البطالة تعريفها أسبابها وأثارها الاقتصادية (سياسة التشغيل في الجزائر)

البطالة تعريفها أسبابها وأثارها الاقتصادية (سياسة التشغيل في الجزائر)

ورقة مشاركة في:

الملتقـى الدولي حـــول

” إستراتيجية الحكومة للقضاء على البطالة و تحقيق التنمية المستدامة “

الذي نظمته: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير

مخبر الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية في الجزائر

جامعة المسيلة

خلال الفترة 15-16 نوفمبر 2011م

مدخل

       لاشك أن ظاهرة البطالة تكاد تكون عامة بين مجتمعات العالم المتقدم أو النامي، و قد تزايدت حدتها في هذه الأخيرة. و بالتالي فإن البطالة في الجزائر قائمة و تمتد جذورها إلى سنوات طويلة مضت نتيجة أسباب متعددة أدت إلى ظهورها و تفاقمها في الاقتصاد الجزائري، ومن أسبابها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سياسي و كذلك سكاني ومنها التقني و التنظيمي و الإداري قد ترك ذلك كله، عدم قدرة الاقتصاد الجزائري على توفير فرص العمل الكافية أمام الداخلين الجدد في سوق العمل. و بالتالي تصبح مشكلة البطالة أكثر تعقيدا نظرا لعدم وجود سياسات واضحة للتشغيل تعمل على زيادة فرص العمل.

      ووفقا لهذا فسنحاول من خلال هذه الدراسة التعرف على ظاهرة البطالة في الجزائر ا، أسبابها و الآثار الناجمة عنها، مع التركيز على أهم النظريات الحديثة المفسرة لها إلى تشخيص بعض الحلول لها.

تعريف البطالة:

يرتبط مفهوم البطالة أساسا بالقدرة, الرغبة والبحث عن العمل, و يمس الفئة النشيطة أو القوى العاملة التي سوف يتم التعرض إليها لاحقا من خلال تعريفها. و تختلف تعاريف البطالة من منظمة إلى أخرى، و من تشريع إلى آخر إلا أنها تصب في اتجاه واحد. لذا سيتم التركيز على تعريف منظمة العمل الدولية للبطال.

تعرف البطـالة على أنها :  الحالة التي يكون فيها الفرد قادراً على العمل و راغبا فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السـائد ولكن لا يحصل عليه، ومن ثم فالزاهد في العمل لا يعد عاطلاً و لا يواجه بالتالي مشكلة اقتصادية، ومن أمثلة الزاهدين في العمل ربة البيت، فهي تتفرغ كلية لأعمال المنزل، ولا تبحث عن عمل ، أما إذا كانت قـادرة على العمل و تبحث عنه فهي عـاطلة ، ومن أمثلة الزاهدين في العمل هؤلاء الذين لديهم عقارات أو أسهم أو سندات ، ولا يعملون و تدر عليهم دخلا لا يعرضهم لمشـاكل الفقر و تبعاته، وهم يأنفون من العمل لأن الثروة تسـاعدهم على التبلد و التقاعد، ولو أن هناك من يعملون على الأقل كأصحـاب أعمال، و يبحثون عن العمل رغبة في شغل أوقات فراغهم.[1]

ولو كان الشخص قادراً على العمل و لا يبحث عنه، فهو لا يعد عاطلاً.

ويعرف البعض البطـالة على أنها : الحالة التي تطلق على وجود أشخـاص قادرين على العمل ومؤهلين له، و راغبين فيه و باحثين عنه وموافقين على العمل بالأجر السـائد، ولكنهم لا يجدونه بالنوع و المستوى المطلوبين، وذلك في مجتمع معين لفترة زمنية معينة، نتيجة للقيود التي تعرضها حدود الطاقة و القدرة الإستعابية لاقتصاديات هذا المجتمع.[2]

   فحسب المكتب الدولي للعمل ، والمكتب الإحصائي للدراسات الإحصـائية ، والذي يتطابق مع ما هو معمول به في الجزائر فإن الشخص يعتبر بطالاً  إذا توفرت فيه الشروط التالية:[3]

1 – بدون عمل: أي لا يعمل مقابل أجر.

2 – مستعد للعمل فوراً: أي تستبعد كل الأفراد الذين يبحثون عن عمل لمباشرته في فترة لاحقة ، أو الأفراد غير القادرين على العمل مثل المرضى ، العجزة، أو الذين لديهم مسؤوليات عالية…الخ.والأسس التي تحكم مفهوم العامل المتاح تتمثل في :

– الاستعداد و الرغبة في العمل مع بلوغ سن العمل دون أن يكون له منصب شغل.

– خريجي مراكز التعليم و التكوين وكذا العمال المسرحون نتيجة لتغيرات هيكلية في الاقتصاد.

– الأفراد الذين يشغلون منصب عمل و يتطلعون إلى عمل أفضل يتناسب ومؤهلاتهم وقدراتهم وطموحاتهم، بالإضافة إلى العمال المتقاعدين الراغبين  في الدخول إلى سوق العمل…الخ.

وبالتالي فإن الأفراد الذين لا تتوفر فيهم هذه الشروط لا يصنفون ضمن القوى العاملة المتاحة مثل الذين انسحبوا من دون قيد أو شرط من  سوق العمل، أو الذين وجدوا وظيفة تتلاءم و قدراتهم، أو الذين ، استفادوا من عقود عمل غير قابلة للفسخ في الأجل القصير، والذين مازالوا في طور التكوين أو لأداء الخدمة الوطنية .

3 – كل من يبحث عن عمل : مع قيامه بالإجراءات اللازمة لذلك وهو محددة وفق المقاييس الدولية مثل:

– التسجيل في مكـاتب التشغيل (وكـالات التشغيل) حكومة كانت أو خـاصة.

– نشر الإعلانات للبحث عن عمل.

– طلب الحصول على موارد مادية و مالية لتمويل المشاريع الذاتية.

وعلى العموم يمكن تلخيص مفهوم البطالة على أنها عدم توافر فرص العمل لمن يرغب في العمل ويبحث عنه وله القدرة على ذلك عند مستوى الأجر السـائد.

  • التفسير الحديث للبطالة و التشغيل:

تختلف تحاليل النظريات الحديثة حول تفسير البطالة تبعا لسوق العمل، حيث يمكن أن يتم على مستوى هذا السوق بمفرده أو بعلاقته مع باقي الأسواق. و قد تناولت المدارس السابقة ( الكلاسيكية، النيوكلاسيكية و الكنزية) مشكلة البطالة من خلال وجود سوق تنافسية للعمل، تتقاطع فيها منحنيات الطلب و العرض بطريقة تتيح تحديد مستوى الأجر التوازني و مستوى التشغيل التقريبي. إلا أن هذا الإطار لم يستطع تفسير زيادة البطالة إلى معدلات غير مسبوقة منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي.

  • النظريات الحديثة المفسرة للبطالة[4]

ظهرت عدة نظريات حديثة تقوم بالتطوير و التعديل و هي أكثر قدرة على تفسير الظواهر الحديثة.

  1. نظرية رأس المال البشري

من مؤسسيها Beher,Shult  خلال الستينات و بالتحديد في 1964. إذ يفسر اختيار الوظيفة على أساس الفوائد التي يجنيها العامل من وراءها قصد تحسين إنتاجيته و الاستفادة من اكبر دخل ممكن. و بالتالي سيضحي الأفراد بالوقت الضروري للتكوين من اجل رفع قدراتهم و مؤهلاتهم، باعتبار أن سوق العمل يبحث عن اليد العاملة المؤهلة. و بالتالي فان الاهتمام يرتكز على الوظيفة و ليس على من يشرفون عليها.

  1. نظرية تجزئة سوق العمل

ترتكز هذه النظرية التي ظهرت على يد D.B Doemberg ,MPiore، في دراسة ميدانية لسوق العمل الأمريكية خلال الستينات، التي تفسران قوة العمل الأمريكية تتعرض لنوع من التجزئة على أساس العرق و النوع و السن والمستوى التعليمي. و تهدف النظرية إلى تفسير ارتفاع البطالة، و الكشف عن أسباب ارتفاعها في قطاعات معينة ووجود ندرة في عنصر العمل في قطاعات أخرى. و على هذا الأساس تميز النظرية بين خمسة أنواع من أسواق العمل وهي :

-السوق الداخلية: تتضمن الموارد البشرية داخل المؤسسة في ظل علاقة وثيقة بالأجور.

-السوق الخارجية:يتم فيها البحث عن اليد العاملة من خارج محيط المؤسسة لعدم توفر الشروط الضرورية في المنضب المطلوب، مع عدم إمكانية الترقية.

-السوق الأولية: تضم الوظائف الأكثر أجرا و الأكثر ثباتا و استقرارا، و التي توفر أحسن الشروط بما في ذلك امتياز الترقية. و في الجزائر فإن قطاع المحروقات لليد العاملة الدائمة يوفر هذه السوق، إذ كان يؤمن وظائف دائمة و بأجور مرتفعة  مقارنة بالقطاعات الأخرى، لكن أصبح يميل في السنوات الأخيرة إلى نهج التوظيف غير الدائم.

-السوق الثانوية: تضم الوظائف الأقل أجرا و استقرارا، و في الغالب تشمل المرأة و عنصر الشباب و كبار السن و العمالة منخفضة المهارة، أي أن هذه السوق تميز بين العمال من حيث فئات الأعمار، ومن حيث الجنس. و تتضمن المؤسسات الإنتاجية الصغيرة، التي تستخدم أساليب إنتاجية كثيفة العمل ، و تتأثر بالتقلبات الاقتصادية. مما يعني أن المشتغلين بها يكونوا أكثر عرضة للبطالة.

-السوق الرئيسية: تتضمن المؤسسات كبيرة الحجم، التي تستخدم الفنون الإنتاجية كثيفة رأس المال و العمالة الماهرة. و نظرا لسيطرة هذه المؤسسات على أسواق السلع و الخدمات، فإنها تتمتع بدرجة عالية من استقرار الطلب على منتجاتها، و بالتالي ينعكس ذلك على العمالة بشكل ايجابي.

  1. نظرية البحث عن العمل

ترجع هذه النظرية معدلات البطالة إلى رغبة الأفراد في ترك وظائفهم الحالية من اجل البحث و جمع المعلومات عن أفضل فرص العمل الملائمة لقدراتهم و هيكل الأجور المقترن بها. وتنطلق هذه النظريات من الفرضيتين التاليتين:

  • أن الباحث عن العمل على علم تام بالتوزيع الاحتمالي للأجور المختلفة.
  • وجود حد أدنى للأجور، بمعنى أن العامل سوف يقبل أي اجر أعلى منه و يرفض أي اجر اقل منه.

حاولت النظرية الكشف عن أسباب زيادة البطالة بين فئات معينة من قوى العمل، خصوصا الشباب الوافدين الجدد لسوق العمل، نتيجة لعدم درايتهم بأحوال السوق، كما أن الانتقال من وظيفة لأخرى من شأنه أن يرفع من معدل البطالة أثناء فترة التنقل بين الوظائف المختلفة. و بالتالي تخلص النظرية إلى أن البطالة السائدة في الاقتصاد هي بطالة اختيارية.

  1. نظرية البطالة الهيكلية

ظهرت هذه النظرية لتفسير معدلات البطالة المرتفعة في السبعينيات و زيادة التطور التقني الذي طرأ على الصناعة، فقد تعرضت بعض الفئات من العمال لظاهرة التعطل بسبب عدم قدرتها على التوافق مع النظريات الحديثة  في الفنون الإنتاجية، في حين ظهر فائض في فرص العمل في أعمال و مهن أخرى و فسرت النظرية عدم التوافق بين فرص العمل المتاحة و المتعطلين بمجموعة من الأسباب أهمها:

  • عدم القدرة على الانتقال بمرونة من مكان لآخر.
  • الاعتبارات الشخصية في تفضيل العمال على بعضهم.
  • عدم توفير فرص تدريب مناسبة للعمال حتى يتمكنوا من القيام بأعمال جديدة.
  1. نظرية اجر الكفاءة

تقوم هذه النظرية على أن رجال الأعمال يدفعون أجورا أعلى من الأجور التوازنية في سوق العمل لتشجيع العمال وزيادة الإنتاجية. ويترتب على هذا الارتفاع و جود فائض في عرض العمل، و من ثم ظهور البطالة. و وفقا لهذه النظرية فإن رفع الأجور يترتب عليه ارتفاع في الإنتاجية، و بمعنى آخر فان تكلفة خفض الأجور هي انخفاض في إنتاجية العمال، وينتج عن ذلك سعي المؤسسات إلى إبقاء الأجور عند مستوى ثابت حتى لا تتأثر الإنتاجية.

