المحددات الهيكلية لتعميق الفوارق والفجوات الاجتماعية في المنطقة العربية
دراسة ضمن كتاب: الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية في المنطقة العربية
مقدمة:
في ظل العولمة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي صاحبتها، أصبح لموضوع الفوارق الاجتماعية أهمية بالغة على الصعيد الدولي، وتكمن هذه الأهمية في تأثيره المباشر على العدالة في المجتمعات وهو ما ينعكس على موضوعات أخرى كالتنمية والاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي وتعتبر هذه الموضوعات موضوعات تمثل أولوية تقدم الدول وهي محور الأهداف الإنمائية للألفية.
من الواضح أن الهوة الفاصلة بين العالمين الغني والفقير قد اتسعت وتعمقت بداية من ثمانينيات القرن الماضي بالتزامن مع كساد الاقتصاد العالمي وما نتج عنه من انهيار أسعار المواد الأولية وانفجار أزمة الدين التي أدت بدورها إلى الشروع في تطبيق برامج إعادة الهيكلة على نطاق واسع، بعد أن ظل الاعتقاد سائدا منذ عقد الخمسينيات بأن البلدان النامية بصدد السير في طريق النمو لأجل اللحاق “بركب الأمم المتقدمة”. ومع الالفية الجديدة والانتفاضات العربية تم إبرام العديد من اتفاقات إعادة الهيكلة مع المؤسسات المالية الدولية بوتيرة لم تشهد المنطقة العربية مثيلا لها قبل الثورة، واللافت في هذه الاتفاقات هو تعاظم الدور المباشر لصندوق النقد الدولي في تحديد السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الأقطار وهو الدور الذي كان يضطلع به بالخصوص البنك العالمي.
وهو ما دعى إلى الحديث عن تعمق الفوارق الاجتماعية في المنطقة العربية بعد الثورات، وذهب بالبعض لتفسير الثورات والاحتجاجات التي مرت بها المنطقة منذ عام 2011 وحتى الآن إلى الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، أو للدور الذي تلعبه الدولة وحكوماتها والمؤسسات الخارجية في تفاقم الفوارق الاجتماعية في المنطقة والتي قد تُنذر باحتمال صحوات أو ثورات جديدة كما كان في موجة الثورات الأولى. إلى جانب تعقد ميراث القهر والاستبداد والفساد.
هناك العديد من العوامل التي تساهم في تفسير حجم وحدة الفوارق الاجتماعية ما بين الثقافي والاجتماعي أو الطائفي والعرقي والديني، إضافة إلى الموارد الطبيعية وتعداد السكان والنزاعات الإقليمية التي تنهك بلدان المشرق العربي خاصة. ومن العوامل التي فاقمت التفاوتات الاجتماعية والطبقية بالمنطقة العربية، وأدت لتنامي الاحتجاجات الشعبية واندلاع الثورات العربية هي المرتبطة بالسياسات النيوليبرالية التي تم اعتمادها خلال الحقبة الأخيرة من طرف العديد من الحكومات العربية. إضافة إلى ترسخ جذور الفوارق بفعل زواج المال والسلطة وتفشي الفساد والمحسوبية. وتعتبر التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الفوارق الاجتماعية مرتفعة بالنظر لتأثيرها على آفاق التنمية والاستقرار الاجتماعي والسياسي.[1]
كما يؤدي اتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية إلى تهديد مباشر للنمو الاقتصادي، نظرا لعدم قدرة الطبقات الفقيرة والمهمشة، وكذلك الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، على الاستثمار الكافي في التربية والتعليم باعتبارهما عاملين مهمين في تحفيز العملية التنموية. كما يسبب الفقر واللا مساواة في الوصول للخدمات العامة الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم مشاكل صحية ونفسية مستديمة للفرد، وتؤثر سلبا على النمو العقلي للأطفال وتفقدهم سبل عيشهم وتقوض قدراتهم على المدى الطويل.[2] كذلك لا يؤدي التفاوت الاجتماعي بين الجنسين الى عرقلة النمو وتقليص أعداد الفقراء فحسب، بل يؤثر سلبا على النتائج المحصل عليها من طرف الأطفال في قطاعي التعليم والصحة.[3]
ويحاول هذا الفصل في ضوء الأوراق السابقة، تحليل الفوارق الاجتماعية والفقر في المقاربات النظرية والأيديولوجية، ورصد تحول البنية الاقتصادية في المنطقة العربية إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي والسوق الحر وتأثيرها على التفاوتات الاجتماعية، وأخيرا رصد محددات وعوامل تعميق الفوارق والفجوات الاجتماعية في المنطقة العربية.
أولا: شبكات المصالح وتأثيرها على الفجوات الاجتماعية
لا يُشترط أن تحكم الطبقة المهينة بنفسها فربما تفضل أن تمارس مظاهر الحكم والسلطة عبر وسائط متعددة حيث يتضمن السياق غالبا طبقتين إحداهما حاكمة والأخرى مهيمنة، أو يحدث وأن تتركز سلطة الحكم من قبل تحالف طبقي من طبقات وفئات اجتماعية مختلفة، وأحيانا تخلق الدولة عبر ممارساتها طبقة خاصة بها مثلما حدث في نهايات فترة التحرر الوطني في دول مثل الجزائر ومصر حيث نمت طبقة البرجوازية الجديدة التي كانت قد حصلت على أكثر مكاسب ممكنة في ظل سيطرة الدولة على قطاعات الإنتاج وكان من صالحها في هذه اللحظة تحول الاقتصاد إلى اقتصاد السوق، بما يساعدها على تحقيق أرباح من الوساطة في بيع وخصخصة الشركات أو الدخول في شراكات مع شركات عالمية عبر تأسيس وكلاء محليين. وهو ما يظهر في حالة العراق ولبنان في نماذج المحاصصة الطائفية، حيث تحول تقاسم السلطة بين الطوائف إلى تقاسم للثروة بين مجموعة السياسيين، فأصبح مصدر شرعية الزعامات الطائفية هو انتمائهم لهذه النخبة وليس لطوائفهم.
وفي حالات أخري كمصر والأردن والمغرب وتونس قد تشكل مع بدايات تطبيق سياسات التكيف الهيكلي منذ التسعينيات، وما يصاحب ذلك من تشكل طبقة جديدة تجسد مفهوم الدولة العميقة، وتصبح هذه الطبقة دولة داخل الدولة، وهو ما يضعف امكانية وجود أي رقابة عليها، ويطلق العنان للممارسات غير العادلة والاستحواذات والاحتكارات التي لا يمكن مجابهتها أو الحد منها. هنا يأتي واقع هيمنة الطبقات الحاكمة خاصة في العائلات الملكية بالدول العربية، وفي أسر الحكام العرب وأبنائهم بالجمهوريات، وهو ما ينطبق أيضا على أسر كبار الوزراء وأبنائهم، وغالبا ما يحيط بمعظم تلك الأنظمة مجموعات من رجال الأعمال يكونوا الواجهة لممارستها الاقتصادية، والتي تتمتع بطيف واسع من التسهيلات والحماية مما يساعدها على أن تكون رقما مؤثرا في المعادلة الاقتصادية، وهو ما يجعل هذه الطبقات تقف بكل قوة ضد أي تغيير لقواعد اللعبة السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية لما يمثله ذلك من تهديد مباشر لمصالحها وأرباحها، فنحن أمام عناصر وآليات مترابطة بالاقتصاديات العربية تجاوزت حدود السيطرة على اقتصادياتها الوطنية وتحولت للسيطرة على الاقتصاديات الإقليمية بالمنطقة عبر التحالفات الاقتصادية والشراكة في الصناديق والأسهم وشركات Offshore، وكل ذلك يؤكد ويسعى لاستمرار وتكريس الطبقية وانعدام العدالة في المجتمعات العربية واقتصادياتها.[4]
وهو الأمر الذي خلق صور من الاحتكار، يمكن ذكر بعضها على النحو التالي، في الحالة العمانية سيطرت فئات من المقربين والمحاسيب على الاقتصاد بطرق قانونية بحكم تغولها في مفاصل صنع القرار وتشكيلها لأغلب التشريعات الناظمة للاقتصاد الوطني، وهي الفئة التي استحوذت مبكرا على “التوكيلات الكبرى” في قطاعات النفط والغاز والخدمات والاستيراد والتصدير والسلع المعيشية الأساسية. الأمر الذي شكل إقصاءً اجتماعيا واضحا تمثل في “احتكار القلة” الذي يعد أبرز سمة يوصف بها القطاع الخاص في عُمان.[5]
أما في اليمن، ظهر هيمنة برجوازية تجارية مرتبطة برأس السلطة -مع تطبيق برامج التكييف الهيكلي تركزت كل المشروعات في أيدي أسر تجارية محدودة جميعها مرتبطة بهذا القدر أو ذاك بالنظام، وهو ما أشارت إليه لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة فتبلغ ثروة صالح ستين مليار دولار تديرها خمس أسر تجارية يمنية.[6]
وبالنسبة لحالة الأردن فإن المفارقة تكمن في أزمة الطبقات الوسطى في احتكار البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية لموارد البلد السياسية والاقتصادية، وهي الطبقة التي استفادت من وجودها في السلطة وحولتها الى وسيلة إنتاج بكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة، واستثمرت تلك البرجوازية فوائضها المالية في السوق بمشروعات خدمية استهلاكية بالأساس، وزاحمت وأضعفت الطبقات الوسطى في السوق والإنتاج بالاستيراد الواسع والرخيص حتى انكمشت على ذاتها وازدادت فقرا.
