البطالة المفرطة والتفاوت الطبقي يضاعفان من معاناة الناس في السعودية
بعد انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل كبير و بسبب مواصلتها العدوان على اليمن، تعاني السعودية منذ نحو عام من أزمة مالية حادّة أثرت بشكل ملحوظ على وضعها الاقتصادي والحياة المعيشية للمواطنين الذين يشكو الكثير منهم من البطالة والتفاوت الطبقي بين الأسرة الحاكمة والمقربين منها من جهة وعامة الناس من جهة أخرى.
ومما زاد في هذه الأزمة تورط السعودية بدعم الجماعات الإرهابية في العديد من مناطق العالم لاسيّما في الشرق الأوسط ومنح قروض بمليارات الدولارات إلى الدول التي تسير في ركابها وتنفذ سياستها في المنطقة، ما أدى إلى بروز مشاكل كثيرة في المجتمع السعودي انعكست بشكل واضح على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين لاسيّما في أوساط الشباب الذين يبدون مخاوفهم من البطالة وعدم قدرتهم على تلبية متطلبات المعيشة الآخذة بالارتفاع.
وتزامنت هذه المشاكل مع الضغوط الأمنية التي يعاني منها الكثير من السعوديين، ويبدو أن هذه الأزمة بدأت تتفاقم يوماً بعد آخر. ويتوقع المراقبون أن يصل التذمر الاجتماعي ذروته في القريب العاجل، ما ينذر بحصول تغيرات كبيرة قد تنعكس بشكل مباشر على الوضع السياسي في البلد، خصوصاً مع تصاعد حدّة الخلافات بين أقطاب الأسرة الحاكمة لاسيّما بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان.
وأفرز الوضع الاقتصادي المتدهور في السعودية الكثير من المشاكل، بينها تراجع مستوى دخل المواطن لاسيّما الموظفين الحكوميّين، وهو ما اعترفت به أيضاً الجهات الرسمية المعنية وأشارت إليه العديد من وسائل الاعلام المحلية.
ونتيجة تراجع أسعار النفط اضطرت الكثير من الشركات المهمة في السعودية إلى تقليص أعداد موظفيها، ما زاد نسبة البطالة في البلد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، لاسيّما في أوساط الشباب دون 30 سنة الذين يشكلون نسبة 70 في المئة من المجموع العام للسكان.
وطبقاً للأرقام التي أعلنتها الهيئة العامة للإحصاء في السعودية وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 658 ألف خلال النصف الأول من العام الجاري، وهو رقم مرتفع قياساً للمجموع العام للسكان البالغ نحو 20 مليون نسمة. ويؤكد خبراء اقتصاديون بأن العدد الفعلي للعاطلين عن العمل في السعودية يفوق بكثير العدد المعلن من قبل المصادر الرسمية ومن بينها هيئة الإحصاء المركزي. وتسعى السعودية لخفض معدل البطالة في البلاد إلى 9% بحلول 2020 و7% في 2030.
ومما يعقد الأمور في حال ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب كون السعودية تعتمد بنسبة 90 في المئة على عائدات النفط، ولا يتحمس الشباب السعودي للاشتغال في القطاع الخاص، لأن الأجور فيه أقل من القطاع العام، والوظائف غير مستقرة.
سيدة سعودية حاصلة على شهادة الدكتوراه في الطب تشكي من كونها لم تحصل بعد على عمل، شأنها في ذلك شأن زوجها، الذي تخرج من إحدى الجامعات الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات السعودية قامت بعدة إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلد من بينها زيادة الضرائب والرسوم المالية على الخدمات العامة لاسيّما الكهرباء والماء والوقود بأنواعه ورفع أسعار الكثير من البضائع التي تمس حياة المواطن بشكل يومي ومن بينها الأغذية، إضافة إلى زيادة في رسوم تأشيرات السفر، وتعتزم كذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع.
كما فرضت السلطات مقرّرات جديدة على الشركات الاستثمارية في السعودية ودعتها إلى تقليص عدد العمّال الأجانب في إطار المساعي الرامية إلى إيجاد فرص عمل للسعوديين لاسيّما الشباب في مختلف القطاعات.
وكثفت السلطات السعودية خلال العام الجاري من إجراءاتها لخفض نسب البطالة المرتفعة في صفوف المواطنين، عبر توطين العمالة أو ما يعرف بـ “السعودة”.
في هذا السياق، اعتبر اقتصادي سعودي (فضل عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع) أن “السعودة” لم تتم بالشكل السليم، لعدم وجود رقابة حكومية تواكب تطور الموظف السعودي في أداء مهامه، وتحقيق الفائدة للمؤسسة التي يعمل بها.
وأصدرت الهيئة العامة للاستثمار في السعودية (وهي هيئة حكومية)، ضوابط جديدة خلال الربع الأول من العام الجاري تلزم الشركات الأجنبية والمختلطة، بألا تتجاوز نسبة العاملين الأجانب 25% من إجمالي العاملين.
ومن الاقتراحات الأخرى التي أعلنت عنها الرياض العام الجاري، دراسة إغلاق المحلات الساعة الـ 9 مساء، لتقارب بين مزايا القطاعين العام والخاص، لجذب المواطنين للعمل بالقطاع الخاص.
وبلغ إجمالي القوة العاملة في السعودية حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري، قرابة 12.5 مليون فرد، منهم نحو 5.6 ملايين عامل وموظف من السعوديين والبقية من الوافدين، وفق هيئة الإحصاء. وبلغ عدد العاطلين عن العمل ككل في السوق السعودية، خلال نفس الفترة (يشمل السعوديين والوافدين)، نحو 690 ألفاً من إجمالي القوى العاملة.
ويقدر اقتصاديون بأن حوالي 250 ألف شاب سعودي يلِجون سوق العمل كل سنة. لكن المخاوف من المستقبل، لا تقتصر فقط على العاطلين، فسعوديون لديهم وظائف عبّروا أيضاً عن قلقهم من فقدانها يوما ما.
ومن أسباب البطالة في السعودية، الزيادة السكانية، التي أدت إلى تزايد أعداد الخريجين من الثانوية العامة خلال العقود الثلاثة الماضية، في مقابل تدني مستوى التخطيط ورسم الاستراتيجيات العامة ومن أهمها القدرة الاستيعابية للتعليم بمختلف مراحله.
وتعاني السعودية من عجز كبير في ميزانيتها وصل إلى حدود 100 مليار دولار العالم الماضي ويتوقع أن يستمر هذا العجز في السنة القادمة خصوصاً إذا ما بقيت أسعار النفط على وضعها الحالي أو انخفضت أكثر من السابق والتي أثرت على قطاعات اقتصادية بأكملها. ويتوقع تقرير سابق للبنك الدولي أن تجد السعودية نفسها أمام عجز مالي في ظرف خمس سنوات، في حال بقيت أسعار النفط عند عتبة 50 دولار للبرميل.
وتعاني السعودية كذلك من تراجع قطاع السياحة بسبب ارتفاع الرسوم المالية المفروضة على السياح الأجانب، إلى جانب انخفاض عدد المسلمين الوافدين من الدول الأخرى لأداء مراسم حج العمرة بسبب ارتفاع تكاليف السفر إلى السعودية، بالاضافة إلى غلاء الأسعار وزيادة نفقات المعيشة بشكل عام في هذا البلد.
ومن المؤكد أن قانون “جاستا” الذي أقره الكونغرس الأمريكي مؤخراً من شأنه أن يضاعف كذلك من الأزمة المالية في السعودية لأنه يتيح للقضاء الأمريكي حجز 750 مليار دولار من أرصدة الرياض في أمريكا لتعويض عوائل ضحايا العمليات الإرهابية التي تُتهم السعودية بالوقوف وراءها وفي مقدمتها أحداث 11 سبتمبر 2001 .