تقارير وطنية ودولية حول وضعية التعليم بالمغرب
تناولت عدة تقارير وضعية التعليم المغربي بالدراسة والبحث. وهي تقارير صادرة عن مؤسسات تتصف بالمصداقية والموضوعية والنزاهة الفكرية. وتسعى هذه التقارير في مجملها إلى الوقوف عند نقط القوة والضعف في المنظومة التعليمية وفي نفس الوقت تقديم مجموعة من الاقتراحات والتوصيات الممكن اعتمادها لتجاوز مكامن الخلل المرصودة. وفيما يلي نقدم بعض هذه التقارير.
• تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية بالمغرب 2005 1
يعتبر هذا التقرير ثمرة مجهود لمجموعة من الكفاءات الوطنية التي طلب منها، بشكل رسمي، فحص الوضع المغربي في مختلف المجالات بنوع من الوضوعية وقول الحقيقة كيفما كان نوعها. ولا شك أن اعتماد هذه المنهاجية في التعامل انطلاقا من توجيهات عليا تبين بوضوح بأننا نعيش مرحلة جديدة في تاريخ المغرب وأن هناك إرادة قوية لتغيير العقليات والأوضاع السائدة. ويتضح ذلك في نشر تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية في مختلف وسائل الإعلام وعبر شبكة الأنترنيت لكي يطلع عليه الجميع وليبين كذلك روح الوضوح والشفافية التي تطبع المرحلة التاريخية الجديدة التي يعيشها المغرب مع بداية الألفية الثالثة.
لقد جاء هذا التقرير بمجموعة من الحقائق والمعطيات حول ما تم إنجازه في مختلف الميادين خلال خمسين سنة تلت استقلال المغرب، وفي الوقت نفسه أعطى مجموعة من السيناريوهات التي يمكن اعتمادها خلال الخمس وعشرين سنة المقبلة لتجاوز المعضلات التي تعرقل التنمية البشرية ببلادنا.
وتنطلق أهمية التقرير أساسا من لغة الصراحة والجرأة الفكرية التي اعتمدها. مما أدى إلى تجنب أسلوب التملق التي عهدناها في لجاننا وحاصرت كثيرا من تقارير «خبرائنا» خلال عقود من الزمان. ومن هذا المنطلق فإن هذا التقرير يحقق هدفين رئيسيين:
• أولهما أنه يعرض هذه الحقائق بلغة الخبيروالعالم المتخصص وفي ذلك كثير من المصداقية التي تنزه المضامين عن أي مزايدة سياسية؛
• وثانيهما أنه يدقق هذه الحقائق بمنهجية علمية.
إنها البداية السليمة للمعالجة الصحيحة لأوضاعنا المختلفة. فحينما يكون التشريح علميا أمينا يمكن من التعرف على الداء فإن تحديد وصفة العلاج تكون أسهل وأكثر احتمالا للصواب وهذا ما كان ينقصنا في الماضي.
وقد تناول الباحثون في هذه الدراسة من بين ما تناولوه من المجالات الكبيرة مجال التربية والمعرفة والتكنولوجيات والابتكار. ويعتبر كل تقرير أرضية للتفكير وللعمل بالنسبة للمسؤولين الحكوميين والجمعويين أو لغيرهم. إن هذه التقارير عبارة عن تشخيص للوضعية كما هي بإيجابياتها وسلبياتها وقد خلصت إلى سيناريوهات وتوصيات لتجاوز تلك السلبيات. وهذا ما يضفي عليها طابعا عمليا يجعلها تندرج بامتياز في عمق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وبالرجوع إلى الملخص التركيبي للتقرير العام حول التنمية البشرية بالمغرب تستوقفنا الغايات النبيلة التي يتوخاها و الوضعية الحالية للمغرب وكذا إمكانية تجاوز هذه الوضعية لبلوغ مغرب ممكن ومأمول. وهكذا « تتمثل الغاية الأولى من هذا المشروع في تغذية النقاش العمومي وفتحه على أوسع نطاق حول السياسات العمومية التي يتعين تفعيلها في المستقبل القريب والبعيد وذلك في ضوء الدروس المستخلصة من إخفاقات الماضي ونجاحاته» 2.
وكما تمت الإشارة إليه في الملخص التركيبي فإن دوافع هذه الدعوة للنقاش ترتكز على القناعات الثلاث التالية:
“- إن مصير بلادنا يوجد بين أيدينا؛ فبلادنا في مفترق الطرق وتتوفر اليوم على وسائل انخراطها الحازم في طريق طموح وطني كبير، يتقاسمه الجميع ويتمفصل حول التنمية البشرية. وللقيام بذلك يتعين على المجموعة الوطنية اعتماد اختيارات منسجمة وتسريع الوثيرة وتعميق أوراش الإصلاح وتحقيق القطيعة التامة مع الممارسات والسلوكات التي ظلت تعيق التنمية في البلاد؛
– إن فضائل النقاش العمومي لا تقدر بثمن ولا شيء يمكن أن يعوض في مجال تدبير الحياة السياسية جدال وتلاقح الأفكار والمفاهيم والتحاليل طالما أن الهدف هو خدمة المشروع الوطني المتقاسم بين الجميع؛
– إن الممارسة الديمقراطية الموطدةهي وحدها التي يمكن أن توجه بلادنا نحو السير التابث على درب النجاح فممارستها بمثابرة مدعمة بتحمل كل واحد منا لمسؤولياته مع تحلي الجميع باليقظة يجعل منها لا مجرد ترف فكري أو حلما يستحيل تحقيقه” 3.
وفي مجال التربية والتكوين، خلص تقرير الخمسينية إلى أن المشاكل المتواثرة للمنظومة التربوية تأرجحت بين وضوح التشخيصات وقصور العلاجات. وقد تميزت خمسون سنة من الإصلاحات التعليمية، حسب تقرير الخمسينية، بالمواصفات التالية:
“- الترددات، وعدم الاستقرار، والعديد من التنازعات حول تصور المدرسة بين ثلاثة اتجاهات متناقضة (الاتجاه العصري المتفتح والاتجاه الإصلاحي القومي، والاتجاه التقليدي المحافظ)، وكذلك وجود استقطابات متضاربة (النخبوية مقابل الديموقراطية، المجانية مقابل المساهمة المالية)، هذا إضافة إلى أن تنفيذ الإصلاحات اتسم دوما بالنزعة الانتقائية، التي تفضل الأبعاد الكمية الأكثر بروزا، وتؤجل الجوانب النوعية المتعلقة بالقضايا الصعبة والحساسة.
– عدم الاستقرار ( بين 1955 و 2005 تعاقب على الوزارة أكثر من 38 وزيرا وكاتب دولة ونائب كاتب دولة)، حيث أن المقاربات لم تكن دائما متجانسة، والسياسات ظلت دائما تفتقر إلى القدرة على الاستمرارية، وذلك في ميدان يكون فيه من الضروري أن تتخذ فيه الأفعال وال إنجازات صفة الاستدامة. وكذلك فالميثاق الوطني للتربية والتكوين، مثله مثل المحاولات السابقة، كشف عن صعوبات في التطبيق ولم يسلم من الاختيار الانتقائي لقرارات معينة على حساب أخرى.
ومن أجل تجاوز هذه الأوضاع تبنى تقرير الخمسينية مجموعة من المبادئ كمدخل من أجل البلورة الحقيقية لتحسين النظام المدرسي ومن بينها:
– ترسيخ الطابع المحلي والجهوي لمنظومة التربية والتعليم؛
– الدفع باللامركزية إلى أقصى مدى مع مراعاة تنوعها من أجل بلوغ هدف الجودة والامتياز والتفوق على صعيد كل مؤسسة؛
– فتح الباب أمام الأطراف ذات التخصص التقني والمالي والتدبيري في إدارة التربية الوطنية؛
– عدم المراهنة على وثائق الإصلاح وحدها، والمنجزة بدورها وفق منطق خطي أفقي تنازلي. مع ضروة إقرارتقويم منتظم يمكن من إطلاع المجتمع ومختلف الفاعلين والرأي العام على إنجازات المنظومة ومكامن قصورها وقوتها. “4
تقرير البنك الدولي 2008 5
يمثل التقرير الذي صدر يوم 4 فبراير 2008 عن البنك الدولي حول التعليم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وثيقة تنضاف إلى مجموع الوثائق الدولية المتتبعة للسياسات العمومية بالمغرب في مجال التعليم. وحسب تقييمه لمجموعة من الدول في مجال التربية والتكوين فقد وضع التقرير المشار إليه المغرب في الرتبة11 من أصل 14 دولة خضعت للدراسة. ولم تتقدم بلادنا إلا على ثلاثة دول عربية تعتبر اثنتين منهما من أفقر دول العالم، وهما الجيبوتي واليمن، ودولة عرفت ولازالت تعرف عدم الاستقرار هي العراق.
تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2008 6
سجل التقرير الجوانب الإيجابية التي تحققت في مجال التربية والتكوين بفعل تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين. ويتجلى ذلك في كون هذا الإصلاح “مكن من إرساء لبنات نموذج بيداغوجي جديد في السنوات الأخيرة. وأبانت المنظومة، والفاعلون فيها، عن قدرة حقيقية على تعبئة إمكانات هامة للمضي قدما في ورش الإصلاح، وتعزيز البنيات التحتية التربوية، ووضع هياكل مؤسساتية وتنظيمية واعدة في مسار تحديث المدرسة.” 7
وعلى الرغم من هذه المكتسبات الأكيدة، فالتقرير سجل بشكل واضح مجموعة من التعثرات الحقيقية والتي اعتبرها ما تزال قائمة. ” فلا أحد – يقول التقرير- يمكنه اليوم أن يتجاهل اختلالات منظومتنا التربوية الناتجة، بالأساس، عن عدد من الإصلاحات المجهضة قبل أوانها، أو المطبقة على نحو انتقائي، وعن تقاطب إيديولوجي طالما رجح كفة اعتبارات ظرفية خاصة، على حساب مصلحة المتعلمين.
فكثير من الأطفال ما يزالون يغادرون المدرسة دون مؤهلات، نتيجة للظروف السوسيو-اقتصادية لأسر المتعلمين، أساسا. ينضاف إلى ذلك أن نصف جماعاتنا القروية فقط تتوافر على إعدادية واحدة.
وتبقى ظاهرة التكرار، التي تغذي صفوف المنقطعين عن الدراسة، مصير قرابة كل تلميذ من أصل خمسة في السلك الابتدائي. أما الأمية فما تزال نسبها مرتفعة، تحول دون استفادة اقتصادنا ومجتمعنا من طاقات هي في أمس الحاجة إلى اكتشافها. من ناحية أخرى، يبقى تعميم التعليم الأولي جد محدود، وتظل جودة عرض التربية ما قبل المدرسية حكرا، في الغالب، على بعض الأسر. والحقيقة أن مدرستنا لم ترق بعد إلى أن تصبح مؤسسة للاندماج بفرص متكافئة.
علاوة على ذلك، ما تزال عدة نقائص بيداغوجية وتنظيمية قائمة. فجودة التعلمات الأساسية، )القراءة، الكتابة، الحساب، والتحكم اللغوي (، وطرائق التدريس، والمعينات الديداكتيكية تظل محدودة بالنسبة للتلاميذ الذين يتمكنون من البقاء في المنظومة. وكمثال على ذلك ضعف التحكم في اللغات، مع نسبة هامة من التلاميذ الذين لا يتقنون لغة التدريس ) العربية( ، على الرغم من استفادتهم من 3800 ساعة من تعلم اللغة العربية على امتداد مراحل التعليم الإلزامي.
أما التوجيه المدرسي فإنه يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى تغليب كفة الشعب الأدبية على حساب الشعب العلمية. كما أن محدودية ملاءمة كفايات عدد مهم من الخريجين لمتطلبات الحياة المهنية ما فتئت تغذي معدل العاطلين من حاملي الشواهد. وبالنسبة لمدرسينا وأساتذتنا، فإنهم لا يحظون بالتكوين والدعم الكافيين، للقيام بالمهام المنوطة بهم على الوجه الأمثل.” 8
• تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول التنمية البشرية في العالم 2009 9
أكد هذا التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول التنمية البشرية في العالم لسنة 2009 تراجع المغرب على المستوى العالمي ب 4 درجات، إذ احتل الرتبة 130 من بين 182 دولة، بعدما كان يحتل المرتبة 126 في تقرير سنتي 2008/2007 وجاء في الرتبة 12 عربيا من بين 14 دولة التي شملها البحث. وكما هو معلوم فهذا التقرير يعتمد في دراسته لنسبة نمو الدول على ما حققته الدول المعنية من تقدم في مجالات الصحة والتعليم والدخل الفردي.
• تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2013 10
ذكر التقرير الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2013، حول وضعية التعليم في العالم، بأن المغرب جاء في المرتبة 77 من بين 148 دولة شملها البحث والاستقصاء حول جودة النظام التعليمي. وهذا يعني بأن المردودية الداخلية والخارجية لمدرسنا لا تستجيب لمعايير الجودة المحددة عالميا، خاصة، للمخرجات المحددة عالميا للمنظومات التعليمية التي شملتها الدراسة.
خطاب جلالة الملك في ذكرى 20 غشت 2013 11
يعتبر خطاب 20 غشت 2013، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ثورة الملك والشعب، بمثابة بداية جريئة لاقتراح حلول عملية لإشكاليات التعليم بالمغرب، وفي نفس الوقت دعوة صريحة للحكومة ولمختلف المسؤولين والفاعلين والمتدخلين في قضايا التربية والتكوين للتعجيل بمعالجة الوضعية التي توجد عليها المنظومة التعليمية ببلادنا. إنه خطاب الوضوح والصراحة في التشخيص واقتراح توجهات عامة حول إصلاح مرتقب لمنظومة تربوية وتكوينية وطنية وفعالة. فهو بمثابة خريطة الطريق وبرنامج عمل للوزارة الوصية للانكباب بنوع من الاستعجال على تدارك الاختلالات التي تعاني منها المدرسة المغربية.
ومما جاء في هذا الخطاب التاريخي حول وضعية منظومتنا التربوية نقتطف مايلي:
“… إن قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات ومشاكل، خاصة بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية، التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية، من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية، في التخصصات التقنية والتعليم العالي. وهو ما يقتضي تأهيل المتعلم أو الطالب، على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه.
… إن الوضع الراهن لقطاع التربية والتكوين يقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات. وهنا يجدر التذكير بأهمية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي تم اعتماده في إطار مقاربة وطنية تشاركية واسعة. كما أن الحكومات المتعاقبة عملت على تفعيل مقتضياته، وخاصة الحكومة السابقة، التي سخرت ال إمكانات والوسائل الضرورية للبرنامج الاستعجالي، حيث لم تبدأ في تنفيذه إلا في السنوات الثلاث الأخيرة من مدة انتدابها. غير أنه لم يتم العمل، مع كامل الأسف، على تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط بل تم التراجع، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، عن مكونات أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز. وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فقد كان على الحكومة الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود. ذلك أنه من غير المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها. لذا، فإنه لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية. بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع. … غير أن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة. وهو ما دفع عددا كبيرا من الأسر، رغم دخلها المحدود، لتحمل التكاليف الباهظة، لتدريس أبنائها في المؤسسات التعليمية التابعة للبعثات الأجنبية أو في التعليم الخاص، لتفادي مشاكل التعليم العمومي، وتمكينهم من نظام تربوي ناجع.
… لذا، لا بد من اعتماد النقاش الواسع والبناء، في جميع القضايا الكبرى للأمة، لتحقيق ما يطلبه المغاربة من نتائج ملموسة، بدل الجدال العقيم والمقيت، الذي لا فائدة منه، سوى تصفية الحسابات الضيقة، والسب والقذف والمس بالأشخاص، الذي لا يساهم في حل المشاكل، وإنما يزيد في تعقيدها.”
• كلمة السيد عمر عزيمان، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم نونبر 201312
أشار الرئيس المنتدب، عمر عزيمان، في كلمة بمناسبة إطلاق الصيغة الجديدة للبوابة الإلكترونية للمجلس الأعلى للتعليم يوم 25 نونبر 2013 إلى أن “منظومتنا التربوية معتلة، بشهادة مختلف الفاعلين، السياسيين منهم والاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين والتربويين؛ تشخيص تتقاسمه نتائج الملتقيات والندوات المختلفة، كما تعكسه توجسات المتعلمين وآبائهم وأمهاتهم، ويردد صداه أهل الخبرة والاختصاص. وعلى كل حال، فإن ناقوس الخطر قد دقته، الصيف الماضي، أعلى سلطة في البلاد، مع الدعوة إلى وجوب القيام بوقفة “لمساءلة الضمير” والعمل على إعادة التأهيل والبناء.