وهو الأمر الذي انتهي لوجود ما يُسمي برأسمالية المحاسيب، حيث تتركز الثروة في يد فئات قليلة، والتي أدت إلى إلحاق اضرار جسيمة بالمنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين، مما يؤدي إلى تهميش الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما يؤدي لتعطيل عملية الابتكار وتبني حلول تكنولوجية جديدة ترفع من إنتاجية العمل وتعزز تنافسية الشركات.[7]
إلى جانب ذلك تهدد الفوارق الاجتماعية تماسك المجتمع، أي قدرة المجتمع على ضمان العيش الكريم لكل افراده وتقليل التفاوتات والتقاطب الاجتماعي داخله، خاصة في غياب أنظمة للحماية الاجتماعية فعالة، مما يزرع الشعور بعدم الأمن والاقصاء عند الفقراء وتتنامى مظاهر الانحراف والجريمة في المجتمع، مهددة بذلك الاستقرار الاجتماعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر في الحالة المغربية صرح المندوب العام المغربي لإدارة السجون، أن ” أكثر من 80 في المئة من السجناء يقل مستواهم الدراسي عن الصف الاعدادي، بالإضافة إلى أن أكثر من 70 في المئة أما عاطلون أو يمتهنون حرفا ومهنا بسيطة لا تكفل الاستقرار المادي والاجتماعي”.[8]
والأمر لا يخلو، من حدوث تعارض مصالح بين الطبقة الحاكمة والطبقة المهيمنة إما إبان تقاسم الكعكة الاقتصادية وعوائدها أو في مراحل إزاحة طبقة لصالح أخرى أو أثناء عملية تجديد الدماء داخل الطبقة الواحدة أو أثناء التخلص من بعض عناصرها التي يمثل استمرارها تكلفة باهظة على الطبقة ومصالحها، وهذا التعارض قد يلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي والسياسي للبلاد، وهو ما يظهر في كلا من الحالة المصرية والتونسية، ففي تونس تجلى في الصراع بين السبسي ورجال أعماله وبين الإخوان وشبكتهم الاقتصادية المحلية والإقليمية، وربما ما حدث من تغيير وزير الاتصالات التونسي الذى كان يسعى لجذب شركة اتصالات قبرصية ضاربا عرض الحائط بالاتفاق الذى كان يتم تجهيزه لصالح الشركات القطرية فتم الإطاحة بهذا الوزير بالتعديل الوزاري الأخير الذى حدث في نهاية رمضان 2016 وأصر حزب النهضة على إسناد حقيبة الاتصالات لأحد أعضائه ليضمن تنفيذ اتفاقه مع الشركات القطرية.
أما في مصر، فتظهر في توسع سيطرة العسكريين ورجال الأعمال التابعين لهم على الاقتصاد، ليس فقط على حساب المساحات التي كانت تحت نفوذ أسرة مبارك وطبقته ورجال أعماله، بل لشغل كافة المساحات الممكنة، ولإخضاع كل القطاعات لسيطرتها، وما يصاحب ذلك من غضب العديد من رجال الأعمال وشبكاتهم الاقتصادية والاجتماعية، والتأثير على فرصهم في الاستثمار، أو أزمة الدولار، أو مساعي نقل أنشطتهم أو أجزاء منها خارج البلاد، فتغيير شبكات المصالح على هذا النحو حتى لو نجحت بعض رموز هذه الشبكات في الاحتفاظ ببعض مواقعها أو حصصها، فالتناحر بين الطبقة الحاكمة والطبقة المهينة يؤدى إلى خلخلة البنية الاقتصادية، وهو ما يلقى بظلاله على الاستقرار السياسي من ناحية وعلى التشكيلات الجديدة للشبكات والسوق من ناحية ثانية.[9]
إلا أن هناك إشكالية أخرى ناجمة عن مشكلة الاحتكار وهي المرتبطة بإمكانية الوصول للموارد البيئية وإداراتها، ففي تونس فأن الفلاحين الحائزين لأقل من خمسة هكتارات تصل نسبتهم 53%، في الوقت الذي يحوز فيه فقط 9% من إجمالي المساحة من الأرض الزراعية. وعلى صعيد آخر نجد أن الحائزين لأكثر من مائة هكتار تصل نسبتهم لـــ1% من الحائزين بالأراضي التونسية ويحوزون 25% من جملة الأراضي الزراعية وذلك وفقا لتعداد 1994-1995. وعلى نفس المنوال وفقا لتعداد 2004-2005 نجد أن الحائزين لأقل من خمسة هكتارات في الأراضي التونسية قد زادت نسبتهم إلى 54% بزيادة 1% عن التعداد 1994-1995 ويحوزون 11% من جملة الأراضي الزراعية بزيادة قدرها 2% مقارنه بتعداد 1994-1995. في السياق ذاته نجد أن الحائزين لأكثر من مائة هكتار وفقا لتعداد 2004-2005 ظلت على حالها بنسبة 1% من جملة الحائزين وبنسبة بلغت 22% من جملة الأراضي التونسية.[10]
أما في لبنان، فوفقا لتعداد 2010 سنجد أن هناك 68% من الحائزين تقل مساحات حيازتهم عن 10 دونمات يستغلون 18% من إجمالي المساحة المزروعة، على الجانب الآخر هناك 26% من الحائزين تقل حيازتهم عن 40 دونم وبما يمثل 41% من إجمالي المساحة المزروعة، في حين هناك 4% من الحائزين يستغلون حيازات تتراوح ما بين 40 إلى 100 دونم تمثل 18% من المساحة الزراعية، بينما 2% فقط من الحائزين تزيد مساحات حيازتهم عن 100 دونم وتمثل 33% من إجمالي المساحة المزروعة. [11]
أما في مصر، يتسم توزيع الموارد بدرجة عالية من التفاوت وخاصة فيما يتعلق بمقتضيات العدالة والإنصاف الواجبين، ويبرز هذا فيما يتعلق بالأرض الزراعية، حيث نجد أن الفلاحين الحائزين لمساحات زراعية تقل عن خمسة أفدنة تمثل الجانب الأعظم من أعداد الفلاحين في الريف المصري، ففي الوقت الذي كانت فيه أعدادهم تزيد عن المليونين وثلاثة أرباع المليون وبنسبة تصل إلى 95% من جملة أعداد الحائزين في العام 1990 نجدها قد وصلت إلى ما يزيد عن الثلاثة ملايين ونصف المليون وإن كان بنسبة 95% أيضا من جملة الحائزين في العام 2000.[12]وفي الوقت الذي يحوز فيه صغار وفقراء الفلاحين ما يقرب من 57% من مساحة الأرض الزراعية في ريف مصر عام 2000، نجد أن أغنياء الفلاحين وكبار المزارعين عن نفس الفترة يمثلون أقل من 3% من جملة الحائزين في الوقت الذي نجدهم يحوزون فيه 37% من جملة المساحة الزراعية في مصر.[13]
من المفيد هنا الإشارة إلى أن تطور النظام الرأسمالي ارتبط بالنظام الأبوي ارتباطا وثيقا اذ يغذي كل منهما الأخر وذلك فيما يتعلق بمسألة التقسيم الاجتماعي للعمل. وهو ما كان له تأثير على الاضطهاد المزدوج للنساء في شقه الطبقي وشقه الأبوي واحتدت الثنائية وتطورت واختلفت العلاقة بينهما حسب المجتمعات وحسب الثقافات. وأمام عولمة رأس المال تطورت أشكال التضامن العمالي لتأخذ الصبغة العالمية في طرح أشكال مقاومة الاستغلال وطرح قضايا العمال والعاملات باختلاف جنسياتهم وباختلاف خصوصياتهم الثقافية. فعلي سبيل المثال تشير الإحصائيات على الصعيد العالمي إن عدم المساواة في الأجور بلغ مستويات مرتفعة رغم أن القوانين الوطنية لعديد البلدان النامية تقر بالمساواة في الأجور اذ تتقاضى المرأة 24% أقل من أجر الرجل وهي لا تشغل سوى 25% من المناصب الإدارية والقيادية في عالم الأعمال ولا تشغل أي منصب في الإدارة العليا في 32% من الشركات ولا تزال حصة المرأة تناهز 22% من المقاعد النيابية في المجالس الوطنية. هذا الواقع التمييزي في توزيع الثروة يخلق واقعا هشا للنساء. فظاهرة تأنيث الفقر تزداد بتعميق الفوارق بين مختلف الفئات الشعبية واحتداد التمييز القانوني بين الجنسين في الحقوق وإقصائهن من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصا من مراكز صنع القرار، ومن المشاركة في البناء الاقتصادي. فانعدام المساواة وتكافؤ الفرص في مجال العمل لن يؤدي سوى الى مزيد من الانقسامات والفوارق في المجتمع. [14] وهو ما ينقلنا لأحد انعكاسات هذا التمييز، ففيما يتعلق بموضوع سيطرة النساء على الموارد والملكية تكشف حالة تونس، أن أعداد النساء والمستغلات لأراضي زراعية في “تونس” 22 ألف و980 حائزة، تمثل 9.2% من جملة حائزي الأراضي الزراعية هناك، بنسبة حيازة من الأرض لا تجاوز 4% فقط من جملة الأراضي الزراعية.[15] أما الحالة المصرية فلا تتجاوز نسبة النساء الحائزات عن 7% من جملة الحائزين لأرض زراعية وفقا لتعداد 2010 وذلك بانخفاض قدرة 1% مقارنة بتعداد عام 1999-2000.[16]
ثانيا: السياسات الاقتصادية وأولويات الإنفاق الحكومي بعد الربيع العربي
منذ ثمانينيات القرن العشرين، تدخل المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي) مباشرة في تحديد السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية بواسطة عدة أدوات أهمها إعادة الهيكلة والمديونية. والذي تسبب في تعميق أزمة النظام العربي القائم وانتشار الخراب الاجتماعي في كامل المنطقة مما غذى الاحتقان والشعور بالظلم الاجتماعي.[17]
وتعد برامج إعادة الهيكلة، مجموعة متكاملة من الإجراءات التي تشمل الاقتصاد بدرجة أولى وتهدف إلى إعادة تشكيل هياكل البلدان النامية الاقتصادية والاجتماعية، مع متطلبات المنافسة والسوق العالميتين. كما يزعم خبراء صندوق النقد والبنك العالميين أن هذه البرامج تضمن التوزيع الأمثل للموارد المادية والبشرية بكيفية تسمح بخلق الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية المناسبة لتحقيق نمو اقتصادي سريع يمكنها من الخروج من التخلف. لذلك تبدو سياسة إعادة الهيكلة، من وجهة النظر هذه، مشروعا متكاملا لتحقيق التنمية المنشودة التي عجزت سياسات التنمية السابقة على تحقيقها. وقد مثلت الثلاثون عاما الماضية، عصر التنمية المخططة حسب التصورات الرأسمالية الليبرالية، ويتمحور هذا النمط حول: “الزيادة المعتبرة في عائدات التصدير باعتبارها الشرط الذي لا محيد عنه للتنمية في ظل الظروف الراهنة”. لذلك نلاحظ أن إجراءات سياسة إعادة الهيكلة توجه، بصفة هامة، جهاز الإنتاج المحلي نحو السوق العالمية.
