشعراوي بين محرري مطبوعة “صوت العامل” التي صدرت في 1985. وكانت “صوت العامل” تنتقد نهج النظام الناصري القائم على الاحتواء وتبادل المصالح في علاقته بالعمال. ونشرت سلسلة من المقالات تعرض الدفع القانوني ببراءة عمال النسيج في مصنع كفر الدوار، الذين قمع الجيش بقسوة إضرابهم في 12-13 أغسطس 1952، بالرغم من حماس العمال في دعم الضباط الأحرار. وضعت هذه المواقف “صوت العامل” في خلاف مع عديد من المفكرين في حزب التجمع، الذي كان يتبنى موقفا أكثر تسامحا تجاه عبد الناصر. وعلى أية حال، انهارت القاعدة الجماهيرية للتجمع بحلول بداية التسعينيات، عندما اصطف الحزب إلى جانب نظام مبارك في صراعه مع التمرد الإسلامي في صعيد مصر وبعض مناطق القاهرة.
في منتصف الثمانينيات، بدأ المثقفون الذين تعود جذورهم السياسية إلى الحركة الطلابية، والذين كانوا يرغبون في الاستمرار في الانخراط في السياسة ولكن في ظل مخاطر أقل مقارنة بمخاطر الانتماء إلى المنظمات السرية، في تشكيل منظمات غير حكومية على غرار مؤسسة المرأة الجديدة (1984) والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان (1985). وبالرغم من أنهم قاموا بعمل جيد فيما يخص نشر أفكار حقوق الإنسان وحقوق المرأة، إلخ، فإن هذه المنظمات الحقوقية لم تستطع الاضطلاع بالتعبئة الجماهيرية، حيث كانت تميل إلى النزوع الاحترافي والانفصال عن العمال والتعبئة القاعدية.
حركة الإضرابات والنيوليبرالية المكثفة
في سنة 1991، وقّعت حكومة الرئيس حسني مبارك الاتفاقيات الخاصة ببرنامج التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي مع صندوق النقد والبنك الدوليين. ورسم قانون 203 الإطار لخصخصة ما يزيد على 300 مؤسسة عامة. ووافق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر على برنامج التثبيت وقانون 203، بعد أن ظل يعارضهما لعقد من الزمن.20وبالتالي، فقد عارض الاتحاد خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية جميع أعمال الاحتجاج على فقدان الوظائف والمزايا نتيجة خصخصة شركات القطاع العام، وذلك باستثناء احتجاج واحد.
على المنوال نفسه، امتثل الاتحاد العام في نهاية المطاف لقانون العمل الموحد لسنة 2003، بعد أن أظهر بعض المقاومة في البداية. وكان أحد الأحكام المهمة لهذا التشريع يتعلق بالسماح لأصحاب العمل بتشغيل العمال بعقود مؤقتة وفصلهم بعد نهاية العقد، بعد أن كان القانون السابق يقضي بتشغيل العامل وفقا لعقد دائم بعد اجتيازه فترة اختبار. وأدى ذلك إلى فقدان الأمان الوظيفي الذي اعتاد عليه العمال، مما كان واحدا من أسباب الاستياء والمرارة مع تقدم عملية الخصخصة.
كما لم يعترض الاتحاد العام على تشكيل “حكومة رجال الأعمال” برئاسة أحمد نظيف في يوليو 2004. وكان نظيف مخولا بتسريع التحول النيوليبرالي للاقتصاد المصري وبيع القطاع العام. وقد حقق نجاحا كبيرا في ذلك. وخلال ثلاث سنوات على التوالي، وضع البنك الدولي مصر على قائمة الـ 10 “أفضل دول إصلاحية”.21
رد العمال على حكومة نظيف بالتصعيد الفوري لعدد الإضرابات وأعمال الاحتجاج الجماعي الأخرى، التي كانت في صعود منذ 1998. وخلال الفترة من 1998-2003، بلغ متوسط أعمال الاحتجاج السنوية 118، مقارنة بـ 33 في الفترة بين 1986-1993. وفي 2004، كان هناك 265 عملا احتجاجيا جماعيا ــ أكثر من ضعف المتوسط بين 1998-2003. 22 وفي الفترة بين 1998-2010، شارك أكثر من مليوني عامل، بل ربما ما يقترب من أربعة ملايين عامل، في نحو 3400-4000 إضراب أو عمل احتجاجي ـ وكانت هذه أكبر حركة اجتماعية غير عنيفة في العالم العربي منذ الخمسينيات.23 وبالرغم من أن الحركة تمحورت في فترة على قطاع النسيج، الذي كان هدفا أساسيا للخصخصة، فإنه بحلول 2007، اتسعت الحركة لتشمل قطاعات الاقتصاد كافة.
ولم تتصاعد الحركة الجماعية للعمال بحدة في 2004 فحسب، بل إنها اتخذت طابعا أكثر كفاحية مقارنة بما كانت عليه في السابق. فقد زاد عدد الإضرابات، في مقابل الاعتصام داخل المصنع مع الاستمرار في الإنتاج. كما أصبحت الإضرابات أطول، حيث استمر عديد منها لشهور.24 وفي السابق، كانت أعمال الاحتجاج الجماعي كثيرا ما تحدث في شركات القطاع العام، حيث كان العمال يناضلون من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حصلوا عليها في حقبة الاشتراكية العربية. وبعد 2004، زاد عدد عمال القطاع الخاص ــ الذي كان يشهد توسعا ـ المشاركين في الاحتجاجات. وفي سنة 2009، كانت نسبة الاحتجاجات في القطاع الخاص 37 في المائة. وفي العام التالي، زادت هذه النسبة لتصل إلى 46 في المائة.25 وفيما يخص العاملات، اللاتي كن يشاركن كمجرد عامل مساعد في الأعمال الاحتجاجية، فقد أصبحن أكثر تأثيرا. وأصبح بعض منهن ناشطات بارزات، بل ومتحدثات باسم الحركة.26
وبالرغم من أن العمال استطاعوا القيام باحتجاجات قوية في العقد الأول من الألفية، فإن الحالة الوحيدة التي استطاعت فيها هذه الاحتجاجات إنشاء مؤسسة دائمة كانت النقابة المستقلة لموظفي الضرائب العقارية، التي تمثل جامعي الضرائب الذين يعملون لدى السلطات المحلية. وكان القائمون على تقدير الضرائب في المحليات قد بدأوا حركتهم في خريف 2007، حينما شكلوا لجنة قومية للإضراب بقيادة كمال أبو عيطة، تضطلع بالحملة من أجل دعم مطالبهم بالمساواة في الأجر مع موظفي الضرائب الذين يعملون بصورة مباشرة لدى وزارة المالية، والذين كانت مرتباتهم أعلى كثيرا. وبلغت الحملة ذروتها في احتلال امتد 11 يوما للشارع الذي يوجد به مقر مجلس الوزراء في وسط مدينة القاهرة في ديسمبر 2007. فقد قرر نحو 8000 موظف وأسرهم البقاء لحين تلبية مطلب المساواة في الأجر. وكان الأمر المثير للدهشة أن وزير المالية آنذاك، يوسف بطرس غالي، أذعن لهذا المطلب، وحصل موظفو هيئة الضرائب العقارية على 325 في المائة زيادة في الأجر.
تم استثمار الزخم المرتبط بهذا الإنجاز، وعملت لجنة الإضراب خلال العام التالي على تشكيل نقابة مستقلة. وبحلول ديسمبر 2008، كان 30 ألفا من بين 50 ألفا، هم موظفو هيئة الضرائب العقارية، قد تركوا نقابتهم التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر وانضموا إلى النقابة المستقلة لموظفي الضرائب العقارية. وعلى عكس ما كان متوقعا، اعترفت وزارة القوى العاملة والهجرة بالنقابة الجديدة في أبريل 2009 ـ وكانت هذه أول نقابة مستقلة عن النظام خلال ما يزيد عن نصف قرن. كما أنشئت قبل نهاية 2010 نقابات مستقلة أصغر وأقل رسوخا للفنيين الصحيين والمدرسين.
وبالرغم من أن موظفي الضرائب العقارية لم يكن لهم تاريخ طويل في النضال النقابي، فإن زعيمهم كمال أبو عيطة كان عضوا قياديا في حزب الكرامة الناصري غير المعترف به. وقام مقر الحزب في الجيزة بتقديم دعم لوجستي للإضراب. واستطاع المثقفون المنتمون إلى المعارضة التواصل بسهولة نسبيا مع قيادة الضرائب العقارية والتعرف على قضيتهم لأن مركز الجاذبية في إضراب 2007 كان وسط مدينة القاهرة وليس في مراكز النسيج البعيدة في الدلتا.
وبالرغم من التاريخ النضالي الطويل لعمال غزل المحلة، فإنهم لم يستطيعوا إنشاء نقابة مستقلة، ولا أي شكل من التنسيق الإقليمي بين عمال النسيج في الدلتا، مع أنه كانت هناك محاولات عديدة في هذا الاتجاه في أعقاب الإضرابات الناجحة في ديسمبر 2006 وسبتمبر 2007. 27 كما فشلت المبادرة السياسية الأهم على المستوى القومي لعمال غزل المحلة ــ الدعوة لإضراب يوم 6 أبريل 2008 للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجر إلى 1200 جنيه شهريا. وكانت محاولة تنظيم إضراب عام على المستوى القومي قد فشلت قبل ذلك بأسابيع. واستطاعت قوات الأمن إجهاض الإضراب عبر مزيج من الترغيب والقمع العنيف. فقد كان الربط بين المظالم المحلية لعمال في مصنع استراتيجي يحمل معنى رمزيا، وبين السياسة الاقتصادية القومية، خطا أحمر بالنسبة للنظام.28
تواصل النضال من أجل حد أدنى للأجر الشهري 1200 جنيه، لكن هذا النضال لم يعد مستندا إلى عمل مصنعي محلي، بل تم السعي من أجل تحقيق هذا المطلب بواسطة عدد قليل نسبيا من القيادات العمالية التي ظهرت في العقد السابق، وذلك بالتعاون مع خالد علي والمثقفين الداعمين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفي 1 مايو 2010، تجمع يضع مئات من المتظاهرين أمام البرلمان، مطالبين الحكومة بتطبيق حكم المحكمة الذي قرر حدا أدنى للأجر 1200 جنيه شهريا ـ وكان هذا الرقم قد أصبح يحظى بتأييد شعبي منذ إضراب غزل المحلة الذي جرى إجهاضه في 2008. وهتف المتظاهرون مطالبين بـ “حد أدنى عادل” أو “رحيل الحكومة”، وطالبوا بسقوط مبارك ومن يرفعون الأسعار. وقال خالد علي للصحافة إن الحكومة تمثل “زواجا” بين السلطة والمال، وإنه “يجب إنهاء هذا الزواج”، وطالب باستقالة حكومة أحمد نظيف لأنها تعمل فقط من أجل رجال الأعمال وتتجاهل العدالة الاجتماعية.29
أظهر المثقفون مشاعر مثيلة خلال الإضرابات في الفترة السابقة، وعلى وجه الخصوص إضراب غزل المحلة في سبتمبر 2007. فقد نظموا مظاهرات واجتماعات للتضامن مع العمال المضربين، وقدموا المساعدة القانونية لنشطاء العمال الذين تعرضوا للفصل. لكن كانت هذه أعلى نقطة في محاولة الحركة العمالية للتحالف مع المثقفين الراديكاليين من أجل الربط بين المطالب الاقتصادية المحلية وبين السياسة القومية.
الحركات الاجتماعية والشبكات المحلية
خلال دورات الاحتجاج العمالي الثلاثة التالية على الإعلان عن تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي ـ من 1974-76، و1984-94 والعقد الأول من الألفية ـ تراجعت مساهمة كل من الأحزاب السياسية والنقابات والأشكال التقليدية من تنظيم الطبقة العاملة والمثقفين اليساريين بشكل متواصل. فمن جانبه، عارض الاتحاد العام لنقابات عمل مصر جميع الاحتجاجات باستثناء إضراب واحد خلال العقد الأول من الألفية. كما أنه خلال ذلك العقد، لم يقدم مثقفو المدن ــــ باستثناء بضعة صحفيين ـــــ سوى دعم محدودا وعشوائي لأعمال الاحتجاج الجماعي للعمال. ونظرا لأن معظم العمال كانوا يعتبرون أن الأحزاب السياسية حاولت في الماضي استغلال نضالاتهم، فقد رأوا أن احتجاجاتهم “ليست سياسية”. وكان كثير من العمال لا يثقون في المثقفين الموجودين في القاهرة. وبالرغم من ذلك، فإن الاحتجاجات العمالية في العقد الأول من الألفية كان ينطبق عليها تعريف الحركة العمالية الذي صاغه اثنان من الباحثين الرواد في الحركات الاجتماعية: “حملة متواصلة من أجل مطلب، تلجأ إلى أنشطة متكررة من أجل الدعاية لهذا المطلب، استنادا إلى منظمات أو شبكات أو تقاليد أو مؤسسات للتضامن، تدعم هذه الأنشطة”.30
ويمكن تفسير ندرة موارد العمال المصريين وضعف قدراتهم التنظيمية خلال تلك الفترة بأنه خلال موجة الإضرابات ذات الحجم التاريخي هذه، لم يكن هناك سوى منظمتين غير حكوميتين تعملان في المجال العمالي، هما دار الخدمات النقابية والعمالية واللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية، وهي مجموعة ليست لها صفة رسمية، تشكلت بغرض مراقبة انتخابات النقابات العمالية سنة 2000، واستمرت بعد ذلك في صورة منتدى شهري لتبادل المعلومات والاستشارات. وفي أواخر سنة 2009، تحولت اللجنة التنسيقية إلى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية يديرها المحامي العمالي النشط خالد علي. وكانت دار الخدمات النقابية والعمالية أهم نقطة التقاء بين العمال والمثقفين في التسعينيات والعقد الأول من الألفية. وكان لديها عدد قليل من الموظفين المحترفين، لكنها جذبت طلابا وغيرهم كمتطوعين. وكان بعض العاملين لدى دار الخدمات أو الملتفين حولها أعضاء لفترات قصيرة في حزب الشعب الثوري ــــــ المنحل حاليا ــ بقيادة الراحلين يوسف درويش ونبيل الهلالي. ومنذ نهاية التسعينيات، بدأ الاشتراكيون الثوريون التروتسكيون في الارتباط بالعمال، خصوصا عن طريق الأعضاء الصحفيين العماليين مثل مصطفى بسيوني وحسام الحملاوي.
وخلال العقد الأول من الألفية، اعتمد العمال المصريون (والعاطلون في تونس) على الشبكات المحلية غير الرسمية في تنظيم الاحتجاجات. ذلك أنه غالبا ما يعيش العمال معا في مساكن حكومية أو أحياء للطبقة العاملة. ويذهب أبناؤهم إلى المدارس معا، ويتزوجون من بعضهم البعض، ويعتمدون على صلاتهم العائلة في إيجاد فرص عمل في المصانع.31 وبالتالي، فعندما يُعبّأ هؤلاء، يمكن للشبكات المحلية هذه أن تسفر عن عمل جماعي قوي.
ونتيجة لضعف العمال المصريين أمام نظام مبارك، فإن المواجهات المباشرة، خاصة ذات الطبيعة السياسية-القومية، كانت نادرة، وكان الدافع إليها غالبا هو الشعور بتهديد جماعي ما، وليس الشعور بوجود “فرصة” لتحسين أوضاعهم. وخلال العقد الأول من الألفية، غالبا ما كانوا يختارون التفاوض عبر المطالبة بأن يزورهم مسئول من الحكومة ويستمع إلى همومهم ــــ وذلك بدلا من التحدي المفتوح لسلطة النظام. ولم يسع هؤلاء إلى “التحول الديمقراطي” كهدف استراتيجي. وباستثناء حالة واحدة مهمة، لم يشكل هؤلاء منظمات على المستوى القومي.
وبالرغم من أن الاعتماد على الشبكات المحلية غير الرسمية ساهم في تقوية حركة العمال المصريين في العقد الأول من الألفية، فإنه بالتزامن مع ذلك قيّد قدرة العمال على العمل كقوة على المستوى القومي. ذلك أنه لم يكن في المستطاع تكرار هذه الشبكات بما يتجاوز المستوى المحلي. وبالتالي، لم تستطع الحركة تطوير قيادة وطنية أو برنامج سياسي.
لكن سرعان ما التحق العمال بالانتفاضة ضد حسني مبارك بمجرد بدايتها. غير أن الإعلان عن تشكيل الاتحاد المصري للنقابات المستقلة أثناء الانتفاضة لم يلق اهتماما كافيا في الغرب ـ وكان هذا الاتحاد أول مؤسسة جديدة تنبثق من هذا التمرد. وجرى الإعلان عن تأسيس هذا الاتحاد في 30 يناير 2011، في مؤتمر صحفي في ميدان التحرير. وقامت النقابة المستقلة لموظفي الضرائب العقارية والنقابات المستقلة للفنيين الصحيين والمدرسين بالمبادرة في تشكيل هذا الاتحاد الجديد، بدعم من دار الخدمات النقابية والعمالية وعمال آخرين. وقد سهّل قيام الدولة بإغلاق جميع أماكن العمل في بداية فبراير من مشاركة الكثير من العمال في الانتفاضة الشعبية بصفاتهم الفردية. وفي 6 فبراير، عاد العمال إلى وظائفهم. ودعا الاتحاد العام للنقابات المستقلة إلى إضراب عام للمطالبة برحيل مبارك. غير أن الإضراب العام لم يتم، لأن منظمة عمرها أسبوع واحد لم يكن لديها القدرة اللوجستية ولا الشرعية السياسية التي تؤهلها لقيادة إضراب عام على المستوى القومي. ومع ذلك، شارك عشرات الآلاف من العمال ـ من بينهم كثيرون في مواقع كبيرة واستراتيجية مثل هيئة النقل العام بالقاهرة وسكك حديد مصر والشركات التابعة لهيئة قناة السويس وشركة الكهرباء الحكومية وغزل المحلة ـ في نحو 60 إضرابًا وعملاً احتجاجيًا في الأيام الثلاثة السابقة على سقوط مبارك في 11 فبراير 2011.