مساءلة الضمير هذه تتطلب قسطا وافرا من الرصانة والموضوعية والاستقامة، وتستدعي القطع التام مع الأحكام المسبقة الذائعة حول وجود لعنة أصلية ودوامة تراجعية أضحت ملازمة للمنظومة؛ ذلك أن اختلالات المنظومة التربوية ليست قدرا محتوما في جميع الأحوال. هذه المساءلة تستلزم أيضا القطع مع الوصفات الجاهزة ومفاعيل العصا السحرية ومختلف صيغ الحلول السهلة، لأن الموضوع في غاية التشعب. هذه “الوقفة” التي ستخول “تحديد المنجزات ورصد النواقص والاختلالات” رهينة ب إنجاز تقويم نزيه وحازم لمسار المنظومة التربوية، ووضع تصور رصين يندرج في المدى البعيد، بما يتطلبه ذلك من دقة وتأن.” يضيف السيد عزيمان: “إن عملية إعادة البناء تتطلب أولا إعادة النظر في الفلسفة الناظمة للمنظومة التربوية ولآليات اشتغالها، فالمجال التربوي الوطني ظل يعاني لردح من الزمن من الفجوة القائمة بين التنظير والتفعيل، ومن الهوة الفاصلة بين الأفكار والتطبيق، ومن الفارق بين الغايات الكبرى للإصلاحات وترجمتها إلى حلول عملية. فحكامة منظومة بدرجة كبيرة من التعقيد، وترابط الخيارات الاستراتيجية والسياسات العمومية وبرامج العمل وتصريفها في شكل إجراءات ونقلها إلى داخل الفصل الدراسي، كلها مقومات تقع في صميم أي إصلاح لأي منظومة تربوية.
هذه المساءلة وهذا البناء الجديد لا يستقيمان بدون مشاركة واسعة في التفكير وفي العمل، باعتبارها النهج السليم للانخراط الفعلى لكل الأطراف المعنية ولتحمل الفاعلين المسؤولية، كل من موقعه داخل هذا النسق، بل لتعبئة وطنية حول إصلاح المنظومة التربوية.”
هذه هي الفلسفة التي تؤطر مبادرة المجلس الأعلى للتعليم بفتح مشاورات موسعة، شملت كل من له رأي في الموضوع وكافة المواطنات والمواطنين الذين أبدوا استعدادهم للإسهام في النقاش من خلال جلسات استماع، ومساهمات مكتوبة، وبحوث ميدانية، وذلك من أجل ضمان إشراك أكبر عدد ممكن من المغاربة في “مساءلة الضمير” هذه وفي اقتراح مداخل للعمل.
تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – اليونسكو- يناير 2014 13
صدر في يناير 2014 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو التقرير العالمي الجديد حول تحقيق الجودة في التعليم في العالم. ووضع هذا التقرير المغرب ضمن 21 أسوأ دولة في مجال التعليم إلى جانب موريتانيا و باكستان وعدد من البلدان الإفريقية الفقيرة جدا. وأوضحت الوثيقة الجديدة لليونسكو أن أقل من نصف عدد التلاميذ في المغرب وفي هذه البلدان الأخرى التي توجد في خانته هم من يفلحون في تعلم المهارات الأساسية. وكشف التقرير الجديد عن أن أكثر من نصف عدد التلاميذ المغاربة، لا يتعلمون ما يلزمهم من مهارات أساسية في القراءة والرياضيات.
1- الخلاصات
يمكن أن تتعدد القراءات وتختلف حول مضامين هذه التقارير ذات المرجعيات والروافد المختلفة حول حالة المدرسة المغربية. ولكن بصفة عامة، رغم ذلك، يمكن أن نقول بدون تردد كبير إن منظومتنا التربوية في وضعها الحالي في حاجة ماسة، وبشكل مستعجل، لتدخل ُمفًكًر فيه بعناية فائقة ومهنية عالية. ذلك أن أغلبية هذه التقاريرأشارت إما بشكل صريح أو ضمني إلى:
– ضعف التمكن من الكفايات الأساسية على مستوى التعليم الأساسي والتي هي ضرورية من أجل الاستمرار في مسار تعليمي مقبول؛
– ضعف التحكم في لغات التدريس وخاصة اللغة العربية؛ التي تدرس بها أغلبية المواد الدراسية؛
– تدني جودة التعلمات مقارنة مع دول أخرى خاصة الدول العربية؛
– ارتفاع الهدر المدرسي المتمثل في نسب التكرار المرتفعة والانقطاع عن الدراسة؛
– انعزال المدرسة عن محيطها مما يجعل التعلمات بعيدة عن انشغالات واهتمامات المتعلم من جهة والمجتمع من جهة أخرى؛
– الترددات وعدم الاستقرار والعديد من التنازعات حول تصور المدرسة بين اتجاهات ذات إيديولوجيات متناقضة؛
– اتسام تنفيذ الإصلاحات بالنزعة الانتقائية، التي تفضل الأبعاد الكمية الأكثر بروزا، وتؤجل الجوانب النوعية المتعلقة بالقضايا الصعبة والحساسة.
– البطء في اتخاذ القرارات وفي تنفيذها. إذ غالبا ماتسجل فجوات كبيرة بين وقت الإعلان عن القرار ووقت تنفيذه.
وبدون شك هذا ما جعل جلالة الملك محمد السادس يقول:
“- إن الوضع الراهن لقطاع التربية والتكوين يقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات. وهنا يجدر التذكير بأهمية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي تم اعتماده في إطار مقاربة وطنية تشاركية واسعة؛
– … أن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة؛
– لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية. بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع” 14.
ومن بين مقترحات المجلس الأعلى للتعليم لتجاوز الوضعية الحالية مايلي:
– القطع التام مع الأحكام المسبقة الذائعة حول وجود لعنة أصلية ودوامة تراجعية أضحت ملازمة للمنظومة؛ ذلك أن اختلالات المنظومة التربوية ليست قدرا محتوما في جميع الأحوال؛
– عملية إعادة البناء تتطلب أولا إعادة النظر في الفلسفة الناظمة للمنظومة التربوية ولآليات اشتغالها،
– المجال التربوي الوطني ظل يعاني لردح من الزمن من الفجوة القائمة بين التنظير والتفعيل، ومن الهوة الفاصلة بين الأفكار والتطبيق، ومن الفارق بين الغايات الكبرى للإصلاحات وترجمتها إلى حلول عملية؛
وبالنسبة لما جاء في تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية بالمغرب لجعل المدرسة المغربية أكثر ملاءمة مع الواقع نسجل ما يلي:
– ترسيخ الطابع المحلي والجهوي لمنظومة التربية والتعليم؛
– الدفع باللامركزية إلى أقصى مدى مع مراعاة تنوعها من أجل بلوغ هدف الجودة والامتياز والتفوق على صعيد كل مؤسسة.
ويتضح من هذه الخلاصات أن إصلاح منظومة التربية والتكوين ببلادنا ممكن، وبالتالي فهو ليس بالشيء المستحيل. وفي هذا السياق فمضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما توصل اليه تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية بالمغرب من توصيات، وكذا استنتاجات تقارير المجلس الأعلى للتعليم، كلها مساهات، يمكنها أن تشكل المنطلق الأساس لإعادة بناء منظومة تعليمية حديثة وفعالة وذات مردودية جيدة. ويتضح كذلك من هذه الخلاصات أن ترسيخ الطابع المحلي والجهوي لمنظومة التربية والتعليم يعتبر مدخلا مهما لتجاوز الاختلالات التي تعاني منها المدرسة المغربية منذ عقود.
هوامش:
1 – المملكة المغربية، تقرير »خمسون سنة من التنمية البشرية وآفاق سنة 2025 « : المستقبل يشيد والأفضل ممكن، ملخص تركيبي، الصادر سنة 2005 بمناسبة الذكرى الخمسينية لاستقلال المملكة المغربية.
2- ملخص تركيبي خاص بتقرير خمسين سنة من التنمية البشرية وآفاق سنة 2025: المستقبل يشيد والأفضل ممكن ص 2.
3- المرجع نفسه ص 2.
4- المملكة المغربية، تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق سنة 2025، صادر سنة 2005.
5- تقرير صادر عن البنك الدولي عنوانه “إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، سنة 2008.
6- المملكة المغربية، التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم حول حالة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين وآفاقها الصادر سنة 2008.
7- سامر أبو القاسم، قراءة في خلاصات تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2008، موقع الحوار المتمدن نشر 2012.
8- سامر أبوالقاسم ، مرجع سابق.
9- تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول التنمية البشرية في العالم. سنة 2009.
10 -تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (جنيف- سويسرا) حول وضعية التعليم بالعالم. سنة 2013.
11- خطاب جلالة الملك محمد السادس في ذكرى 20 غشت 2013 بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب.
12- عمر عزيمان، كلمة منشورة في موقع المجلس الأعلى للتعليم، www.cse.ma.
13- تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – اليونسكو- يناير 2014.
14- خطاب جلالة الملك محمد السادس، مرجع سابق.