واقع وأفاق البطالة في الوطن العربي

واقع وأفاق البطالة في الوطن العربي

ورقة مشاركة في:

الملتقـى الدولي حـــول

” إستراتيجية الحكومة للقضاء على البطالة و تحقيق التنمية المستدامة “

الذي نظمته: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير

مخبر الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية في الجزائر

جامعة المسيلة

خلال الفترة 15-16 نوفمبر 2011م

الملخص:

تعتبر ظاهرة البطالة من بين أكبر التحديات التي تواجه اقتصاديات دول العالم رغم اختلاف أنظمتها الاقتصادية والسياسية من جهة، ومستوى تقدمها من جهة أخرى، حيث تشير أغلب الإحصائيات المتاحة إلى تزايد معدلات الظاهرة لاسيما في الدول العربية، وهذا راجع إلى تشابك وتداخل جملة من التحديات والأسباب منها ما يتعلق بإعادة الهيكلة الاقتصادية وتراجع الاستثمارات الأجنبية، فضلا عن تباطؤ النمو الاقتصادي الذي يصاحبه تزايد نمو الحجم السكاني، ناهيك عن عدم توافق شباب حاملي الشهادات العلمية مع متطلبات سوق العمل. وعليه تسعى أغلب الدول خاصة العربية منها إلى التقليل من آثار ظاهرة البطالة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية، فضلا عن تحديد السياسات، البرامج والإجراءات العربية لمواجهة هذه الظاهرة.

وعليه تهدف هذه المداخلة إلى توضيح أهم المفاهيم المتعلقة بالبطالة، أسبابها وآثارها، مع تحديد أهم الأساليب، الإجراءات والحلول المطبقة لعلاجها.

Abstract :

The unemployment phenomenon is one of the biggest challenges facing the economies of the world, although differences in their economic and political systems, and their level of progress. Most of the available statistics indicate the growing rates of the phenomenon, especially in the Arabic countries, which is due to many complicated and interrelated challenges and reasons, such as the economic restructuring, decline of foreign investments, slowing economic growth accompanied by increased growth of population size, and the incompatibility of young graduates with the requirements of the labor market. As a result most countries, especially Arab ones, seek to reduce the effects of the phenomenon of unemployment, whether social or economic, by identifying policies, programs and procedures to decrease unemployment rates.
Accordingly, this article aimed to clarify the most important concepts related to the unemployment, its causes and effects, and to identify the most important methods, procedures and applicable solutions to solve them.

 

واقع وآفاق البطالة في الوطن العربي

مقدمة

على ضوء التطورات الدولية المتسارعة خاصة مع تزايد بروز سمات الأزمة العالمية الراهنة و امتداد أثرها إلى معظم أنحاء العالم، و مع إحداث تغيرات في المفاهيم الاقتصادية و أساليب أنماط العمل و مكونات الإنتاج أصبح يعد تفاقم مشكلة البطالة اكبر تحدي تواجهه اغلب بلدان العالم و لاسيما العربية منها في الحاضر و على المدى البعيد.

و تمثل إشكالية البطالة أحد المواضيع التي لاقت بشكل رئيسي اهتمام الباحثين في كل المجالات خاصة الاجتماعي و الاقتصادي ، و هذا لما لها اثر بارز، حيث تعمل العديد من الهيئات و المنظمات العربية و الدولية على معالجة هذه المشكلة و الحد من تأثيراتها السلبية، من خلال تسطير برامج و خطط و سياسات تعمل على توطين الوظائف ، بناء على ذلك سيتم تحديد المفاهيم الأساسية المتعلقة بموضوع البطالة عامة، و في الوطن العربي خصوصا من خلال النقاط الموالية:

أولا : السياق النظري لمشكلة البطالة؛

ثانيا: الإطار العام لمشكلة البطالة في الوطن العربي؛

ثالثا: آثار مشكلة البطالة و السياسات و البرامج المتبعة لحلها في الوطن العربي؛

رابعا: الرؤية المستقبلية لمشكلة البطالة في الوطن العربي.

أولا : السياق النظري لمشكلة البطالة

تعد البطالة ظاهرة طبيعية في أي اقتصاد ، حيث ترتبط عادة و بشكل عام بحالة الدورة الاقتصادية لآي بلد، و قد عرف الأدب الاقتصادي العديد من المفاهيم و الأنواع لظاهرة البطالة ، و التي سيتم توضيحها من خلال هذا العنصر.

  • تعريف البطالة

تحديد تعريف البطالة تحديدا شاملا و دقيقا أمر ليس سهلا ، فعلى الرغم من سهولة إدراك الناس للعاطلين عن العمل ، إلا أن محاولة التحديد العلمي و العملي لهذا التعريف تواجه صعوبات و اختلافات عديدة .

التعريف الأول

تعرف البطالة على أنها: ” الحالة التي يبحث فيها الفرد بدرجة كافية عن العمل المدفوع الأجر، و لكنه لا يجده لأن عدد الأفراد يفوق عدد الوظائف الشاغرة أو المعلن عنها”1.

التعريف الثاني

حددت منظمة العمل الدولية تعريف البطالة بأنها: ” عدم توافر العمل لشخص راغب فيه و قادر على أداء مهنة تتفق مع استعداده”2.

بناء على التعريفين السابقين البطالة هي الحالة التي يكون فيها الفرد قادرا على العمل و راغبا فيه و يبحث عنه و يقبله عند مستوى الأجر السائد و لكن دون جدوى.

  • أشكال البطالة

تتفق معظم الدراسات الاقتصادية و الاجتماعية التي تناولت ظاهرة البطالة أن أشكالها تتعدد و تتغير بناء على معيار التصنيف المتبع، و تتمثل أهم هذه الأشكال في:

2-1- معيار حسب نمط التشغيل

تقسم البطالة حسب هذا المعيار إلى ثلاث أشكال على النحو الموالي3:

2-1-1- البطالة السافرة

يقصد بها حالة التعطل الظاهر التي يعاني منها جزء من قوة العمل المتاحة ، أي وجود عدد من الأفراد القادرين على العمل و الراغبين فيه و الباحثين عنه عند مستوى الآجر السائد دون جدوى ، و لذا فهم في حالة تعطل كامل لا يمارسون أي عمل لفترة قد تطول أو تقصر حسب ظروف الاقتصاد القومي ، مثل بطالة الخريجيين؛

2-1-2-البطالة الجزئية أو نقص التشغيل

يقصد بها الحالة التي يمارس فيها الشخص عملا ، و لكن لوقت اقل من وقت العمل المعتاد أو المرغوب ، و من ثم فهي تتضمن في معناها الواسع وجود جماعة من الأفراد يعملون لساعات عمل أو أيام اقل مما هو مرغوب ، و يعملون من خلال عقود تختلف عما هو مرغوب ، و يعملون في أماكن غير مناسبة للتشغيل ، كما يكون إنتاجهم عادة اقل من الأعمال الأخرى ؛

2-1-3- البطالة المقنعة

هي الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العمال على نحو يفوق الحاجة الفعلية للعمل ، و من ثم يكون إنتاجهم أو استغلال مهاراتهم و قدراتهم على نحو متدن.