  1. نظرية اختلال التوازن

ظهرت على يد الاقتصادي الفرنسي E.Malinvad، كمحاولة لتفسير معدلات البطالة المرتفعة في الدول الصناعية خلال فترة السبعينات من القرن الماضي. و يرتكز تحليله للبطالة على سوقين اثنين هما: سوق السلع وسوق العمل. و تبني هذه النظرية فرض جمود الأسعار و الأجور في الأجل القصير، و يرجع ذلك إلى عجزها عن التغير بالسرعة الكافية لتحقيق التوازن المنشود. و نتيجة إلى ذلك يتغير سوق العمل لحالة اختلال متمثلة في وجود فائض في عرض العمل عن الطلب، مما يقود إلى البطالة الإجبارية. و لاتقتصر النظرية على البحث عن أسباب البطالة في إطار دراسة سوق العمل، و إنما تسعى أيضا لتحليلها من خلال دراسة العلاقة بين سوق العمل و سوق السلع، إذ يمكن أن ينتج عنه نوعان من البطالة هما:

  • النوع الأول: يتميز بوجود فائض قي عرض العمل عن الطلب عليه، و يترتب على ذلك عدم قيام أصحاب العمل أو رجال الأعمال بتشغيل عمالة إضافية لوجود فائض في الإنتاج و هو ما يتطابق مع التحليل الكنزي.
  • النوع الثاني: في هذه الحالة تقترن البطالة في سوق العمل بوجود نقص في المعرضون من السلع عن الطلب عليها، و تكون أسباب البطالة في ارتفاع معدل الأجور الحقيقية للعمال، مما يدفع المستخدمين إلى عدم زيادة كل من عرض السلع و مستوى التشغيل بسبب انخفاض ربحية الاستثمارات، و هو ما يتطابق و التحليل الكلاسيكي.

– أنواع البطـالة

هناك أنواع من البطالة يتم التطرق إليها لا من خلال الجنس أو العمل أو الحالة التعليمية أو المهنة، إنما من خلال الدورة الاقتصادية فتسمى بطـالة دورية ، أو بطالة احتكاكية، كما ينظر لها من خلال التنقل بين المهن المختلفة ، وبطالة هيكلية، وهي البطالة التي تحدث نتيجة تغيرات هيكلية في الاقتصاد الوطني ، وهناك البطالة الموسمية أو الظرفية ومن هنا سوف نتطرق لكل واحد منها.

1 – البطـالة الدورية:

يمر اقتصاد أي دولة بمرحلة رخـاء و انتعاش أو ما يعرف بالرواج الاقتصادي ، حيث تنشط عمليات الإنتاج – البيع – التبادل و يزيد حجم كل من الدخل ، الناتج  و التوظيف ، إلى أن يصل إلى حد معين يعرف بقمة الرواج، عنده تنخفض معدلات البطالة حتى تقترب من مرحلة التوظيف الكامل ، أما في أوقات الكسـاد أو المرحلة التي يدخل فيها الاقتصاد مرحلة الانكماش فإن حجم النشـاط الاقتصادي سينخفض بسبب انخفاض حجم الإنفاق الاستثماري مما يؤدي إلى الانخفاض في العمالة في شكل تقليص مدة العمل أو تسريح العمالة و بالتالي ترتفع معدلات البطالة أي أن فرص العمل تتقلص في الاقتصاد الوطني بعد رواج كبير تصل فيه العمالة إلى الذروة.[5]

وهذه الدورات يتعرض لها خصوصاً الاقتصاد الرأسمالي بصفة دورية، وقد تعرض لها في عـام 1930 وكذلك في عـام 1962 و 1983 ، والبطـالة الدورية في تعريف الأمم المتحدة هي نتيجة من نتـائج فشل الطلب الاقتصادي نتيجة تغيرات في مستويات النشـاط خلال فترة معينة.

وبالتالي فالبطالة الناتجة عن التقلبات الاقتصادية تسمى بطالة دورية وهي إجبارية وليس اختيارية.[6]

2 – البطـالة المقنعة:[7]

هي تلك الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العمال بشكل يفوق الحاجة الفعلية للعمل، مما يعني وجود عمالة زائدة أو فائضة لا تنتج شيئا تقريبا، بحيث إذا ما سحبت من أماكن عملها، فإن حجم الإنتاج لن ينخفض ، ونحن هنا إزاء فئة من العمالة تبدو من الناحية الظاهرية أنها في حالة عمل ، أي أنها تشغل وظيفة و تتقاضى عنها أجراً ، لكنها من الناحية الفعلية لا تعمل و لا تضيف شيئا إلى الإنتاج وهو الأمر الذي يرفع من التكلفة المتوسطة للمنتجات.

و تظهر البطالة المقنعة خاصة في الدول النامية في الإنتاج الزراعي، ومؤسسات القطاع الحكومي، حيث تتكدس المكاتب الحكومية بما يزيد عن الحاجة و لكن يمكن لهذا النوع من البطالة أن ينتهي إذا ما قامت المؤسسة بعمل توسعات جديدة، أو فتح فروع أخرى تستوعب هذا الفائض من العمالة، أو القيام بأعمال أخرى تسـاعد على رفع إنتاجية المؤسسة.

3 – البطـالة الاحتكاكية: ” وقتية ، انتقالية

وهي البطالة التي تحدث بسبب التنقلات المختلفة للعمال بين المناطق و المهن المختلفة، أي تحدث عندما يترك شخص ما عمله ليبحث عن عمل أفضل بسبب الرغبة في زيادة أجره أو الحصول على وضع وظيفي أفضل أو رغبة الانتقال من مكان لآخر.

و ينشأ هذا النوع من البطالة بسبب نقص المعلومات لدى العمال من جهة ، ولدى أصحـاب العمل من جهة أخرى، و كلما توفرت المعلومات كلما قصرت مدة هذا النوع من البطالة [8]

وقد عرف هذا النوع من البطالة في الجزائر في الأماكن الصناعية بالجنوب خاصة عندما كان العامل الجزائري يفضل العمل في المؤسسات الأجنبية التي تمنحه أجر أكبر من الذي يتحصل عليه في المؤسسات الوطنية ، أو عند انتقال العمال الجزائريين إلى خارج الوطن لتحسين ظروفهم المادية.[9]

4 – البطـالة الهيكلية” الفنية”:

تعرف البطالة الهيكلية على أنها ” ذلك النوع من  التعطل ، في القوة العاملة نتيجة لتغيير الهيكل  الاقتصادي أو بمعنى أدق تغيير الهيكل الإنتاجي كالتغيير في هيكل الطلب على المنتجات أو تغيير الفن الإنتاجي أو انتقال الصناعات للتوطن في أماكن أخرى فنتيجة للتطور التكنولوجي والتقدم العلمي فإن استخدام التكنولوجيا الحديثة أمر ضروري ، حتى تصبح السلع و الخدمات مستجيبة  للمعايير الدولية ، إلا  أن ذلك يتطلب يد عاملة متخصصة ، الشيء الذي يجبر أرباب العمل والمؤسسات على الاستغناء عن العمالة البسيطة و تعويضها بأخرى مؤهلة ، وهكذا كلما زاد التقدم التكنولوجي كلما زادت معدلات البطالة الهيكلية.[10]

و يرى الاقتصاديون أنه يجب إدخال الاحتياطات الكفيلة عند إدخال التحسينات على الصناعات المختلفة ، بحيث يحول العمال الذين يزيدون عن الحاجة إلى أعمال أخرى تحتاج إلى مزيد من العمالة، سواء كانت الأعمال التي ستسند لهم في الصناعات نفسهـا أو في صناعات أخرى جديدة، أو صناعات مقبلة على الازدهار ، ويجب إدخال برامج إعادة التدريب، و التدريب التحويلي للعمال الزائدين عن الحـاجة توطئة  لدرء مساوئ هذا النوع من البطالة ، كما يمكن للمؤسسة استبقاء العمالة الزائدة من خلال منحهم إجازات مؤقتة بدون أجر، لمواجهة أي توسعـات متوقعة، أو مسـاعدتهم على عمل مشروعات خاصة به.[11]

5 – البطـالة الموسمية ” العرضية”:

وهي بطالة ذات طابع موسمي ، تعرفها بعض النشـاطات كالسياحة ، أو الأنشطة الفلاحية كجني المحـاصيل الزراعية مثلا ، فعند انتهاء المهام المسندة للعمال يتم تسريحهم باعتبارهم عمالة مؤقتة.[12]

6 – البطـالة الاختيارية:

وهي الحالة التي يتعطل فيها العامل بمحض إرادته و اختياره، حينما يقدم استقالته عن العمل الذي كان يعمل فيه ، إما بعزوفه عن العمل أو تفضيله لوقت الفراغ (مع وجود مصدر آخر للدخل والإعاشة)، أو لأنه يبحث عن عمل أفضل يوفر له أجراً أعلى ، وظروف عمل أحسن فقرار الوقف عن  العمل هنا اختياري لم يجبره عليه صـاحب العمل فسياسات تخفيض العمالة هنا لا تؤثر عليهم، باعتبار أنه هذا تم بمحض إرادتهم.[13]

-أسباب تفاقم مشكلة البطالة في الجزائر

إن للبطالة أسباب كثيرة منها القضية السكانية و السياسة التعليمية و الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، و الشؤون التنظيمية و إن كل منهم يؤثر في جانب عرض العمل أو في جانب الطلب عليه أو في كل منهما.

  • الأسباب الخارجة عن إرادة الدولة[14]

و هي التي أضعفت معدلات الاستثمار المحلي ومنها عدم توفر فرص العمل و التي كانت خارج نطاق الحكومة في تصرفاتها من خلال إبعاد مسؤوليتها سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ومن بين هذه الأسباب ما يلي:

  • انخفاض أسعار المحروقات

بما أن الجزائر بلد طاقوي يحتل فيه قطاع المحروقات أهمية كبيرة بحيث يعتمد الاقتصاد بالدرجة الأولى على إنتاج وتصدير المحروقات بنسبة 96% إلا أن انخفاض أسعار البترول بصورة مستمرة خلال فترة الثمانينات من حوالي 35 دولار للبرميل في سنة 1980 إلى 15 دولار في عام 1986 م أدى إلى انكماش اقتصادي في الجزائر نتيجة إتباع سياسة تقيديه بسبب تدهور الريع البترولي و هذا ما أدى إلى تقلص حجم الاستثمارات المحلية و من ثم تقلص إيجاد مناصب عمل جديدة.

1-2 – انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى

و ترتب عن ذلك إتباع سياسة انكماشية في فترة الثمانينات من قبل الدول المتقدمة لان نمو الناتج المحلي الإجمالي في تلك الدول قد انخفض من 94% في سنة 1980 إلى 5.3% في سنة 1983 ثم إلى 3.3% في سنة 1986 مما أدى إلى تناقص واردات هذه الدول من الدول النامية و منها الجزائر، و بالتالي فإن ظاهرة الركود الاقتصادي العالمي كان له الأثر على مستوى الدخل ومن ثم على مستوى قطاع التشغيل خاصة في قطاعات التصدير.

1-3-تدهور شروط التبادل التجاري الدولي

إن انخفاض أسعار الصرف لعملية التبادل الدولي أي الدولار من 124.3% في عام (1984-1985) إلى 101.9% في عام 1986 /1987 فحسب سنة 1980 هي سنة الأساس، أدى إلى إضعاف الجزائر لقوتها الشرائية لأن الجزائر تتعامل في بيع محروقاتها بالدولار الأمريكي و بالتالي تأثير إستراداتها من السلع التامة الصنع حيث انخفض سعر صرف الدولار نحو 30% و 20% أمام كلا من الين الياباني و المارك الألماني على التوالي في بداية الثمانينات، كل ذلك أثر على حجم المبادلات التجارية و أي انكماش في أطراف التبادل التجاري يؤثر على مستوى الدخل الوطني و قدرة الجزائر على خلق فرص عمل جديدة.

1-4- القضية السكانية

يلعب السكان في أي مجتمع دورا أساسيا في تحديد حجم المعروض من القوى العاملة حيث تؤدي الزيادة الكبيرة في عدد السكان مع زيادة الإنتاج بغرض ثبات العوامل الأخرى على ماهية عليه إلى انخفاض مستوى المعيشة و تلاقي انتشار البطالة بصورها المختلفة و لقد عرفت الجزائر في الفترة 1962م إلى 1985م تضاعف عدد السكان بثلاث مرات أي بنسبة سنوية للنمو الديمغرافي تجاوز 3% و منذ نهاية الثمانينات و تبعا لأثر المزدوج للتنمية و الانتشار الواسع لوسائل منع الحمل في المجتمع، سجل تباطؤا محسوسا لوتيرة نمو السكان حيث بلغت نسبة النمو الديمغرافي  سنة 1998م 1.52% أي ما يعادل انخفاضا بالنصف خلال عقد واحد و قدرت هذه النسبة ب 1.46% سنة 1999م و 1.43 % سنة 2000م، و أن زيادة السكان حتى نهاية الثمانينات أدت إلى تزايد نسبة السكان النشطاء اقتصاديا من 3049952 شخصا في سنة 1977م غلى 8326000 شخص سنة 1998م، وهكذا أصبحت مشكلة تزايد السكان مع عدم وجود سياسة واضحة لامتصاص نسبة التزايد مما أدى إلى تفاقم البطالة.

  • الأسباب النابعة من اتجاهات الدولة الجزائرية[15]

تشمل العوامل التي يمكن للدولة أن تتدخل فيها، وتؤثر عليها بشكل أو بآخر، و تتعلق في مجملها بالاختلالات الهيكلية للوحدات الاقتصادية و للتوزيع السكاني الذي يرتكز في مناطق الشمال، مما أحدث اختلالا في التوازنات الجهوية، و ما ينتج عنه من ضرورة توفير مناصب شغل بهذه المناطق.و من بين هذه العوامل كذلك الجانب المتعلق بدرجة تأهيل اليد العاملة.

  • عدم ملائمة الهيكل التعليمي لمتطلبات السوق: هناك زيادة كبيرة في عرض خريجي المدارس و مراكز التكوين، المعاهد والجامعات دون أن يقابلها طلب على هذه الفئة. مما يعني فقدان همزة الوصل بين المؤسسات الاقتصادية و المؤسسات التعليمية في جل الدول النامية. و هكذا ابتعدت عن عدم الملائمة، مما يحول دون توافق العرض مع الطلب و يرجع ذلك إلى عدم مواكبة السياسة التعليمية لمتطلبات السوق خاصة التخصصات النادرة.

و قد سعت الجزائر خلال الخمس السنوات الأخيرة إلى تطبيق إستراتيجية جديدة من خلال البرامج الوطنية للبحث العلمي و إصلاح الجامعة،و التوجه إلى نظام ليسانس- ماستر-دكتوراه، في التكوين بجانبيه الأكاديمي و التطبيقي. و هو ما يوفر ارتباطا و انسجاما أكثر مع النشاط الاقتصادي الوطني و متطلباته من جهة،و مع التطورات على المستوى الجهوي و الدولي في الموضوع من جهة أخرى لإحداث تكامل أكبر بين المؤسسات التعليمية و الاقتصادية للوصول إلى أداء أفضل من حيث المردودية، خاصة المرتبطة بالعنصر البشري.

  • البعد المكاني للسياسة السكانية:مما لاشك فيه أن البعد المكاني للسياسة السكانية يؤثر على مستوى استخدام الموارد البشرية، إذ أن التركز السكاني في المناطق الشمالية يؤدي إلى ارتفاع الكثافة السكانية على المساحات المأهولة بسبب النزوح من الريف إلى المدينة. وما لاشك فيه أيضا أن هذا الخلل التوزيعي يخلق ضغطا على المؤسسات، بحيث يصعب عليها امتصاص العمالة المتاحة. و هو ما يستوجب ضرورة إنشاء مشاريع اقتصادية كالمجمعات الصناعية و الزراعية القادرة على خلق القيمة المضافة من جهة، و على توفير مناصب شغل جديدة تستوعب فائض العمالة من جهة أخرى. وهكذا ساهم قصور التوازن في التنمية الإقليمية و التوازنات الجهوية في خلق المزيد من الاختلال في سوق العمل و سوء استخدام الموارد البشرية المتاحة.
  • الإختلالات الهيكلية: تعود مشكلة التشغيل و البطالة إلى تشابك الاختلالات الهيكلية في فترة الثمانينات من القرن الماضي و ما قبلها، و خاصة التشابك غير المتوازن بين القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، مما أدى إلى تراجع معدلات نمو الناتج مقارنة بالزيادة السكانية. الشيء الذي حال دون توفير فرص التوظيف القادرة على احتواء اليد العاملة. فالأسباب الهيكلية للبطالة في الجزائر يمكن تصنيفها إلى ثلاث عناصر أساسية و هي:
  • نقص ديناميكية القطاع الإنتاجي صناعيا كان أو زراعيا، إذ لم يستطع القطاعين إظهار المرونة الواجب توفرها في سوق العمل من خلال الجهاز الإنتاجي، الذي لم يتمكن من تحقيق التمويل الذاتي الموجه للاستثمار و لتوسيع طاقاته الإنتاجية الحالية من جهة. ولم يتمكن حتى من ضمان نشاطات الصيانة و خدمات ما بعد البيع و التي كان بإمكانها أن تمتص جزءا من البطالة الحالية من جهة أخرى.
  • انخفاض دعم الاستثمارات الإنتاجية و توقفها في بعض الحالات منذ سنوات، خصوصا أن حجم الإعانات يشكل إحدى السبل الناجعة لضمان استمراريتها لما يعنيه ذلك من مناصب عمل جديدة يمكن التخلص من حالة البطالة و العطل نتيجة لسوء تسيير الموارد المالية لهذه المشاريع. فقد ظلت الجزائر تعاني من أزمة التمويل، إذ كانت رؤوس الأموال إحدى العقبات التي حالت دون توجيه بعض النشاطات الاقتصادية إلى مسارها الصحيح.
  • عدم وجود تكامل بين التكوين والتشغيل باعتبار أن الأول أصبح مجرد مصنع بشري يقوم بالتكوين الكمي أكثر منه النوعي، و بدون التكفل بمصير المتخرجين ، في إطار التكامل بين مختلف القطاعات الاقتصادية و المؤسسات المكونة.
  • العوامل المباشرة للبطالة

تتمثل هذه العوامل في ميل سياسة التشغيل إلى الصيغة التعاقدية، مما يعني انخفاض مناصب العمل الدائمة إن لم نقل انعدامها في بعض الأنشطة الاقتصادية بسبب تجميد آلية التوظيف الدائم، خاصة في قطاع الإدارة و الخدمات. و تأكد ظهورها بشكل أكثر وضوح ببلادنا مع الإصلاحات الهيكلية في شكل عقود محدودة أو مفتوحة المدة، تشغيل الشباب في إطار الشبكة الاجتماعية و العقود السابقة للتشغيل.

   كما أن تباطؤ نمو المشاريع الاقتصادية و تأخر آجال تسليمها يشكل أيضا أهم هذه العوامل. الشيء الذي يؤدي إلى زيادة التكاليف التي يصعب تحملها.مما يؤدي في النهاية إلى حل أو غلق المؤسسات المعنية، وما سينتج عنه من حالات التسريح الفردي أو الجماعي للعمال.

سوء تخطيط القوى العاملة: إن سوء تخطيط القوى العاملة سببا جوهريا في زيادة حدة البطالة حيث أن هدف تخطيط القوى العاملة هو خلق الوظائف و الأعمال التي تحقق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية و ربما تحقيق فائضا و تراكما رأسماليا يعاد استثماره، ومن ثم يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، و لا شك أن وجود التخطيط السليم للقوى العاملة يحد من البطالة، كما يؤدي إلى توجيه العمالة إلى قطاعات الأكثر حاجة إليها.

-مختلف الآثـار الناجمة عن البطالة

تعد مشكلة البطـالة من المشكلات التي تحتل الصـدارة في المجتمع ، فالعمل يدر على صاحـبه الأجر أو الدخل ، ومن ثم يستطيع أن يلبي حاجاته الاقتصادية بسهولة ، أما اختفاء هذا الأخير فهو مواجهة للفقر، وليس هذا الناتج الوحيد فقط، فهناك انتشار للعمل غير الرسمي، انتشار للآفات الاجتماعية ، ناهيك عن تضيع المواهب و غيرها من الآثار التي سوف نتطرق إليها فيما يلي:

1 – الاستعمال الضعيف للمورد البشري

للعنصر البشري أثر فعالا على اقتصاديات الدول في جميع مراحل نموها، فهو العقل المفكر و الموجه و المحرك لكل عناصر الإنتـاج الأخرى.

فهو المخزون الحقيقي لثروة أي مجتمع، وعليه فمن المفروض أن كل أفراد المجتمع مطالبون بالمسـاهمة في العمل لصالح هذا المجتمع.

و إذا لم ينجح فريق من العمال في أداء واجبهم الإنتـاجي الموجه لإشبـاع حاجات و رغبات أفراد المجتمع، فهو ناتج من عدم الاستعمال و التوجيه الصحيح للموارد البشرية، في وظائف قادرين على العمل بها، وهذا هدر للموارد البشرية ومدمر لها.[16]

2 – تضييع المواهب المكتسبة:

معروف أن الإنسـان معرض للنسيـان ، وبالتالي فهو معرض للخطأ، ويقول المثل الشعبي من لا يخطأ لا يتعلم، فحتى الشخص الذي لا يعمل فهو يضيع ما تعلمه ، وهذا التضييع يصيب مواهب الإنسـان العقلية ، الفكرية ، الفنية ، حيث أثبتت الدراسات السيكولوجية أن الإنسـان العادي إذا لم يطبق ما تعلمه خلال مدة زمنية معينة تختلف حسب خصائص الأشخـاص ، فإنه يفقد ما تعلمه ، وبالتالي تصبح خسـارة مزدوجة ، من جهة تضييع سنوات من التعليم و التكوين، ومن جهة أخرى تضييع الأموال العامة التي أنفقت على المدارس و مراكز التكوين المهني و الجامعات ، حتى و إن حدث و اشتغل هذا الشخص بعد فترة  زمنية طويلة نوعا ما تكون مردوديته  ضعيفة وتلزمه نفقات أخرى لإعـادة تكوينه.[17]

3 – انتشار العمل غير الرسمي

ظـاهرة نجدها بكثرة في الجزائر متمثلة أساسا في السوق الموازية ، هذه الأسواق التي أخذت  أبعاداً كثيرة في المجتمع ، فالشباب الذين يتاجرون في الطرقات دون ترخيص فما هم إلا نتيجة من نتائج البطالة، حيث يلجأ معظمهم إلى التجارة الخفيفة هروبا من الضرائب .

فهذه التجارة تعودهم على العمل الفردي ، وتجعلهم  في المستقبل غير قادرين على الاندماج في مؤسسة أو مجموعة إن وجدوا عملا، ضف إلى هذا فرغم  أن العمل بهذا القطاع قد يضمن  دخلا ماديا إلا أنه لا يسـاعد على اكتساب مكانة اجتماعية محترمة التي يسعى لها الإنسـان كلما تقدم في السن.

أما على المستوى العام فهناك انتشار القطـاع غير الرسمي الذي يشغل عشرات الآلاف من العمال . هذا الأخير الذي نتج عن التدهور المستمر للقطـاع الرسمي بعد خسـارة للخزينة العامة للدولة لأنه لا يدفع الضرائب التي يمكن أن تخلق مناصب شغل للقطـاع الرسمي و الذي بدوره سمح للقطـاع غير الرسمي في الظهور.