فأدى انخراط الدول العربية في العولمة النيوليبرالية إلى اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية ذات عواقب وخيمة على الظروف المعيشية لأغلب فئات المجتمع. كما ساهمت هذه السياسات في تركيز الثروة بين أيدي فئة قليلة وهيمنة رأسمالية المحاسيب على الاقتصاد، مستفيدة من تداخل المال والسلطة. فأثرت السياسيات النيوليبرالية على ظروف عيش أغلب فئات المجتمع. حيث باشرت العديد من الدول العربية تنفيذ سياسات نيوليبرالية مرتكزة على ثلاثية “لبرلة الاقتصاد -الخصخصة -التقشف على صعيد الموازنة العامة” بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي. ورغم اندلاع الثورات العربية سنة 2011، إلا أن الدول عربية لجأت لنهج سياسات تقشفية صارمة على غرار ما كان معمولا به خلال مرحلة التكييف الهيكلي. فاعتمدت الدول العربية على تقليص الدعم المقدم للمواد الأساسية وتخفيض أو تجميد كتلة الأجور في القطاع العام وكذلك الزيادة في الضرائب على الاستهلاك.
تبدو هذه الإجراءات وخيمة على الفوارق الاجتماعية بين الدول العربية وداخل كل واحدة منها. هكذا يؤثر تجميد أو تقليص كتلة الأجور في الوظيفة العمومية على مستوى التنمية البشرية في العديد من البلدان العربية التي تشكو من نقص كبير في الطاقات البشرية المتوفرة من مدرسين وأطباء وممرضين وعاملين في الحقل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر يتضح من الحالة المغربية، أنها تحتاج إلى توظيف سبعة آلاف طبيب وتسعة الاف ممرض لسد النقص في القطاع الصحي. وستزداد الفوارق الاجتماعية حدة في ظل قرار الحكومة المغربية بخصخصة قطاعي الصحة والتعليم، كما يؤدي تجميد الأجور وعدم تعديلها لتتماشى ومعدل التضخم إلى الإضرار بالقدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام، خاصة في القطاعات الاجتماعية الحيوية، مما يزيد من ظاهرة الغياب عن العمل وتنامي العمل في القطاع غير الرسمي وتضرر جودة الخدمات العمومية، خاصة في الأحياء الشعبية في المدن والقرى، كما أن تراجع القدرة الشرائية للموظفين يوسع الفوارق في مستوى العيش بين الفئات والطبقات الاجتماعية. أما فيما يخص تطبيق مرونة الشغل عبر إجراءات مثل تسهيل عمليات التسريح الفردي والجماعي للعمال وتخفيض تعويضات المغادرة وتشجيع العمل بعقود محددة الأمد، فمن غير المؤكد أنها ستحسن من تنافسية الوحدات الإنتاجية التي ترتبط بعوامل أخرى أكثر تأثيرا كمستوى الإنتاجية وكفاءة التدبير والقدرة على الابتكار. بالمقابل تؤدي هذه المرونة إلى مزيد من الهشاشة بالنسبة للعمال وتدني الأجور في ظروف تتسم بانكماش الدورة الاقتصادية.[18] أما بخصوص الانعكاس لسياسات الفوارق على حالة النوع الاجتماعي في المنطقة فقد كان لتراجع الدولة عن سياسات الخدمات الاجتماعية وتوفيرها دورا في تفاقم الفقر في صفوف الفئات الأقل دخلا والتي أدت لسحب البنات من المدارس والانقطاع المبكر عن التعليم.[19]
أما في مصر، ففي السنوات الماضية تم خفض الدعم عن المواد الغذائية والوقود، وزيادة الضرائب الرجعية، خاصة على السلع والخدمات من خلال تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة. وأيضا كان هناك ضغط متواصل باتجاه خفض الإنفاق العام، ورفع مظلة الدعم أو تقليصه عن الأساسيات كالتعليم والصحة والمحروقات والتسريع بخصخصة مؤسسات الدولة وقطاعاتها المربحة، الأمر الذي وضعه أمام مأزق استعصاء العدالة الاجتماعية القديم.
واتصالا بمسألة التشريعات المالية والاقتصادية التي كان من شأنها التأثير على أزمة الفوارق الاجتماعية، نجد أن المفاهيم الحكومية لها تأثيرا هاما على السياسة العامة والمستفيدين منها، فنجد على سبيل المثال أن في الحالة المصرية، محدودي الدخل لا يصلون لإسكان الدولة المخصص لمحدودي الدخل بسبب التفسير القانوني لمحدودي الدخل. فالأسر “منخفضـــة الدخـــل”، طبقـــا للمـــادة 1 مـــن قـــرار رئيس الـــوزراء رقـــم 1864 لســـنة 2008 بتعديـــل المـــادة 35 مـــن قانـــون الرهـــن العقـــاري رقـــم 148 لســـنة 2001، هي التي يبلغ دخلهـــا الســـنوي 30 ألف جنيهـــا مصريـــا أو أقل، وهـــو مـــا تبيـــن الإحصاءات الرســـمية ان دخـــل يتضمن الأسر في الخمس الأعلى للدخول، حسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة للدخل والإنفاق لعام 2013. ويسمح ذلك بطبيعة الحال لمتوسطي الدخل بمنافسة الأسر منخفضة الدخل في الحصول على المساكن. ولكن الدخل ليس العائق الوحيد، وإنما يشترط أن يثبت المسـتفيد دخلـــه، وهـــو مـــا يحول دون حصول ثلثـــي القـــوة العاملـــة ممن يعملـون فـي القطـاع غيـر الرسـمي على تلك الوحدات.
على صعيد آخر، ينجم عن تقليص الإنفاق العمومي الهادف للتحكم في عجز الموازنة العامة تجميد أو تقليص المخصصات المالية للقطاعات الاجتماعية الحيوية كالتعليم والصحة والسكن وكذلك الاستثمار في البنية التحتية. وهذا يضر بمستوى التنمية البشرية وظروف العيش خاصة بالأرياف، كما أنه يؤثر سلبا على الدورة الاقتصادية والتشغيل، مما يؤدي إلى مزيد من الهشاشة وسط العاطلين عن العمل. كما أن دور السياسات التقشفية الطبقية في كل من (مصر، المغرب، تونس، سوريا) في تفاقم اللا مساواة الاجتماعية يرجع بالأساس إلى تبني نظرة اقتصادية ضيقة تعطي الأولوية للتوازنات الاقتصادية الكلية على حساب التوازنات الاجتماعية. فالأسبقية حسب منظري النيوليبرالية يجب أن تعطى لاسترجاع ثقة المستثمر وتسديد الدين ولو على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. فقيم العدالة والتضامن تبقى عصية على التفكير الاقتصادوي الضيق الذي ترتكز عليه السياسات النيوليبرالية المروج لها من قبل المؤسسات المالية الدولية. فهذا الفكر لا يؤمن الا بالفرد كفاعل اقتصادي يبحث على تعظيم الملذات والربح في إطار أسواق تنافسية.[20]
بالنسبة لإمكانيات للوصول للخدمات، فهي تتعقد في حالة كان المستخدمين من النساء، واللاتي يبدين أضعف ما يكون، فإن المسح الديموغرافي والصحي لعام 2014 أظهر أن 8% فقط من النساء اللاتي سبق لهن الزواج بين الأعمار من 15 لـ49 سنة لديهن تأمين صحي في مقابل 50% من المواطنين ممن يتمتعون بالتأمين الصحي. فقد أكد مسح وزارة الصحة أن 63% من اجمالي نساء الحضر لديهن مشاكل في الوصول للخدمات الصحية، مقارنة بـ71% من نساء الريف. وقد تكون الخدمات الصحية من الأمثلة الرائعة لتقاطعات التفاوتات الاجتماعية: فـ20% من نساء الريف لا يستطعن الوصول للخدمات الصحية بسبب بعد مسافتها عن مكان إقامتهن، و24% لا يقدرن على تكاليف المواصلات للوصول للخدمات، مقارنة بـ13% من نساء الحضر، وهو ما يعكس عدم توافر الوحدات الصحية في الريف، كما أن حوالي 9% من النساء في الريف لا يصلن للخدمات الصحية بسبب عدم تصريح أزواجهن لهن الخروج للحصول على الخدمات، في مقابل نصف هذه النسبة في الحضر (%4 من نساء الحضر)، وهو ما يعكس الحرمان علي أساس النوع الاجتماعي، وسيطرة الرجال على حركة النساء خصوصا في الريف. وأخيرا، فالسياسة العامة التي تتجه لخصخصة الخدمات الصحية والتقشف في توفير الخدمات العامة قد تسببت في أن 56% من نساء الريف و50% من نساء الحضر لا يصلن للدواء، و50% يشتكون عدم توافر مقدمي الخدمة العلاجية في الريف، مقابل 42% في الحضر. وعلى جانب آخر، أظهرت بيانات نفس التقرير تعرض 30% من النساء من نفس الفئة العمرية للعنف البدني أو الجنسي من قبل الزوج، في بعض الأحيان للخروج من المنزل دون إذنه، وهو ما أصبح له أثرا هاما على قرار المرأة بالخروج من المنزل للحصول على الرعاية الصحية. واتصالا بحصول النساء على الخدمات وتراجع قدرتهن في هذا الصدد، ومن التقاطعات الهامة، هو نسبة تعليم النساء في الريف مقارنة بالحضر، كما في الحالة المصرية، فبينما لم تحصل 17% من نساء الحضر على أي نوع من التعليم، تتضاعف النسبة في الريف إلى 30%، أما بالنسبة لمتوسط السنوات التي حصلت عليها النساء في التعليم، فيصل المتوسط لما يزيد على الـ8 سنوات لنساء الحضر، وينخفض المتوسط للنصف في محافظات الريف فيصل إلى 4 سنوات فقط. وبالتأكيد فإن للنوع الاجتماعي دورا في هذا التفاوت، حيث لا يصل التفاوت لهذا الحجم بين الرجال، فنسب الرجال التي لم تحصل على أي تعليم تمثل 10% من رجال الحضر و16% من رجال الريف، بينما متوسط ساعات التعليم تصل الي 9 ساعات في الحضر، بينما تزيد عن الـ6 ساعات في الريف. وبشكل عام، فنسبة الأمية في الريف لا تزال تمثل 32% من إجمالي عدد السكان، أي ضعف نسبة الأمية بين سكان الحضر، التي وصلت لـ15%.[21]
ثالثا: ترسانة التشريعات المعمقة للفجوات الاجتماعية
تشترك البلدان العربية باتباعها لنفس السياسات التشريعية على المستوى الاقتصادي والمالي، وكذلك المستوى السياسي والاجتماعي والتي من شأنها التأثير على مسألة تعميق الفجوات الاجتماعية وزيادة وطأتها على المواطنين والطبقات الاجتماعية بتعددها، أولها التدابير التشريعية والمالية، والتي تمتد لمرحلة ما بعد الاستقلال في الكثير من البلدان العربية التي تتشابه في السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة فغداة الاستقلال، سعت الدول العربية إلى تقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تبني عدد من السياسات الاجتماعية هدفت لتحقيق الانسجام الاجتماعي بالاعتماد على إيراداتها الريعية. فتم إقرار تعميم التعليم والرعاية الصحية المجانيين والتشغيل الكامل، وتم توحيد قانوني عمل وضمان اجتماعي لكل العمال الأجراء مهما كان قطاع عملهم. وقد وضع نظام للأجور قائم على مبدأ لكل عمل متساوي أجر متساوي، ووحد نظام الضمان الاجتماعي مختلف الأنظمة الفرعية الموروثة عن المرحلة الاستعمارية. غير أن معظم هذه القرارات تميزت بالطابع الشعبوي واللا عقلانية التوزيعية كون البلاد لم تكن تمتلك الإمكانيات البشرية ولا المادية الكافية لتحقيق مغزاها.
بعد هذه الفترة تم التحول من المنطق المركزي لتحديد علاقات العمل والأجور، ومن تركيز الاستثمار في القطاع العام إلى تحفيز الاستثمارات الخاصة ورفع كل القيود السابقة عليها. وقد نتج عن ذلك، التحول من سياسات التشغيل الكامل إلى سياسات التسريح الجماعي الموسعة، الأمر الذي ساهم في تفاقم الفقر والفوارق الاجتماعية.[22] بالمقابل، لم تتمكن السلطات العمومية من أن تتراجع عن عدد هام من المكاسب الاجتماعية التي بقيت سارية المفعول نظرا للظروف السياسية التي كانت تمر بها البلاد حتى لا يساهم تدهور الاوضاع الاجتماعية في تغذية الأزمة الأمنية بالبلاد. فقد تم الحفاظ على نظام الضمان الاجتماعي الذي تم تبنيه خلال المرحلة الاشتراكية وتم اثراؤه بمنظومة لحماية المسرحين لأسباب اقتصادية وبآليات جديدة للتقاعد المسبق. كما ظلت الخدمات العمومية مدعمة ومحمية من طرف الدولة مما ساهم في تحقيق قدر معين من تكافؤ الفرص داخل المجتمع، فالتعليم في الحالة الجزائرية مجاني في مختلف أطواره بما فيه التعليم العالي. على غرار ذلك، ورغم رمزية أسعار الخدمات الصحية العمومية غير أن تدهور مستوى الخدمات في القطاع العام مقابل فتح المجال للقطاع الخاص خلق تفاوتا عميقا في الاستفادة من الخدمات الصحية بين الفقراء والأغنياء.
وفيما استمرت الحكومات المتعاقبة -في مرحلة ما بعد الربيع العربي- في التخطيط والتنفيذ بطريقة سرية وغير تشاركية، عملت الحكومات على كبت الأصوات النقدية من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وأحزاب المعارضة، وذلك من خلال ممارسات عنيفة استندت للعديد من التشريعات.