2-2- معيار حسب طبيعة النشاط الاقتصادي السائد

تنقسم البطالة حسب هذا المعيار إلى4:

2-2-1- البطالة الاحتكاكية

هي الحالة التي تحدث عندما يتعطل بعض الأفراد ، مع ما قد يكون من طلب على العمال لم يتم إشباعه بعد، لان هؤلاء العمال المتعطلين غير مؤهلين لسد حاجة هذا الطلب ، و ينشأ عادة هذا النوع من البطالة بسبب إحلال الآلات محل العمال في بعض الصناعات ، أو لصعوبة تدريبهم على الأعمال التي يسبق لهم التدريب عليها ، و التي يتزايد الطلب عليها في سوق العمل ؛

2-2-2-البطالة الدورية

هذا الشكل من البطالة يظهر و يختفي بشكل دوري و ذلك طبقا لوجود أو غياب نشاط اقتصادي معين خلال السنة كما هو الحال للعمالة المرتبطة بالنشاط السياحي أو النشاط الزراعي، و كذلك ترتبط بحالة النشاط الاقتصادي من رواج و كساد؛

2-2-3- البطالة الهيكلية

هذا الشكل من البطالة يرتبط بطبيعة الهيكل الاقتصادي للدولة و المتغيرات التي تطرأ عليه ، مع إجراء تعديلات جوهرية في الخطة الاقتصادية أو تعديل مبادئ و سياسات النظام الاقتصادي السائد ، فهذه التحولات تؤدي إلى وجود آليات جديدة بكل من أسواق السلع و الخدمات و كذلك أسواق العمل ، حيث يمكن أن تتغير الأنماط الإنتاجية أو الاستهلاكية ، و هو ما يمكن أن يفرض ظهور حالات بطالة.

2-3- معيار حسب طبيعتها الخاصة

حسب هذا المعيار تنقسم البطالة إلى5:

2-3-1- البطالة الاختيارية

هذا النوع يطلق على كل من هو قادر على العمل سواء كان يمارس عمله بالفعل ثم اختار بإرادته ترك العمل كمن يستقيل من عمله سواء للراحة أو للبحث عن فرص أفضل من حيث الدخل ، أو سهولة أداء الأنشطة المكلف لها ، و كذلك من يطلب الخروج بأسلوب المعاش المبكر باختياره دون إجبار و هو ما يحدث في بعض سياسات خصخصة القطاع العام في الدول التي تتحول من النظم الاشتراكية إلى اقتصاديات السوق؛

2-3-2-البطالة الإجبارية

يقصد بها الحالة التي يتعطل فيها العامل من غير إرادته أو اختياره ، و تحدث عن طريق تسريح العمال بشكل إجباري مع أن العامل راغب في العمل و قادر عليه و قابل لمستوى الآجر السائد ، و هذا الشكل من البطالة يسود بشكل واضح في مراحل الكساد الدوري في الدول الصناعية أو في حالة خصخصة المنشآت العامة في الاقتصاد القومي .

بناء على ما سبق البطالة هي عدم توافر العمل لشخص قادر عليه و راغب فيه ، حيث تتعدد أشكالها إما حسب نمط التشغيل ، أو طبيعة النشاط الاقتصادي السائد ، أو طبيعة البطالة الخاصة و هذا في كل بلدان العالم ،و سيتم من خلال العنصر الثاني تقديم الإطار العام لمشكلة البطالة في الوطن العربي.

ثانيا : الإطار العام لمشكلة البطالة في الوطن العربي

تعد مشكلة البطالة من اخطر المشاكل التي تهدد استقرار و تماسك الوطن العربي، و تتعدد خصائص هذه المشكلة من منطقة إلى أخرى، فضلا عن الأسباب الرئيسية التي تساهم في زيادة تفاقمها، كل هذا سيتم توضيحه في هذا العنصر.

تسجل البطالة في الدول العربية أعلى معدلات لها في العالم ، فحوالي 60% من العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب الأقل من 25 سنة ، فحسب تقرير مجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية الذي صدر سنة 2008 تقدر نسبة البطالة في البلدان العربية ما بين 22% و 27% من مجموع القوى العاملة ، أما تقرير منظمة العمل الدولية فقد قدر متوسط نسبة البطالة في الوطن العربي 19.65% ، حيث أن كل ارتفاع لمعدل البطالة نسبة 1% يؤدي إلى إحداث خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5% أي نحو 115 مليار دولار ، و تتباين معدلات البطالة في الدول العربية الآسيوية عن الدول العربية الإفريقية ، حيث تقدر بـ 13.8% بالنسبة لأولى و 16.1% بالنسبة للثانية و هذا حسب تقرير مجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية سنة 2008، و حسب إحصائيات المكتب المركزي لإحصاء لسنة 2010 فقد قدرت نسبة البطالة في الجزائر بـ 10%، تونس 13%، مصر 8.9%، سوريا 8.4% 6 .