4 – ظـاهرة الفقر:

يعد الفقر من أبرز المشـاكل الكبيرة و المزمنة و التي تواجه كثيرا الدول النامية، فقد انتشرت ظاهرة الفقر بشكل كبير في الدول الإفريقية، بل طالت بعض الدول الأسيوية و العربية نتيجة للعديد من الأحداث التي تسلسلت ، لتكون  عمليات التسريح و البطالة هما آخر المطاف.

إذن فالفقر ناتج من المستوى المنخفض للتنمية الاقتصادية و البطالة المنتشرة ، فهو وليد  اختلال النظام  الاقتصادي العالمي ، و محصلة حقب طويلة من استنزاف مقدرات الدول المتخلفة وثرواتها على يد الغرب.

ويمكن تلخيص الآثار الضارة و الانعكاسات السلبية للفقر على الأوضـاع الاقتصادية والاجتماعية فيما يلي: [18]

– تفشي الأمراض الاجتماعية.

– انخفاض المستوى التعليمي و الثقافي.

– انخفاض المستوى الصحي.

–  التهميش و ضعف المشـاركة في الحيـاة العامة.

5 – تفشي الآفات الاجتماعية:

إن عدم شغل الفرد لعمل، يخلق فراغا كبيرا لديه ، إذ يحاول ملئ وقت فراغه بأي طريقة عقلانية، و بالتالي تبدأ سيرورة الحلقة المفرعة في المجتمع، هذه الحلقة التي خلقتها الدولة جراء سياساتها الاقتصادية و الاجتماعية و تحاول القضـاء عليها بشتى الوسـائل و الطرق، لم يفلح المجتمع الجزائري في القضـاء على الآفات الاجتماعية إلى يومنا هذا بل ازدادت انتشاراً (السرقة ، الإجرام، الإرهـاب، تعاطي المخدرات…الخ).

هذه أهم الآثار الاجتماعية الناجمة عن البطالة ، في الأخير نتعرض  لطريقة علاج هذه المشـاكل الناجمة عن البطالة .

 – بعض الحلول لظاهرة البطـالة :

يقع على عاتق المؤسسات و الأجهزة الحكومية المسؤولة عن القوى العاملة، مسؤولية الحد من أو تخفيض معدلات البطالة، ومن الحلول المقترحة نجد :

– من أجل امتصاص البطالة من سوق العمل ، فإن الوضع يقتضي أولا اللجوء إلى الإحصاء الدوري ، حتى تكون بيانات البطالة جاهزة أمام مخطط القوى العاملة،   و أمام أصحاب الأعمال الذين لديهم رغبة في خدمة المجتمع ، وتكون هذه البيانات متعلقة بحالة التعطل العملية ،التخصص ، المهنة و النشـاط الاقتصادي الذي يعمل به المتعطل السابق ،عمر المتعطل ،مكان إقامته ، استعداده للهجرة من مكان إقامته إلى مكان جديد، ثم جنس  المتعطل و أيضا سبب تعطله، كل هذه البيانات تسـاعد مخطط القوى العاملة على اقتراح السياسات التعليمية و التدريبية و الاقتصادية والمالية  التي تسـاعد على امتصاص البطالة.

– استخدام الطاقات المعطلة: يجب أن تقوم المؤسسات باستخدام الطاقات المعطلة لديها، من خلال تشغيل المصانع المتوقفة، أو رفع نسبة تشغيل المصانع الحالية، بما يعادل الطاقة القصوى لها، حتى تستطيع أن تمتص البطالة المقنعة لديها.[19]

ومن بين الحلول الممكنة للمشكلة نجد :

– تكوين العمال : و ذلك عن طريق التكوين المستمر من أجل التكيف مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل، والذي يرفق بإجراءات أخرى منها تشجيع حرية الانتقال من عمل لأخر، تحسين شروط سوق العمل  ، خلق أقطـاب إعادة تحويل أو إعادة تكييف بهدف خلق مناصب شغل للشباب وغيرهم.

– خلق مناصب عمل :  انتهاج سياسة مناسبة لنمو الطلب و الإنتاج من شأنها أن تسمح للمؤسسات بالتوظيف ، كما أن انخفاض تكلفة العمل قد تؤدي إلى خلق مناصب شغل.

و يمكن توفير مناصب شغل من خلال استحداث مناطق صناعية أو مجتمعات صناعية في المدن التي تتميز بوفرة العمالة و انخفاض تكلفتها ، مثال ذلك ما تفعله بعض المؤسسات اليابانية والأمريكية من إقامة مصانع لها في دول شرق أسيا التي تتميز بانخفاض تكلفة العمالة بها مثل سنغافورة، ماليزيا ، تايلاندا.

أو بتشجيع الصناعات الصغيرة ، والصناعات اليدوية ، وذلك من خلال تشجيع صغار العاملين على قيامهم بمشروعات خاصة بهم ، و مساعدتهم في الحصول على قروض لإقـامة هذه المصانع ، مسـاعدتهم في تصريف منتجاتهم و تزويدهم بالخامات بأسعار مناسبة.

توسيع المنـاصب و يتم ذلك من خلال تخفيض مدة العمل و إعادة تهيئة مدة العمل، فمثلاً إذا كـان هناك 10 ملايين عـامل يشتغلون 40 سـاعة أسبوعيا ، يقبلون اشتغال 35 ساعة، فيتم تحرير 50 مليون سـاعة و التي تعادل تقريبا 1430000 منصب شغل.

الخاتمة

         تعد مشكلة البطالة من أعظم المشاكل الاقتصادية عبر تاريخ الفكر الاقتصادي وذلك لآثارها السلبية ليس على الفرد فحسب بل على الدولة ككل. وما زاد الأمر تعقيدا هو سرعة انتشارها في العالم بأسره مع التطورات التكنولوجيا الحديثة التي أخذت تلغي دور الأيدي العاملة في كثير من القطاعات الصناعية.

      مما يجعل علاجها ليس بالأمر الهين بالنسبة للحكومات خاصة حكومات الدول النامية التي تفتقد الوسائل الناجعة للقضاء عليها. وبالتالي فان الرهان الحقيقي لمستقبل الشغل ببلادنا يقوم على أساس تنمية الأنشطة الذاتية، من خلال إنشاء مؤسسات و مشاريع فردية و جماعية قادرة على البقاء و الاستمرارية من جهة، و على رفع معدل المر دودية لمختلف عوامل الإنتاج من جهة أخرى. الشيء الذي سيخفف من حجم البطالة على المدى الطويل.

قائمة المراجع

  • احمد رمضان. عفاف عبد العزيز عايد. إيمان عطية ناصف،” مبادئ الاقتصاد الكلي“، الدار الجامعية لنشر، طبعة2004.
  • علي لطفي ، إيهاب نديم ، أيمن الجماعي ،” التحليل الاقتصادي الكلي” ، القاهرة ، مكتبة عين الشمس ، 1998.
  • ناصر دادي عدون، عبدالرحمان العايب،” البطالة و إشكالية التشغيل ضمن برامج التعديل الهيكلي للاقتصاد“(من خلال حالة الجزائر)،ديوان المطبوعات الجامعية، 2010.
  • رمزي زكي A ، “الاقتصاد السياسي للبطالة ، تحليل لأخطر مشكلات الرأسمالية المعاصرة” ، ( الكويت ، عالم المعرفة ، 1997.
  • عبد المجيد قدي ، “المدخل إلى السياسات الاقتصادية الكلية” ، دراسة تحليلية تقييمية ، ( الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، 2003 ).
  • خالد الزواوي ، “البطالة في الوطن العربي ، المشكلة و الحل ، الطبعة 1 ، القاهرة ، مجموعة النيل العربية ، 2004.
  • الشيخ لابري ، “الاقتصاد و المؤسسة” ، الجزائر ، الصفحات الزرقاء للنشر ، 2003.
  • مهدي كلو ،” الخروج من البطالة نحو وضعيات مختلفة“، مذكرة ماجستير ، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير ، جامعة الجزائر ، 2001 -2002.

9  – ضياء مجيد الموسوي، النظرية الآقتصادية”،(ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة الثالثة، 2005).

  • – مدني بن شهرة،” الإصلاح الاقتصادي و سياسة التشغيل (التجربة الجزائرية)،دارالحامد،الأردن، 2008.

11- حمدي باشا رابح ، لغة الفقر و تحدياته ، مداخلة في الملتقى العلمي حول الشفافية و نجاعة الأداء  للاندماج الفعلي في الاقتصاد الجزائري ، جامعة الجزائر ، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير ، 31 ماي – 2 جوان 2003.

12- محمد عبد الله البكر، أثر البطالة في البناء الاجتماعي، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، المجلد 32، العدد 2، 2004.

13- أحمد ماهر، ” تقليل العمالة” ،الدارالجامعية ، الإسكندرية،2000.

14-Bruno Marcel, Jacques Taieb , Le chômage aujourd’hui , un phénomène pluriel , ( France , édition Narthan , 1991 )

15-Abdelmadjid Bouzidi, Comprendre la mutation de l’économie algérienne, (Alger, les mots clés, 1992),

16- Jean Marie Le Page, Geneviére Grangeas, Les politiques de l4emploi, (France, édition Eska, 1993.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – احمد رمضان. عفاف عبد العزيز عايد. إيمان عطية ناصف،” مبادئ الاقتصاد الكلي“، الدار الجامعية لنشر، طبعة2004، ص 256.

[2] – علي لطفي ، إيهاب نديم ، أيمن الجماعي ،” التحليل الاقتصادي الكلي” ،  القاهرة ، مكتبة عين الشمس ، 1998  ، ص 111.

[3]– ناصر دادي عدون، عبدالرحمان العايب،” البطالة و إشكالية التشغيل ضمن برامج التعديل الهيكلي للاقتصاد“(من خلال حالة الجزائر)،ديوان المطبوعات الجامعية، 2010،ص46،47.

[4] – ناصر دادي عدون، العايب عبد الرحمان، مرجع سابق، ص32-35.

1-Jean Marie Le Page, Geneviére Grangeas, Les politiques de l4emploi, (France, édition Eska, 1993), p 16.

2-Abdelmadjid Bouzidi, Comprendre la mutation de l’économie algérienne, (Alger, les mots clés, 1992), p20.

[7]-رمزي زكي  A ، “الاقتصاد السياسي للبطالة ، تحليل لأخطر مشكلات الرأسمالية المعاصرة” ، ( الكويت ، عالم المعرفة ، 1997) ، ص 33.

[8] -Bruno Marcel, Jacques Taieb , Le chômage aujourd’hui , un phénomène pluriel , ( France , édition Narthan , 1991 ) , p 34.

[9] – عبد المجيد قدي ، “المدخل إلى السياسات الاقتصادية الكلية” ، دراسة تحليلية تقييمية ، ( الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، 2003 ) ، ص 39.

[10] – خالد الزواوي ، “البطالة في الوطن العربي ، المشكلة و الحل ، الطبعة 1 ، ( القاهرة ، مجموعة النيل العربية ، 2004 ) ، ص 20.-

[11] – الشيخ لابري ، “الاقتصاد و المؤسسة” ،  الجزائر ، الصفحات الزرقاء للنشر ، 2003  ، ص 165.

[12] – مهدي كلو ،” الخروج من البطالة نحو وضعيات مختلفة“، مذكرة ماجستير ، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير ، جامعة الجزائر ، 2001 -2002 ، ص 70.

[13] – ضياء مجيد الموسوي، النظرية الآقتصادية”،(ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة الثالثة، 2005)، ص87.

[14] – مدني بن شهرة،” الإصلاح الاقتصادي و سياسة التشغيل (التجربة الجزائرية)،دارالحامد،الأردن، 2008،ص52-54.

[15] – ناصر دادي عدون، العايب عبد الحمان،مرجع سابق،ص254،255.

[16] – مهدي كلو ، مرجع سابق ، ص 97.

[17] – حمدي باشا رابح ، لغة الفقر و تحدياته ، مداخلة في الملتقى العلمي حول الشفافية و نجاعة الأداء  للاندماج الفعلي في الاقتصاد الجزائري ، جامعة الجزائر ، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير ، 31 ماي – 2 جوان 2003.

[18] – محمد عبد الله البكر، أثر البطالة في البناء الاجتماعي، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، المجلد 32، العدد 2، 2004.

[19] – أحمد ماهر، ” تقليل العمالة” ،الدارالجامعية ، الإسكندرية،2000،ص 356.

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart