انعدام المساواة والبحث عن البدائل التنموية لتحقيق العدالة الاجتماعية

انعدام المساواة والبحث عن البدائل التنموية لتحقيق العدالة الاجتماعية

دراسة ضمن كتاب: الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية في المنطقة العربية

يرتبط البحث عن رؤية بديلة للتنمية والعدالة الاجتماعية بالفوارق بين الطبقات الاجتماعية والسياسية والمجموعات العرقية والدينية والطائفية وكذلك الفوارق داخل كل مجموعة. هذا يعني وجود نوعين أساسيين من الفوارق: الأول بين مجموعة وأخرى أي الفوارق الأفقية، والثاني داخل كل مجموعة أي الفوارق الرأسية. يتواجد النوعان في المنطقة العربية ويساهمان بشكل أساسي في إعاقة الوصول لرؤية بديلة للتنمية والعدالة الاجتماعية. في هذا السياق يجب الإشارة لدور الدولة في إدارة القوى وتوزيع الاستراتيجيات، الفردي منها والمجتمعي، التي من شأنها تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.

هنا يتعين ذكر الكتابات الخاصة بالمواءمة أو التسوية السياسية. يقول جوناثان ديجون وجيمس بوتزل إن المواءمة السياسية هي “نتاج الصفقات والاتفاقات بين النخب المتصارعة”[1]. يعتمد ديجون وبوتزل في تعريفهما للتسويات السياسية على تعريف مشتاق خان الذي يرى أن المواءمة السياسية هي “توازن أو توزيع القوة بين المجموعات أو الطبقات الاجتماعية التي تبني عليها أي دولة”[2]. وفقا لمشتاق خان تتركز دراسة المواءمة السياسية على “الصراعات والصفقات بين النخب المختلفة مثل النخبة السياسية والنخبة الاقتصادية أو النخبة المالكة للأراضي والنخبة غير المالكة للأراضي أو النخبة الريفية والنخبة الحضرية أو النخبة الدينية والنخبة العلمانية أو النخب الإقليمية كذلك الصراعات والصفقات بين النخبة وغير النخبة داخل المجموعة الواحدة أو الصراعات والصفقات بين المجموعات وفقا للنوع الاجتماعي أو الإقليم أو العرق أو اللغة أو الدين أو الصراعات والصفقات بين رجال الدولة والمجتمع بشكل عام”.[3]

يتحقق التوازن بين العلاقات السابق ذكرها من خلال القوى المتوفرة لكل مجموعة والقوى المهيمنة للدولة التي تدير الاتجاهات الفردية والمجتمعية والاتفاقيات المبرمة بين المجموعات الفاعلة المختلفة. كما يجب الإشارة لعاملين آخرين يلعبان دورا محوريا في تحديد معالم الاقتصاد السياسي. الأول هو دور القوى الخارجية ذات القدرة على التدخل في التوازن الداخلي بين الدولة ومختلف الأطراف المتفاعلة معها، والثاني هو الطبيعة الأيديولوجية والسياسية للاتفاقات المبرمة بين الدولة ومختلف الأطراف الفاعلة وكذلك بين المجموعات وداخل كل مجموعة. يتطلب فهم هذه العوامل تناول تاريخي جدلي وعلائقي للتعرف على كيفية تكوين وتطبيق هذه التفاعلات فهذه العلاقات ديناميكية في أساسها ودائمة التحول.

انطلاقا من الفهم النظري لدور الدولة والتسوية السياسية يمكن تحليل التكوين الخاص بكل دولة عربية وإمكانية تقديم رؤية تنموية بديلة تتمحور حول العدالة الاجتماعية. كتب جيلبرت أتشكار باستفاضة عن النماذج التكرارية التي تميز العديد من الترتيبات التنموية خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاديات الريعية. يتحدث أتشكار عن نوع من الرأسمالية الموجهة سياسيا التي تطور من خلالها الدول العربية “برجوازية الدولة” حيث تستمد البرجوازية العربية “قوتها الاقتصادية من الدولة بينما تمارس دورها كنظام رأسمالي خاص”.[4] يحدث هذا إلى حد كبير بفضل توجيه الكثير من الاستثمارات لقطاعات لا تدر فائدة كبرى أو ما يطلق عليها قطاعات “كسولة” مثل السياحة والعقارات والإنشاء والتجارة الاستهلاكية: “يعوق غياب دولة القانون في معظم المنطقة العربية نمو نوع الرأسمالية التي يقودها رجال أعمال مستعدون للمخاطرة عن طريق الاستثمار في رأس مال ثابت بجدولة طويلة المدى. على عكس ذلك تهدف الرأسمالية التجارية لتحقيق الربح السريع ولهذا تتوفر لها ظروف النمو من خلال التحالف مع برجوازية الدولة ذات رأس المال الموجه سياسيا. [5]

في هذا السياق، تضطر الفئات المقصاة من هذه المزايا والاتفاقات لكسب عيشها من المشروعات الصغيرة والمتوسطة حيث تهيمن القيم الأبوية والعائلية والقبلية والطائفية كوسيلة لخلق حد أدنى من الأمان الاجتماعي وإعادة الإنتاج الاجتماعي.