و تجدر الإشارة انه لم تعد هناك دول محصنة ضد مشكلة البطالة و أن هذه الأخيرة أكثر تفشيا بين فئة الشباب الحاملين للشهادات العلمية، حيث أصبحت مؤسسات التعليم و التدريب كمولد لهذه المشكلة فقد انتشرت هذه الظاهرة في العديد من الدول العربية.

  • خصائص البطالة في الوطن العربي

تتميز البطالة في الوطن العربي بخاصيتين أساسيتين، هما7:

  • زيادة نسبة البطالة بين الشباب و خاصة المتعلمين : حيث يتميز الوطن العربي بصغر سكانه ، إذ أن ثلثه لم يبلغ سن الثلاثين ،ويتسم بعنصر شبابي أكثر تعلما تفوق توقعاته طموحات الأجيال السابقة ، لكن في نفس الوقت تطال البطالة هذا الشباب بنسب كبيرة ، و هذا لعدم توافق تعليمها لما هو موجود في سوق العمل ؛
  • زيادة بطالة العنصر النسائي : ليست الزيادة في العنصر الشبابي هي الخاصية الوحيدة للعمالة في الوطن العربي، و لكن هناك تزايد في بطالة العنصر النسائي أيضا ، في حين كانت نسبة مشاركة النساء العربيات في اليد العاملة هي الأكثر انخفاضا في العالم ، حيث بدأت هذه النسبة بالتزايد بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة ، إلا أن التزايد يتزامن مع انخفاض في فرصهن للعمل ، فضلا عن ذلك فان معدل البطالة لدى النساء أعلى من معدل البطالة لدى الرجال بـ35% و هذا حسب إحصائيات سنة 2008، و تتسع هذه الهوة بين الجنسين بشكل ملحوظ في دول كل من البحرين ، سوريا، مصر، المملكة العربية السعودية حيث يبلغ معدل البطالة لدى النساء ضعفي إلى ثلاثة أضعاف معدل البطالة لدى الذكور .
  • أسباب البطالة في الوطن العربي

هناك جملة من الأسباب التي ساهمت في تفاقم مشكلة البطالة في الوطن العربي يتمثل أهمها في8:

2-1- الأسباب الاقتصادية

تتمثل الأسباب الاقتصادية المصاحبة لظهور مشكلة البطالة في الوطن العربي في:

  • فشل خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية و هذا راجع إلى جمود هيكلها الاقتصادي و تأخرها في الجهود الإنمائية و الصناعية؛
  • تباطؤ معظم الدول العربية في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي و فشل سياستها الاقتصادية في توفير وظائف؛
  • فشل برامج التخطيط الاقتصادي الأمر الذي أدى إلى تفاقم أزمة المديونية الخارجية و هروب رؤوس الأموال العربية إلى الخارج؛
  • غياب التخطيط الاقتصادي المنهجي و عدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع حاجات سوق العمل الفعلية؛
  • تبعات تنفيذ برامج الخصخصة و ما انجر عنه من تسريح أعداد كبيرة من العمال في مؤسسات القطاع العام؛
  • استنزاف معظم الموارد المالية العربية الأمر الذي أدى إلى تقليص الاستثمارات و التوسع الاقتصادي ، و نتج عن ذلك انخفاض في إنشاء مناصب عمل.
  • توجه أغلب المؤسسات إلى استخدام الرأسمال التقني تماشيا مع التقدم التكنولوجي خاصة بعد تفاقم آثار الثورة العلمية و التكنولوجية إلى العمالة من خلال إحلال الآلة محل العامل البشري الأمر الذي أدى إلى انخفاض الطلب على عنصر العمل البشري.

2-2- الأسباب الاجتماعية

هناك جملة من الأسباب الاجتماعية ساهمت في زيادة نسبة البطالة في الوطن العربي يتمثل أهمها في:

  • ارتفاع معدلات النمو السكاني في الوطن العربي الأمر الذي أدى إلى زيادة العدد السكاني و بالتالي عدم القدرة على استثمارهم في عملية الإنتاج يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة؛
  • البعد الطبقي حيث نجد أن هناك شريحة من المجتمع و هي في الغالب من الأثرياء أين يوجد بها من لا يعبأ بالعمل خاصة في دول الخليج؛
  • يؤثر التعليم و مستوياته في سوق العمل ، خاصة أن جميع الدول العربية لا تتناسب مستويات تعليمها مع احتياجات سوق العمل.

خلاصة القول أن التزايد المطرد لمشكلة البطالة في الوطن العربي يرجع إلى أسباب اقتصادية و اجتماعية حملت في ثناياها خصائص معينة، و فيما يلي سيتم التركيز على آثار هذه المشكلة في الوطن العربي و البرامج المسطرة لحلها.

ثالثا: آثار مشكلة البطالة و السياسات و البرامج المسطرة لحلها في الوطن العربي

تمثل البطالة مشكلة مشتركة و ظاهرة باتت بحاجة ماسة إلى التعاون العربي الدولي لتجنب أثرها السلبي على التنمية الاقتصادية و السلم الاجتماعي في الوطن العربي، و سيتم توضيح ذلك من خلال هذا العنصر.

  • آثار مشكلة البطالة في الوطن العربي

تبرز آثار مشكلة البطالة في الوطن العربي من خلال9:

1-2- الآثار الاقتصادية

هناك جملة من الآثار الاقتصادية لمشكلة البطالة تتمثل في :

  • ضعف الإنتاج في الوطن العربي و هذا لعدم وجود تنويع في الأنشطة الاقتصادية و هذا راجع لهدر الطاقات البشرية؛
  • تؤثر مشكلة البطالة في الوطن العربي بصفة غير مباشرة على الاستهلاك و على الصادرات و الواردات؛
  • تؤثر البطالة على تباطؤ النمو الاقتصادي كلما زادت معدلاتها.
  • تؤثر البطالة على هجرة الكفاءات العلمية و الفكرية التي انفق على تعليمها أموالا و جهودا كبيرة، حيث تعمل هذه الهجرة على إعاقة حركة التنمية و إضعافها في الدول العربية؛

1-3- الآثار الاجتماعية

تتمثل الآثار الاجتماعية لمشكلة البطالة في الوطن العربي في النقاط الموالية :

  • تؤثر مشكلة البطالة على مدى إيمان الأفراد و قناعهم بشرعية الامتثال الأنظمة و المبادئ و القواعد السلوكية المألوفة في المجتمع العربي؛
  • تعد مشكلة البطالة المصدر الرئيسي لمشكلة الفقر في الوطن العربي؛
  • تؤدي البطالة إلى انخفاض أواصر الروابط التي يحملها الناس تجاه الأنظمة و القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع العربي؛
  • تكون البطالة سبب للكثير من أشكال الإجرام و الانحراف في الوطن العربي؛
  • اتساع ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الوطن العربي مما ولد ظاهرة سميت بقوارب الموت التي تحمل المهاجرين من دول شمال إفريقيا إلى الضفة الأوروبية أملا في إيجاد وظائف.

1-4- الآثار السياسية

تبرز الآثار السياسية لمشكلة البطالة في الوطن العربي من خلال تأثيرها على الاستقرار الأمني و السياسي ، فالبطالة تصيب الفرد باليأس و الإحباط ، و إذ ذاك يكون سهلا على الجماعات المتطرفة و الإجرامية تجنيده للقيام بالأعمال الإرهابية و إشاعة الأمن في المجتمع كبعض الدول منها الجزائر، مصر، السودان، فضلا عن الثورات الشعبية التي مست أغلب الدول المغرب العربي إضافة إلى مصر و التي كان سببها مشكلة البطالة ، إضافة إلى أن الفرد العاطل عن العمل في الوطن العربي يشعر بالاقصاد و التهميش من طرف دولته و هذا يضعف لديه الشعور بالانتماء و الشعور بالوطنية.

  • السياسات و البرامج المتبعة لمواجهة مشكلة البطالة في الوطن العربي

تمثلت أهم السياسات و البرامج التي اتبعتها الدول العربية لمواجهة مشكلة البطالة في10:

2-1- سياسات تنشيط الطلب

تهدف هذه السياسات إلى زيادة فرص العمل في الاقتصاد من خلال جملة من الأساليب تتمثل في :

  • سياسات تحسين مناخ الاستثمار و هذا بجعله قادرا على جذب الاستثمارات المحلية و الأجنبية بما يساهم في خلق فرص عمل؛
  • برامج التشغيل من خلال تنمية المشروعات الصغيرة، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن المشروعات الصغيرة قادرة على النمو و توليد فرص عمل بمعدلات اكبر من المشروعات الكبيرة، و بالتالي فان العديد من الدول العربية اهتمت بتنمية تلك المشروعات كمصر، تونس، المغرب…؛
  • برامج التشغيل في قطاع الخدمات حيث قامت العديد من الدول بتصميم برامج التشغيل المتعطلين في قطاع الخدمات من خلال ما يعرف ببرامج العمل العام، كالبحرين و قطر اللذان ابتكرا برنامجا لتشغيل الشباب في خدمات النظافة، كان الهدف منه زيادة طلب القطاع العائلي على خدمات النظافة.

2-2- سياسات تحسين كفاءة العرض

يكون تحسين كفاءة العرض من خلال سياستين هما:

  • سياسات التدريب باعتبارها إحدى الآليات الأساسية التي تستخدم لتحسين كفاءة العرض في سوق العمل و إمداد الداخلين إلى سوق العمل بالمهارات المطلوبة ، و يتوقف نجاح السياسة التدريبية على جملة من العناصر أهمها التتبع المستمر لاحتياجات سوق العمل من المهارات و الاستفادة من مردود العملية التدريبية لإفادة المتدربين من فرص العمل المتوفرة؛
  • سياسات التعليم حيث أن العملية التعليمية تعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى تحسين مهارات و قدرات قوة العمل، و يعد تحسين هذه السياسات و تطويرها عاملا رئيسيا في إعداد قوة عمل كفء، و قد قامت العديد من الدول العربية باتخاذ مجموعة من الإجراءات لتحسين جودة التعليم الأساسي كحالة دولة الأردن و مصر.

2-3- سياسات تحسين خدمات التشغيل و تطوير نظم معلومات سوق العمل

تمثل خدمات التشغيل الكفء و الفعال إحدى الآليات الأساسية في سوق العمل لإحداث التوازن بين جانبي الطلب و العرض ، و تهدف تلك الآلية إلى التوفيق بين الوظائف الشاغرة و الباحثين عنها ، و تقوم بعدة أنشطة كالمقابلات الشخصية الأولية في مكاتب التوظيف و إنشاء نوادي عمل ، حيث قامت العديد من الدول العربية بتطوير مكاتب التشغيل ، بحيث تستند إلى فكرة ” تبنى المتعطل ” من خلال تسجيله و التعرف على مهاراته التي يمتلكها ، ثم يتم منحه إعانة البطالة و تحديد الدورات التدريبية التي يحتاج إليها ، و بعد ذلك يجري العمل على الحاقه بالوظائف التي توفرها المؤسسات الإنتاجية و الخدمية.