مصر وبولندا
في كل من مصر وبولندا، سبق أفول حكم الفرد حركة اجتماعية عمالية طويلة. غير أن تغيير النظام في بولندا كان أعمق بكثير منه في مصر (إلى الآن) لأسباب متنوعة. أولا، كان السياق الدولي عنصرا مهما. ذلك أن الولايات المتحدة كان لديها علاقات وثيقة منذ مدة طويلة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الجهاز الذي أزاح مبارك من السلطة في 11 فبراير. وفي ظل موافقة الحكومة الأمريكية، تجاوب الجيش المصري مع الانتفاضة الشعبية. وكان ذلك يعني أن أي إجراءات راديكالية قد يتم اتخاذها سوف تكون محدودة. وعندما انهار النظام الشيوعي في بولندا، لم يكن بوسع الاتحاد السوفيتي تقديم الدعم الدولي، ولم يكن له تأثير على مسار الأحداث في الفترة التالية على 1989.
ثانيا، كان تركيب القوى مختلفا في البلدين. فقد كانت نقابة تضامن معترفا بها على نطاق واسع باعتبارها قوة رائدة في عملية أفول النظام. لكنه في مصر، كما قال خالد علي لجريدة لوموند ديبلوماتيك:
“لم يكن للعمال المبادرة في حركة 25 يناير لأنه لم يكن لديهم بناء تنظيمي… [لكن] عندما بدأوا في الاحتجاج، كان ذلك إيذانا بحدوث واحدة من الخطوات المهمة في هذه الثورة، حيث أعطوها وجها اقتصاديا واجتماعيا إلى جانب المطالب السياسية”.32
تجاهل الغرب إلى حد كبير مساهمة العمال المصريين في الإطاحة بحسني مبارك، وكذلك الحركة العمالية خلال العقد السابق على ذلك. ولم ترد في وسائل الإعلام الإنجليزية والفرنسية المقروءة والمسموعة إلا موضوعات عرَضية حول الإضرابات والقضايا العمالية الأخرى. على العكس من ذلك، أصبحت نقابة تضامن على الفور محبوبة لدى وسائل الإعلام والمثقفين في الغرب. وكان السبب وراء هذا الاختلاف واضحا؛ حيث كانت نقابة تضامن تعارض النظام الشيوعي وقت الحرب الباردة، مما دعا النخب السياسية في الغرب إلى اعتبارها شيئا “جيدا”. لكن الحركة العمالية المصرية كانت تعارض على نحو ضمني، وأحيانا صريح، إعادة الهيكلة الاقتصادية النيوليبرالية في مصر، وبالتالي كانت تعارض في نهاية المطاف العولمة النيوليبرالية. ومن ثم، فإن هذه الحركة كانت ظاهرة “سلبية” بالنسبة للنخب الغربية.
لكن على المستوى القاعدي، كان الخلاف أقل بين رؤية العمال المصريين ونظرائهم البولنديين. فبعد سقوط النظام الشيوعي، انحاز ليخ فاونسا لنهج “علاج الصدمة” سيء السمعة – الذي وضعه الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس ـ لتحويل بولندا إلى اقتصاد رأسمالي. غير أن كثيرا من العمال، الذين كانوا يشكلون قاعدة نقابة تضامن، رفضوا الأجندة النيوليبرالية. وكان مقررا أن يجري إغلاق أو خصخصة أحواض بناء السفن البولندية ـ التي كانت تمثل قاعدة تضامن ــ وصناعة النسيج في مصر. وفي الحالتين، كان ذلك يعني فقدان الوظائف المستقرة وتراجع الأمان الوظيفي والوضع الاجتماعي. وفي البلدين، بدأت احتشاد العمال كحركة دفاعية تقودها القطاعات الآفلة من الطبقة العاملة.
وفي بولندا، أعطت الأيديولوجيا الماركسية ـ اللينينية، على الرغم من تحجرها وسلطويتها، قيمة للعمال كقوة سياسية. فقد رأى العمال البولنديون أنفسهم طليعة سياسية تحظى بالشرعية. وعلى عكس ذلك، لم تهتم الاشتراكية العربية قط بالقيادة السياسية للطبقة العاملة. كما أنه لا العمال البولنديون ولا المصريون تبعوا قيادة المثقفين المؤيدين للديمقراطية. وبالرغم من ادعاء المثقفين الأوروبيين أن المثقفين مثلوا قيادة تضامن، فإن رومان لابا يبين أن الوسائل التنظيمية والأجندة المعارضة للنظام التي تبنتها تضامن تم وضعها بصورة مستقلة، وأن العمال كانوا أحيانا أكثر راديكالية من المثقفين.33
كانت نسبة من يعرفون القراءة والكتابة في مصر في سنة 2011 نحو 66 في المائة، في مقابل 99,5 في المائة في بولندا سنة 1989. وكان عمال أحواض السفن البولنديون أكثر مهارة واستقلالية في العمل وأفضل تعليما مقارنة بعمال النسيج المصريين، الذين كانوا مركز الثقل بالنسبة للحركة العمالية في العقد الأول من الألفية. ولم يسهم العمال المصريون الأوفر حظا والأفضل تعليما في قطاعات الحديد والصلب والألومنيوم والنفط وفي قناة السويس، وهم نسبة صغيرة نسبيا من الطبقة العاملة، على نحو بارز في الحركة العمالية في العقد الأول من الألفية.
كانت العناصر الأساسية في مخزون الكفاح لدى تضامن ـ الإضرابات المصحوبة باعتصام، ولجان الإضراب داخل المصانع، والدعوة إلى استقلال النقابات عن الحزب الشيوعي ـ قد تشكلت في إضرابات ديسمبر سنة 1970 في أحواض سفن جدنسك وجدنيا وشتشيتسين احتجاجا على الإعلان عن رفع الأسعار، وذلك قبل عقد من الزمن على تشكيل نقابة تضامن كمنظمة قومية سنة 1980، وقبل عقدين على سقوط النظام.34وفي 1978، بدأت مجموعات من نشطاء العمال في المطالبة بنقابات مستقلة في سيليسيا وراندوم، وتم إنشاء لجنة للنقابات المستقلة لساحل البلطيق. وكان ليخ فاونسا، الذي أصبح فيما بعد زعيم تضامن، واحدا من المبادرين بإنشاء هذه اللجنة.35
في مصر، حدثت المناقشات الأولى لإنشاء نقابات مستقلة عن النظام في سنة 2000. لكن المنظمتين اليساريتين الأكبر، حزب التجمع والحزب الشيوعي، رفضتا الفكرة، معتقدتين أن ذلك سوف يقوض من وحدة الطبقة العاملة، وكانتا تفضلان استراتيجية العمل من داخل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
أما تضامن فاستطاعت تشكيل تحالف فعال مع المثقفين المعارضين من أمثال جاسيك كورون وآدم ميشنيك، اللذين بادرا بتشكيل لجنة الدفاع عن العمال في سبتمبر 1976. 36وفي العام التالي، تأسست صحيفة مشتركة للمثقفين والعمال، هي روبوتنيك (العامل)، وكان توزيعها يتراوح بين 30 ألفا و100 ألف نسخة. وفي مصر، بعد تحطيم المنظمات الشيوعية الجديدة في الثمانينيات، أعاد المثقفون اكتشاف الحركة العمالية متأخرا، بعد إضراب غزل المحلة سنة 2006، وبدرجة أكبر بعد الإضراب الفاشل في 6 أبريل 2008.
ونظرا لعجز العمال المصريين عن توسيع شبكات الثقة الخاصة بهم بما يتجاوز المستوى المحلي، فقد كانت الحركة العمالية في يناير 2011 بلا منظمة قومية ولا قيادة، ولم يكن لديهم سوى برنامج اقتصادي محدود، يقتصر على مطلب الحد الأدنى للأجر الشهري 1200 جنيه. وعلى عكس العلاقة التعاضدية بين نقابة تضامن وبين المثقفين (بغض النظر عن أيهما كان أكثر تطورا من الناحية السياسية)، كانت الصلة بين هاتين القوتين في مصر ضعيفة. وبالتالي، فعندما تمت الإطاحة بحسني مبارك، لم يستطع العمال البروز كقيادة سياسية للأمة، على عكس نقابة تضامن في سنة 1989.
العمال المصريون والانتفاضة الشعبية لسنة 2011
أدت الطبيعة المحلية للعمال إلى الحد من قدرتهم على إثبات نفوذهم بين القوى السياسية العديدة التي ظهرت في مرحلة ما بعد مبارك. وفي فبراير 2011، شارك نحو 150 ألف عامل في 489 إضرابا واحتجاجا.37 واستخدم قادة الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ونشطاء العمال الآخرون هذا الزخم من أجل الدعوة إلى ديمقراطية حقيقية، وليس مجرد تغيير وجه النظام. وعقد 40 ناشطا عماليا اجتماعا في 19 فبراير، وتبنوا إعلان “مطالب العمال في الثورة”، الذي تضمّن حق تشكيل النقابات المستقلة وحق الإضراب وحل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الذي كانوا يعتبرونه “واحدا من الرموز المهمة لفساد النظام المنحل”. وأكد هؤلاء على أنه:
“إذا لم تؤد هذه الثورة إلى توزيع عادل للثروة، فإنها لا قيمة لها. الحريات لا تكتمل بدون حريات اجتماعية. من الطبيعي أن يعتمد الحق في التصويت على الحق في رغيف الخبر”.38
أدى عقد من النضال حول المطالب الاقتصادية، والمشاركة في الانتفاضة الشعبية في 25 يناير 2011، وإزاحة بعض (وليس كل بأي حال من الأحوال) القيود القمعية المرتبطة بنظام مبارك، إلى منح الثقة لنشطاء العمال كي يطرحوا مطالب سياسية كانوا قد تجنبوها في الماضي في أغلب الأحيان. لكن كثيرا من النشطاء الثوريين، خاصة الشباب الليبراليون المنتمون إلى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى، والذين لم تكن خبرتهم السياسية تزيد عن عامين أو ثلاثة في أفضل الأحيان، اعتبروا مطالب العمال “فئوية” وليست “وطنية” حقيقية، وبالتالي رفضوا مساندتهم. ووصل الأمر بأحمد ماهر، مؤسس حركة شباب 6 أبريل، إلى القول إن “العمال لم يلعبوا دورا في الثورة، بل كانوا بعيدين عنها”.39
مع ذلك، مضى النقابيون المستقلون قُدما، في ظل دعم بعض الحلفاء من المثقفين. وفي 2 مارس، عقد قادة الاتحاد المصري للنقابات المستقلة مؤتمرا بعنوان “ماذا يريد العمال من الثورة”. وكان أحد مطالبهم الأساسية التراجع عن تعيين إسماعيل إبراهيم فهمي، أمين صندوق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وزيرا مؤقتا للقوى العاملة والهجرة. وتمت الاستجابة لهذا المطلب في غضون أسبوعين. وقد كان تعيين فهمي في هذا المنصب يمثل استمرارا لنظام مبارك. وعارض النقابيون المستقلون بقوة تعيينه، وطرحوا بدلا منه أحمد حسن البرعي، أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، الذي كان يدعو إلى التعددية النقابية منذ سنوات.
وتم تعيين البرعي بالفعل بدلا من فهمي. وفي 12 مارس، شارك الوزير الجديد في مناقشة في نقابة الصحفيين بعنوان “اعرف دورك”، جنبا إلى جنب مع كمال أبو عيطة، رئيس النقابة المستقلة لموظفي الضرائب العقارية، وكمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية. وكان منسق الحوار في هذه الندوة مصطفى بسيوني، عضو الاشتراكيين الثوريين الذي كان يكتب في العقد الأول من الألفية لجريدة الدستور المعارضة، وأصبح المحرر العمالي في صحيفة التحرير الثورية الجديدة.40
واعترف البرعي بالاتحاد المصري للنقابات المستقلة وعشرات من النقابات المستقلة الجديدة التي تأسست على مستوى الشركات، معتبرا أن التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، التي تضمن حرية إنشاء النقابات وحماية حق التنظيم (رقم 87) وحق المفاوضة الجماعية (98)، تترتب عليه التزامات دولية تتجاوز التشريع القومي الذي أنشأ الاتحاد العام لنقابات عمال مصر باعتباره الاتحاد العمالي الشرعي الوحيد. لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي حكم البلاد فعليا لعام ونصف العام، رفض تمرير مشروع قانون الحريات النقابية الذي صاغته وزارة البرعي، والذي كان سيقنن التعددية النقابية وينهي إشراف الحكومة على النقابات.
مأسسة حركة العمال
أدى اكتساب وضعية قانونية إلى جانب المكانة الناتجة عن مساهمتها الواضحة في الإطاحة بحسني مبارك إلى تغيير طبيعة الحركة العمالية. فقد أصبح بالإمكان إنشاء مؤسسات مستقلة (نقابات واتحادات). وأتاح اتساع مساحة المناورة للعمال ترف الجدل حول الاستراتيجية، وهو ما لم يكن ممكنا في ظل نظام مبارك. وفي صيف 2011، حدث خلاف داخل الاتحاد المصري للنقابات المستقلة حول عدد من الرؤى الاستراتيجية، ونزاعات حول أمور تنظيمية وسياسية.
سعى الرئيس المؤقت للاتحاد كمال أبو عيطة ومن معه إلى وضع أنفسهم سريعا في موقف المتحدثين باسم أكبر عدد ممكن من العمال. واعتقدوا أن ذلك سوف يمكِّن اتحاد النقابات المستقلة من التعامل مع المجلس العسكري والقوى السياسية الأخرى من موقع قوة، في وقت كان الوضع السياسي فيه يتسم بالسيولة، وبإمكانية تعزيز مصالح العمال. وفي الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 2011 ـ يناير 2012، انضم حزب الكرامة الذي كان ينتمي إليه كمال أبو عيطة إلى التحالف الديمقراطي بقيادة الإخوان المسلمين. وفاز أبو عيطة بمقعد في البرلمان بهذه الطريقة. وترشح كثير من أعضاء الاتحاد المصري للنقابات المستقلة على قوائم أحزاب أخرى لكنهم لم يفوزوا. وبالنظر إلى محدودية العدد والموارد، فإن اعتبار خوض الانتخابات البرلمانية والمشاركة في أشكال السياسة القومية الأخرى كأولوية، كان يعني تخصيص وقت أقل لتعزيز لجان الاتحاد في مواقع العمل وتدريب قيادات الصف الثاني.
وبدلا من الانخراط في أمور السياسة العليا، ركز كمال عباس والعاملون في دار الخدمات النقابية على تثقيف العمال فيما يخص العمل النقابي الديمقراطي من أسفل، حيث كانوا يعتقدون أن هذا هو أفضل ضمان على المدى الطويل لوجود نظام ديمقراطي. وبالتالي، فقد أعطوا هذه المهمة أولوية على الانخراط في السياسة البرلمانية.
ومن حيث المبدأ، لا يوجد ما يمنع القيام بهذين المهمتين جنبا إلى جنب. غير أنه في ظل محدودية الأشخاص والموارد، إلى جانب التغيرات السياسية المتسارعة والتنافس الشخصي بين قياديين كاريزميين، كانت النتيجة حدوث انفصال تنظيمي.
بالتالي، انسحب كمال عباس، ومن كانوا يشاركونه الرأي، من الاتحاد المصري للنقابات المستقلة. وفي 14 أكتوبر 2011، عقدوا الاجتماع التأسيسي لمؤتمر عمال مصر الديمقراطي بمشاركة ممثلين عن 149 نقابة.41 وبحلول يناير 2012، كان مؤتمر عمال مصر الديمقراطي يعلن أنه يضم 214 نقابة يبلغ مجموع أعضائها أكثر من مليون فرد (ربما يكون هذا الرقم مبالغا فيه).42 وجاء المنتسبون إلى هذا الاتحاد من نقابات مستقلة، بعضها في منشآت صناعية كبيرة، ومنظمات مجتمع مدني، وأفراد.
وفي يناير 2012، انتخب المؤتمر التأسيسي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة كمال أبو عيطة رئيسا له. وعند هذه النقطة، كان الاتحاد يزعم أنه يضم نحو 200 نقابة ينضوي تحتها مليوني عامل وموظف (ربما كان ذلك أيضًا رقما مبالغا فيه). وكان معظم المنتسبين المهمين إلى الاتحاد من نقابات عمال قطاع الخدمات، مثل موظفي الضرائب العقارية والمدرسين وهيئة النقل العام بالقاهرة والمصرية للاتصالات وعمال البريد والطيارين وعمال الطيران.43
الضعف على المستوى القومي واستمرار النضالات المحلية
لم تمنع الخلافات بين القيادات على المستوى القومي استمرار احتجاجات العمال التي حرّكتها المظالم والقيادات والشبكات الاجتماعية على المستوى المحلي. ووفقا للمسوح الشهرية لمركز أبناء الأرض لحقوق الإنسان، الذي كان يسجل احتجاجات العمال المنشورة في الصحف، حدث أكثر من 1400 احتجاج جماعي في 2011، شارك فيها 600 ألف عامل على الأقل ـ وهو ما يمثل بين ضعف وثلاثة أمثال عدد الاحتجاجات في أي سنة خلال العقد السابق.44 وأُنشئت مئات النقابات المستقلة الجديدة في 2011 و2012، كان كثير منها في أماكن ليس لديها تراث من العمل النقابي. لكن لم يكن جميع عمال هذه الشركات أعضاء في النقابات الجديدة، لأن الخوف من انتقام الإدارة كان أحد العوائق أمام التنظيم النقابي أو الاحتجاج بصورة عامة.
كما كانت العقبات القانونية والتنظيمية مهمة أيضا. فكما هي العادة، لم يقبل أصحاب العمل في القطاع الخاص الاعتراف بالنقابة أو التفاوض معها إلا حينما يحدث إضراب يؤدي بالحكومة إلى التدخل. علاوة على ذلك، لا يوجد إطار قانوني فعال يتعلق بالمفاوضة الجماعية على مستوى المنشأة في القطاع الخاص. وكان العمل النقابي قد تركز بصورة أساسية في القطاع العام منذ أن توسع بقوة في الستينيات. وكانت اتفاقات العمل لهذا القطاع مركزية وتشرف عليها الدولة بالتعاون مع الاتحاد العام على المستوى القومي. ولم يكن أعضاء اللجان النقابية في معظم مواقع العمال مشاركين في هذه الاتفاقات، وبالتالي لم تكن تتوفر لديهم خبرة تُذكر في القيام بهذه الوظيفة التي من المفترض أنها تمثل إحدى وظائف النقابات الأساسية.
كما أن تمويل الاتحادات الجديدة كان أيضا مشكلة؛ حيث إنه تعين على الاتحادات المستقلة جمع اشتراكات شهرية من جميع الأعضاء، في حين أن الاتحاد العام يتلقى الاشتراكات عبر الخصم تلقائيا من الأجور، بما في ذلك أجور الذين استقالوا من عضوية النقابة. وتسيطر البيروقراطية المركزية للاتحاد العام على الصناديق الاجتماعية للنقابات المنضوية تحته، والتي تقدم معاشات ومزايا مهمة. لكن الاتحادات المستقلة الجديدة لم يكن بوسعها الوصول إلى هذه الصناديق.
وعلى المستوى السياسي، واجهت حركة الاستقلال النقابي معارضة من الاتحاد العام والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمين. ولم تكن لدى الاتحادات المستقلة قط القدرة التنظيمية والمالية والسياسية اللازمة لمواجهة هذه المعارضة بصورة ناجحة في معظم الأمور. ففي مايو 2012، أعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعيين إسماعيل إبراهيم فهمي وزيرا للقوى العاملة والهجرة. لكن هذه المرة لم تكن النقابات المستقلة قادرة على إجبار المجلس على إزاحته على غرار ما حدث في مارس 2011، وهو ما كان مؤشرا على فقدانها النفوذ في الساحة السياسية القومية.
كان ضعف تمثيل العمال في أول برلمان بعد مبارك، والذي تم حله بعد أقل من نصف عام من دون أن يحقق إنجازات تُذكر، مؤشرا على أن مركز القوة في هذه الحركة لم يتغير عما كان عليه في العقد الأخير من حكم مبارك، أي أنه ظل متركزا في الشبكات المحلية التي حفزت على العمل الجماعي القاعدي. وعلى مستوى السياسة القومية، أي تلك التي تتعلق بسن تشريع جديد للنقابات، واختيار ممثلين للبرلمان، وإلزام مرشحي الرئاسة في انتخابات 2012 بالاهتمام بقضاياهم وتقديم تعهدات لهم، كان العمال أضعف كثيرا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمين وبيروقراطية الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، التي تتألف في معظمها من الموالين لنظام مبارك.
لهذا السبب، ساندت جميع الاتحادات النقابية المستقلة، وكذلك دار الخدمات النقابية والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بحماس، حملة “تمرد” التي نظمت مظاهرات تضم ملايين في 30 يونيو 2013 من أجل التعبير عن “عدم الثقة” في الرئيس محمد مرسي والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. وبالتالي، فعندما استغل الجيش الفرصة وأطاح بمرسي في 3 يوليو، كان بوسعه أن يزعم، ولديه بعض الحق في ذلك، أن هذا الانقلاب العسكري كان يمثل إرادة الشعب.
وتراجع عدد الاحتجاجات العمالية بحدة في النصف الثاني من 2013. وكان كثير من العمال يأملون أن تلقى مطالبهم اهتماما أكبر بعد رحيل مرسي، خاصة بعدما قبل كمال أبو عيطة، مؤسس ورئيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، التعيين كوزير للقوى العاملة والهجرة في الحكومة الانتقالية. وفي إعلان بدا أنه يهدف إلى التأكيد للجيش على أنه جدير بالقبول، قال أبو عيطة إن العمال الذي كانوا “أبطال الإضراب” في عهد النظام السابق “يجب أن يصبحوا الآن أبطالا للإنتاج”.
حدث جدل حاد بين النقابيين المستقلين حول قبول أبو عيطة المنصب الوزاري و”خريطة الطريق” الانتقالية التي وضعها الجيش. وكانت أغلبية قيادات الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ترى أن وجوده في الحكومة يمثل نصرا، ويمكن أن يضمن تلبية حقوق العمال. وكانت هناك أقلية في المجلس التنفيذي للاتحاد تعتقد أن “الجيش والفلول خطفوا حركة العمال” ـ وقد تَبين بعد ذلك أن هؤلاء كانوا أكثر واقعية.
ولا شك أن أبو عيطة ما كان سيجري تعيينه لولا وجود الحركة العمالية التي صعد إلي قيادتها. لكنه كان يجب أن يكون واضحا أنه لا الجيش، ولا أية حكومة، يعتمدان على دعمه. فقط كان بوسعه هو التسامح مع العمل المباشر وغير المركزي من أسفل الذي كان مصدر قوة الحركة العمالية قبل وبعد سقوط مبارك. علاوة على ذلك، حيث إن الجيش رفض مشروع قانون الحريات النقابية في 2011، فلم يكن من المحتمل على الإطلاق أن تدعم الحكومة صديقة رجال الأعمال التي تم تشكيلها في 16 يوليو هذا القانون. واتضحت موازين القوى في حكومة ما بعد الانقلاب عندما لم يحرك أبو عيطة ساكنا بينما كانت قوات الأمن تسحق إضرابا قويا في شركة صلب السويس.
وفي محاولة للحصول على تأييد العمال، أعلنت حكومة ما بعد الانقلاب رفع الحد الأدنى للأجر الشهري للعاملين في الدولة إلى 1200 جنيه بداية من 1 يناير 2014. غير أن هذه الزيادة لم تشمل 2846 شركة (لديها 835 ألف عامل) في “قطاع الأعمال العام”، ولا العمال في المرافق العامة، ولا آخرين مثل العمالة غير المهنية في الجامعات الحكومية.
وردا على محدودية تطبيق الحد الأدنى الجديد للأجر، بدأ عمال غزل المحلة في 10 فبراير 2014 إضرابا -هو الرابع من نوعه في غضون تسعة شهور- للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجر عليهم، ودفع المكافآت السنوية المتأخرة، وإزاحة الرئيس التنفيذي للشركة القابضة لقطاع النسيج الذي كانوا يتهمونه بالفساد. وانضم إلى هؤلاء 20 ألف عامل نسيج في نحو 10 شركات عامة أخرى، إلى جانب عمال النقل العام في القاهرة والسكك الحديدية والبريد والتليفونات والتلغراف وجامعي القمامة ـ وكان جميع هؤلاء يطالبون بتطبيق الحد الأدنى للأجر عليهم.45 ودخل المهنيون العاملون في القطاع الحكومي ـ ليس فقط الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة المشار إليهم أعلاه، بل أيضًا الممرضون والمدرسون ـ في إضرابات جزئية، وبذلك واصلوا حملة الاحتجاج التي كانوا قد بدأوها في السنوات الأخيرة السابقة على الإطاحة بمبارك. وخلال الربع الأول من سنة 2014، شارك 100 ألف عامل، إلى جانب الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة العاملين لدى القطاع الحكومي، في 240 إضرابا واحتجاجات جماعية أخرى.46
إضافة إلى هذا الفيض من أعمال الاحتجاج الجماعي، جرى تنظيم إضرابات واعتصامات للمطالبة بإعادة تأميم 10 منشآت عامة كانت قد تمت خصخصتها في السنوات الأخيرة من حكم مبارك. وكان هذا الصراع أكثر حدة في غزل شبين وطنطا للكتان والزيوت والمراجل البخارية، وهي شركات كانت المحكمة قد قررت إعادة تأميمها لأن مستثمري القطاع الخاص لم يوفوا بالتزاماتهم التعاقدية تجاه العمال. وقام مندوبون من هذه الشركات باعتصام امتد لأكثر من شهر أمام الاتحاد العام لنقابات عمال مصر في القاهرة، كي يطالبوا بتطبيق أحكام المحكمة. وانضم إلى هؤلاء ممثلون عن سبع شركات مخصخصة أخرى.
وفي الوقت نفسه، طالب أعضاء النقابات المستقلة ومن يدعمونهم مجددا الحكومة بالموافقة على قانون الحريات النقابية، والذي كان سيعطي صفة قانونية للنقابات والاتحادات المستقلة. وكان فشل كل من مرسي والجنرالات في تطبيق قرارات المحكمة بإعادة تأميم الشركات أو تمرير قانون الحريات النقابية يعني أن الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك لم تغير من التزام النخبة المصرية بالنيوليبرالية.
سجلت المنظمات غير الحكومية المختلفة 1600 احتجاج عمالي على الأقل في 2014 ـ وهو ما يزيد كثيرا على نظيره في أي سنة في العقد السابق على رحيل الرئيس السابق مبارك في 2011. وبالرغم من كل محاولات حكومات ما بعد الانقلاب لقمع الإضرابات والأشكال الأخرى من الاحتجاجات العمالية، فقد ظلت هذه الاحتجاجات في مستوى تاريخي مرتفع. ووفقا لمؤشر الديمقراطية، كان هناك 1117 احتجاج عمالي في 2015 و493 احتجاجا في الربع الأول من 2016. 47 وبدت عملية تعبئة العمال التي بدأت في نهاية التسعينيات وازدادت حدة في 2004، ثم في 2011، قصة لم تنته بعد.
تونس ومصر
في تونس، كما في مصر، كانت تعبئة العمال والعاطلين وأسرهم وجيرانهم في السنوات السابقة على الانتفاضة الجماهيرية عنصرا فعالا في الضغوط الاجتماعية والاحتجاجات التي بلغت ذروتها بالإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011.
أُنشئ الاتحاد العام التونسي للشغل ككيان مستقل سنة 1946، قبل 10 أعوام من الاستقلال عن فرنسا. وأصبح الاتحاد قاعدة اجتماعية مهمة استراتيجيا بالنسبة لحزب الدستور الجديد، الحزب القائد لعملية المطالبة بالاستقلال. ونتيجة الدور الحيوي للاتحاد في الحركة الوطنية، فقد استطاع الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية عن الدولة وحزبها الحاكم في ظل حكم الحبيب بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي. وسعى هذان الحاكمان السلطويان إلى فرض قيادة موالية للنظام على الاتحاد. وبحلول بداية التسعينيات، تصالحت قيادة الاتحاد على المستوى القومي مع النظام السلطوي وتخلت عن النضال ضد إعادة الهيكلة النيوليبرالية للاقتصاد التونسي. وبالرغم من ذلك، كانت القيادة القومية للاتحاد التونسي أكثر هجومية من نظيرتها المصرية، في الدفاع عن حقوق العمال فيما يخص الأجر والحقوق الأخرى في أماكن العمل. ولعل الأهم هو أن القادة على المستوى المحلي والإقليمي، الذين لم يكن لهم نفوذ حقيقي في بنية الاتحاد العام في مصر، حافظوا في تونس على تقليد من العمل النقابي النشط المرتبط بشكل ما من أشكال الوعي السياسي اليساري. وعمل أعضاء الاتحاد التونسي من ذوي الياقات البيضاء، خاصة المدرسين والعمال الصحيين والعاملين في البريد والتلغراف، كمثقفين عضويين للطبقة العاملة، بالمعنى الوارد في كتابات جرامشي. وكثيرا ما قاد هؤلاء إضرابات قوية وغير مرخصة من جانب الدولة. وكان بعض من هؤلاء منتميا إلى الحزب الشيوعي التونسي (الذي أصبح الآن يُسمى حركة التجديد) أو حزب العمال الشيوعي التونسي (حزب العمال التونسي) أو أحزاب يسارية غير قانونية.
وفي يناير 2008، قبل نحو ثلاث سنوات من إقدام محمد طارق بوعزيزي على حرق نفسه، مما أشعل الاحتجاجات في تونس وعبر المنطقة العربية، اندلعت مظاهرات في الرديف وفي قفصة المجاورة، حيث حوض استخراج الفوسفات. واتهم العمال شركة قفصة للفوسفات المملوكة للدولة بالقيام بممارسات للتعيين تقوم على المحسوبية بالتواطؤ مع المسؤولين المحليين. وساعد القادة المحليون للمدرسين ونقابات العمال الصحيين وأعضاء اتحاد حاملي الشهادات العليا المعطلين عن العمل في تنظيم الاحتجاجات وتوسيعها عبر محافظة قفصة. وانضم إلى هذه الاحتجاجات المدرسون وعمال آخرون من ذوي الياقات البيضاء، إلى جانب النساء والشباب، ليس فقط للمطالبة بعدالة إجراءات التعيين في المناجم، بل أيضا ببرنامج شامل للوظائف. وبالتالي، كانت واحدة من أفقر المناطق في تونس وأكثرها تهميشا في حال تمرد كامل ضد الحكومة المركزية، التي أدت سياستها الاقتصادية النيوليبرالية إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين خريجي المدارس الثانوية والجامعات، ومحدودية الفرص الاقتصادية. واستمرت الاشتباكات لستة أشهر، بلغت ذروتها في قيام الشرطة العسكرية بقتل اثنين من المتظاهرين.
وأعرب الطلبة الراديكاليون في المدن الساحلية الأكثر ازدهارا والصحافة المعارضة وتونسيو الشتات في فرنسا ومونتريال عن دعمهم للمظاهرات. لكنهم انضموا متأخرين إلى هذا النضال، ولم يقدّروا في البداية أهميته ولا إمكاناته السياسية، نظرا لأن المحتجين لم يطالبوا بتغيير النظام ولا بالديمقراطية. وبالرغم من قمع الاحتجاجات بقسوة، فقد اتسع التأييد لمواطني قفصة. ونشر نشطاء الإنترنت معلومات عن الأحداث في بلدات التعدين. وفي إجراء يائس، أغلق النظام الفيسبوك في شهر أغسطس من ذلك العام.48
كان تمرد قفصة في 2008 الحركة الاجتماعية الأهم في تونس منذ تمرد الخبز سنة 1984. وكان الاختلاف بين الحدثين أن الاتحاد العام التونسي للشغل لم يؤيد الحركة في 1984 في العلن ولم يعارضها في العلن أيضًا. لكن تمرد 2008، الذي بدأه العمال العاديون غير القياديين والعاطلون وعائلاتهم والقيادات المحلية للاتحاد العام للشغل، كان يستهدف قيادة الاتحاد العام للشغل على المستوى القومي وقيادة نقابة عمال مناجم الفوسفات (لأنها كانت متواطئة تماما مع النظام والحزب الحاكم) ونظام بن علي.
حدثت موجة الاحتجاجات الكبيرة التالية في تونس في ديسمبر 2010، في أعقاب انتحار بوعزيزي. واضطرت قيادة الاتحاد العام للشغل، بفعل الضغط من القواعد، إلى الانتقال من الدعوة إلى “حوار”، إلى إصدار بيانات تعارض قمع المتظاهرين، إلى إعلان التأييد الكامل للانتفاضة الشعبية قبل بضعة أيام فقط من سقوط بن علي.
واتهم بن علي المعارضة في خطاب ألقاه في 10 يناير بأنها “عناصر معادية” تتلقى تمويلا من الخارج، وبأن المعارضين “باعوا أرواحهم إلى التطرف والإرهاب”. وفي ذلك اليوم، اقتحم 30 عاملا مكتب الاتحاد العام للشغل الإقليمي في قفصة، مطالبين القيادات المحلية بمساندة المحتجين. ودفع سلوك بن علي الذي يفتقر إلى الحساسية قيادة الاتحاد على المستوى القومي إلى السماح بإضراب عام إقليمي في صفاقس وقيروان وتوزر في 11 يناير، تبعه إضراب عام في تونس كلها يوم 14 يناير، اليوم الذي رحل فيه بن علي.