وهو ما ينقلنا هنا لـ”ترسانة التشريعات ذات الطابع السياسي” والتي من شأنها تقويض أية محاولات للمطالبة بالحقوق والحريات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال في الحالة المصرية، في 16 أغسطس 2015 أصدر القرار بالقانون رقم 94 لسنة 2015 بإصدار قانون مكافحة الإرهاب، والذي يُعتبر هدرا للحقوق الدستورية، ومحاولة لإطلاق يد الدولة لتصفية المعارضين خارج الإطار القانوني، فبداية من قانون التظاهر-وهو القانون الذي صاحبه وقانون الكيانات الإرهابية وقانون إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية من مناصبهم مرورا بتعديل المادة 78 من قانون العقوبات، وانتهاءً بقانون مكافحة الإرهاب، لم يتوافق أي منهم مع الدستور، وكأن هناك إرادة سياسية لتعطيل العمل بالوثيقة التي وافق عليها الشعب. فضلا عن مواجهة الاحتجاجات العمالية بالمحاكمات العسكرية على النحو الذي يتعرض له عمال شركة الترسانة البحرية بالإسكندرية عقابا لهم عن تلويحهم بالإضراب عن العمل رغم أنهم عمال مدنيين إلا أنه تم محاكمتهم أمام القضاء العسكري حيث قام الجيش بشراء الشركة واعتبر التهديد بالإضراب عدوان على منشأة عسكرية.[23] واتصالا بالجانب السياسي وما يتركه من تأثير على الساحة الاقتصادية والفوارق، فقد شهدت مصر انتهاكا دستوريا صريحا للمادتين 170 و190، من خلال قيام الحكومة بالموافقة على قرض صندوق النقد الدولي، دون العودة للبرلمان لأخذ رأيه، وهي الموافقة التي جاءت مفاجأة كذلك للبرلمان المصري، والتي تمثل ضمنا غياب الرغبة في سماع أي أصوات للمواطنين والقطاعات الاجتماعية التي قد ترفض هذا القرض، خاصة في ضوء آثاره السلبية المتوقعة عليهم.[24]
لا تزال إذن قوانين الدول العربية أقل من المأمول بالنسبة لواقع التمييز الذي تعانيه النساء وهو ما أثر على أدائهن في مستوى مشاركتهن السياسية. ومثلت قضية التنمية تحديا لعديد البلدان في المنطقة العربية اذ تأرجح الناتج الداخلي الإجمالي بين الارتفاع والتراجع وخاصة في السنوات التي عقبت الثورات والصراعات والحروب في عديد البلدان العربية، وبالرغم من أنا الارتفاع الحاصل لم يقابله نمو في نصيب الفرد من الدخل الإجمالي بسبب عامل النمو الديموغرافي (اذ ازداد عدد السكان من 221 مليون نسمة في 1990 الى 377 مليون نسمة في 2014)[25] الذي أثر بشكل مباشر في الهيكلة العمرية للسكان. كما بلغ متوسط نصيب الفرد 4.795 دولار وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 8.055 دولار[26] ولكن متوسط الدخل هذا يظل متباينا بين البلدان المصدرة للنفط التي يبلغ فيها ثلاث مرات المتوسط العالمي بينما لا يتجاوز في أقل البلدان نموا في المنطقة 11%من المتوسط العالمي.[27]
امتدت هذه الترسانة إلى القوانين المنظمة لحقوق التنظيم، ففي الحالة المصرية على سبيل المثال في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، أصدر مجلس الوزراء في عهد المجلس العسكري، مرسوما بقانون يقضي بتجريم الاعتصام والتجمهر بما يضر سير العمل، ويضر بسير المصالح العامة والخاصة،[28] والذي تم بناء عليها القبض على العديد من العمال وتحويلهم للقضاء العسكري وفقا لذلك المرسوم، في العام ذاته.[29] وأيضا هناك القوانين المنظمة للتعاونيات، تلك التنظيمات التي من شأنها رفع شأن مجموعات من السكان والعمال والفلاحين، من خلال إطار تشاركي، والتي أثبت نجاحه في كافة أنحاء العالم. ولكن في مصر المؤسسات التعاونيـــة عملهـــا معرقـــل. فبالرغم من وجود ما يزيد عن 13 ألف مؤسسة تعاونيـــة، بها أعضاء بلغ عددهم 18 مليـــونا، الا أن معظم هذه التنظيمات تعتبر صورية، وغير معبرة عن احتياجات المواطنين. [30] فقـــد حولـــت تشـــريعات مثـــل القانـــون رقـــم 28 لســـنة 1984 التعاونيـــات إلى جهـــات تابعة مباشرة للســـلطة المركزيـــة، وسلبتها تماما من استقلاليتها وقدرتها على تمثيل المواطنين كألية تشـاركية غيـر مركزيـة، يملكها المواطنين من أجل تحســـين مســـتويات المعيشـــة، ويمكنهم تكوينها وتأسيسها والانضمام لها، دون الإذن أو الرقابة الحكومية.[31]
أما بخصوص الدور الذي تلعبه التشريعات في التأثير على تعميق الفوارق بين النساء والرجال، فبرغم أن القوانين الوطنية لعديد البلدان النامية تقر بالمساواة في الأجور اذ تتقاضى المرأة 24% أقل من أجر الرجل ولا تشغل سوى 25% من المناصب الإدارية والقيادية في عالم الأعمال ولا تشغل أي منصب في الإدارة العليا في 32% من الشركات. كما أن قوانين العديد من بلداننا العربية لا تزال تفتقر الى إجراءات حمائية للنساء وللعاملات بشكل خاص تحميهن من الطرد التعسفي والتسريح والعمل القسري وتوفير الحماية الاجتماعية. تواجه النساء العاملات أشكالا عديدة من العنف كالتحرش الجنسي في مكان العمل أو في الفضاءات العامة. وفي غياب قوانين تجرم العنف المسلط على النساء وتعاقب مرتكبيه وفي غياب قوانين وآليات تحمي النساء من كل مظاهر العنف فإن أوضاعهن تتغير ببطء وفرص تمكينهن لا تزال محدودة. ان التكلفة الاقتصادية للعنف المسلط على النساء هامة وخاصة بالنسبة للعاملات. ورغم مصادقة غالبية بلدان المنطقة على اتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة المسماة اتفاقية “السيداو” CEDAW فإنها لا تزال تحافظ على عديد من التحفظات على بعض المواد والبنود. وتشمل التحفظات مواضيع راهنة هامة مثل النفقة، والإرث. إلى جانب أن عديد من البلدان العربية لم تصادق على الاتفاقية 183 لحماية الأمومة كما أن هناك نقص وغياب للقوانين التي تحمي النساء من العنف الذي يتعرضن له في مواقع العمل كالتحرش الجنسي.[32]
رابعا: الاختلال الجغرافي
وهي الإشكالية التي تأخذ عدة أشكال، إحداها هو بين الشمال والجنوب، حيث شهد نمط التصنيع المعوض للواردات والذي اتبع مع سياسيات النيوليبرالية في المنطقة، إفلاسا على نطاق واسع بينما ازدادت ظروف اقتصاديات العالم النامي حدة بعد أن تطورت بشكل مذهل الأنشطة غير المهيكلة وتكاثرت “المناطق الحرة”، والتي تركت أثرها الداخلي من حيث اشتداد أزمة الريف الناتجة عن تواجد قطاع تجاري تصديري من ناحية وقطاع معاشي أو تجاري محلي من ناحية أخرى. وتفاقمت الأزمة الحضرية نظرا الانعكاسات الاجتماعية لسياسات إعادة الهيكلة وفك التعهد الحكومي في المجالات الاجتماعية، إضافة لتدهور قيمة الصادرات الأولية بصفة خطيرة على حساب العالم النامي بينما شهد العالم المتقدم تحولات تكنولوجية زادت من تدهور شروط التبادل بين الشمال والجنوب. هناك ظاهرة أخرى تعكس تردي أوضاع الكثير من أقطار العالم النامي وهي تخص التنقلات السكانية الجماعية متمثلة إما في أفواج اللاجئين في القارات الثلاث وبالأخص في القارة الأفريقية أو هجرة العمل والتي واجهها الشمال بإجراءات لا تخلو من مضامين عنصرية مثل القانون 187 في كاليفورنيا أو اتفاقية شنجن الأوروبية. وعليه بلغت الفوارق في الدخل وفي مستوى المعيشة ما بين “الأغنياء” و”الفقراء” حدا غير مألوف. وفقا للإحصائيات السكانية[33] فإن 85% من السكان يعيشون في بلدان “فقيرة”، فيما لا يزيد في البلدان الغنية عن 15%، لكنها تستحوذ مع ذلك على 80% من الدخل العالمي. أما مجموعة “الأقطار ذات الدخل الضعيف” فان نصيبها من الدخل العالمي لا يتعدى 5 بالمائة في حين أنها تأوي حوالي أربعة مليار ساكن، وهي حصة أضعف من حجم الدخل الخام الفرنسي. ثم إن دخل مجموع أقطار أفريقيا جنوب الصحراء، التي تضم حوالي مليار ساكن، يعادل دخل ولاية تكساس الأمريكية.
أما على مستوى الداخل العربي، فإن العديد من البلدان العربية تختل فيها كذلك منظومة العلاقة لصالح المركز، على حساب الأطراف والمناطق الأخرى، حيث يتركز بالمناطق الريفية الكثير من المواطنين مقارنة بالمناطق الحضر، على الرغم من التوسع في عملية التحضير التي شهدتها بلدان المنطقة، فعلى سبيل المثال نجد أن اليمن، لا يزال الاغلبية العظمى من السكان يعيشون في الريف، ورغم التحولات الهامة في نسبة سكان المناطق الحضرية مقارنة بسكان المناطق الريفية، بين تعداد السكان الذي تم اجراءه في العام 1994 وتعداد عام 2004، وتمثل هذا التحول في نمو سكان الحضر من 23.5% إلى حوالي 28.64%.[34] ومع الأخذ في الاعتبار الزيادة المحققة في سكان المدن منذ هذا الإحصاء، يظل سكان المدن هم الأقل وبما لا يزيد عن ثلث السكان. كذلك الحال في الحالة المصرية، النسبة الأكثر لسكان مصر لا زالت تقطن الريف، وتمثل 57% من السكان، وهي النسبة التي لم تتغير تقريبا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بل وتزايدت في عام 2015، على حساب سكان المدن. وهو نمط مشابه في الحالة الأردنية التي مثلت الهجرة الداخلية الكثيفة والسريعة في العقود القليلة الماضية عاملا اساسيا في خلق الطبقة الوسطى وتعميق التفاوت الاجتماعي، والفجوة التنموية بين العاصمة والاطراف، فقد رفعت مستويات التحضر في الأردن مستويات التحديث على حساب الحداثة، مما أفقد المدينة والطبقات الوسطى المدينية فيها صورتها وخصوصيتها بالرقي والتمدن والاختلاف عن انماط المعيشة في البادية والريف.[35]
وقد أثر كذلك عدم اتزان العلاقة بين الحضر والريف على أن الريف بشكل عام أقل تمتعا بالخدمات العامة، وخاصة الصرف الصحي، والمياه النظيفة، والوصول للوحدات الصحية، والمدارس والطرق. ففي الحالة المصرية وضحت تجاهل الحكومة المصرية للريف في الخدمات وخصوصا الصرف الصحي، حيث اقتصـــرت نســـبة اتصـــال الســـكان فـــي المناطـــق الريفيـــة بشـــبكة المجـــاري العامة فـــي 2010 -2011 علـــى 24.7%، مقارنـــة بنســـبة 88% فـــي المناطـــق الحضريـــة.[36] أما بالنسبة للسكن حوالي 30% من أسر ريف الوجه القبلي يقطنون منازل ذات غرفة واحدة، بينما يقطن حوالي 50% من السكان هناك منازل ذات غرفتين فقط وهي النسبة الأعلى على مستوى الجمهورية، علما بأن حجم الأسر في ريف الوجه القبلي هو الأكبر على مستوى الجمهورية.[37]
ومن الجدير بالذكر أن ثم تفاوت وانقسام في الثقافة الالكترونية أيضا، فبالرغم من التنبؤ بأن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يقربون الفجوات بين الريف والحضر، الا أن الريف لا يزال متأخرا عن الحضر في الوصول للإنترنت، حيث تصل 2% فقط من الأسر للإنترنت في مقابل حوالي 15% من أسر الحضر. الا أن الريف والحضر يتقاربون في حيازة التليفونات المحمولة، حيث 81% من أسر الريف تقارن بـ91% من أسر الحضر التي تمتلك تليفونا محمولا.[38] أما في الخدمات البنكية، فهي من التفاوتات الكبيرة والتي تعبر عن التفاوت في التوفر الجغرافي للبنوك، كما تعتبر انعكاسا عن تحركات الحكومة في العقود السابقة لخصخصة الخدمات المصرفية، ولا سيما الخدمات المصرفية للفقراء. وهكذا، فتظهر إحصاءات 2014 أن 3% فقط من أسر ريف الوجه البحري لديهم فرد من الأسرة واحد عنده حساب بنكي، بينما يرتفع هذا الرقم لـ17% في المحافظات الحدودية و14% في المحافظات الحضرية الأربع.[39]
نجد كذلك أن عولمة رأس المال، تركت آثارها على النساء، حيث نشأت اقتصاديات غير قادرة على خلق أسواق عمل صلبة، ومواجهة أزمة البطالة وخاصة في صفوف النساء، إذ يعتبرن أولى الضحايا اللاتي لم يستوعبهن سوق العمل الذي اعتمد تقسيما جنسيا، باعتبار الرواسب الثقافية وهيمنة الفكر الذكوري الذي يحمل في طياته ملامح وتعبيرات وثقافة سائدة مبنية على عدم المساواة والتقسيم غير العادل للثروات تعتبر تقديرات معدلات عدم التساوي في الدخل في العالم متباينة ومثيرة للكثير من الجدل. كما أن التقدم المحرز في عدد النساء العاملات بأجر، تباطأ بسبب الأزمة المالية الاقتصادية بين 2008 و2009، وخصوصاً في المجالات الصناعية.[40] كما تبين الإحصائيات العالمية أن في سنة 2012 تعرض 14 مليون شخص للاستغلال في العمل و4.5 ملايين للاستغلال الجنسي غالبيتهم من النساء والفتيات. كما نجد أن المرأة العاملة في القطاع الخاص تحصل على أجور تقل بنسبة 30% عن أجور الرجال. فيســـتمر الفـــرق فـــي الأجور بيـــن الجنســـين، ومعه التفاوتات الاقتصادية، خاصـــة فـــي القطـــاع الخـــاص حيـــث حصلت النســـاء على أجور حوالي 30% أقل مـــن الرجـــال فـــي 2010، ونجد أن الرجال في القطاع العام الأكثر تمتعا بالحوافز والبدلات، لأسباب عديدة، أحدهم ارتباط المرأة بعمل آخر بلا أجر في المنزل، رعاية الأطفال والتنظيف وتجيز الطعام وهكذا. وفي مصر فيما ارتفع معدل البطالة من 2011 إلى 2014 من 12% من قوة العمل إلى 13%، فقد بلغ معدل البطالة للإناث 24% بينما بلغ 9.6% للذكور في 2014، فيما تمثل النساء حوالي 24% من القوى العاملة، وتعمل النسبة الأكبر منهم في الزراعة، وتعمل 55% من النساء بالزراعة بدون أجر نقدي، وتتفق تلك النسبة مع نسبة 56% من النساء العاملات في الزراعة اللاتي يعملن لدي أسرهم، وليس أصحاب عمل آخرين.
واتصالا بهذه الأزمة فهناك تركز لمجهودات التنمية والسياسات والمجهودات الاقتصادية بما ينعكس في أنماط المعيشة والإنتاج، في بعض المناطق والأقاليم على حساب المناطق الأخرى، ففي الحالة اليمنية، تتركز الخدمات والوظائف في خمس مدن (صنعاء، عدن، تعز، الحديدة والمكلا) وحتى مع ضعف الخدمات والبنية التحتية، لا يمكن مقارنتها بالأرياف حيث يعيش الأغلبية الساحقة من المواطنين اليمنيين وحيث تكاد تنعدم الخدمات الطبية، وتنخفض مستويات الخدمات التعليمية فرغم توسع المدارس وانتشارها فأنها تعاني من ضعف الإمكانيات ونقص الكادر التعليمي، ولعله يرجع أيضا إلى التوزيع السكاني في اليمن. اما الحالة المصرية، نجد مسألة التفاوت المرتبط بالنطاق الجغرافي، سواء بين الوجه القبلي والوجه البحري، أو بين المحافظات وبعضها. قد يكون عشوائية أو قد يرتبط بانحياز للمحافظات الحضرية وعلى رأسها القاهرة.
أما تونس، بالرغم من تميز الشمال الغربي بها من حيث امتلاكه لإمكانيات تنموية كبيرة إلا أن مؤشرات التنمية تكشف عن مدى فقره، حيث ساهمت السياسات الاقتصادية في تفقير وتهميش هذه المنطقة على كافة المستويات مقارنة بمناطق المركز الأخرى والتي هي أكثر حظا فيما يتعلق بحظوظ التنمية والإنفاق والاستثمار.[41]
وبخصوص الحالة السورية، فقد تركزت الاستثمارات الأجنبية الخاصة أيضا في مدينتي دمشق وحلب في قطاعات غير إنتاجية (العقارات، السياحة، الخدمات كالمصارف وشركات التأمين) في حين لم تنل المحافظات الأخرى والريف أي نوع من التنمية أو توفير الخدمات. إضافة لذلك، المناطق المسكونة من قبل الأكراد كالجزيرة في الشمال الشرقي، كانت المناطق الأكثر عرضة للإفقار في البلد. كانت الجزيرة المنطقة ذات النسب الأعلى في الأمية والفقر، حيث احتوت على 58% من السكان المفقرين وذلك من قبل موجة جفاف عام 2006. في عام 2010 ارتفعت نسبة الفقر بوضوح لتصل إلى 80% من سكان الجزيرة، وعانت كل المجموعات الأثنية في المنطقة من عرب وسريان-آشوريين وأكراد من التهميش الاقتصادي وغياب الديمقراطية وإفقار قطاعات واسعة من المجتمع السوري.[42]
وهو نمط مشابه في الحالة العمانية، فاستحوذت العاصمة في توزيع الاستثمارات المعتمدة للوزارات المدنية في الموازنات العامة والخطط التنموية، على النصيب الأوفر من هذا الإنفاق. وبأنصبة أقل على بقية المحافظات والمناطق، أما الأقل الأبرز فنال المناطق الحدودية كمحافظة مسندم ومحافظة البريمي. مما يُثير وبشكل متواصل تذمرات السكان وازدياد شكواهم. كما شكل هذا التفاوت اختلالا ملموسا على مستوى الخدمات، ظهر في ازدياد النزوح السكاني إلى مسقط، والضغط على الخدمات المتوفرة فيها وكفاءة تشغيلها وصيانتها. [43]
هناك إشكالية أشارت لها الأوراق وهو تراجع الصناعات والحرف التقليدية وتضرر العاملين بها في المنطقة العربية، تظهر الحالة الأردنية هذا الواقع والذي أثر بشكل جذري على انحسار الصناعات التقليدية، ومصادر الرزق الأولية، والتي كانت القرى والأرياف حواضنها الآمنة ومنابعها المستقرة منذ القدم كالزراعة وصيد الأسماك وحرف الدباغة والنسيج والفخاريات وصياغة المعادن المختلفة وغيرها. وتراجعت معدلات نمو أنشطة الزراعة والأسماك في الناتج المحلي الإجمالي إلى %9.7 عام 2015 مقارنة بعام 2013 الذي وصلت إلى %15.7، وكذا الحال في شأن الصناعات التحويلية التي تراجعت إلى -%13.4 بعدما كانت معدلات نموها %4.3.[44] من جهة أخرى، فإن التفاوت الاجتماعي بين الجنسين يؤثر سلبا على النتائج المحصل عليها من طرف الأطفال في قطاعي التعليم والصحة.[45] فعلى سبيل المثال في الحالة اليمنية، فالريف اليمني يعرف بعض الإشكاليات حيث أن لجهة الطبيعة المناخية وطبيعة المنتجات الزراعية فوضع المناطق التي تزرع القات عموما أفضل على الرغم من استهلكه الجائر للماء فالقات سلعة نقدية ويمكن اعتبار زراعته وحارسته وتسويقه المشغل الاول للسكان في البلد ويساهم في اعادة توزيع الدخل داخل البلد واعادة ضخها في الارياف.[46]