2-4- البرامج الشاملة لدعم المتعطلين

هذه البرامج تعمل على تقديم دعم شامل للمتعطلين بدء بتسجيلهم و توصيف مهاراتهم و توفير التدريب اللازم لهم، ثم مساعدتهم في الحصول على فرصة عمل، و ذلك من خلال عقود ملزمة تبرم بين المتعطل و البرنامج، يحصل بمقتضاه المتعطل على دعم مالي خلال فترة تطبيق البرامج، و يحرم من هذا الدعم إذا أخل بأي التزام منصوص عليه في العقد.

2-5- برامج سوق العمل النشطة

تهدف هذه البرامج إلى زيادة كفاءة العمل المعروض و زيادة الطلب على العمالة، و تحسين المواءمة بين كل من العمالة المعروضة و الوظائف الشاغرة.

2-6- سياسات زيادة مرونة سوق العمل

قامت مجموعة من الدول العربية باتخاذ مجموعة من الإجراءات لزيادة الكفاءة و المرونة في سوق العمل ، أهمها :

  • خفض تكاليف فصل العمالة غير الماهرة؛
  • تخفيض القيود المفروضة على عدد ساعات العمل، بما يسمح بزيادة عدد ساعات العمل مع تعويض العمالة عن هذه الساعات الإضافية؛
  • خفض معدلات الزيادة في الحد الأدنى الأجور، حتى لا تكون عائقا أمام تشغيل العمالة منخفضة المهارة.

2-7- سياسات الاستقرار الوظيفي

يعد التوسع في استخدام عقود العمل المؤقتة السبب الرئيسي وراء عدم الاستقرار الوظيفي ، و بالتالي يتطلب تحقيق الاستقرار تغيير الظروف التي تدفع أصحاب العمل لاستخدام هذا النوع من عقود العمل، و تتمثل الأسباب الرئيسية لاستخدام هذا النوع من عقود العمل في ارتفاع تكلفة مساهمة أصحاب العمل في التأمينات الاجتماعية للعاملين بالعقود الدائمة من جهة، و ارتفاع تكلفة فصل العاملين من جهة أخرى لذلك قامت بعض الدول العربية بتطبيق جملة من الخطوات لتحقيق الاستقرار الوظيفي كخفض مساهمة أصحاب العمل في التأمينات الاجتماعية، و قد نجحت هذه السياسة في زيادة نسبة العاملين بعقود العمل الدائمة مقارنة بالعاملين بعقود العمل المؤقتة، و تحقيق العدالة في توزيع عقود العمل الدائمة بين العاملين في مختلف مجالات العمل و خصوصا من الفئات المستهدفة مثل الإناث.

يتضح مما سبق أن ظاهرة البطالة في الوطن العربي تبرز آثارها على مستويات عدة و لكن بشكل مباشر على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، الأمر الذي جعل الدول العربية تسعى إلى اتخاذ جملة من التدابير، السياسات ، و البرامج لمكافحة هذه الظاهرة ، إلا أن ذلك لم يكف الأمر الذي استدعى بهذه الدول البحث عن آفاق مستقبلية لحل هذه المشكلة، و هذا ما سيتم التركيز عليه في العنصر الموالي.

رابعا: الرؤية المستقبلية لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي

لكي تتمكن الدول العربية من مواجهة تحدي النمو و العمالة كان من المفروض وضع إستراتيجية عربية شاملة ، تتضمن جملة من الإجراءات و السياسات المستقبلية سيتم توضيحها على النحو الموالي.

