التطور الإيجابي لمؤشرات الاقتصاد المصري.. هل يشعر به المواطن؟
أعلنت وزارة التخطيط و المتابعة و الإصلاح الإداري، ارتفاع معدل النمو خلال الربع الثالث من العام الجاري 2016/2017 ليصل إلى 4.3% مقارنة بـ3.6% خلال الربع المقابل من العام المالي السابق، بدعم من ارتفاع مساهمة الاستثمار في النمو خلال الربع الثالث من العام المالي الحالي، لتصل إلى 1% مقارنة بحوالي 0.9% في الربع المقابل من العام الماضي.
كذلك بدأت مؤشرات الأداء الاقتصادي تتعافى في ظل التراجع النسبي للتأثيرات السلبية الناجمة عن تحرير سعر الصرف، نتيجة استقرار أسعار صرف العملات الأجنبية فى البنوك- في ظل القضاء على السوق الموازية – لكن مازالت هناك آثارا سلبية تتمثل في ارتفاع تكلفة التشغيل، ما أدى لارتفاع الأسعار خلال الفترة ذاتها.
و يرجع جزء من ارتفاع النمو في الربع الثالث إلى بداية تعافي قطاع السياحة، حيث حقق القطاع نموًا بنسبة 80% نتيجة نمو أعدد السائحين و الليالي السياحيةة بنسبة بلغت 51% و108% على التوالي، ومن المتوقع أن تستمر وتيرة السياحة المصرية في اتجاه المنحنى الصاعد في ظل هدوء الوضع أمنياً- بشكل نسبي- في وقت أصبح العالم يشهد فيه الكثير من العمليات الإرهابية ما يجعل مصر شأنها شأن أي دولة أخرى، كذلك إطلاق منتجين سياحيين مصريين جديدين كمسار العائلة المقدسة، و السياحة الاستشفائية و العلاجية من شأنه أن يدعم الحركة السياحية الوافدة إلى مصر.
أما على صعيد التسعة أشهر، فقد تراجع النمو إلى 3.8% من 4.2% خلال الفترة المقابلة من العام 2015/2016، و جاء التراجع كنتيجة مباشرة لتأزم الوضع الاقتصادي خلال الستة أشهر الأولى من العام خاصةً الفترة الأولى التي لحقت قرار التعويم في نوفمبر 2016 حيث تراجع النمو في الاستهلاك – بسبب ارتفاع التضخم – الذي يعد المحرك الرئيسي للنمو في الاقتصاد المصري.
وكانت فترة الشهور الثلاث الأولى من يوليو حتى سبتمبر 2016، شهدت تداعيات أزمة في إتاحة العملة الصعبة تمثلت في انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولارر في السوق الموازية التي لجأ إليها المستوردون ما رفع تكلفة الاستيراد خاصة مدخلات الإنتاج التي أثرت بالسلب على القطاع الخاص، ما كان له أثر في رفع أسعار المنتجات بالتالي ارتفاع التضخم و تدني معدلات النمو.
هذا وتتوقع وزارة التخطيط وصول معدل النمو في الربع الأخير من السنة المالية الحالية إلى 4.5% دون تغيير عن مستواه في الفترة المقابلة من العام الماضي، علىى أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي المتوقع لعام 2016-2017 نحو 4%، يأتي ذلك في ضوء التوقعات بتراجع التضخم و انخفاض معدل البطالة، الذي تراجع بالفعل خلال الربع الثالث من العام المالي الحالي ليصل إلى 12% مقارنة بنحو 12.7% في الربع الثالث من العام المالي الماضي، ومقارنة بنحو 12.4% خلال الربع السابق.
الناتج المحلي الإجمالي يرتفع.. نمو حذر
أظهر تقرير وزارة التخطيط حول الأداء الاقتصادي للدولة، ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام الجاري، إلى 875,1 مليار جنيه بالأسعار الجارية مقارنة بــ 647,3 مليار جنيه خلال الربع المقابل من العام المالى الماضى. كذلك ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق خلال فترة التسعة أشهر الممتدة خلال “يوليو-مارس” من عام 2016/2017، إلى 2571.6 مليار جنيه بالأسعار الجارية مقابل 2047.2 مليار جنيه خلال الفترة المقابلة من العام المالي 2015/2016([1]).