خامسا: النزاعات المسلحة وتعميق الفجوات والتفاوتات الاجتماعية في المنطقة العربية
تعاني المنطقة وبلدانها من تصاعد غير مسبوق للعنف، وهو الأمر الذي يكبد العديد من بلدان المنطقة قدر كبير من الخسائر على المستوى البشري والاقتصادي والمادي، حيث من كان من شأن هذه النزاعات الإضرار بالفوارق بين الطبقات والفئات الاجتماعية على نحو لا يخدم الطبقات الأضعف. فوفقا لتقرير المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا -أكتوبر 2016 الصادر عن البنك الدولي، نجد أنه في ضوء انخفاض أسعار البترول على المستوى العالمي فإن 4 من الدول النامية المصدرة له في المنطقة وهي سوريا واليمن والعراق وليبيا تشهد صراعات وحروب أهلية واسعة، وهو ما يجعل اقتصاديات هذه البلد في حالة حرجة بفعل انخفاض أسعار البترول وما يتطلبه ذلك من تنويع للبنية الاقتصادية،[47] وكذلك التدمير المستمر والواسع النطاق للبنية التحتية والاقتصادية لهذه البلاد والذي يساهم في مزيد من الإفقار. ففي الحالة اليمنية، فقد كان للحرب التي تشهدها اليمن منذ ما يقرب العامين دورا في تعقيد الاوضاع الاجتماعية والمعيشية، فإلى جانب سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى واضطرار ما يقرب من ثلاثة مليون مواطن مغادرة منازلهم في مناطق القتال، وانهيار وتدمير البنية التحتية التي كانت ضعيفة حتى قبل الحرب، نشأ مع الحرب وبسببها اقتصاد حرب تلعب فيه مافيات السوق السوداء وزعماء الحرب والميليشيات المسلحة الدور الرئيسي، وبينما تجمع هذه العصابات الثروات الخيالية نتيجة الإتجار بالنفط والمواد الضرورية في السوق السوداء -يذهب جزء من عائدات هذه السوق بالتأكيد لتمويل حرب المليشيات التي تديره- أصبح أغلب المواطنين والسكان يعيشون تحت خط الفقر وعلى وشك المجاعة، واذا كانت الحرب هي آخر وسائل الطبقة المسيطرة للإبقاء على هيمنتها على البلاد ومقدراتها الاقتصادية، فإن نتائج هذه الحرب بالذات سترسم ولعقود طويلة قادمة لا شكل النظام السياسي للبلاد بل وطبيعة سياساته الاقتصادية والاجتماعية.[48] وهو نمط من الاقتصاد “اقتصاد الحرب” الذي تشهده سوريا كذلك والذي يترك أثره على المؤشرات الاقتصادية فبلغ دليل التنمية البشرية 0.472 مع نهاية 2013 مقارنة بـ0.646 في العام 2010، ووصل معدل الفقر لـ82.5% مع نهاية العام 2014، كما تم تسريح أكثر من 85 ألف عامل خلال عام الثورة الأول فقط،[49]وعطل عمل كثير من المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وأوقف الخطط والمشروعات التي كانت في طريق التنفيذ، إلى جانب القصف الذي طال مدناً وقرى كثيرة، تم بفعلها تهجير ملايين السكان ودمار كلي أو جزئي للبنية التحتية إضافة لما تم تدميره من مؤسسات ومعامل في محيط المدن وخاصة في ريفي دمشق وحلب، حيث تتمركز آلاف المؤسسات الصناعية والحرفية ومشروعات الإنتاج الزراعي والحيواني. وتمّ تخصيص القسم الرئيس من الاستهلاك النفطي والموارد المالية لصالح الآلة العسكرية، وبهذا توقفت المشروعات والأنشطة الخاصة بمؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الإنتاجية نتيجة نقص الوقود وتوقف المواصلات، وهو ما ترك أثره على استفحال الغلاء والتضخّم والبطالة والنزوح للمواطنين، وقد تزامن معه ارتفاع كبير في الأسعار حتى المقدمة من المؤسسات الحكومية، مثل ارتفاع أسعار الأسمدة والأدوية والاتصالات والوقود بنسبة فاقت 100%. في الوقت نفسه، انتشرت عمليات الغش في نوعية السلع بشكل لم يسبق له مثل مع ضعف الرقابة.[50] وهو لا يختلف كثيرا عن الحالة الليبية، والتي تشهد انخفاضا امعدل إنتاج البترول –المورد الرئيسي- من 800 ألف برميل يوميا إلى حوالي 250 ألف برميل كحد أعلى، وهو ما لا يكفي الاستهلاك المحلي، إلى جانب تركز جزء كبير من النفقات على المليشيات المقاتلة، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد التموينية والمواد الأساسية وندرتها في السوق، فهناك نقص، وربما غياب هائل للخدمات الأساسية الصحية والطبية منها والخدمات الأساسية أيضا، مثل نقص غاز الطبخ والكيروسين للتدفئة، النقص الكبير في الأدوية والمعدات الطبية التي تعاني منها المستشفيات والصيدليات.[51]
خاتمة:
تتسم الفوارق الاجتماعية بتعدد المستويات، ولكنها أيضا لها تقاطعات. فالفوارق الاجتماعية يمكن أن تكون حسب الموقع الجغرافي، كما يتضح بمقارنة ثروات ودخول ومستوى معيشة للمناطق المختلفة كالريف والحضر. وقد يكون لها علاقة بالنمط الاقتصادي والاجتماعي للمناطق، حيث يكون الريف أشد فقرا من الحضر في العديد من البلدان العربية. كما يتداخل معه النوع الاجتماعي عوامل مثل الفقر والحرمان من الموارد، فالمرأة عادة أكثر فقرا، وأكثر حرمانا من الرعاية الاجتماعية ونظم التأمين الصحي. ثم نجد أن العرق والطائفة لهم دورا في الوصول للخدمات والتمتع بالحماية القانونية، فعلى سبيل المثال في السياق المصري، نجد أن البدو وأهل النوبة بصعيد مصر أكثر تهميشا من غيرهم، رغم عدم توافر الإحصاءات، ونجد أن الأقلية المسيحية في مصر لا تتمتع بنفس حقوق الأغلبية، لا سيما في الحماية القانونية والوصول للمناصب الحكومية، ولعلها تعاني فوارق اقتصادية أخرى لا ندركها بسبب عدم توافر البيانات الحكومية حسب العرق والدين. ولكن من الجدير بالذكر أن هذه المستويات تتقاطع، ولا يمكن أن نتعامل معها كمسطحات منعزلة، وانما يجب دراسة تقاطعات المكان الجغرافي، مع النوع الاجتماعي، مع الطبقة الاقتصادية، مع العرق والدين.
في جانب آخر فإن القطاع الغير رسمي يمثل فرصة وعائقا للمواطنين. فمن ناحية، يجد العديد من المواطنين في القطاع الغير رسمي، والاقتصاد غير الممنهج فرصا للعمل بدلا من البطالة، وفرصا لتحسين الدخل، ولكن من ناحية أخري، فظروف العمل في القطاع الغير رسمي غير مضمونة بالمرة، سواء من ناحية الأمان الوظيفي، أو ضمان الراتب أو حتى ضمان ابسط الحقوق في بيئة العمل. ففي السياق المصري يشـير المسـح التتابعي لسـوق العمـــل فيها للعـــام 2012 إلى أن ثلثـــي تعـــداد العامليـــن المصرييـــن يعملـــون بصـــورة غيـــر رســـمية، وأن هذه النسبة استمرت في التزايد منذ اندلاع الثورة في 2011، وذلك حسب تقديرات البنك الدولي. ولعل هذا التعداد الضخم للقطاع غير الرسمي. مهم الإشارة إلى أن إحصاءات الحكومة لا تعكس الحقائق، ولا تعترف بوجود المرأة مثلا ضمن سوق العمل بالشكل الكافي، بسبب تجاهلها للقطاع غير الرسمي، الذي يمثل المكان الأهم لعمل المرأة. وهكذا، فيتعين علينا أن نتعامل مع البيانات الحكومية كمؤشرات فقط، ولكنها لا تعكس الحقيقة بأي حال من الأحوال، فالحقيقة تحدث في القطاع غير الممنهج، الذي يختفي من الحكومة كسبيل من سبل الاستمرار، ولكنه في كل مكان. وهو الأمر الذي يستوجب التفكير في بدائل أكثر تعقيدا.
فما زالت البلدان العربية بعيدة تماما عن الصورة المتفائلة التي كانت ترسمها لها أيديولوجيا التنمية الرأسمالية منذ أواسط القرن العشرين. وخصوصا مع استمرار السياسات النقدية المتبعة بعد الربيع العربي في الكثير من الدول ومع الاستدانة إما من الصندوق الدولي أو البنك الدولي، فعلى سبيل المثال في الحالة التونسية، تم إبرام اتفاقيتين مهمتين مع صندوق النقد الدولي بقيمة تفوق 5 مليار دولار يمتدان على 6 سنوات، وهي فترة معالجة طويلة للغاية تدل على فقدان الدولة لسيادتها في تحديد سياساتها بحرية فيما فقد الشعب حقه في تقرير مصيره بنفسه. وهناك الأردن، التي أبرمت مع صندوق النقد اتفاقا بقيمة تفوق 0.7 مليار دولار لفترة تمتد على ثلاث سنوات. وفي مصر، هناك سعي حثيث لعقد اتفاق مع الصندوق حول حزمة من الشروط التي تشمل العديد من قطاعات الإنتاج والأنشطة المصرفية والمالية والشؤون الاجتماعية وهو ما تم أبرام مرحلته الأولى في 2016. وفي المغرب أبرمت الحكومة مع الصندوق اتفاقها الثالث منذ سنة 2012 بقيمة تناهز 3.5 مليار دولار لتمويل حزمة جديدة من التعديلات الهيكلية وإجراءات التقشف يتم تنفيذها خلال العامين القادمين.[52] وكل ذلك أن دل على شيء فإنما يدل على البعد عن تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين.
وأخيرا يبدو أن السياسات القديمة في البلدان العربية لا تعترف بخطئها بل تتشبث به، كما أنها لا يبدو عليها قبول مغادرة المشهد بسهولة، والسماح لجيل جديد يقوّم بعض الاعوجاجات الهيكلية والبنيوية من أجل عدالة اجتماعية تمهد لتنمية حقيقية وإصلاح ناجز. إن الأمر يتطلب فهما أوسع لقيمة العدالة الاجتماعية، وعلى جميع الصعد، يدرك فيه الجميع أهمية أن يعيش الإنسان بكرامة وعدالة مستدامة. إن البديل الاقتصادي المجرب لعلاج هذه الحالات يستوجب بالضرورة الرهان على الإنسان، الاستثمار الفعال في تعليمه وتنمية معارفه وصقل مهاراته، تمكينه من إدارة عناصر إنتاجه. تأصيل حقه في أن يكون هو مصدر جميع السلطات وهي في خدمته ورعايته. لأن سياسات الإقصاء لم تنتج يوما إلا مؤسسات سياسية واقتصادية نهابة، تحمي شبكات الثراء المتحالفة مع السلطة السياسية دون الاكتراث للإنسان ولا للمصلحة العامة للمجتمع. إن المؤسسات التي تستمد سلطتها من الشعب عليها، بعد ذلك، أن تعمل جاهدة لضمان توسيع الفرص وتكافؤها أمام الجميع. وتعمل على مكافحة الاستغلال وتنمية الاستقلال، وعلى مكافحة الإقصاء وتعزيز التمكين. كما تحرص على صياغة نظام ضريبي مرن يذلل الفجوة بين الثروة والدخل، ويؤطر هذه الجهود بأنظمة حماية اجتماعية آمنة للتعليم، والرعاية الصحية، وتأمينات ما بعد الخدمة، والالتزام بكل هذه الأنظمة وتنمية أصولها لكفالة الحياة الكريمة ولاستدامة الرخاء الإنساني.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أنظر، محمد سعيد السعدي، الفوارق الاجتماعية في المنطقة العربية: المفهوم والاشكاليات، ضمن هذا الكتاب.
[2] تقرير التنمية البشرية 2014، برنامج الامم المتحدة للتنمية.
[3] المساواة بين الجنسين بوصفهما اقتصادا يتسم بالحنكة والبراعة، البنك الدولي، سبتمبر 2006
[4] خالد على، دور الاحتجاجات في التأثير على الفوارق الاجتماعية في المنطقة العربية، ضمن هذا الكتاب.
[5] سعيد سلطان الهاشمي، قراءة في إشكاليات الفوارق وعوائق العدالة الاجتماعية في عُمان، ضمن هذا الكتاب.
[6] معن دماج، الفوارق الطبقية في اليمن، ضمن هذا الكتاب.
[7] محمود عبد الفضيل، رأسمالية المحاسيب، دار العين للنشر، 2011، ص 69
[8] محمد سعيد السعدي، مرجع سابق
[9] خالد علي، مرجع سابق.
[10] عبد المولى إسماعيل، “الإشكاليات البيئية للاقتصاد الراهن وأطروحات اقتصاد بديل يتعامل معها” نمط الإنتاج الصغير. كنموذج بديل لتجاوز التفاوت في الموارد البيئية، ضمن هذا الكتاب.
[11]النتائج العامة للإحصاء الزراعي الشامل 2010، وزارة الزراعة اللبنانية، منظمة الأغذية والزراعة.
[12] التعداد الزراعي 1989 -1990، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، القاهرة، 1990.
[13] عبد المولى إسماعيل، مرجع سابق.
[14] منجية هادفي، التمكين الاقتصادي للنساء بين السياسات الاقتصادية الرأسمالية والبدائل الاقتصادية، ضمن هذا الكتاب.
[15] د. عبد الله بن سعيد، صيرورة العملية الاقتصادية في القطاع الفلاحي من برنامج الإصلاح الهيكلي إلى اليوم، ندوة بالاتحاد التونسي للشغل، أبريل 2016.
[16] عبد المولى إسماعيل، مرجع سابق
[17] مُؤسستان شقيقتان ضمن منظومة الأمم المتحدة تشتركان في هدف واحد، هو رفع مستويات المعيشة في بلدانهما الأعضاء.
[18] محمد سعيد السعدى، مرجع سابق.
[19] منجية هادفي، مرجع سابق
[20] محمد سعيد السعدي، مرجع سابق.
[21] هبة خليل، نحو منهجية لدراسة الفوارق الاجتماعية بمصر، ضمن هذا الكتاب.
[22] فضيلة عكاش، “الفوارق الاجتماعية والعدالة الاجتماعية في الجزائر”، ضمن هذا الكتاب.
[23] هبة خليل، مرجع سابق.
[24] مصر: البرلمان يهاجم الحكومة بسبب قرض صندوق النقد الدولي ويعرّضها للمساءلة، مجلة القدس العربي، 16 نوفمبر 2016، https://is.gd/C79ADs
[25] البنك الدولي مؤشرات التنمية 2015 ص 49.
[26] التقرير العربي للتنمية المستدامة العدد الأول 2015 ص 49
[27] منجية هادفي، مرجع سابق.
[28] بوابة الأهرام” تنشر نص المرسوم بقانون لتجريم الاعتصام والتجمهر، جريدة الأهرام، 4 مارس 2011، https://is.gd/NWdxU6
[29] في أول تطبيق لمرسوم حظر الاضراب أمام القضاء العسكري الحكم بحبس عمال بتروجيت سنة مع إيقاف التنفيذ، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 30 يونيو 2011، https://is.gd/UuutvF
[30] مجدي سعيد، “نحو اصلاح الحركة التعاونية” محيط، 2012، https://goo.gl/KlMe8g
[31] المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ورق حقائق أسبوع الاستثمار، 2014، الورقة رقم 6: https://goo.gl/N2lvkx
[32] منجية هادفي، مرجع سابق.
[33] Human Development Report 2015, UNDP,https://goo.gl/R7KZsm
Statistical Yearbook – 59th issue, https://goo.gl/xyQ46e
[34] الجهاز المركزي للإحصاء، كتاب الاحصاء السنوي للعام 2004، قسم السكان، https://goo.gl/YFPyMv
[35] زهير توفيق، أثر التفاوت الاجتماعي على الطبقة الوسطى في الأردن، ضمن هذا الكتاب.
[36] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. كتاب مصر في أرقام، إصدار عام 2012
[37] Demographic and Health Survey of 2014. Ministry of Health and Population. May 2015. https://goo.gl/UWNsVa
[38] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. الاستهلاك والإنفاق، كتاب مصر في ارقام 2015
[39] Demographic and Health Survey of 2014. Ministry of Health and Population. May 2015. https://goo.gl/IKHZ9K p. 40
[40] تقرير الأهداف الإنمائية للألفية 2011 للأمم المتحدة، https://is.gd/KaHqqG
[41] وسيم العبيدي، الفوارق الاجتماعية في تونس: قراءة في أسبابها وتمظهراتها، ضمن هذا الكتاب.
[42] جوزيف ضاهر، التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، الانعكاسات والنتائج: سوريا، ضمن هذا الكتاب.
[43] عُمان: تقرير التنمية البشرية 2003، وزارة الاقتصاد الوطني، ص 75-79.
[44] انظر: الكتاب الإحصائي السنوي 2016، يوليو 2016، المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. على الرابط: https://goo.gl/RLnYEX
[45] محمد سعيد السعدي، مرجع سابق.
[46] معن دماج، الفوارق الاجتماعية في اليمن، ضمن هذا الكتاب.
[47] تقرير المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا -أكتوبر 2016، https://is.gd/SXec1g
[48] معن دماج، مرجع سابق.
[49] الواقع الاجتماعي والاقتصادي في ظل الثورة السورية، مركز سورية للبحوث والدراسات، https://is.gd/Y0tzjh
[50] حمود المحمود، اقتصاد الحرب في الصراع السوري: تكتيك “دَبِّر راسك”، مركز كارنجي بيروت، https://is.gd/SEEzOI
[51] فضيل الأمين، ليبيا على شفا انهيار اقتصادي ومأساة إنسانية، بوابة الوسط، 12 يناير 2015، https://is.gd/pkIZJz
[52] فتحي الشامخي، ما بعد الربيع العربي ومسؤولية المؤسسات المالية الدولية في تفاقم الفوارق الاجتماعية، ضمن هذا الكتاب.