وبالتالي، فبعد أن ظلت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل تتذيل جمهوره لما يزيد على عقد من الزمن، نجحت هذه القيادة في اللحاق بالعصر الجديد. وأصبح ثلاثة من ممثلي الاتحاد وزراء في الحكومة الانتقالية. وأدت استقالتهم بعد يوم واحد من توليهم مناصبهم ـ احتجاجا على أن أعضاء من الحزب الحاكم السابق، التجمع الدستوري الديمقراطي، قد حظوا بنفوذ ضخم في الوزارة الجديدة ـ إلى تشكيل حكومة جديدة وحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في 9 مارس. وفي ديسمبر 2011، انتخب مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل قيادة جديدة كانت تتألف في معظمها من مناضلين ارتبطوا تاريخيا باليسار. ومع ذلك، لم يتم انتخاب أية امرأة في هذه القيادة، وهو ما يُعتبر إقصاء غير ديمقراطي له أهميته.
وكما هو الحال في مصر، لم تأخذ دورة الصراع التي بدأت في سيدي بوزيد في تونس في ديسمبر 2010 مجراها. كانت المحنة الاقتصادية التي أدت إلى قيام الحركة الشعبية أعمق من أي وقت مضى. وظلت نسبة البطالة في المدن والبلدات الجنوبية مثل سيدي بوزيد وتالة والقصرين نحو 40 في المائة. وبين 2011-2013، بلغ متوسط عدد الإضرابات سنويا نحو 500. 49 وفي يناير 2016، تمرد الفقراء والعاطلون في القصرين لمدة أسبوع، مطالبين بالوظائف والتنمية الاقتصادية. ورفعوا شعارات مثل “لن نتنازل عن حقنا في التنمية والتشغيل”.
لكن على عكس الحال في مصر، لم يكن العمال في تونس مضطرين إلى تشكيل اتحادات جديدة. فقد كان الاتحاد العام التونسي للشغل يمثل نحو 700 ألف عامل أجير، بين 3.8 مليون. وهذه كانت أكبر مؤسسة مدنية في تونس. وفازت الأحزاب اليسارية الصديقة للعمال بـ 13 في المائة من مقاعد الجمعية التأسيسية التي جرى انتخابها في أكتوبر 2011، وهو ما يبلغ نحو ضعف النسبة التي حصلت عليها الأحزاب المثيلة في مصر في أول انتخابات بعد رحيل مبارك. وفاز ائتلاف الجبهة الشعبية اليساري بـ 15 مقعدا من 217 مقعدا في الانتخابات التشريعية في 2014، وكان رابع أكبر قوة في البرلمان. لكن ذلك لم يكن كافيا لإجبار الحكومة التونسية على التخلي عن السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي كان كل من نداء تونس والنهضة يلتزمان بها على نحو متساو. لكن ذلك كان يعني أن العمال واليسار لديهم وجود أكبر في السياسة التونسية من أي وقت مضى، وبالقطع أكبر منه في السياسة المصرية.
بعض الاستنتاجات الأولية
ربما تكون النتيجة الأهم التي يمكن استخلاصها من تجربتي مصر وتونس أن عنصر الطبقة لا يزال مؤثرا. وبالرغم من الهيمنة الظاهرة لمشروع العولمة النيوليبرالية الاقتصادي والأفول الأيديولوجي للماركسية السلطوية، لا تزال الطبقة العاملة باقية كحقيقة اجتماعية. كما أن علاقات الإنتاج تظل مؤثرة. فنتيجة لارتفاع مستوى التعليم والمهارات والاستقلالية في موقع العمل، كان للعمال البولنديين قدرة أكبر على التنظيم مقارنة بعمال النسيج في مصر وتونس الخاضعين للإشراف المباشر من جانب الإدارة، خاصة الشابات العاملات في مجال صناعة الملابس الجاهزة.
وعادة كانت المظالم المحلية هي الدافع وراء الاحتجاجات العمالية التي تمت دراستها هنا، وكان التهديد، وليس الفرص، هو المحرك لهذه الاحتجاجات. وكان يمكن لقيادة جيدة وقوة عمل أفضل تعليما أن تحولِّ مظالم محلية مثيلة إلى حركة على المستوى القومي. وكان يمكن للتنظيم أن يحولِّ هذه الحركة إلى بديل سياسي للنظام. وفي هذه العملية، تكون الصلات بين العمال والمثقفين مهمة، ويساعد وجود عنصر إعلامي فعال على صياغة البدائل. وبوسع الفيسبوك أن يقوم بهذه المهمة بالنسبة للطبقات الوسطى المتعلمة، ولكن ليس بالنسبة للعمال.
وليس من الضروري أن توجد أيديولوجيا موحدة كي يتحرك العمال، بل يكفي وجود تحديد واضح للعدو. وفي فترة مبكرة تعود إلى ديسمبر 1970، حدد العمال في شتشيتسين عدوهم في الدولة. وبحلول سبتمبر 1981، أصبح كثير من عمال سواحل البلطيق راغبين في تغيير النظام. وأدى ذلك إلى حدوث ما يشبه الخلاف مع المثقفين في مؤتمر تضامن الأول على المستوى القومي.50 وعلى عكس ذلك، كان طبيعيا أن يرى العمال المصريون أن العدو هو إدارات الشركة التي يعملون بها أو الشركة العامة القابضة، أو ربما الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. لكنهم نادرا ما تحدثوا عن تغيير النظام.
وقد تميزت تضامن على الحالة المصرية بما يلي: التعليم الأفضل للقوى العاملة، والتنظيم على المستوى القومي، وشبكات المصانع على المستوى المحلي والإقليمي، والتحالف الناجح بين العمال والمثقفين، وهيمنة الأيديولوجيا التي تضع العمال في وضع مميز ولو شكليا، والدعم الدولي في مواجهة تراجع نفوذ الاتحاد السوفيتي. وكان ما يميز تونس عن مصر هو وجود الاتحاد العام التونسي للشغل، وقدرة القيادات الفرعية والعمال العاديين على إجبار المنظمة على الانضمام إلى الحركة المعارضة لزين العابدين بن علي، ثم قيادة التحول إلى الديمقراطية عبر تنظيم وقيادة اللجنة الرباعية للحوار الوطني، التي ألزمت الأحزاب السياسية العاجزة بتبني الدستور الأكثر ليبرالية في العالم العربي. وبالرغم من ذلك، تظل الديمقراطية في تونس مشروعا متنازعا عليه وغير مكتمل.
على النقيض من ذلك، ظل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ملاذا لبقايا نظام مبارك. ولم تجرب مصر ولا تونس بعد إعادة هيكلة الاقتصاد أو تطبيق حلول لمشكلة بطالة الشباب أو التوزيع الأكثر مساواة لثروة البلاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جويل بنين هو دونالد جي ماكلاشلان، أستاذ التاريخ وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة. وتستند هذه الورقة على البحث الإثنوجرافي، والملاحظة بالمشاركة في مصر خلال الفترة 2004-5، و2006-8 و2009 و2011. وتم نشر بعض هذه الملاحظات في النضال من أجل حقوق العمال في مصر The Struggle for Workers Rights in Egypt (Washington, DC, Solidarity Center 2010) وكذلك حركة اجتماعية عمالية على هامش النظام النيوليبرالي العالمي A Workers’ Social Movement on the Margin of the Global Neoliberal Order, Egypt 2004-2009 والحركات الاجتماعية، الحشد والنزاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا Social Movements, Mobilization, and Contestation in the Middle East and North Africa ed وجويل بنين وفريدريك فيريل Stanford, CA: Stanford University Press, 2011 ظهرت نسخ سابقة من هذا المقال في جويل بنين صعود عمال مصر The Rise of Egypt’s Workers.(Washington DC, Carnegie Endowment for International Peace, 2012)
- Ragui Assaad, “Gender and Employment: Egypt in Comparative Perspective,” in Women and Globalization in the Arab Middle East, ed. Eleanor Doumato and Marsha Pripstein Posusney(Denver, Co: Lynne Reinner, 2003); Ragui Assaad, “Introduction,” in Egypt’s Labor Market Revisited, ed. Ragui Assaad(Cairo: American University in Cairo Press, 2009), 8-1
- Marsha Pripstein Posusney, Labor and the State in Egypt: Workers, Unions, and Economic Restructuring, 1952-1996 (New York: Columbia University Press, 1997), 101, 132, 136-38, 142; Joel Beinin, “Will the Real Egyptian Working Class Please Stand Up?,” in Workers and Working Classes in the Middle East: Struggles, Histories, Historiographies, ed. Zachary Lockman (Albany: State University of New York Press, 1994), 247-70.
- Posusney, 148.
- كانت قيمة الأجور بالعملة الصعبة في ذلك الوقت غير واضحة. فقد كان الجنيه المصري مقوما بأكثر كثيرا من قيمته، وكانت أسعار العديد من السلع الاستهلاكية مدعومة..
- Beinin, “Will the Real Egyptian Working Class Please Stand Up?,” 252-53.
- Joel Beinin, Workers and Peasants in the Modern Middle East (Cambridge: Cambridge University Press, 2001), 153-59, 165.
- Lutfi al-Khuli, “Jamahir yanayir bayna al-hukuma wa’l-yasar,” al-Tali‘a 13 (no. 2, February 1977):7-10; Husayn ‘Abd al-Raziq, Misr fi 18 wa 19 yanayir: dirasa siyasiyya watha’iqiyya, (Beirut, 1979); Ahmad Sadiq Sa‘d, Hajatuna ila istratijiyya ishtirakiyya jadida: qira’a thaniya fi ahdath yanayir 1977,” al-Tariq 46 (no. 4, 1986):10-4 For my analysis of January 1977, see “Will the Real Egyptian Working Class Please Stand Up?”
- Posusney, 111.
- For details, see my pseudonymous articles in The Guardian (New York): “Sadat Throttles His Critics as Economy Worsens,” Oct. 29, 1980; “Sadat Consolidates Power,” May 28, 1980; “Internal Opposition Shakes Sadat’s Regime,” April 16, 1980.
- Omar El Shafei, “Workers, Trade Unions, and the State in Egypt: 1984-1989,” Cairo Papers in Social Science 18, no. 2 (1995): 22-36; Posusney, 144ff; Nicola Christine Pratt, The Legacy of the Corporatist State: Explaining Workers’ Responses to Economic Liberalisation in Egypt (Durham: University of Durham, Centre for Middle Eastern and Islamic Studies, 1998).
- Posusney, 139; El Shafei: 19; Hishaam D. Aidi, Redeploying the State: Corporatism, Neoliberalism, and Coalition Politics (New York: Palgrave Macmillan, 2009), 142-43.Huwayda ‛Adli Ruman, “al-Haraka al-ihtijajiyya l’il-tabaqa al-‘amila al-misriyya, 1982-91,” in Humum misr wa-azmat al-‛uqul al-shabba, ed. Ahmad ‛Abd Allah(Cairo: Markaz al-Jil lil-Dirasat al-Shababiyya wa’l-Ijtima‛iyya, 1994), 173-96; Pratt, 70.
- Tamer Abdel-Kader, “State, Capital and Workers’ Protests in Egypt,” (M.A. thesis, American University in Cairo, 1998), 79, 84.
- World Bank, Will Arab Workers Prosper or Be Left Out in the Twenty-First Century (Washington, D.C.: The World Bank, 1995), 4.
- Mona Said, “The Fall and Rise of Earnings and Inequality in Egypt,” in The Egyptian Labor Market Revisited, ed. Ragui Assaad(Cairo: American University in Cairo Press, 2009), 54-55.
- El Shafei, 22-25.
- El Shafei, 25-28; Posusney, 144.
- El Shafei: 33-36.
- Joe Stork, “Egypt’s Factory Privatization Campaign Turns Deadly,” Middle East Report, No. 192 (Jan.-Feb.1995):29.
- El Shafei, 52
- Posusney, 180-230.
- World Bank, Most Improved Business Reformers in D B 2010 (Washington, DC: The World Bank,, 2011); World Bank, Most Improved Business Reformers in D B 2009 (Washington, DC: The World Bank, 2010); World Bank, Most Improved Business Reformers in D B 2008 (Washington, DC: The World Bank, 2009)..
- Beinin, “A Workers’ Social Movement on the Margin of the Global Neoliberal Order, Egypt 2004-2009,” 188-90.
- Ibid.; Beinin, “Workers and Egypt’s January 25 Revolution,” 189-96.
- Mustafa al-Basyuni and ‛Umar Sa‛id, Rayat al-idrab fi sama’ misr: 2007, haraka ‛ummaliyya jadida (Cairo: Markaz al-Dirasat al-Ishtirakiyya, 2007), 13, 15, 19.
- Beinin, “A Workers’ Social Movement on the Margin of the Global Neoliberal Order, Egypt 2004-2009,” 188-90.
- Francesca Ricciardone, “Gendering Worker Contestation in Egypt” (M.A. thesis, American University in Cairo, 2008); Beinin, The Struggle for Worker Rights in Egypt 71-72.
- Joel Beinin and Hossam el-Hamalawy, “Egyptian Textile Workers Confront the New Economic Order,” Middle East Report Online (2007). http://www.merip.org/mero/mero032507 (accessed March 12, 2012); Joel Beinin, “The Militancy of Mahalla al-Kubra,” ibid. http://www.merip.org/mero/mero092907 (accessed March 20, 2012).
- Joel Beinin, “L’Egypte des ventres vides,” Le Monde Diplomatique, May 2008.
- Lina Atallah, “Workers, Activists Demand National Minimum Wage, Egypt Independent, May 2, 2010
- Charles Tilly and Sidney G. Tarrow, Contentious Politics (Boulder, CO: Paradigm Publishers, 2007), 8.
- Marie Duboc, “La Contestation sociale en Égypte depuis 2004: Précarisation et mobilisation locale des ouvriers de l’industrie textile,” Revue Tiers Monde (2011). http://aucegypt.academia.edu/MarieDuboc/Papers/1047635/La_contestation_s….
- Raphaël Kempf, “Racines ouvrières du soulèvement égyptien,” Le Monde Diplomatique, March 2011.
- Roman Laba, The Roots of Solidarity: A Political Sociology of Poland’s Working-Class Democratization (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1991), 3-6, 11, 99, 100, 104.
- Michael D. Kennedy, Professionals, Power and Solidarity in Poland (Cambridge: Cambridge University Press, 1991), 35; Laba, The Roots of Solidarity: A Political Sociology of Poland’s Working-Class Democratization, 30, 37.
- Kennedy, Professionals, Power and Solidarity in Poland, 50.
- Ibid., 41; Cyrus Ernesto Zirakzadeh, Social Movements in Politics: A Comparative Study, expanded edition ed. (New York: Palgrave Macmillan, 2006), 97.
- Mu’assasat Awlad al-Ard l-Huquq al-Insan, “186 i‘tisaman wa-77 idraban wa-151 tazahura wa-48 waqfa ihtijajiyya wa-27 tajamuran wa-fasl wa-tashrid 4205 ‘amilan hisad al-haraka al-‘ummaliyya fi shahr fibrayir,” http://www.e-socialists.net/node/6689
- Kamal Abu ‘Ayta, et al, Matalib al-‘ummal fi al-thawra,” al-Ishtirakiyya al-Thawriyya, February 19, 2011, http://www.e-socialists.net/node/6509
- Kempf.
- Yassin Gaber, “Egypt Labor Minister Declares the End of Government Domination of Trade Unions,” Ahramonline, March 14 2011.http://english.ahram.org.eg/NewsContent/1/64/7652/Egypt/Politics-/Egypt-Labor-minister-declares-the-end-of-governmen.aspx (accessed April 20, 2012).
- “Foundation of the Egyptian Democratic Labour Congress,” October 16, 2011.
- Ben Moxham, “Egypt’s New Labor Movement Comes of Age,” AFL-CIO Blog, February 1, 2012, www.aflcio.org/Blog/Organizing-Bargaining/Egypt-s-New-Labor-Movement-Comes-of-Age; Anne Alexander, “The Workers’ Movement in Egypt,” Socialist Review, March 2012, http://socialistworker.org/print/blog/critical-reading/2012/03/09/where-egyptian-revolution-goin
- Jano Charbel, “A Year in Review: The Labor Battle Continues,” Egypt Independent, December 31, 2011, www.egyptindependent.com/news/year-review-labor-battle-continues; Anne Alexander “The Egyptian Workers’ Movement and the 25 January Revolution.” International Socialism 133, 2012; http://www.isj.org.uk/index.php4?id=778&issue=133; Alexander, “The Workers’ Movement in Egypt”; Moxham, “Egypt’s New Labor Movement Comes of Age,”
- I collated the monthly reports for 2011 from several different websites and conservatively calculated the number of participants in collective actions.
- Jano Charbel, “Strikes in public sector textile companies reach new high,” Mada Misr, Feb. 18, 2014, http://www.madamasr.com; AbdelHalim H. AbdAlla, “Spinning and weaving workers at Kafr Al-Dawar strike in solidarity with Mahalla workers,” Daily News Egypt, Feb. 16, 2014,http://www.dailynewsegypt.com/2014/02/16
- Egyptian Centre for Economic and Social Rights, “Protests in 2014,” http://ecesr.org
- Adham Youssef, “Workers suppressed, arrested, and stripped of rights on May Day,” Daily News Egypt, May 2, 2016,http://www.dailynewsegypt.com/2016/05/02/workers-suppressed-arrested-stripped-rights-may-day/
- Laryysa Chomiak and John P. Entelis, “The Making of North Africa’s Intifadas,” Middle East Report, no. 259 (2011): 8-15.
- Nawaat.org, November 4, 2014 on the basis of information from the Ministry ofSocial Affairs.
- Laba, 103.