ورغم نمو الناتج الإجمالي خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، هناك توقعات بتراجع النمو 3-3.5% خلال العام المنتهي في 30 يونيو 2017. ويرجع ذلك إلى مجموعة الإصلاحات الهيكلية التى تنفذها الحكومة المصرية، والتي أدت إلى انخفاض استهلاك القطاعين العام والخاص في ظل الارتفاع الكبير للأسعار، ومن غير المتوقع تحقيق ارتفاع كبير في معدل النمو خلال العام المالي الجديد مع نية الحكومة تطبيق إجراءات تقشفية متمثلة في رفع الدعم وزيادة جديدة في أسعار البنزين والكهرباء بدايةً من يوليو المُقبل.
الاستثمارات ترتفع.. مستهدفة القطاعات كثيفة رأس المال
أشارت بيانات الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الجاري اقتراب الاستثمارات الكلية المنفذة من نحو 392 مليار جنيه بنمو قدره 36% وبمعدل تنفيذ بلغ 74% من إجمالي الاستثمارات المستهدفة بنهاية يونيو البالغة 530 مليار جنيه، وسجلت الاستثمارات الخاصة أيضاً نمواً بنسبة 26% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الحالي إلى 226 مليار جنيه، فيما كانت نسبة نمو الاستثمارات العامة المنفذة خلال الفترة ذاتها 53% لتبلغ 141 مليار جنيه.
وبحسب الشكل السابق، يتضح استحواذ قطاع التشييد و البناء و الأنشطة العقارية على نسبة 18.5% من الاستثمارات الكلية المنفذة خلال التسعة أشهر الأولى منن عام 2017/16، و نمو قطاع التشييد من شأنه أن يُسهم في إتاحة المزيد من فرص الاستثمار الجاذبة لشريحة كبيرة من المتعاملين، وذلك بدعم من الجاذبية الاستثمارية الحالية لاسهم القطاع وخطط الدولة التنموية وتوسعاتها في المشروعات القومية، الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية ويخلق حالة من الحراك أمام شركات القطاع. (ذلك في ضوء طرح المجتمعات العمرانية لعدد كبير من الأراضي من أجل بناء الوحدات السكنية).
ووفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” عن الاستثمار العالمى، والصادر مطلع يونيو 2017، ارتفعت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة على مصر بنسبة 17% خلال عام 2016 لتسجل 8,1 مليار دولار، مستفيدة من عمليات الكشف عن حقول الغاز الطبيعى فى الصحراء الغربية([2]).
ارتفاع الصادرات السلعية تقلص عجز الميزان التجاري
أظهرت البيانات، ارتفاع الصادرات السلعية بنسبة 19.3٪ لتصل لنحو 16 مليار دولار خلال التسعة اشهر الأولى من العام الجاري، وانخفضت الواردات السلعية بنسبة 0.5٪ لتصل إلى 43 مليار دولار، ومن ثم انخفض عجز الميزان التجاري لنسبة 9.4٪ ليصل إلى 27 مليار دولار خلال الفترة (يوليو- مارس) 2017/16 مقارنةً بالفترة ذاتها من العام المالي السابق.
كذلك حقق ميزان المدفوعات فائض بنحو 11 مليار دولار نتيجة زيادة الصادرات غير البترولية بنسبة 23٪ وانخفاض الواردات غير البترولية بنسبة 3.7٪ وارتفاع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 11.5٪ كنتيجة أساسية لارتفاع صافي التدفق للداخل للاستثمارات في قطاع البترول([3]).
هل يشعر المواطن بالتطور الإيجابي للاقتصاد؟
معظم الأرقام التي شملها التقرير هي في حد ذاتها أرقام جيدة وتدعو للتفاؤل-كأرقام مجردة-ولكن بدراسة العائد على المواطن المصري-محدود الدخل-ومدى استفادته سنجد أنه لا يشعر بأي تحسن في الحياة المعيشية خاصة أن جل ما يشغل بال جميع المصريين في الوقت الراهن قضية التضخم والارتفاعات المستمرة في أسعار السلع والخدمات بنسب كبيرة.
فالنمو المرتفع خلال الأشهر الماضية لم يأت بسبب طفرة في نمو الإنتاجية داخل الدولة، بل نتيجة لمجموعة من القرارات التقشفية التي أدت إلى زيادة الإيراداتت وبالتالي قلصت من حجم العجز قليلاً- وإن كان هناك زيادة في حجم الناتج بالأسعار الجارية- سنجد أنه لم يتغير كثيراً بالأسعار الحقيقة، وإنما الزيادة قد تأتي بسبب الزيادة في الأسعار التي أدت إلى تضخم قيمة الإنتاج.
ورغم أن الحكومة المصرية ستواصل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي بدئتها خلال العام 2016، إلا أن عدم رضاء المستهلكين يتزايد بشكل كبير، ورغم إمكانية انحسار التضخم، إلا أنه سيواصل معدله المرتفع حتى نهاية العام 2017، ومع الانخفاض الكبير فى مدفوعات الدعم، التى تقدمها الحكومة للوقود، والغذاء، سوف تتزايد الأعباء على المواطن المصري. فتلك الأرقام والمؤشرات جيدة في ظل ما كانت عليه أوضاع الاقتصاد المصري قبل ذلك، ولكن في المقابل لن يشعر المواطن المصري البسيط بمثل تلك الأرقام طالما ظلت أزمة الأسعار واستمرت معدلات التضخم في الارتفاع. كذلك إن كانت الحكومة تتحدث عن بداية حقيقة لتعافي الاقتصاد، فلابد من وضع حلول لمعدلات الديون الداخلية والخارجية التي تتفاقم بشكل مستمر والتي بالتأكيد تلتهم حصة كبيرة من الموازنة العامة، ما يعني فقد السيطرة على العجز ومن ثم استمرار تغطيته من خلال طرح سندات وأذون خزانة مما يزيد من حجم الدين المحلي، علماً بأن تلك الاستثمارات تعتبر بمثابة أموال ساخنة ومديوينات على الدولة عندما يحل أجل سدادها.
وهنا لا تكمن خطورة استمرار ارتفاع الديون في اقتطاع جزء كبير من الموازنة العامة للدولة من أجل سداد أقساط تلك الديون التي تتفاقم بشكلل مستمر، ولكنها تمتد إلى استمرار حالة التقشف الحكومي ومواصلة الضغط علىى المواطنين من خلال زيادة الأعباء التي تسعى الحكومة لتجميعها سواء من خلال فرض ضرائب جديدة أو استحداثها، وأيضاً استمرار الاتجاه نحو تقليص وإلغاء الدعم.
ومن ثم إن كان هناك ضرورة مُلحة لاستمرار مصر في الاقتراض من الداخل أو الخارج، فلابد من وضع برنامج اقتصادي مالي هيكلي يقوم على أساس استمرار تلك الأموال في عدد من المشروعات الحيوية واللازمة لتحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد المصري؛ والتي تشمل المشروعات كثيفة العمالة من أجل تقليل نسبة البطالة ورفع مستوى معيشة المواطن، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن المشروعات التي تعتمد على الطاقة الجديدة والمتجددة، ومشروعات إنتاج الكهرباء وتوزيعها، بالإضافة إلى الصناعات الخشبية والسيارات والطباعة والصناعات الكيماوية والهادفة بشكل أساسي إلى التصدير للخارج من أجل الحصول على النقد الأجنبي.
………………………………………………………………………………………………………..
[1] ارتفاع الناتج المحلى لـ 875 مليار جنيه بالربع الثالث للعام الجارى، http://www.masralarabia.com، 17/6/2017
[2] الأونكتاد: 17% زيادة فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر خلال 2016، www.shorouknews.com، 19/6/2017
[3] 11 مليار دولار فائض ميزان المدفوعات في 9 أشهر، www.shorouknews.com، 14/6/2017