عرض مقال: “كيف نتأقلم حال فشل الرأسمالية؟ اسأل عمال المصنع اليوناني الـ26”

عرض مقال: “كيف نتأقلم حال فشل الرأسمالية؟ اسأل عمال المصنع اليوناني الـ26”

لعبت الرأسمالية منذ ظهورها دورا بارزا في تغيير أنماط الحياة بكافة جوانبها؛ سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وأثرت بشكل إيجابي على بعض الفئات وبشكل سلبي على فئات أخرى من البشر، ولم يقتصر تأثيرها على البشر بل امتد ليشمل كافة المخلوقات بل والطبيعة المناخية أيضا، لذا وجدنا أنه من المهم عرض تلك المقالة التي تم نشرها مؤخرا في صحيفة الجارديان البريطانية، والتي جاءت بعنوان “كيف نتأقلم حال فشل الرأسمالية؟ اسأل عمال المصنع اليوناني الـ26” “How could we cope if capitalism failed? Ask 26 Greek factory workers” . للكاتب: Aditya Chakrabortty

استهل الكاتب مقالته بالحديث عن مجموعة من العاملين في مصنع فيومي باليونان والذين ضربوا مثالا رائعا عن التجارب الاجتماعية في أوروبا الحديثة، ففي زخم الأزمة اليونانية في 2011، أفلست شركة الكيماويات للبناء التي يعمل بها هؤلاء العمال في مدينة سالونيك، فكانت السيناريوهات المتوقعة لهم هي التسريح من العمل والعيش في فقر مدقع، مع عدم القدرة على توفير عمل آخر نتيجة لما تمر به اليونان من ركود اقتصادي لم يسبق له مثيل بالاتحاد الأوروبي، ولكنهم سلكوا مسلكا آخر حيث قرروا تشغيل مصنعهم بأنفسهم، للوهلة الأولى بدا ذلك مجرد مظهر زائف خارجي ولكن بالنظر عن كثب يتضح أنهم قد ضربوا مثلا عظيما يمكن تطويعه ليكون منهجا سياسيا أيضا.

بدأ الكاتب في وصف آلية العمل داخل المصنع، حيث لا يوجد رئيس محدد ولا يوجد تراتيبية بين الموظفين، فالجميع سواء ويجتمعون معا على مائدة واحدة لممارسة كافة أنشطتهم اليومية، ويستمر الكاتب في وصفه لعمال المصنع على أنهم مجموعة من النساء والرجال في منتصف أعمارهم عانوا من الملل الوظيفي منذ عام 2004 حيث إنشاء المصنع، ولكنهم الآن بدأوا في العمل سويا بدون أي فارق بينهم، فجاء على لسان أحدهم أنه قبل انتهاج تلك الآلية في العمل، كانت جل معلوماته تنحصر في المهمة التي يقوم بها ولكن بعدما بدأ في التشارك مع رفقائه اكتسب مزيدا من المهارات والمعارف، وتخطى مفهوم الأنا ليحل محله نحن. وكونوا مجتمعا متآلفا داخل المصنع، لذا عندما حاول اصحاب المصنع القدامى استعادة آلاتهم تشكلت سلاسل بشرية من المقيمين في سالونيك ومن عمال المصنع أمام المصنع للدفاع عنه.

وانتهج عمال المصنع أسلوب آخر للإدارة وأثبتوا قدرتهم على مواجهة فشل الرأسمالية وهو احترام رغبات الناس؛ فحينما أشار عليهم سكان المنطقة بعدم إنتاج مواد البناء الكيميائية بدأوا في إنتاج الصابون والمنظفات صديقة البيئة، وبدأوا أيضا في استخدام المصنع كعيادة للعمال والسكان مرة أسبوعيا، وكمأوى لمساعدة اللاجئين خاصة بعد تقليص نفقات التأمين الطبي عقب سياسة التقشف التي طبقتها الحكومة، والتي هربت بعدها الطبقة الحاكمة خارج البلاد. ولعل هذا هو نقيض ما يتم تطبيقه في الشركات الكبرى التي ينعزل فيها الموظفون عن العالم الخارجي، وصوت مدير خطوط الإنتاج هو الصوت الوحيد المسموع. ويستمر الكاتب في تصويره للتآلف بين الناس في المدينة وحبهم لعمال المصنع، فيصف المسرحية التي مثلها المسرح القومي في سالونيك حيث قامت الممثلة الرئيسية بالحديث عن المصنع ومنتجاته، فتعالت التحيات بين الجموع وتسارعوا في جمع الأموال لمساندة عمال المصنع، الذي شغل مساحة مهولة من الأرض وحوى نحو 350 عاملا قديما، ولكن الآن يعمل به نحو 26 عامل فقط مستغلين مساحة صغيرة من المساحة الأصلية، أما عما يحققونه من أرباح فهو يتساوى تقريبا عما كانوا سيتلقونه من معونة البطالة.

وعلى الرغم من كل نقاط الضعف داخل مصنع فيومي؛ إلا أنه مازال يمثل درسا سياسيا للبريطانيين، فمنذ الاستفتاء الذي تم حول الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016 والبريطانيون يعيشون حالة من التخبط حيث ساسة يدعون معرفتهم وإدراكهم للواقع المحيط بينما هم لا يسمعون سوى أنفسهم فقط، وأي محاولة ديمقراطية للاعتراض أو للتوعية مثل الصادرة عن حزب العمال، يتم وصفها بحكم الغوغاء، فالسياسة في بريطانيا يتم حياكتها من قبل حديث عضو من الحزب المحافظ مع صديقه في حفلة شامبنيا، وذلك بعيدا تماما عن رغبات الشعب الذي لا يدرك أين تكمن المصلحة العامة، لذا فإن رغبنا حقا في فهم ما تعنيه الديمقراطية؛ فينبغي النظر لأولئك العمال في سالونيك وكيف طبقوها فيما بينهم عوضا عن الحديث عن الاستفتاءات والتي قادت بريطانيا لما هي عليه الآن.

التقييم:

يمكننا أن نتبين ما فعلته الرأسمالية مؤخرا في القضاء على أسس التعاون والمؤازرة والمساواة ما بين الناس، والمساهمة في تراكم الثروات عند البعض، وتقلصها عند الآخرين، وخاصة حينما وضح الكاتب الفارق بين عمال مصنع فيومي وموظفي الشركات الكبرى وطرق إدارتها، ولكن حينما يجرفنا المقال للحديث عن السياسة فنجد أن الفارق كبيرا جدا، فلا يمكن أن نقارن 26 عاملا في مدينة صغيرة بدولة كبرى تضم ملايين البشر كبريطانيا، شتان بين الحالتين، كما أن كل دولة ومكان يكون له الطابع الثقافي والاجتماعي الخاص به، لذا لا يمكننا أن نحتذي بنموذج في مكان ما لنطبقه في مكان آخر.

للاطلاع على المقال الأصلي:

Aditya Chakrabortty, “How could we cope if capitalism failed? Ask 26 Greek factory workers”, the guardian, 18 July 2017

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart