لماذا الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة أقل حرجا (أو خطورة) في تونس عنها في مصر
على رغم المسارات المتباينة التي سلكتها كل من مصر وتونس بعد انتفاضات 2010-2011، تواجه هاتان الدولتان راهناً تحديات اقتصادية مماثلة. فهما تعملان على تطبيق إصلاحات تشمل زيادة الضرائب، واقتطاع النفقات – بما في ذلك تخفيضات في أجور القطاع العام-، وخفض قيمة عملتيْهما. مثل هذه التدابير غير الشعبية تختبر قدراتهما على العمل من دون تقويض الاستقرار السياسي والاجتماعي. قد يبدو الإصلاح أسهل في ظل النظام السلطوي في مصر، حيث يمكن قمع المعارضة بسهولة أكبر، لكن النظام الديمقراطي والتعددي التونسي في وضع أفضل للتفاوض بشأن برامج إعادة الهيكلة الاقتصادية مع مختلف أصحاب المصلحة المحليين، وإرساء هذه السياسات على أسس توافق سياسي يحدّ من المخاطر الاجتماعية والسياسية. لابدّ للمؤسسات المالية الدولية والدائنين والمستثمرين من التأكد من أن عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية لا تقوّض الدمقرطة الناجحة الوحيدة ربما في المنطقة أو تترك تونس لتعود إلى السلطوية تحت غطاء الفعالية الاقتصادية.
الأزمات الاقتصادية في مصر وتونس
منذ العام 2011، واجهت مصر وتونس مروحة من المشاكل الاقتصادية، تشمل تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع البطالة، وتدني مستويات الاستثمار. في تونس، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.8 في المئة بين 2011 و2015 مقارنة بنحو 4.6 في المئة بين 2006 و2010. أما في مصر، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.5 في المئة بين 2011 و2015، في تراجع عن 6.2 في المئة بين 2006 و2010. ارتفعت البطالة في الدولتيْن: من حوالى 9.0 في المئة في العام 2010 إلى 12.6 في المئة خلال 2016 في مصر؛ ومن نحو 13.0 في المئة في 2010 إلى 15.5 في المئة خلال 2016 في تونس. أما صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، باعتباره نسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فقد شحّ في كلا البلدين بعد الانتفاضات. وانخفضت هذه الاستثمارات من 2.9 في المئة خلال 2010 إلى 2.1 في المئة خلال 2015 في مصر، وكذلكتراجعت من 3.0 في المئة إلى 2.2 في المئة خلال الفترة نفسها في تونس.
كان لهذه الاتجاهات الاقتصادية الكلية أثر سلبي على المالية العامة لكلا البلدين. في مصر، قفز عجز الموازنة من 8.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 إلى 11.6 في المئة في العام 2015. وارتفع الدين العام المصري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 73.7 في المئة في العام 2010 إلى 85.0 في المئة خلال 2015. ووفقاً لبعض التقارير الإعلامية، قد يزداد دين البلاد الخارجي بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، على الرغم من أن القروض التي منحها صندوق النقد الدولي إلى البلاد صُممت لمساعدتها على كبح جماح عجز الإنفاق الحكومي. في الوقت نفسه، ارتفع عجز الموازنة في تونس من 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 إلى 3.7 في المئة في العام 2015. وعلا الدين العام التونسي بدوره من 44.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 إلى 54.6 في المئة خلال 2016. واستناداً إلى البنك الدولي، سجل إجمالي أرصدة الدين الخارجي للبلاد بالدولار، الذي يشمل الدين العام والخاص، ارتفاعاً ملحوظاً من 53.5 في المئة من إجمالي الدخل القومي في العام 2010 إلى 65.6 في المئة خلال 2015. أما الرقم نفسه في مصرفكان أقل بكثير (14.4 في المئة من إجمالي الدخل القومي في البلاد خلال العام 2015). بيد أن هذا لايأخذ في الحسبان الزيادة المحتملة خلال السنوات القليلة المقبلة في ضوء خطط الحكومة الرامية إلى زيادة الاقتراض الأجنبي.
تدهورت آفاق ميزان المدفوعات في البلدين، إذ انحدرت بسرعة قدراتهما على تحقيق عائدات بالعملات الأجنبية بعد انتفاضات 2010-2011. وانهارت السياحة بعد تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية، وزيادة هروب رؤوس الأموال، كما انخفض احتياطي العملات الأجنبية بشكل حاد. في مصر، هوت الاحتياطيات بأكثر من النصف بعد الانتفاضة، حيث تراجعت من 37.0 مليار دولار في العام 2010 إلى 15.9 ملياراً خلال العام 2015. أما في تونس، فكان الانخفاض أقل حدة، لكنه بقي ملحوظاً، حيث هبط من 9.8 مليارات دولار في العام 2010 إلى 7.5 مليارات خلال العام 2014. وقد مارس ذلك ضغوطاً تنازلية على عملتيْ البلاد، ما أدّى إلى ارتفاع معدلات التضخم والركود الاقتصادي.
قروض صندوق النقد الدولي وتدابير الإصلاح
بعد العام 2013، اتّسع الشرخ بين الإسلاميين وبين العلمانيين في البلديْن اللذين تلقيا تدفقات رأسمالية كبيرة على شكل قروض متدنية الكلفة ومساعدات مالية. بيد أن ذلك مكّن النخب الحاكمة من تجنُّب تدابير التقشُّف المثيرة للجدل، والحفاظ على ترتيبات سياسية هشّة، على الرغم من تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع مستويات المعيشة. مع ذلك، لم تساهم هذه التدفقات سوى في إكساب الدولتين المزيد من الوقت، ولم يتمّ استخدامها لمعالجة المشاكل الاقتصادية الهيكلية التي تواجهها مصر وتونس. وبالتالي، بحلول العام 2016، لم تجد الدولتان، في ظلّ تدهور وضعهما الاقتصادي، من خيار أمامهما سوى التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن حزم الاستقرار المالي مقابل الحصول على خطوط ائتمان.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، اتخذت الحكومة المصرية خطواتلتأمين قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، شملت تحرير سعر صرف الجنيه المصري، وتخفيض دعم الوقود، وفرض ضريبة على القيمة المضافة (VAT). سبق أن حصلت مصر على 2.75 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وسيتمّ صرف المبلغ المتبقي على شكل شرائح بين 2017 و2019، على أن يبقى ذلك رهناً بإعادة التقييم. وبانت النتائج على الفور: فقد خسر الجنيه المصري نحو نصف قيمته مقابل الدولار الأميركي خلال يوميْن فقط، في حين ارتفعت كل من أسعار البنزين والديزل وعبوات غاز البوتان بين 30 و47 في المئة على التوالي، وفقاً لمصادر رسمية. علاوةً على ذلك، سيؤدي اعتماد ضريبة القيمة المضافة إلى رفع الضرائب على الاستهلاك إلى 13 في المئة في العام 2017 و14 في المئة خلال 2018.
في نيسان/أبريل 2016، أبرمت تونس اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة تمويل بقيمة 2.8 مليار دولار مرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية لمدّة أربع سنوات. غير أن الحكومة التونسية أبدت قدرة أقل بكثير من مصر على اتخاذ تدابير اقتصادية صعبة. ففي موازنتها للعام 2017، اقترحت الحكومة التونسية، برئاسة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، مروحة من التدابير التقشُّفية التي تهدف في الدرجة الأولى إلى خفض عجز الموازنة وديون الحكومة المركزية من 53.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 50.9 في المئة بحلول العام 2019. ولتحقيق ذلك، سعت الحكومة إلى تجميد التوظيف في القطاع العام، وتعليق زيادة الرواتب التي كان اتُفق عليها أساساً مع الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT)، وخفض فاتورة أجور القطاع العام في البلاد من 13.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 إلى 11 في المئة بحلول العام 2018، إضافةً إلى رفع الضرائب على الشركات وبعض المهن.
بيد أن ممثلين عن العمال والشركات والمجموعات المهنية وقفوا في وجه هذه التدابير. ونزل المحامون وأساتذة المدارس الابتدائية والثانوية إلى الشارع، وهدّد الاتحاد العام التونسي للشغل بالإضراب العام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2016. الأمر الذي أجبر الحكومة في نهاية المطاف على التخلي عن تنفيذ برنامجها للإصلاح المالي والاقتصادي. وردّاً على هذه الخطوة، أوقف صندوق النقد الدولي صرف الشريحة الثانية من القرض، ما دفع رئيس الوزراء، الذي كان عازماً على إظهار التزامه بالإصلاح، إلى إقالة الوزير المسؤول عن إصلاح القطاع العام من منصبه، مع الإشارة إلى أن هذا الأخير كان مقرّباً من الاتحاد العام التونسي للشغل. خلق ذلك أزمة سياسية، حيثهدّد الاتحاد بسحب دعمه للحكومة.
قد يكون النظام السلطوي في مصر في وضع أفضل يخوّله فرض السياسات الاقتصادية التي يعارضها العامة. مع ذلك، وبسبب عجز الحكومة عن التوصل إلى توافق في الآراء، قد تكون أكثر عُرضة إلى التأثُّر بمخاطر أي تطورات اقتصادية سلبية. هذا هو السبب الذي يجعل الدول الديمقراطية مثل تونس في وضع أفضل يمكّنها تجنُّب الاضطرابات الطويلة الأمد التي قد تولّد لدى المستثمرين والدائنين حالة من عدم اليقين. فوجود حكومة وحدة وطنية متفقة على الإصلاحات الاقتصادية مع عمّال المؤسسات وممثلي الشركات يجعل من عكس السياسات الاقتصادية المعتمدة أكثر صعوبة وأقل احتمالا.
نهج تونس هذا يحدّ من المخاطر المترافقة مع تطبيق التدابير التقشُّفية. فالسعي إلى تطبيق الإصلاحات الاقتصاديات في إطار ديمقراطي لايعني أن تدابير الإصلاح، كتلك التي تميل إلى أن تكون جزءاً من رزم صندوق النقد الدولي، ستُعتمد من دون تعديلات، بل على العكس، لابدّ من تحديد وتيرة هذه التدابير ونطاقها وتسلسلها، جزئياً أو كلياً، من خلال إجراء حوار بين الممثلين السياسيين والاجتماعيين التونسيين. كما ينبغي على المؤسسات المالية الدولية والدائنين والمستثمرين ورعاة حزم الإصلاح أن يكونوا مستعدين لمنح الحكومة التونسية مهلة كافية للتوّصل إلى ترتيبات مجدية بطريقة توازن بين تدابير النهوض اقتصادياً وبين المحافظة على النظام الديمقراطي الذي لايزال هشّاً في تونس. الجدير ذكره هنا هو أن إعادة الهيكلة الاقتصادية لايجب أن تمهد من دون قصد الطريق لصعود السلطوية من جديد.
مسارات متباعدة بعد الثورة
بعد الانتفاضات العربية، سارت كل من مصر وتونس في اتجاهات سياسية شديدة التباين. في مصر، أدّت الانقسامات العميقة التي ظهرت بين النخبة السياسية وبين المواطنين بين 2011 و2013 إلى انهيار التجربة المصرية الوجيزة مع التعددية السياسية والانتخابات الديمقراطية. ونجم عن ذلك حدوث انقلاب عسكري في تموز/يوليو 2013، عقب مظاهرات جماهيرية ضد الرئيس محمد مرسي وحكومته التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين. وعلى إثرها، أُطيح بمرسي وأُودع السجن.
بيد أن السلطوية عاودت الظهور مجدداً تحت رعاية الجيش الذي يملك السلطة المطلقة. فرض النظام تدابير اقتصادية غير شعبية، مُستغلاً غياب التمثيل المؤسسي لمصالح الشركات والعمّال. فمنذ عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر (1956-1970)، حظيت كلٌ من الشركات والقوى العاملة بتمثيل من خلال هيئات نقابية تُسيطر عليها الدولة. وتمّ إعادة إحياء هذه الهيكلية بعد انقلاب تموز/يوليو 2013. رفضت الدولة الاعتراف بالنقابات العمالية المستقلة وسط حملة قمع للاحتجاجات والإضرابات العامة. في هذا الإطار، أكّد الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الذي تسيطر عليه الدولة، احتكاره للتمثيل العمالي. أما بالنسبة إلى الشركات، فلم تكن تملك معلومات فعلية بشأن صياغة السياسات والقوانين والأنظمة المرتبطة بالاستثمار، التي كان يصوغها كل من الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية واتحاد الصناعات المصرية اللذين تسيطر عليهما الدولة أيضاً.
ونظراً إلى أن أياً من فئات الشركات أو العمال في مصر ليس في وضع يسمح له بالدفاع الجماعي عن مصالحهم، تتأتى المخاطر السياسية الوحيدة التي تشكّلها تدابير التقشُّف من قدرتها على إشعال فتيل الاحتجاجات الشعبية. ربما لهذا السبب تجنّبت الحكومة اتخاذ تدابير اقتصادية مؤلمة بعد تموز/يوليو 2013، قبل أن يجبرها الوضع الاقتصادي المتردي على القيام بذلك أواخر العام 2016. غير أن ردود الفعل الشعبية إزاء هذه التدابير لم تكن ملحوظة على الرغم من ورود تقارير عن غضب واستياء في أوساط العامة. من الواضح أن القيود التي فرضتها الحكومة على الاحتجاجات قد أتت أُكلها، على الأقل لفترة من الوقت. لكن هل سيكون الوضع هكذا دائماً؟ الظروف في تغيُّر مستمر، وإذا تواصل التقشُّف الاقتصادي، ولم يشعر المصريون بأن وضعهم آخذ في التحسُّن، سترتفع عندها مستويات الاستياء. وفي مثل هذه الحال، ستختفي تدريجياً القدرة الراسخة لمؤسسات الدولة القمعية، ليعلو في المقابل صوت المعارضة السياسية التي قد لاتهدد النظام العام والاستقرار وحسب، بل أيضاً استمرارية النظام بحدّ ذاته.
أما في تونس، فقد سلكت التطورات منحىً مختلفاً تماماً بعد العام 2010. إذ نجحت الحكومة وممثّلو الهيئات النقابية – مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (نقابة العمّال) – في دفع النخبة السياسية، الإسلامية وغير الإسلامية، إلى إقرار الميثاق الوطني الذي أفسح في المجال أمام تبنّي دستور العام 2014، وإجراء انتخابات تعدّدية. ونتيجةً للدور الحاسم الذي لعبه الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كصانعَي ملوك، لم يعد بمقدور حكومات ما بعد العام 2014 ممارسة السلطة باعتبارها الآمر الناهي. لذلك، حرص الساسة في غالب الأحيان على نيل دعم النقابات لضمان بقائهم في الحكم. لكن عملية بناء التوافق منحت القوى الاجتماعية العديدة في تونس الصلاحية اللازمة لنقض القرارات الحكومية، فبات تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وفرض التدابير التقشفية رهناً بنتائج المفاوضات والتسويات، أكثر بكثير مما كان عليه الحال في السابق، وبات الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية يتمتعان بصلاحيات واسعة تتيح لهما وقف الإصلاحات التي قد تلحق الضرر بقواعدهما الشعبية.
لم ينبثق الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من العدم غداة إطاحة النظام التونسي في العام 2011، بل كانا أصلاً لاعبين أساسيين على الصعيدين الاجتماعي والسياسي منذ استقلال تونس في العام 1956. وعلى الرغم من تعرّضهما إلى الاختراق وأحياناً الاستلحاق من قِبَل نظامَي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة (1957-1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011)، إلا أن هاتين الهيئتين، ولاسيما الاتحاد العام التونسي للشغل، حافظا على قدرٍ كبير من الاستقلالية المالية والسياسية والتنظيمية. وخلال فصول الانتفاضة ضد بن علي، حثّ ممثّلو الاتحاد العام التونسي للشغل في المناطق الداخلية المواطنين على التظاهر ضد النظام في صفاقس في كانون الأول/ديسمبر 2010، ما ساهم في وصول المدّ الثوري إلى المدن الساحلية الرئيسة في البلاد. يُظهر النفوذ الكبير الذي يتمتع به الاتحاد العام التونسي للشغل أن الجهود التي يبذلها أعضاؤه قد أتت أُكلها أكثر بكثير من جهود نظرائهم في في مصر.
في غضون ذلك، يحتّم نظام الحوكمة في تونس ضرورة التوصّل إلى تسوية. إذ ينبغي على الساسة تحقيق التوافق في ما بينهم حيال التدابير التي لاتحظى بالشعبية والتي قد تكبّدهم ثمناً باهظاً في الانتخابات. ولأن قدرة الحكومات على القمع الجسدي للمعارضة الاجتماعية والسياسية محدودة، فهي تواجه وتاشر أعلى من الاحتجاجات العامة. ففي العام 2016، شهدت تونس أكثر من 8 آلاف حراك اجتماعي تراوحت بين مظاهرات واعتصامات وعمليات استيلاء على أراضٍ واقتحام مبانٍ تابعة للدولة وإضرابات للقطاع العام، وشكّل ارتفاعاً ملحوظاً عن سابقاتها في العام 2015.
إصلاحات وطبقات وسطى تعتمد على الدولة
بقيت ردود الفعل على تدابير التقشّف مُلتهبة في كلٍّ من مصر وتونس لأنها لاتؤثّر بالدرجة نفسها على الفئات الاجتماعية كافة. فواقع الحال أن الأزمات المالية المديدة والشروط التي تُمليها الشركات المالية الدولية تلقي بظلالها على أبناء الطبقة الوسطى في المدن بشكلٍ خاص – ولاسيما موظفي القطاع العام الذين يتقاضون رواتب شهرية. فالتدابير التقشفية – بما في ذلك خفض دعم الوقود، مايزيد أسعار الكهرباء والغاز – تسفر عن انخفاض المداخيل الفعلية. كما أن تعويم العملة الوطنية، يؤدي إلى هبوط سعر الصرف، ما يفاقم التضخم. ويزداد الوضع سوءاً مع زيادة الضرائب غير المباشرة، مثل رفع الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة.
لكن، ماذا عن الفقراء؟ طالما أن الحكومتين المصرية والتونسية تواصلان دعم المواد الغذائية الأساسية، من المستبعد أن ينحدر مستوى الاستهلاك لدى الفقراء بشكلٍ دراماتيكي. فعلى خلاف الطبقة الوسطى، لاينفق الفقراء مبالغ تُذكر سوى على المواد الغذائية والسكن والنقل. وما من خطط ترمي إلى خفض دعم أسعار المواد الغذائية في أيٍّ من البلدين، كما أن الزيادة التي طرأت على أسعار الكهرباء في مصر تصاعدية، أي أن من يستهلك أكثر يدفع أكثر. لكن هذا لايعني أن الفقراء سيبقون في منأى عن تداعيات التقشّف. فقد ارتفعت أسعار مياه الشرب في مصر، ويُتوقّع إقرار زيادات جديدة في العام 2017. وثمة زيادة مُرتقبة على تكاليف النقل، ولاسيما النقل بالمركبات الخاصة، والباصات الصغيرة وعربات التوك-توك التي تأثرت بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. وقد شهدت تونس بدورها توجّهاً عامّاً نحو التقشّف، بيد أنه، على عكس مصر، بقي محصوراً. وفي أعقاب انتفاضة العام 2011، زادت الحكومة دعم أسعار الطاقة لتهدئة بركان الغضب الشعبي من ارتفاع الأسعار. لكنها ما لبثت أن قلبت هذا المسار بدءاً من العام 2012، إذ عمدت إلى خفض هذا الدعم بعض الشيء تحضيراً لإلغائه بالكامل. كما زادت الحكومة أسعار الكهرباء بنسبة 10 في المئة في كانون الثاني/يناير 2014، ثم بنسبة 10 في المئة أخرى في أيار/مايو 2014.
تاريخياً، اعتمدت شريحة واسعة من الطبقة الوسطى، والحضرية على وجه الخصوص، على الدولة في كلٍّ من مصر وتونس، من خلال تبوّؤ الوظائف العامة والإفادة من دعم أسعار الوقود والمواد الغذائية والخدمات العامة. ترقى أحدث البيانات المتعلقة بالوظيفة العامة في مصر إلى إحصاء العام 2006. ووفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للعام 2012، بلغت نسبة العاملين في القطاع الحكومي 36.9 في المئة من إجمالي القوى العاملة. وفي تونس، قدّر البنك الدولي أن نسبة العاملين في القطاع العام بلغت 13.5 في المئة من إجمالي القوى العاملة في البلاد في العام 2011.
تُعزى قدرة الطبقة الوسطى في مصر وتونس على الاستهلاك والحفاظ على مستوى معيشتها، إلى الدعم السخي وغير الموجّه على أسعار الوقود، على الرغم من الادّعاء بأن هذا الدعم كان موجّهاً لخدمة الفقراء. ففي تونس، الشرائح الأكثر ثراءً في المجتمع تستفيد أكثر من غيرها من دعم أسعار الطاقة. إذ يشير تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2013 إلى أن أفقر فئة من الأسر تلقّت مامجموعه 13 في المئة من أموال دعم الطاقة، في حين أن الفئة الأغنى حصلت على 29 في المئة وكانت الحصة المتبقية من الدعم من نصيب الطبقة الوسطى. هذا أمر متوقّع ربما، نظراً إلى أن الأغنياء أكثر استهلاكاً للطاقة من الفقراء. وفي مصر أيضاً، تُعدّ الطبقة الوسطى الفئة الأكثر استفادةً من دعم أسعار الوقود.
من غير المفاجئ أن العاملين في القطاع العام كانوا الأكثر زخماً في مجابهة الإصلاحات النيوليبرالية، والمحاولات الرامية إلى خصخصة المؤسسات المملوكة للدولة، وتقليص عدد موظفي الخدمة المدنية في كلٍّ من مصر وتونس قبل انتفاضات العام 2011 وبعدها. ففي العامين 2013 و2014 على سبيل المثال، تركّز حوالى ثلثي الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات التي شهدتها مصر في القطاع العام. وتاريخياً، كان القطاع العام القطاع الأكثر نقابويةً في البلدين؛ وفي حالة مصر، عوّل هذا القطاع على أهمية دوره لدفع الدولة إلى تقديم تنازلات اقتصادية خلال عهد حسني مبارك. وفي تونس كذلك، أدّى الاتحاد العام التونسي للشغل بفرعيه المحلّي والجهوي دوراً بارزاً في تنظيم الإضرابات وسائر أشكال الاحتجاجات قُبيل اندلاع الانتفاضة، كما شارك وساهم في المظاهرات المعادية للنظام في فترة 2010-2011.
سعت حكومتا مصر وتونس إلى استرضاء وتحييد الطبقات الوسطى المُعتمدة على الدولة من خلال رفع الأجور، وزيادة التشغيل في المؤسسات العامة، وخطوات الدعم. اتّخذت هذه المقاربة في مصر شكلاً أقل مأسسة من تونس، بسبب افتقاد موظفي الدولة إلى اتحاد مستقل، هذا في حين عمل الاتحاد العام التونسي للشغل كمحاور مُنتظم مع الحكومة حول كل القضايا المتعلّقة بالعاملين. وبعد العام 2011، جرى توظيف العديد والعديد من الشبان في الدوائر الرسمية في كلا البلدين، ما أدى إلى زيادة فواتير القطاع العام وفاقم عجوزات الميزانية فيهما.
وهكذا، تم في الفترة بين 2010 و2014 خلق أكثر من 155 ألف وظيفة في القطاع العام في تونس، إلى جانب برنامج تشغيل جماعي مؤقت للشبان العاطلين عن العمل الذين يطلق عليهم اسم “Les Chantier” (بالعربية: ورش العمل). وقد تضاعف عدد الذين وظّفهم البرنامج من 62875 في 2010 إلى نحو 125 ألفاً في 2011، وخَدَمَ “ورش العمل” هؤلاء كوسيلة مهمة لاستيعاب البطالة عبر تشغيل نحو 100 ألف عامل في العام 2015، ماساعد على تخفيف التوترات الاجتماعية في المناطق الداخلية من البلاد. وتُظهر أحدث البيانات منذ العام 2015 أن زهاء 37 في المئة من “ورش العمل” الذين وُظِّفوا يتحدّرون من منطقتي سيدي بوزيد والقصرين المحرومتين واللتين كانتا بؤر مهمة للانتفاضة، هذا في حين جاء 77 في المئة من المناطق الحدودية والداخلية المُهمَّشة. وبالتالي، من شـأن تطبيق إجراءات تقشّف مستقبلاً، وأيضاً احتمال حدوث المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في صفوف عمال القطاع العام، أن يُشعل فتيل الإضرابات والاعتصامات مجددا للمطالبة برفع الأجور وتحسين أوضاع العمال.
في مصر، لايزال موظفو الدوائر المدنية قوة يُعتد بها. ففي العام 2015، رصّ هؤلاء صفوفهم بنجاح ضد قانون الخدمة المدنية (الرقم 18/2015) الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي بمرسوم، وحالوا دونه في البرلمان. كان هذا القانون سيسمح بتقليص الخدمة المدنية ويُشجَع التقاعد المُبكر. في العام 2016 أُقّرت صيغة جديدة مُخففة من هذا القانون، وهي صُمِّمت كي تحقق الأهداف نفسها ولكن بطريقة أقل جذرية ومن دون فصل من الخدمة. معروف أن مصر تلتزم بضمان أن تبقى الزيادة السنوية في رواتب القطاع العام أقل من معدلات التضخم السنوية، وبالتالي إذا فشلت الحكومة في هذا سيرتفع عجز الموازنة، وكذلك التضخم، وبعدها ستطُل الاحتجاجات برأسها مجددا، على رغم القانون القاسي الذي يحد من الاحتجاجات الذي سنّته الحكومة العام 2013.
إصلاح عبر الوفاق أم المراسيم؟
تشي هذه الحقيقة بأن تونس أفضل تموضعاً للتفاوض حول إجراءات الإصلاحات الاقتصادية واسناد هذه المفاوضات إلى توافق سياسي أكثر ديمومة، حتى ولو أن مثل هذه المقاربة تعيق قدرة الحكومة على تنفيذ إجراءات معيّنة. إذ يمكن لتونس أن تفيد من الأشكال المؤسسية المتعلّقة بتمثيل العمال والموظفين. بالطبع، التفاوض حول كيفية توزيع أعباء إعادة الهيكلة الاقتصادية من خلال السعي إلى تحقيق توافق مجتمعي، بدلاً من إصدار إملاءات حكومية من طرف واحد، ليس بالأمر اليسير البتة. لكن، وعلى رغم صعوبة هذا الأمر، إلا أنه يستأهل بذل الجهد وضخ الاستثمار السياسي فيه لضمان الاستقرار طويل الأمد ونجاعة الإجراءات الاقتصادية.
سيكون التحدي الرئيس الذي يُواجه الحكومة هو توسيع عملية بناء الوفاق السياسي لتشمل النقاشات حول أنموذج التنمية التونسي، خصوصاً حين نضع في الاعتبار الضغوطات على الاقتصاد التونسي وكذلك الغموض الذي يلف الاقتصاد العالمي. لكن التغيير حتمي. فبدءاً من السبعينيات، طوّرت تونس اقتصاداً يستند إلى السياحة واسناد الاعمال منخفضة التكلفة لشركات خارجية (Outsourcing)، حيث كانت حوافز الاستثمار تعتمد على الحفاظ على التنافسية والمداخل إلى الأسواق الداخلية من خلال الأجور المنخفضة والقيود على الحراك العمالي. مثل هذا الأنموذج لم يعد قابلاً للاستمرار في مناخات الحرية والتعددية السياسية.فالسياسيون التونسيون، ومعهم ممثلو الموظفين وأرباب العمل، باتوا في حاجة إلى تسويات يُتّفق فيها على التحولات الهيكلية للاقتصاد. وفي ضوء الحضور القوي للنقابات العمال والعقبات المحدودة أمام الاحتجاجات الشعبية، فإن أي أنموذج إصلاحي تتبناه البلاد يجب أن يكون متوازناً، ويتضمن البعد الاجتماعي وتوزيعاً أوسعَ للأعباء بين العمال ورأس المال.
ثمة هنا جانب أساسي قد يساعد على تحديد محصلات خطط الإصلاح في كلٍ من مصر وتونس، وهو ما إذا كان بالإمكان تغيير بعض بنود الخطط لتخفيف الأعباء عن قطاعات معيّنة من السكان. ومجدداً، مثل هذا الاحتمال يصبّ في خانة تونس الديمقراطية حيث الحوار بين العاملين والحكومة أسهل منالا. وهذا أمر لازب وضروري، لأن رُزم الإصلاحات الراهنة في كلا البلدين لها مفاعيل ارتدادية. إذ أن إعادة الهيكلة المالية كانت في السابق تستند عموماً إلى زيادة الضرائب غير المباشرة وخفض المصروفات، مع قدر ضئيل من الجهد لرفع عائدات الضرائب من الشركات الكبرى وأصحاب الملكيات عبر إنفاذ سياسات ضريبية مباشرة وتصاعدية. هذا التوجُّه وضع أعباء الإصلاح على أكتاف الطبقات الوسطى والعمالية بطريقة قوّضت القبول الشعبي لبرامج الإصلاح. وبالفعل، قُدِّمت إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى إلى شركات في كلٍ من تونس ومصر لتشجيعها على الاستثمار وحفز المعافاة الاقتصادية. ففي مصر، على سبيل المثال، تم تعليق ضرائب فُرضت العام 2014 على أرباح الرساميل لمدة سنتين ومن ثَمَّ شُطِبَت عمليا. علاوة على ذلك، جرى تقليص أسعار الضرائب على الدخل من 25 إلى 22.5 في المئة وأُبطلت ضريبة إضافية على المداخيل العالية قبل أن ترى النور.
في تونس، كانت الوضع مختلفاً نسبيا، حيث حاولت الحكومة إيجاد ترتيب يوائم في آن كلاً من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، بيد أن الحكومة كانت في الواقع تُحبِّذ الشركات. ففي أيلول/سبتمبر 2016، أقرّ البرلمان قانوناً جديداً حول الاستثمار (الرقم 71/2016) سيوضع موضع التنفيذ في نيسان/إبريل 2017، يمنح المؤسسات الخاصة حوافز ضريبية مهمة. والملفت أن المسودة الأوّلية لهذا القرار تطرّقت إلى خيار فرض ضرائب على الشركات الخارجية (أوف شور) لكن هذا البند سقط في الصيغة النهائية. وهكذا، تمتعت شركات الأوف شور الخارجية، التي تضم أساساً مستثمرين أجانب، بامتيازات مهمة منذ استهلال مرحلة التحرير الاقتصادي في حقبة السبعينيات.
في الوقت نفسه، طبّقت الحكومة التونسية سياسات ضريبية كانت تنحو، بسبب فرض الضرائب على الاستهلاك وليس الدخل، إلى إلحاق الضرر أكثر بالطبقة الوسطى. وفي ميزانيتها للعام 2017، تُخطط الحكومة لزيادة الضريبة المُضافة (VAT) وضرائب استهلاكية أخرى، تشمل السيارات والكهرباء. تشكّل الضريبة المضافة والضرائب الأخرى على الاستهلاك نحو 58 في المئة من العائدات الإجمالية للضرائب، فيما تشكّل الضرائب المباشرة 42 في المئة. وقد حاولت حكومة الشاهد أن تعوّض عن هذه الإجراءات الضريبية التنازلية (لصالح الدخول المرتفعة) عبر تبنّي ضريبة استثنائية على الشركات يتم تحصيلها هذه السنة فقط، وزيادة الضرائب على معاملات المُلكية. هذه الخطوات تستهدف رفع العائدات التي تشتد الحاجة إليها، فيما تُوزّع الأعباء بين الطبقات الاجتماعية- الاقتصادية. لكن، حين نضع في الاعتبار التردد التاريخي للحكومة في فرض ضرائب على الأغنياء، سيكون علينا الانتظار لمعرفة ماإذا كانت هذه الإصلاحات ستنفَّذ أم لا.
وفي مصر، بالمثل، بلغ معدل الضرائب على أرباح رأس المال والضرائب على الصناعة والتجارة نحو 11.5 فقط من عائدات الضرائب في الفترة بين 2006 و2014، وفقاً لإحصاءات المصرف المركزي المصري. وفي الوقت نفسه، بلغت ضرائب الملكية 5،3 في المئة من عائدات الضرائب في الفترة ذاتها. وفي المقابل، جاءت 45.8 في المئة من عائدات الضرائب في ذلك الوقت من الضرائب غير المباشرة، أي ضرائب المبيعات ورسوم الجمارك المرتفعة.
لماذا المرونة مع الديمقراطيات تكون مُجزية
بالإجمال، يُرجَّح أن يكون للأزمات الاقتصادية في تونس ومصر، والإصلاحات التي يُعتقد أنها ضرورية لمعالجتها، مضاعفات اجتماعية- سياسية عميقة على كلا البلدين. ولهذا، يجب أن يمضي الإصلاح الاقتصادي قُدُماً من داخل عملية تقاوضية مؤسسية مُوجَّهة نحو صوغ توافق حول السياسات المستقبلية. معروف أنه في ظل الأنظمة الديمقراطية كما السلطوية، غالباً ما يكون للإصلاحات الاقتصادية تأثير على الاستقرار السياسي، وهذا لأن السياسات التي تُطبّق تكون لها تبعات سلبية على بعض الأطراف الاقتصادية أكثر من غيرهم، مايثير الاحتجاجات في نهاية المطاف. لكن، ونظراً إلى خطورة الأوضاع الاقتصادية في مصر وتونس، فإن الجلوس في غرفة الانتظار ليس خيارا. ثم أن تنفيذ إجراءات إعادة الهيكلة المالية والاقتصادية ليس في الواقع مجرد قضية تقنية، بل هي الإجراءات سياسية في العمق لأن مضاعفاتها تتعلّق بتوزيع الثروة والأعباء الاقتصادية.
لكل ذلك، يتعيّن على المؤسسات المالية الدولية، والدائنين، والمستثمرين أن يسمحوا للبلدان الديمقراطية كتونس أن تُبلور إطارها المحلي الصحيح المُلائم لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية. قد تستغرق هذه العملية بعض الوقت، لكن فوائدها ستكون أكبر إذا ما أُطلقت يد هذه البلدان لصوغ اتفاقات حول سياسات غالباً ماتكون موضع نزاع. يجب أن يكون تعزيز النظام الديمقراطي التونسي الوليد أولوية لدى المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي، بفعل تأثيره الكبير والطاغي على الشؤون الاقتصادية الخارجية لتونس، وأيضاً بسبب التجارب الخاصة لدول الاتحاد في مجال الحوار الاجتماعي.
وهذا يعني تمكين التونسيين من شق طريقهم عبر التفاوض للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة. هناك معطيات كثيرة يمكن البناء عليها، تترواح بين الوفاق الوطني الذي تحقق خلال السنتين المنصرمتين وبين وجود منظمات مستقلة تتمتع بتمثيل حقيقي كالاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. في مصر، في المقابل، لايبشّر غياب أي آلية للحوار الاجتماعي والتمثيل المؤسسي للعمال وأرباب العمل بمستقبل طيّب. ويواجه المجتمع المصري الآن تقشفاً اقتصادياً تحت جناح نظام سلطوي، ولا كلمة له يُعتد بها في ما يُقرره قادته.