تزداد قوة النخب وقدرتها على استغلال نفوذها مع السياسات النيوليبرالية والتي تقوم بدورها بتعميق الفوارق والإسراع بتفاقمها. بمرور الوقت تزداد حدة الفقر والتهميش وانعدام المساواة كما تزداد الانقسامات بين المجموعات المختلفة وداخل كل مجموعة. بذلك تصبح الاتفاقات والصفقات مدمرة وتنذر بكارثة مع احتدام الصراع بين رؤى مشوهة وبالتالي زيادة الاستقطاب ويتخذ هذا عادة شكل صراعات بين القيم المروجة من قبل رأس المال الموجه سياسيا من جهة وقيم رأسمالية البرجوازية الصغيرة والتي عادة ما تكون إسلامية الهوى من جهة أخرى.

بينما لا يقوم ذلك الوصف المختصر سوى بتوضيح اتجاهات عامة في نموذج “التنمية العربية” فهو يسلط الضوء على التحديات الأساسية التي تواجه تطوير نموذج تنموي بديل مبني على العدالة الاجتماعية. كما يطرح بعض الأسئلة التي يجب الحصول على إجابات لها من قبل الفاعلين السياسيين التقدميين من أجل تحقيق تغيير اجتماعي وسياسي حقيقي سواء بين المجموعات المختلفة أو داخل كل مجموعة:

  • كيف يمكن الترويج لقيم الطبقة العاملة التي تتحدى الاتفاقيات المسبقة بين المجموعات المختلفة خاصة في سياق الظروف المحيطة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ونماذج الإنتاج واستخراج الفائض الخاصة بها؟
  • كيف يمكن تطوير هذه القيم عبر الحدود المجتمعية (الأفقية) للقضاء على مبدأ “فرق تسد” الذي تروج له برجوازية الدولة من خلال المواءمات السياسية؟
  • ما هي المظاهر المرحلية لهذا الصراع؟ هل هو في الأساس تحول إصلاحي أو ثوري؟ أم هو إلى زوال؟ أم الاثنين؟ ما هو السيناريو الأفضل؟ وما هي المخاطر المتوقعة؟
  • كيف يمكن ترويج القيم المناهضة لهذه الصراعات في ظل الاستقطابات الحالية وغياب المساواة وسياسات الهوية المتعصبة الناتجة عن التطور التاريخي لهذه الاتجاهات؟
  • ما الذي يمكن فعله بشأن دور الفاعلين الخارجيين والدوليين في التأثير على توازن القوى في الصراعات التي تحدث بمباركة الدولة؟
  • وأخيرا ما هي الأيديولوجيات والمؤسسات التي تستطيع تخيل والترويج لمواءمة سياسية تدعم العدالة الاجتماعية ولا تقع في شرك تعصبات الهوية وانحيازات المصالح؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة خطوة هامة تجاه تصور وتطوير رؤية تنموية بديلة تكون العدالة الاجتماعية محورها الرئيسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

قائمة المراجع:

  • Achcar (2013). The People Want: A Radical Exploration of the Arab Uprising. London: Saqi.
  • DiJohn, J.& Putzel, J. (2009). Political Settlements: Issues Paper, Governance Development Resource Centre (June) Retrieved at: http://www.gsdrc.org/docs/open/EIRS7.pdf
  • Khan, M.H. (1995). State Failure in Weak States: A Critique of New Institutionalist Explanations. In J. Harris, J., Hunter, and C. Lewis (Eds). The New Institutional Economics and Third World Development. London: Routledge, pp. 71 –86.
  • ——— (2000a). Rents, Efficiency and Growth. In Khan, Mushtaq H. and K.S. Jomo (Eds) Rents, Rent-Seeking and Economic Development: Theory and Evidence in Asia, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 21 – 69.
  • ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] DiJohn, J.& Putzel, J. (2009). “Political Settlements: Issues Paper, Governance Development Resource Centre”: https://is.gd/5aK8Uq

[2] Khan, M.H. (1995). “State Failure in Weak States: A Critique of New Institutionalist Explanations.” In J. Harris, J., Hunter, and C. Lewis (Eds). The New Institutional Economics and Third World Development. London: Routledge, pp. 71 –86.

[3] Khan, M.H. (2000a). “Rents, Efficiency and Growth.” In Khan, Mushtaq H. and K.S. Jomo (Eds) Rents, Rent-Seeking and Economic Development: Theory and Evidence in Asia. Cambridge: Cambridge University Press, pp. 21 – 69.

[4] Achcar (2013). The People Want: A Radical Exploration of the Arab Uprising. London: Saqi, p.58.

[5] Achcar, p. 62.

Share this post

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart