العدالة الاجتماعية والاقتصاد البديل
دراسة ضمن كتاب: الاقتصاد البديل في المنطقة العربية “المفهوم والقضايا”
يتمثل المبدأ الأولي حين نحاول البحث في مسألة العدالة الاجتماعية في وجود اقتصاد، وإنتاج، وعمل، وفائض، وإلا يصبح الكفاف هو السمة التي تحكم المجتمعات، ومن ثم لا تكون حاجة للبحث في هذه المسألة. هذا الأمر هو الذي يفرض البحث في طبيعة الاقتصاد الذي يسمح بالتفكير في تحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي فيمن من ضمن الطبقات يمكن أن يحققها.
- حول العدالة والاقتصاد:
وحين ندرس التجارب التي تحققت فيها “عدالة اجتماعية” سوف نلمس هذه العلاقة، ليس في الرأسمالية المتطورة فقط، حيث أفضى تطور قوى الإنتاج، والسيطرة على العالم، الى لحظة وجدت الرأسمالية ذاتها بحاجة الى ذلك، بل ربما أساسا في تجارب البلدان التي لم تشهد تطورا رأسماليا “تقليديا”، حيث ترافق بناء قوى الإنتاج مع تحقيق العدالة الاجتماعية. ولقد تحققت في صيغ مختلفة، بعضها قائم على الملكية الخاصة وبعضها على نفيها، وبعضها كان تحقيقا جزئيا لها وبعضها كان أكثر جذرية. وارتبط كل ذلك بمصالح الطبقة التي حكمت.
فقد أدى نشوء الصناعة، التي كانت أساس نشوء النظام الحديث، الى تصاعد الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا، بالضبط لأن ربح البرجوازي يتأتى من الفائض الذي يحققه البروليتاري، ولهذا كان يُشَدد عليه الضغط لزيادة الربح. في هذا الإطار تصاعد الصراع الطبقي، وتوسعت الاحتجاجات البروليتارية. وشهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قوة في احتجاجات الطبقة العاملة، وتوسعا للأحزاب الاشتراكية. لهذا حين حدثت ثورة أكتوبر سنة 1917 في روسيا ارتعبت الرأسمالية من انتقال العدوى الى بلدانها، خصوصا بعد ثورات فاشلة في ألمانيا وحراك كبير في فرنسا وبلدان أخرى، وبعد الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى. فعملت على تحسين وضع البروليتاريا، فيما يتعلق بساعات العمل والأجر وظروف العمل، وسمحت لأن يصبح للنقابات العمالية دورا في تحقيق التوازن، وكذلك مالت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية لكي تلعب دور التوازن. كل ذلك أسمي: المساومة التاريخية، حيث جرى التوافق على أن يتحول الصراع الطبقي الى سياسة تفاوضية. ومن ثم أدت أزمة الكساد العظيم سنة 1929 الى ميل الرأسمالية الى زيادة الأجور لتوسيع السوق الداخلي كجزء من السياسة التي جرى إتباعها لتجاوز تلك الأزمة.
كل هذه العناصر فرضت نشوء ما بات يسمى: دولة الرفاه، التي سمح تراكم الأرباح المنهوبة من العمال، ونهب الأطراف الى أن تقوم الرأسمالية بـ “إعادة توزيع الثروة” في المراكز بما يحقق الاستقرار من خلال تحسين جدي لوضع العمال، وتوسيع الفئات الوسطى. بالتالي ارتبط تحقيق العدالة الاجتماعية هنا، أولا بالتطور الكبير للصناعة التي باتت مصدر الربح، وأساس تشكيل نظام عالمي يخدم مركزة التراكم في تلك البلدان التي باتت صناعية عبر نهب العالم، وثانيا خشية تفاقم الصراع الطبقي، خصوصا بعد نشوء أول دولة اشتراكية هي الاتحاد السوفيتي، وثالثا كجزء من حل الأزمة التي حكمت الرأسمالية، وهي أزمة فيض الإنتاج التي فرضت نشوء حالة دورية من الكساد. لهذا كان ضروريا “ترتيب” المراكز بما يجعلها متماسكة، في ظل زيادة الحاجة للسيطرة على الأطراف ونهبها. حيث، ومع استمرار “نهب الفائض” في المراكز والأطراف، عملت الرأسمالية على إعادة توزيع الأرباح بشكل “عادل نسبيا” من خلال الأجور التي باتت ترتبط بوضع الأسعار وظروف الحياة، والضمان الاجتماعي الشامل، وضمان الشيخوخة، والتوظيف الكامل مع توفير إعانة للعاطلين، والتعليم المجاني، وتقليص ساعات العمل.
في الأمم التي لم تكن قد تطورت رأسماليا بداية القرن العشرين، وعملت الرأسمالية المسيطرة على تخليفها بمنعها من التطور الرأسمالي، ومنع نشوء الصناعة فيها، وبالتالي تحويل البرجوازية الناشئة فيها الى النشاط الهامشي (في التجارة والخدمات والبنوك)، ظهر نوعان من تحقيق “العدالة الاجتماعية”، الأول كان جذريا وارتبط بإلغاء الملكية الخاصة، والثاني كان تلفيقا بين هذا وذاك الذي تحقق في الأمم الرأسمالية. والفارق هنا يتحدد في مسألة وضع الملكية الخاصة بالتحديد، وكان لهذه المسالة أهمية في مستوى التطور الذي تحقق في كل منهما. لكن كان السبب الجوهري لهذا الربط بين تحقيق التطور (بناء الصناعة كأساس) و”العدالة الاجتماعية” هو الصراع الطبقي ذاته، حيث أن تجاوز النمط الاقتصادي المفروض من عالمية النمط الرأسمالي، والآثار التي أوجدها في الأطراف، استند الى صراع المفقرين من أجل مطالب القدرة على العيش، وهذا ما سوف أتناوله خلال البحث، بالضبط لأنه أساس طرح بديل اقتصادي.
انتصرت ثورة أكتوبر الروسية في سياق الرؤية التي طرحها حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي من أجل تحقيق “المهمات الديمقراطية”، تلك المهمات التي أنجزتها البرجوازية الأوروبية ولم تنجزها البرجوازية الروسية، وأصلا لم تعد معنية بإنجازها[1]، مهمات إنهاء الاقطاع والتصنيع وحل المسألة القومية والحداثة، وكذلك فرض مصالح العمال والفلاحين. وفي هذا السياق طُرحت الاشتراكية، حيث لا بد من بناء الاقتصاد وتحديث المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى تحسين وضع العمال والفلاحين الفقراء والفئات الوسطى، من خلال توزيع الأرض على الفلاحين وإنهاء البطالة وتحسين الأجور والتعليم والعلاج المجانيين، وتعميم الثقافة “الأوروبية”. وعكس الأمم الرأسمالية التي حققت تطورها الصناعي عبر سحق ونهب العمال ونهب الأطراف، ومن ثم وصلت في مرحلة الى تحقيق “العدالة الاجتماعية”، أتى بناء الصناعة وتحقيق الحداثة مترافقا منذ البدء مع تحقيق “العدالة الاجتماعية”. ولهذا حصل العمال على حقوق تجاوزت ما كانت حصلت عليه في الأمم الرأسمالية، وأنجز التعليم المجاني وحقوق المرأة والعلاج المجاني ربما قبل تلك الأمم، وكذلك ضمان عمالة كاملة والضمان الاجتماعي وضمان الشيخوخة.
وإذا كانت السنوات الأولى من التطور أبقت “الفوارق الطبقية” رغم ذلك، فقد ألغيت الملكية الخاصة تماما بعدئذ، وأصبح التمايز بين “الشعب” و”البيروقراطية” ضئيلا، رغم أنه توسع بعد إنجاز الخطوة الأساسية في تحقيق التطور الاقتصادي. ولم تنتهي “العدالة الاجتماعية” إلا بعد انهيار الاشتراكية (بينما وجدنا أنها تتقلص في الأمم الرأسمالية منذ سنوات، ويبدو أنها تسير نحو النهاية). لهذا سنلمس هنا أن “العدالة الاجتماعية” كانت أعمق، بل أن نقلة نوعية قد تحققت في هذا المجال نتيجة إلغاء الملكية الخاصة، وتحقيق مساواة أعمق كثيرا مما تحقق في الأمم الرأسمالية في مرحلة دولة الرفاه. لكن سنلمس كذلك أن كل ذلك لم يتحقق إلا من خلال التطوير الاقتصادي الذي قامت به الدولة. بالتالي فقد تحققت النقلة من نمط اقتصادي متخلف (إقطاعي) الى الحداثة، وفي الوقت ذاته تحققت “العدالة الاجتماعية”. وإذا كانت أزمة الطبقة الرأسمالية هي التي دفعت الى العودة الى اللبرلة المفرطة في الأمم الرأسمالية، ومن ثم التخلي التدريجي عن كل الحقوق التي تحصل عليها العمال والفئات الوسطى، ودفعت الى عودة “التوحش” كسمة للنهب الرأسمالي، فإن تعقيدات التجربة الاشتراكية فرضت أن تصل الى مأزق فرض انهيارها. [2] وهنا كان الترافق بين تحقيق التطور وتحقيق العدالة سببا في وصول التجربة الى حالة من الركود فرضت انهيارها.
كان الشكل الآخر لتحقيق “العدالة الاجتماعية” هو ذاك الذي تحقق فيما أسمي بلدان التحرر الوطني، حيث فرض مأزق التطور الرأسمالي، وغياب “البديل الاشتراكي”، أن يفضي انفجار الصراع الطبقي الى أزمة مجتمعية لم تجد حلا لها سوى بتدخل فئات وسطى (ريفية في الغالب) وعبر الجيش بالتحديد لحسم الصراع مع النظام القديم، الذي كان يمثل اقطاعية متراكبة مع تكييف رأسمالي فرضته الدول المستعمرة، ومحاولة بناء بديل يتمثل بشكل ما التجربة الاشتراكية في بعض أوجهها، ويحاكي دولة الرفاه في أوجه أخرى. حيث قام على تحقيق بعض من المهمات الديمقراطية مثل الإصلاح الزراعي وبناء الصناعة، والتخطيط المركزي، وفرض التعليم والعلاج المجانين، وتحقيق العمالة الكاملة (وإنْ كان ذلك يتحقق عبر التوظيف في أجهزة الدولة وليس في الإنتاج فقط)، والتزام شروط العمل والضمان الاجتماعي وضمان الشيخوخة. وبالتالي عبرت التجربة عن ميل لتحقيق التطور وضمان حقوق الطبقات الشعبية، لكن بعكس التجربة الاشتراكية قامت على أساس تقديس الملكية الخاصة، وهو الباب الذي فتح على نهب الثروة بعد مركزتها بيد الدولة (القطاع العام)، حيث أصبح منظور الفئات المشرفة على الاقتصاد والمنخرطة في أجهزة الدولة يتحدد في كيفية الحصول على “قطعة” أكبر من الثروة الممركزة تلك، وبهذا تعمم الفساد كمدخل لتحقيق النهب، وأصبحت الصراعات بين الفئات المختلفة في السلطة تتحدد في التحكم بتلك الثروة ونهبها. لهذا انهار التطور قبل أن يكتمل، وتحولت الثروة التي وقعت بيد الدولة الى أفراد من السلطة، شكلوا “رجال أعمال جدد”، وطبقة رأسمالية جديدة، تواشجت مع الرأسمالية القديمة التي كانت محاصرة أو نقلت نشاطها الى الخارج. [3] وفي سياق ذلك انتهت “العدالة الاجتماعية” وتوسعت شقوق المجتمع بين مالكي الثروة والمفقرين في ظل ليبرالية مافياوية.
في هذه التجربة جرى تجاوز النمط الاقطاعي القديم لكن دون تشكيل نمط جديد، حيث عادت السيطرة لنمط تابع في إطار النمط الرأسمالي العالمي، بينما فرض التطور الذي تحقق في التجربة الاشتراكية الوصول الى حالة من التطور أوجدت أمما رأسمالية حديثة. وبهذا عاد العالم، كما بدأ بداية القرن العشرين، رأسماليا دون “عدالة”، لا في المجتمعات ولا بين المراكز والأطراف. الأمر الذي فرض أن يعاد طرح مسألتي التطور والعدالة معا.
يمكن تلخيص هذه التجارب في ثلاث مسائل، الأولى تُظهر تحقق “العدالة الاجتماعية” بعد تطور طويل للرأسمالية، ووصولها الى مأزق فرض أن تكون “العدالة الاجتماعية” حلا له، ولقد ظهر أنه حل مؤقت. والثانية أن تخلف كثير من الأمم، وخضوع معظمها للسيطرة الاستعمارية، وإعادة صياغة بناها بما يحقق مصالح الرأسمال الإمبريالي، فرض أن يرتبط التطور بتحقيق “العدالة الاجتماعية”، وأن يكون هذا الربط حتميا. والثالثة أن تحقيق التطور يفترض عدالة أعمق، وهو ما تقوم به طبقة ليس من مصلحة خاصة لها، بل أن مصلحتها تتداخل مع المصلحة المجتمعية، حيث أنها لا تميل الى تقديس أو تكريس الملكية الخاصة بل تتعفف عن ذلك.
من السرد السابق لمسنا التمييز بين أمم تطورت اقتصاديا ومن ثم فرض وضعها تحقيق “العدالة الاجتماعية” لمرحلة معينة، وبين أمم ظلت متخلفة وترافق تحقيق التطور فيها بتحقيق “العدالة الاجتماعية”. نحن في وضع مشابه للنمط الثاني من الأمم، ولا شك في أن محاولة جرت مع ما أسمي “نظم التحرر الوطني” أو “النظم القومية” التي أشرت إليها قبلا، وفشلت نتيجة مصالح الفئة التي وصلت الحكم عبر الجيش وعبر عن ميول الريف للتحرر من الإقطاع وتحقيق الارتقاء الطبقي، حيث كانت الدولة هي وسيلة هذا الارتقاء لدى فئة منه، من خلال مركزة الثروة بيد الدولة ومن ثم نهبها. وهذه عملية “لا واعية”، لكن كان يسكنها الطموح القوى للتملك، الطموح الذي يسكن الريف.
بالتالي لا بد لنا أن نتناول الاقتصاد، حيث أن تحقيق العدالة يرتبط حصرا بالبديل الاقتصادي، لأن النمط الاقتصادي القائم يميل الى الإفقار والتهميش من خلال عملية النهب التي تقوم بها الرأسمالية المحلية بالترابط مع الطغم الرأسمالية المسيطرة في العالم. [4] ولهذا يصبح البحث في الاقتصاد البديل أساس التفكير في هذا الأمر، وكما لاحظنا في التجربة الاشتراكية فإن تحقيق التطور كان هو الأساس في تحقيق العدالة. والتطور يتعلق ببناء اقتصاد بديل. إن تحقيق “العدالة الاجتماعية” بالتالي مرتبط بالاقتصاد البديل، بطبيعة الاقتصاد البديل.
- الاقتصاد
الرأسمالية تطورت على ضوء نشوء الصناعة، ومن خلال نهب البروليتاريا والأمم المخلفة، بعدئذ اضطرت لإتباع “النيو ديل” في أمريكا و”الكينزية” في أوروبا واليابان، لتنشأ “دولة الرفاه” التي هي على وشك مغادرتها. ولقد حققت الاشتراكية بناء الصناعة وتحديث المجتمع في ظل مجتمع “بلا طبقات”، أو من خلال تحقيق “العدالة الاجتماعية”. الشكل الأول في التطور استنفذ ممكناته مع بداية القرن العشرين، لهذا نشأ الشكل الثاني (وأتى الشكل الثالث كحل وسط)، الذي كان الأجدر في تحقيق نقلة نوعية في البنى المجتمعية نتيجة القدرة على بناء مجتمع صناعي. لقد سقط الشكل الثاني هذا، لكن ممكناته لا زالت قائمة، بالضبط لأن تحقيق التطور لم يعد مرتبطا بطبقة أو فئة من طبقة بل بصراع شعبي جذري.
بين الشكلين يمكن ملاحظة الفارق الكبير، حيث تبلور الشكل الأول في إطار مجتمع صناعي متطور، ينتج سلع العالم، بينما تبلور الشكل الثاني كتعبير عن غياب الصناعة وتخلف القوى المنتجة، نتيجة الاستعمار والأسبقية الرأسمالية، وكان يحمل مشروع التطور الصناعي في الوقت الذي طرح مسألة “العدالة الاجتماعية”. ولهذا لا بد من التركيز على قوى الإنتاج، سواء كعامل مهيئ لتحقيق “العدالة الاجتماعية”، أو فارضة لها في سياق تحققها.
النقلة النوعية التي أسست لنشوء الرأسمالية هي اكتشاف الصناعة، حيث جرت صياغة المجتمعات الأوروبية (وهنا إنجلترا، فرنسا وألمانيا خصوصا)، ثم أمريكا واليابان، وفق منظومات جديدة. وأصبح الإنتاج الصناعي يتفوق كسلعة على الإنتاج الزراعي الذي كان يقوم على منظومات متخلفة، وبالتالي أصبح عنصر التفوق هو للمجتمعات الجديدة التي باتت رأسمالية. لقد أصبح الإنتاج الصناعي هو الذي يدر الأرباح، وبات مجال التوظيف المتسارع للمال الذي نتج عن الزراعة أو التجارة، أو نهب المستعمرات في أمريكا. [5]
هذه الأسبقية أعطت الميزة للرأسمالية لكي تسيطر على العالم، خصوصا أنها تحتاج الى المواد الأولية لصناعتها والى الأسواق لتصريف سلعها، وتصدير رأسمالها.[6] لهذا زحفت تستعمر المناطق التي كانت تحتاجها والمواقع الاستراتيجية الضرورية من منظور مصالحها، ثم بعد أن باتت إمبريالية تصارعت على تقاسم العالم.[7] إن حاجة الرأسمالية للأسواق والمواد الأولية فرض عليها من خلال الاستعمار أن تتحكم بوضع البلدان المستعمَرة، وأن تؤثر في مساراتها بما يخدم مصالحها هي. ولأنها بحاجة الى تلك المسائل فرضت على هذه البلدان أن تؤسس لنمط أحادي في الزراعة خدمة لصناعاتها ولحاجاتها، فركزت على القطن والحرير، السلع التي تحتاجها صناعاتها، وكذلك القمح، وبالتالي أبقت الطابع الزراعي قائما (وفق التكوين الإقطاعي القديم)، ووسعت في المدن من وجود فئات وسطى مع الحاجة لإقامة شركات الاستيراد والبنوك. لكنها كانت تقاوم انتقال الصناعة الى هذه البلدان، لأنها أسواقها أولا، ولكي تبقي على احتكار المواد الأولية ثانيا. [8] ومن ثم أبقت على بُناها التقليدية، كوعي قروسطي وكمؤسسات (إلا ما كانت تفرضه حاجتها). فظل كبار ملاك الأرض هم الطبقة المسيطرة، ومنهم تشكلت فئات التجار والرأسمالية “الجديدة”، وظل التشابك قائما بين “الطرفين”، معبرين عن طبقة مسيطرة تحت سيطرة الاحتلال.
هذا التكوين فرض ربط الأطراف بالمراكز الرأسمالية،[9] وتحولها الى بيئة نهب يراكم من أرباح الرأسمالية. لكنه كان يفرض تعميم الفقر والبطالة والتهميش فيها. وهو الأمر الذي كان يفضي الى نشوب الثورات. وكان في أساس نشوء “الثورات الاشتراكية”، وأيضا تحولات نظم حركات التحرر الوطني. ورغم محاولات بناء الصناعة وتطوير الاقتصاد إلا أن هذه النظم تراجعت وانهارت، وأكلت الخصخصة كل ما بقي من اقتصاد.
الفكرة الجوهرية في هذا المجال هي أن التكوين العالمي للرأسمالية فرض حصر الصناعة والاقتصاد الحديث في المراكز وأخضع الأطراف لآليات نهب تخدم زيادة التراكم الرأسمالي. وهو ما أسس لتفاوت كبير في تمركز الثروة، وفي الفارق التقني، والقدرة على المناورة، والخبرة، وفي القوة. ولقد أوجد ذلك هوة كبيرة كانت تعيد إنتاج اللا تكافؤ هذا في ظل استمرار سيطرة “الاقتصاد الحر” أو السوق المفتوح، وهي المسألة التي قاتلت وتقاتل الرأسمالية للإبقاء عليها وتأبيدها، وتحارب كل ميل لوضع حدود وقيود على السوق القومي. فالسوق المفتوح هو الأرضية التي تكرس اللا تكافؤ الناتج عن تاريخ طويل من الاستعمار والسيطرة والنهب وتشكيل البنى بما يوافق مصالح المراكز. حيث يجب أن تبقى الأطراف جزءا من عملية التراكم الرأسمالي في المراكز، ولهذا يجب أن تبقى مكيفة بما يخدم تلك المصالح. حتى حينما جرى الحديث عن نقل الصناعة الى الأطراف ظهر أن الأمر يتعلق بعدد محدود من البلدان لها ميزات مثل الصين أو كوريا الجنوبية[10]، أو عبر استخدام صناعات موجودة أصلا في الأطراف مثل الغزل والنسيج والاسمنت، أو “التجميع الأخير” كما في وضع السيارات. وحين سيطر الاقتصاد المالي في المراكز فرض تشكيل مافيا في الأطراف تميل نحو النهب في البنى التحتية وتنشط في العقارات والخدمات والبنوك وأسواق الأسهم. وبهذا نقلت الرأسمالية “مرضها” الى الأطراف. [11]
وإذا كانت الصناعة هي محور الحداثة وتشكيل النمط الرأسمالي، فقد فرضت الرأسمالية هذا الانقسام بين المراكز والأطراف، وهذا الشكل من “الاختلاف”. ومن ثم ظلت الأطراف “ما قبل رأسمالية” رغم خضوعها للنمط الرأسمالي، وسيادة العلاقات الرأسمالية فيها. سواء تعلق الأمر بالاقتصاد الذي ظل زراعيا لعقود طويلة، وبات ريعيا، أو تعلق بالوعي المجتمعي والبنى المؤسسية اللذين ظلا قريبين من “القرون الوسطى”، أو تعلق بحل المسألة القومية. ومع كل ذلك ظلت مجتمعات الأطراف تخضع لنهب مريع، وهو ما كان يصاعد من التناقضات الطبقية، وأفضى الى التغييرات الكبيرة أواسط القرن العشرين، ولا زال يفتح على صراعات وميول لتحقيق التغيير.
بالتالي إن ما تتسم به الأطراف هو هامشية قوى الإنتاج، فهي بلا صناعة، أو بصناعة هامشية هي بقايا مرحلة شهدت محاولة للتطور. ولقد انهارت الزراعة بعد التطور الكبير في العلوم، الذي أفضى الى تطور آليات “التعديل الجيني”، مما جعل الأمم الرأسمالية مصدرة أيضا للسلع الزراعية، أو على الأقل تراجع استيرادها للسلع الزراعية من بلدان الأطراف، وحيث تحولت الأرض الزراعية الى أراض خاضعة للمضاربات العقارية والنشاط العقاري. لقد أصبحت الأطراف سوقا للسلع الصناعية والزراعية من جهة، بعد أن كانت تستطيع تصدير السلع الزراعية، وهو الأمر الذي أوجد اختلالا مريعا في الميزان التجاري وميزان المدفوعات. ومن جهة أخرى أصبحت مفتوحة لنشاط “الاستثمار الأجنبي قصير الأجل”[12] الذي تركز في التوظيف في العقارات والمضاربات في أسواق الأسهم. وهو الأمر الذي فرض زيادة النهب، وتسارعه بشكل دفع الى الانحدار الكبير في وضع الشعوب، وتصاعد نسبة البطالة والفقر، وكذلك الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي توسيع آليات النهب، والوقوع في العجز المالي. وفي هذه الآلية، التي باتت أعمق في ظل التحول المالي في الرأسمالية، يكون الإفقار والبطالة والتهميش هي السمات الوحيدة الممكنة في الأطراف.
كانت البلدان العربية زراعية لقرون طويلة، لكنها باتت تستورد ما تأكل. وحاول بعضها أن يبني صناعة، لكن الانفتاح الاقتصادي وإعادة الربط بالرأسمالية دمر معظمها. بالتالي بات من الضروري البحث في مسألة قوى الإنتاج كأساس لإعادة بناء الاقتصاد، وكضرورة لتحقيق “العدالة الاجتماعية”. وليس من باب التضخيم التركيز على الصناعة، بل أن الأمر يتعلق بوسيلة الإنتاج التي هي عنصر جوهري في كل نمط إنتاج في الوقت الحاضر، وهي المحدد لطبيعته.
الاقتصاد ومسألة قوى الإنتاج
لا شك في أن العقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي ومجمل الدول الاشتراكية قد فتحت الباب على ميل كبير للتخلي عن مجمل الأفكار التي تنسب الى الماركسية. وعملت الطغم الرأسمالية على تعميم خطاب “بديل” يهدف الى شطب تراث فكري كبير بدأ مع ماركس وإنجلز، وتوسع فيما بعد، الى أن بات يؤرق الرأسمالية، خصوصا بعد أن أفضى الى انتصار العمال والفلاحين الفقراء في نصف العالم تقريبا. لقد فتح انهيار الاشتراكية على معركة كبيرة خاضتها الرأسمالية من أجل تدمير الأفكار التي جاء بها ماركس وإنجلز، والتي كانت تمثل “الشبح” الذي يخيفها. فلم تكتفِ بانهيار الاشتراكية بل كان يجب أن تقوم بالخطوة التالية المتمثلة في تدمير الفكر الذي كان في أساسها.
هذا الأمر هو الذي أنتج ميلا لتوليف مصطلحات ومفهومات جديدة، و”إهالة التراب” على كل ما أتت به الماركسية. هذا هو جوهر “خطاب العولمة” الذي انتشر منذ تسعينات القرن العشرين، ولعب الإعلام الجديد (النت والفضائيات، وكل التكنولوجيا التي تعممت فقط بعد انهيار الاشتراكية) دورا محوريا في ذلك، لكن أيضا لعبت الجامعات دورا كبيرا من أجل تدريس “العلم الحقيقي”، الذي هو الاقتصاد المالي كتجاوز للاقتصاد السياسي، أو حتى للاقتصاد “الحقيقي”. بالتالي يمكن القول إنه كان يجري إنهاء الماركسية مع “نهاية الاقتصاد المنتج” وتحول الرأسمالية الى المال، الى النشاط المالي. بهذا انتهى التداول في مفاهيم مثل قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، البنية التحتية والبنية الفوقية، وأخذت مفهومات أخرى تتعمم، لا علاقة تربطها بالإنتاج. وجرى “إهمال”، وحتى “تدمير” فكرة ماركس الجوهرية التي تقول “أن الفكرة الأساسية والمحورية هي أن الإنتاج الاقتصادي، والبنية المجتمعية التي تنجم عنه بالضرورة، يشكلان، في كل عهد تاريخي، الأساس للتاريخ السياسي والفكري لهذا العهد، وبالتالي فإن التاريخ كله (منذ انحلال المشاعية البدائية للأرض) هو تاريخ صراعات طبقية”. [13] لتحل محلها فكرة أن الأساس هو “التاريخ السياسي والفكري”، هو دور الدول و”المفكرين”، والصراعات الدولية.
لهذا لا بد من العودة الى “ما هو جوهري”، وهذا هو الذي يفرض التأكيد على قوى الإنتاج. يقول إنجلز في رثاء ماركس: “مثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية، اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري، الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الأيديولوجية، وهي أن الإنسان يجب أولا أن يأكل ويشرب ويجد المأوى والملبس قبل أن يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة والعلم والفن والدين…. الخ. وبالتالي فإن إنتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش، ومن ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما، أو حقبة ما، تشكل الأساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة والمفاهيم الشرعية والفن، وحتى الأفكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب أو ذاك، وعلى ضوئها يجب أن تفسر وليس العكس كما هو الحال”. [14]
هذا الأمر يعني أنه ليس بإمكاننا أن نتحدث عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية دون البحث العميق بمعيشة البشر، حيث لا إمكانية لكل ذلك دون مقدرة على العيش، وبالتالي دون وجود إنتاج وقوى إنتاج. لهذا يجب البحث في قوى الإنتاج، ومن ثم بالاقتصاد البديل، أي الاقتصاد الذي يبدأ ببناء وسائل إنتاج تكون هي بنية قوى الإنتاج من خلال العمل البشري. فـ “إنتاج وسائل صون الحياة الإنسانية ثم تبادل الأشياء المنتجة بعد الإنتاج هما… أساس كل نظام اجتماعي… وفي كل مجتمع ظهر في التاريخ تحدد توزيع المنتجات ومعه تقسيم المجتمع الى طبقات بناء على ما ينتج، وكيف ينتج، وكيف يتم تبادل الناتج”. [15] إن الوجود كله قائم على “إنتاج الخيرات المادية”، وهو “الشرط الحاسم لتطور المجتمع”. [16] ولهذا يصبح لقوى الإنتاج أهمية فائقة، وهي أساس “الوجود كله”.
تتألف قوى الإنتاج “من أدوات الإنتاج والناس الذين يستخدمون هذه الأدوات بخبرتهم ومهارتهم.[17] ما نركز عليه هنا هو “أدوات الإنتاج” التي هي ضرورية من أجل الإنتاج، حيث لا يكفي وجود الناس (العمال) بل أن وجود أدوات الإنتاج هو الذي يحول قدرتهم الى قدرة إنتاجية. وغياب أدوات الإنتاج هو الذي يفضي الى البطالة المرتفعة، ونقص فائض القيمة، وبالتالي تراجع “ثروة المجتمع”. ولهذا سنركز على “أدوات الإنتاج” ونحن نلمس وجود “القوى العاملة”، لكن التي تعاني من البطالة. وفي الغالب يجري تسمية “أدوات الإنتاج” بـ “وسائل الإنتاج”، وهي الأدوات التي يستخدمها الناس لتحقيق “عملية الإنتاج”. إنها “آلات الإنتاج التي تنتج بواسطتها وسائل الحياة المادية”. [18]
إذن سوف نتحدث عن وسائل الإنتاج. وإذا قسمنا التاريخ من خلال دور البشر، الى مراحل، فيمكن أن نحدد أشكال العمل في ثلاث، الأول هو القنص والقطف، ويحتاج الى أشكال بدائية من “أدوات العمل”. [19] والثاني الزراعة التي شهدت أشكال العمل في الطبيعة (الأرض). ومن ثم الثالث هو الصناعة التي باتت تنتج سلعا من أجل العيش، وحيث بات الإنسان قادرا على إنتاج وسيلة إنتاج “مستقلة” عن الطبيعة، وإن كانت الطبيعة هي التي تعطي موادها الأولية. [20] وهي الوسيلة التي تطورت وفق التراكم الذي تحقق في الحرف من طرف، وفي العلم من طرف آخر.
وإذا كانت وسائل الإنتاج هي الوسائل “التي تفضي الى تحقق المنتوج عبر العمل”[21]، وكانت الأشكال الأولية لأدوات الإنتاج هي العناصر المساعدة التي تتوسط بين العمل البشري ووسيلة الإنتاج، أي الأرض، فقد أدى نشوء الصناعة الى نقلة هائلة، طورت في الإنتاج ونوعته، وباتت تنتج سلعا لم يعرفها التاريخ السابق، وأدوات خدمت تطور الإنتاج والرقي البشري. وهذا ما جعلها تمثل نقلة نوعية، حيث بات البشر ينتجون سلعا عبر وسيلة إنتاج اخترعوها هم ولم تكن نتاج الطبيعة. وأصبحت الطبيعة (الأرض) لا تنتج غذاء البشر بل كذلك مواد أولية تستهلكها الصناعة ذاتها. الصناعة التي كانت أساس نشوء البرجوازية، وبهذا جرى إخضاع الزراعة للصناعة، والريف للمدينة، والبلدان المتأخرة للبلدان المتقدمة. [22]
الصناعة كمحور عالمي
إذا كانت الصناعة قد نشأت في أوروبا وامتدت الى أمريكا واليابان، قبل أن تتوسع في أمم أخرى من خلال الاشتراكية، فقد باتت محور التشكل العالمي، فهي أساس النمط الرأسمالي، الذي جعله يمثل نقلة كبيرة في التطور التاريخي، وهي أساس قدرة الرأسمالية للسيطرة على العالم، وتحقيق الاستقطاب فيه. فقد أسست لإنتاج سلع جديدة، وسلع أكثر نتيجة فيض الإنتاج الذي تتسم به. وبالتالي أسست لنشوء فائض قيمة متصاعد، وتراكم رأسمالي متسارع، وصل الى مرحلة التراكم المالي، لأنها تؤسس كذلك لفيض الأرباح. ولقد أصبح استمرار الزراعة يعتمد على مكننتها، واعتمادها على الأدوات التي تنتجها الصناعة. وهو الأمر الذي فرض تشكل العالم على أساس استقطابي بين مركز وأطراف، حيث تمركزت الصناعة في المركز، وظلت الأطراف زراعية أو تعتمد على المواد الأولية قبل أن تصبح مهمشة نتيجة سيطرة الاقتصاد الزراعي في المركز وتدمير زراعة الأطراف من خلال تحويل الأرض الى مشروعات عقارية على ضوء تمركز النشاط المالي في هذا القطاع، إضافة الى قطاعات المضاربة والبورصة والبنوك، وتحويل الأطراف الى مستورد للسلع الزراعية كذلك. ومن ثم بات التراكم الرأسمالي يعتمد على رحيل الفائض من الأطراف الى المركز، بأشكال متعددة، وأصبح المركز هو الذي يستحوذ على الثروة العالمية، ويفرض تعميق الفقر في الأطراف. ويحتكر التقنية مانعا الأطراف من الحصول عليها، والسعي لتدمير كل محاولة في هذا الاتجاه، ومقاومة كل ميل لبناء الصناعة فيها.
من هذا المنظور لم يعد ممكنا ألا تتطور بلدان العالم صناعيا، أو أنها ستخضع لسيطرة “الأمم الصناعية”. فقد بات الإنتاج الصناعي ضرورة في كل العالم، وبات يتفوق من حيث القيمة على الزراعة والمواد الأولية، وفي ذلك يؤسس لأن تُلحق الأمم المتخلفة بالأمم الصناعية كضرورة، أو تحاول السعي لأن تتحول الى أمم صناعية. هذه هي معركة الأطراف منذ زمن بعيد، وهي المعركة التي خاضتها الرأسمالية بكل وحشية لكي تمنع انتشار الصناعة عالميا، وأن تحصرها في حدود دولها، وهي الدول التي حظيت بالأسبقية في اكتشاف الصناعة، والبناء على أساسها، وبما تقتضيه من توسع وسيطرة. ومن ضمن ذلك التطور في الصناعات الحربية، وخلق مسافة كبيرة من حيث ميزان القوى العسكري يجعلها متفوقة في كل الأحوال.
لهذا تبلور الاختلال في العلاقة بين المراكز الرأسمالية والأطراف، حيث أن منع تطور الأطراف صناعيا فرض عليها أن تستورد سلعها الصناعية من المراكز، وأصبحت مجالا لنهب المواد الأولية، وتكييف الزراعة بما يخدم الصناعة في المراكز الرأسمالية، ومن ثم تصدير الرأسمال لكي ينهب هذه البلدان التي كانت متخلفة نتيجة أسبقية تطور أوروبا وباتت مخلفة بفعل فرض مصالح الرأسمالية ذاتها. ولم يعد أمامها من طريق لتجاوز تخليفها إلا التمرد على منطق الرأسمال.
- الاقتصاد البديل
هذا ما يجب أن نركز عليه الآن، وللبحث في هذا الأمر مستويان، الأول يتعلق بالتطور، والثاني يتعلق بمن هو معني بتحقيق التطور، ومن أن مصالحه تفرض ذلك. في المستوى الأول لا بد من البحث في قوى الإنتاج، التي ستكون أساس النمط الاقتصادي الذي يسمح بتحقيق “وفرة” هي أساس تحقيق “العدالة الاجتماعية”. وفي المستوى الثاني لا بد من البحث في الطبقات التي تتطابق مصالحها مع المصلحة المجتمعية العامة، وبالتالي تهيئ لتحقيق التطور الجذري، في الوقت التي تحقق مطالبها هي ومجمل المطالب المجتمعية. بمعنى أنه يجب تأسيس النمط الاقتصادي الذي يوجد الفائض، والطبقة التي تكرس المساواة في توزيع الثروة (مع ملاحظة نسبية المساواة في البدء)، والتي هي أصلا ضرورة لبناء اقتصاد منتج.
البديل الاقتصادي
تلمست قبلا وضعية الاقتصاد القائم، فقد أدت التحولات الليبرالية منذ سبعينات القرن العشرين الى تدمير الصناعة التي نشأت قبلا، وما بقي هو محدود ويجري تدميره، لكنها أدت كذلك بعد تحرير الاقتصاد الى تدمير البنى الأساسية في الزراعة بعد أن باتت المراكز الرأسمالية معنية بتصدير زراعتها. وبهذا تدمرت قوى الإنتاج التي نشأت خلال عقود وقرون سابقة، لمصلحة اقتصاد ريعي أساسه العقارات والخدمات والتجارة والسياحة والبنوك وأسواق الأسهم. ويعتمد آليات النهب التي تطال الأرض وشركات الدولة والمرافق العامة، تقوم بها مافيا محلية هي الشكل الجديد للرأسمالية، بعد الكومبرادور، أُطلق عليها رأسمالية المحاسيب[23]، بالترابط مع الطغم المالية العالمية. وهو ما أدى الى غياب إنتاج الفائض، ونهب الثروة الوطنية، والتهميش، وتخلي الدولة عن كل ما كانت تقوم به.
بالتالي تشكل اقتصاد غير منتج، يستوعب جزءا محدودا من القوى العاملة، ولا يوفر إمكانية لأجور تناسب الأسعار. الأمر الذي عمم الفقر والبطالة، والعجز الكبير في الميزان التجاري، وخروج الأموال الى المراكز الرأسمالية.
لهذا فإن البديل الاقتصادي يجب أن يحقق الحل لكل ذلك، وهذا يفرض الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الإنتاج، وهو الأمر الذي يفرض تحقيق التالي:
- إيجاد وسائل الإنتاج التي تستوعب العمالة، بحيث تحل مشكلة البطالة، وتستوعب النمو السكاني من حيث دخول أعداد متزايدة الى سوق العمل سنويا.
- حل مشكلة الاستيراد، وعجز الميزان التجاري، بحيث يتراجع الاستيراد نتيجة إنتاج السلع الصناعية والزراعية محليا.
- توفير فائض قيمة يسمح بتحقيق التوازن بين الأجور والأسعار، والتوسع في تطوير الاقتصاد.
حيث يجب أن يتأسس اقتصاد منتج كبديل عن الاقتصاد الريعي، ويسمح بتوظيف الفائض الاقتصادي في توسيع الإنتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهو الأمر الذي يعني أولا، بناء وسائل إنتاج تحقق قيام اقتصاد حقيقي، وثانيا، يبقي الفائض الاقتصادي في حدود الوضع المحلي (القومي). من هذا المنظور جرت الإشارة المتكررة الى الصناعة، ومحوريتها في كل اقتصاد حديث ومنتج، بعد أن باتت الحاجة البشرية تعتمد بشكل كبير على المنتجات الصناعية، وباتت الزراعة تعتمد على المكننة كذلك. وبهذا لا بد من أن يكون هدف بناء الصناعة محوريا في كل مشروع بديل، وأساسيا في إعادة بناء كلية التكوين المجتمعي. فالصناعة هي وسيلة الإنتاج الأساسية في الوقت الراهن، رغم كل ما يقال عن تراجع موقعها في الناتج المحلي الإجمالي، وضعف التوظيف فيها. فكل ذلك ليس حقيقيا، من زاوية أنه التعبير عن أزمة الرأسمالية التي بات التوظيف المالي هو المسيطر في مجمل الاقتصاد الرأسمالي. والذي يشير الى “نهاية العمل” كما يستنتج بعض المفكرين[24]، أو يطرح التساؤل حول “مستقبل العمل”[25] تأسيسا على ذلك. رغم أن هذه الحالة تعبر عن أزمة الرأسمالية وليس عن تطور طبيعي فيها، بالضبط نتيجة التحول المالي الذي بات يحكمها. وهذا التحول هو الذي يزيد من نسب البطالة عالميا، ويوسع من تهميش مجتمعات بأكملها لكي يكون العالم هو “مجتمع القلة الغنية”، ويُدفع الباقي الى “الموت” من خلال أشكال متعددة من القتل والأمراض والحروب، ومن خلال الفقر والتهميش.
إن محور كل سياسة اقتصادية تريد تحقيق الرفاه لشعوب الأطراف يجب أن ينطلق من بناء اقتصاد منتج محوره الصناعة، لأنها وسيلة الإنتاج المركزية اليوم، حيث توفر فرص العمل والفائض الاقتصادي الذي يسمح بتوسعها من جهة، وبتحقيق رفاه للعمال وللمجتمع عموما، وكذلك يقلص بشكل كبير الاعتماد على الاستيراد. ولا شك في أن هذا الميل يتناقض مع منظور الرأسمالية الإمبريالية التي سعت “منذ أن نشأت الرأسمالية كنظام عالمي…. لأن تُخضع العالم أجمع لمتطلبات نموها وشروط حركتها”،[26] حيث وقفت ضد تصنيع الأطراف لكي تحقق الحد الأقصى من نهب الفائض الاقتصادي. [27] بالتالي فإن بناء الصناعة يفترض حتما “القطع” مع النمط الرأسمالي العالمي، سواء نتيجة “المعركة” من أجل بناء الصناعة، أو نتيجة منع نهب الفائض الاقتصادي الذي يجب أن يصب في بناء الصناعة وتوسعة ذلك، وكذلك في إعادة بناء كلية الاقتصاد وتحقيق رفاه المجتمع.
هذا الأمر كان يدفع الى طرح أفكار عديدة حول طبيعة النمط الاقتصادي البديل، وحول الأساس الذي يجب أن يقوم عليه. فقد طرحت أفكار كثيرة حول “التنمية المستقلة”،[28] أو الاقتصاد المتمحور على الذات[29]، أو كما أشرت قبلا “الاعتماد على الذات”، وهذا ما يتناوله د. رمزي زكي الذي ينطلق من أن “استراتيجية الاعتماد على الذات” هي “نسق اقتصادي اجتماعي سياسي متكامل. [30] وهي “نفي للتبعية، وتحقيق للتنمية المستقلة، وتوفير درجة مرتفعة للعدالة الاجتماعية”. [31] وانطلاقا من ذلك يطرح رؤيته التي تقوم على التالي:
“1 – السيطرة على الموارد والثروات الطبيعية للبلاد.
2 – توفير النمط الإنتاجي المؤهل لقيادة تلك الاستراتيجية.
3 – التعبئة القصوى للفائض الاقتصادي ومركزته.
4 -تحقيق الثورة الزراعية.
5 – التصنيع الموجه لإشباع الحاجات الأساسية للسكان.
6 – المشاركة الشعبية.
7 – اختيار التكنولوجيا الملائمة”. [32]
ويلمح د. رمزي الى الشكل الناجح في تحقيق التطور حين يشير الى التجارب الاشتراكية، حيث يعتبر أنها الأسبق في “الاعتماد على الذات”، وسابقة على كل “الفكر التنموي المعاصر”، “فقد اعتمد تطبيق هذه الاستراتيجية في هذه الدول على النظام السياسي المستند الى الفلسفة الاشتراكية، وعلى التعبئة الأيديولوجية، والحشد المنظم للموارد، وعلى التخطيط الشامل، وإشباع الحاجات الأساسية للجماهير”،[33] ورغم كل الملاحظات التي يمكن أن نوردها حول التجربة الاشتراكية، وهي كثيرة، فقد كانت الشكل الأفضل في تحقيق التطور، ونقل مجتمعات من التخلف إلى الحداثة.
الطبقات والتطور
ربما كان إيراد نص د. رمزي مؤشرا الى البديل الطبقي. فما يعترض تحقيق بناء صناعة وتطوير الاقتصاد هو الهيمنة الإمبريالية التي فرضت انقسام العالم الى مراكز وأطراف، وأن تكون الأطراف خاضعة لمتطلبات الرأسمالي في المراكز، الذي كان ولا زال يريد منافسا صناعيا لأنه يريد المواد الأولية والأسواق، ونهب الفائض الاقتصادي في تلك الأطراف الذي هو ضرورة له. لهذا فإن “القطع” مع النمط الرأسمالي، أو يمكن القول بشكل أقل حدة ضبط العلاقة الاقتصادية مع النمط الرأسمالي، هو ضرورة لكي يكون ممكنا بناء اقتصاد منتج وحقيقي. إن وضع المسألة بهذا الشكل يوضح عمق التناقض القائم بين مصالح الرأسمال الإمبريالي ومصالح الشعوب، وأن الأمر يتعلق بصراع عميق وحاد بين خيارين متناقضين بشدة، هما: الاقتصاد الرأسمالي الذي يقوم على “السوق الحرة”، وحرية التجارة ورأس المال والاستثمار، وهي الصيغة التي يفرضها الرأسمال الإمبريالي لأنها جزء من وجوده، ومن استمراره عبر تعظيم التراكم الرأسمالي عن طريق نهب الفائض الاقتصادي في الأطراف. هذا أولا، وثانيا الميل للتحرر من سطوة الرأسمال الإمبريالي من أجل بناء اقتصاد “مستقل”، و”متمحور على الذات”، يبدأ ببناء الصناعة التي هي أساس بناء تكوين مجتمعي مستقل ومتطور، وهذا يفترض التناقض الجذري مع النمط الرأسمالي ذاته، وليس فقط لمس شكل العلاقة القائمة، أو تحسين التبعية.
هنا لا تكون “الحلول الوسط” ممكنة، بالضبط كما فعلت الفئات الوسطى في تجارب “نظم التحرر الوطني”، بل أن القطع مع الآليات الرأسمالية هو ضرورة. أي تجاوز حرية السوق بالتحديد، والتفكير بالمشروع المجتمعي وليس بمصالح طبقة تريد الترسمل. ولهذا ليس من الممكن أن يتحقق التطور إلا بتجاوز الرأسمالية، وبالتالي من خلال الطبقة التي تريد تجاوز الرأسمالية، لأنها النقيض الجذري لها. هذا الأمر هو الذي يفرض أن تقوم الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء أساسا، وبالتحالف مع كل المفقرين من الفئات الوسطى، بتحقيق التغيير الذي يفتح الأفق لبناء الاقتصاد الحقيقي. ليست الرأسمالية أو البرجوازية الصغيرة هي القادرة على تحقيق التطور في الأطراف، فالأولى تابعة والثانية تبحث عن مصالحها الخاصة، وهذا ما ظهر خلال عقود من محاولات التطور، حاولت أطراف برجوازية ذلك، ومن ثم قامت فئات وسطى به، لكن كان الفشل هو النتيجة الحتمية.
ربما أن ذلك يعيد التذكير بالتجارب الاشتراكية، ورغم كل ما أفضت إليه فلا شك أنه الخيار الوحيد. ولكن الآن، لا بد من إعادة فهم التجربة والإفادة من كل مشكلاتها.
خاتمة:
كنتيجة لكل ما سبق يمكن التأكيد على أن الاقتصاد البديل يفرض:
أولا: سيطرة المفقرين على السلطة وإنهاء سيطرة الرأسمالية القائمة.
ثانيا: إدخال الدولة كعنصر مركزي في التطور الاقتصادي.
ثالثا: أن تكون الصناعة هي المسألة الأساسية في البناء الاقتصادي.
فما يجب أن يتسم به الاقتصاد البديل هو التالي:
1) أن يكون منتجا، أي أن يقوم على بناء قوى إنتاج، والصناعة هنا هي المركز.
2) أن يحقق تراكما رأسماليا، وأن يحافظ على هذا التراكم في الإطار “القومي”.
3) بالتالي لا يسمح بهروب التراكم، سواء عبر تصديره من قبل الرأسماليين، أو عن طريق نشاط شركات عالمية، أو عبر العجز في الميزان التجاري.
4) الدولة هي المستثمر، بالضبط لأن الرأسمال الخاص يهرب من الاستثمار في المشروعات الكبيرة، ومن الرأسمال الثابت، وبالتالي المشروعات المنتجة، خصوصا في الصناعة.
5) الدولة هي الضابط للعلاقة مع السوق العالمي، وهي التي تفاوض الشركات والدول، وتُحدد طبيعة العلاقة التي تخدم التطور المحلي (القومي).
6) يمكن أن ينشط الرأسمال الخاص ضمن هذه الشروط فقط.
الاقتصاد البديل يفرض بناء بديل اقتصادي يتجاوز الرأسمالية بالضرورة، هذه مسألة جوهرية تتعلق بإمكانية تحقيق التطور الذي يبدأ ببناء الصناعة، وتشكيل مجمل الاقتصاد والمجتمع على أساسها. وهو لن يتحقق في ظل الرأسمالية، التي تنفي كل ممكنات التطور في الأطراف، بل بتجاوزها. وبالقوى الطبقية التي تريد تجاوز الرأسمالية.
المراجع:
- لينين “خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية” دار التقدم موسكو، د. ت.
- سلامة كيلة “أزمة الاشتراكية، دراسة في تجربة القرن العشرون” خطوات للنشر والتوزيع، دمشق، ط1/2010.
- سلامة كيلة “التطور المحتجز، مأزق التطور الرأسمالي، الماركسية ومسألة التطور في الوطن العربي” روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، ط2/2015.
- سامية إمام “من يملك مصر،” دار المستقبل العربي، القاهرة، ط1
- سلامة كيلة، الرأسمالية والعدالة الاجتماعية: النمط الاقتصادي الرأسمالي القائم ينفي العدالة الاجتماعية، في: مجموعة “العدالة الاجتماعية بين الحراك الشعبي والمسارات السياسية في البلدان العربية” الناشران، منتدى البدائل العربي للدراسات ومنظمة روزا لوكسمبورغ، ط1/ 2016.
- ماركس “أصل رأس المال” دار التقدم موسكو.
- لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” دار التقدم، موسكو.
- سمير أمين “التطور اللا متكافئ، دراسة في التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية المحيطية” دار الطليعة، بيروت، ط2/ 1978.
- سمير أمين التراكم على الصعيد العالمي، نقد نظرية التخلف” دار ابن خلدون، بيروت، د. ت.
- مارتن خور “العولمة: إعادة نظر، قضايا خطيرة وخيارات استراتيجية” الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1/ 2003.
- سلامة كيلة “الإمبريالية في مرحلتها المالية” منشورات المتوسط، ميلانو، ط1/2016.
- ماركس وإنجلز “البيان الشيوعي” دار الجمل، بيروت، ط1/
- ماركس وإنجلز، مختارات
- فريدريك إنجلز “الاشتراكية: الطوباوية والعلم”، دار الفارابي، بيروت، ط1/2013.
- بودوسيتنيك وسبيركين “المادية التاريخية” منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ط11979.
- موريس كونفورث “مدخل الى المادية الجدلية” دار الفارابي، بيروت، ط5/ 2015.
- جورج بوليتزر، جي بيس، موريس كافين “أصول الفلسفة الماركسية” ج2، منشورات المكتبة العصرية/ صيدا، بيروت، د. ط، د. ت.
- سلامة كيلة “التاريخ كصيرورة، أنماط الإنتاج في التاريخ العالمي، نقد النظرية الماركسية حول أنماط الإنتاج” دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1/ 2011.
- سلامة كيلة “من هيجل الى ماركس، التصور المادي للتاريخ” دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1/ 2010.
- د. محمود عبد الفضيل “رأسمالية المحاسيب، دراسة في الاقتصاد الاجتماعي” الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2011.
- جيرمي ريفكن “نهاية العمل” دار الفارابي، بيروت، ط1
- جاك أتالي (تحت إشراف) “مستقبل العمال” ترجمة حسن مصدق، الدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت، ط1/2008، ط3/2010.
- د. رمزي زكي “الاعتماد على الذات، بين الأحلام النظرية وضراوة الواقع والشروط الموضوعية” دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، ط1/1987.
- إسماعيل صبري عبد الله “نحو نظام اقتصادي عالمي جديد: دراسة في قضايا التنمية والتحرير الاقتصادي والعلاقات الدولية” الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1/ 1977.
- فؤاد مرسي” التخلف والتنمية -دراسة في التطور الاقتصادي”، القاهرة، مكتبة عين شمس، ط1/ 1984
- فؤاد مرسي “أزمة التنمية الاقتصادية العربية”، بغداد، دار الثورة، تاريخ النشر،1979.
- محمد دويدار “الحركة العامة للاقتصاد في نصف قرن –رؤية استراتيجية- بين التبعية واقتصاد تجارة الشنطة” إصدارات سطور جديدة، ط1/2010.
[1] لينين “خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية” دار التقدم موسكو، د. ت، ص 36/51.
[2] سلامة كيلة “أزمة الاشتراكية، دراسة في تجربة القرن العشرون” خطوات للنشر والتوزيع، دمشق، ط1/2010.
[3] سامية إمام “من يملك مصر، دراسة تحليليه للأصول الاجتماعية لنخبه الانفتاح الاقتصادي في المجتمع المصري” دار المستقبل العربي، القاهرة، ط1/1986.
[4] سلامة كيلة، الرأسمالية والعدالة الاجتماعية: النمط الاقتصادي الرأسمالي القائم ينفي العدالة الاجتماعية، في: مجموعة “العدالة الاجتماعية بين الحراك الشعبي والمسارات السياسية في البلدان العربية” الناشران، منتدى البدائل العربي للدراسات ومنظمة روزا لوكسمبورغ، ط1/ 2016.
[5] كارل ماركس، “أصل رأس المال”، دار التقدم، موسكو، 1970.
[6] لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” دار التقدم، موسكو، 1970، ص87-95.
[7] لينين، الإمبريالية، المرجع نفسه، ص95-124.
[8] سمير أمين “التطور اللا متكافئ، دراسة في التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية المحيطية” دار الطليعة، بيروت، ط2/ 1978.
[9] سمير أمين “التراكم على الصعيد العالمي”، نقد نظرية التخلف” دار ابن خلدون، بيروت، د. ت. ص239
[10] مارتن خور “العولمة: إعادة نظر، قضايا خطيرة وخيارات استراتيجية” الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1/ 2003، ص102.
[11] سلامة كيلة “الإمبريالية في مرحلتها المالية” منشورات المتوسط، ميلانو، ط1/2016.
[12] مارتن خور “العولمة: إعادة نظر، قضايا خطيرة وخيارات استراتيجية” الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1/ 2003، ص101-122.
[13] ماركس/ إنجلز “البيان الشيوعي” دار الجمل، بيروت، ط1، ص40.
[14] إنجلز، خطاب على قبر ماركس، المجلدات المختارة ج3، ص124.
[15] فريدريك إنجلز “الاشتراكية: الطوباوية والعلم” دار الفارابي، بيروت، ط1/2013. ، ص122.
[16] بودوسيتنيك وسبيركين “المادية التاريخية” منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ط 11979، ص21
[17] موريس كونفورث “مدخل الى المادية الجدلية” دار الفارابي، بيروت، ط5، 2015، ص238
[18] جورج بوليتزر، جي بيس، موريس كافين “أصول الفلسفة الماركسية” ج2، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، د. ط، د. ت، ص14.
[19] سلامة كيلة “التاريخ كصيرورة، أنماط الإنتاج في التاريخ العالمي، نقد النظرية الماركسية حول أنماط الإنتاج” دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1/ 2011، ص163-164.
[20] سلامة كيلة “من هيجل الى ماركس، التصور المادي للتاريخ” دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1/ 2010.
[21] سلامة كيلة “من هيجل الى ماركس، التصور المادي للتاريخ”، نفس المرجع، ص126.
[22] ماركس وإنجلز، بيان الحزب الشيوعي، ص47-48.
[23] د. محمود عبد الفضيل “رأسمالية المحاسيب، دراسة في الاقتصاد الاجتماعي” الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2011، ص 75-92.
[24] جيرمي ريفكن “نهاية العمل” دار الفارابي، بيروت، ط1/2009.
[25] جاك أتالي (تحت إشراف) “مستقبل العمال” ترجمة حسن مصدق، الدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت، ط1/2008، ط3/2010.
[26] د. رمزي زكي “الاعتماد على الذات، بين الأحلام النظرية وضراوة الواقع والشروط الموضوعية” دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، ط1/1987. ص27.
[27] د. رمزي زكي، المصدر ذاته، ص78.
[28] فؤاد مرسي” التخلف والتنمية -دراسة في التطور الاقتصادي”، القاهرة، مكتبة عين شمس، ط1/ 1984
وأيضا، فؤاد مرسي ”أزمة التنمية الاقتصادية العربية “بغداد، دار الثورة، 1979
[29] محمد دويدار “الحركة العامة للاقتصاد في نصف قرن -رؤية استراتيجية- بين التبعية واقتصاد تجارة الشنطة” اصدارات سطور جديدة، ط1/2010.
[30] د. رمزي زكي، المصدر السابق، ص113
[31] د. رمزي زكي، المصدر ذاته، ص114
[32] د. رمزي زكي، المصدر ذاته، ص115
[33] المصدر ذاته ص17