  • السياسات المستقبلية قصيرة و متوسطة الأجل

الهدف من هذه الإجراءات هو التحكم في أزمة البطالة أو التخفيف من آثارها ، و يمكن تلخيص أهم هذه الإجراءات في 11:

  • تشغيل الطاقات العاطلة الموجودة في مختلف قطاعات الاقتصاد ، مع العمل على التوسع في برامج التدريب و إعادة التدريب في مجال المهن اليدوية و هذا لاستطاعة هذه المهن استيعاب أعداد كبيرة من العمالة؛
  • دعم حماية و تشجيع القطاع الخاص العربي و خاصة في مجالات العمالة كالقطاع الزراعي؛
  • إحياء القطاعات الغائبة في برامج التنمية الاقتصادية في بعض الدول العربية خاصة التي وجدت في العوائد الريعية طريقا لتنفيذ خططها في المجالات المختلفة ألا و هو قطاع السياحة، حيث تمتلك اغلب الدول العربية فضاءات سياحية تمتص كما هائلا من العاطلين لو أحسن استغلالها؛
  • ضرورة تبني و تطبيق فكرة المشروعات الصغيرة و المتوسطة التي تمثل احد ابرز الآليات المباشرة لمواجهة مشاكل البطالة في الوطن العربي من خلال ما توفره من فرص عمل جديدة للشباب، و تعتبر هذه الآلية ملائمة جد لظروف الدول العربية.
  • تعريب العمالة العربية و يتم ذلك من خلال إحلال العمالة العربية محل العمالة الأجنبية في الدول العربية التي تعاني من نقص في تخصصات و مهن معينة مثل دول الخليج العربي؛
  • الربط بين أساليب و مناهج و سياسات التعليم و التدريب المهني و متطلبات أسواق العمل و تقليل الفجوة بين مختلف مكونات هذه العناصر، و ذلك تماشيا مع قضايا الساعة المطروحة حول التصدي لمشكلات البطالة؛
  • ربط شبكات معلومات التشغيل و التعليم و التدريب طبقا لمستويات المهارة المحددة لرفع معدلات الاستفادة من القوى العاملة العربية و العمل على استقرارها داخل الوطن العربي.
  • السياسات المستقبلية طويلة الأجل

تسمح هذه السياسات بإحداث تغيرات هيكلية في المشكلة المدروسة، و يتوقف ذلك على مدى قدرة الدول العربية على تحقيق الإجراءات الموالية12:

2-1- توسيع دور القطاع الخاص في اقتصادات الدول العربية

تعتبر مساهمة القطاع الخاص في توليد القديمة المضافة في المنطقة العربية منخفضة بالمقارنة مع المناطق الأخرى، في حين حاولت معظم الدول العربية توسيع نشاط القطاع الخاص منذ أواخر ثمانيات القرن العشرين إلا أن هذا التطور كان هامشيا حتى نهاية التسعينات ، و مجال توسيع نطاق القطاع الخاص في المنطقة العربية يحتاج إلى عنصرين هما :

2-1-1- تعزيز مناخ الاستثمار

تصطدم المؤسسات الجديدة في العالم العربي بعوائق إدارية و تنظيمية مرتفعة التكلفة سواء من حيث الوقت أو المال، حيث أن تكلفة تسجيل المشاريع الجديدة بصورة رسمية تكون مرتفعة و هذا لما تتضمنه من تكاليف التراخيص و الضرائب، فضلا عن التنظيمات التي تبطئ عملية التخليص الجمركي، كل هذه الأوضاع في مجملها تستدعي إعادة النظر في الإطار المؤسسي المحيط بعمل المشروعات الاقتصادية ، بما يكفل تبسيط الإجراءات و خفض تكلفتها.

2-1-2- تعزيز النظام المالي و البنية الأساسية لتشجيع الأعمال

يشكل ضعف البنية التحتية و النظام المالي في الدول العربية عبئا آخر على الأعمال، حيث تشكو أغلب المؤسسات الخاصة في هذه الدول تقريبا من ضعف البنية التحتية إضافة إلى ضعف قطاع المواصلات و الاتصالات ، و هيمنة المصارف العامة و تبنيها تمويل المؤسسات العامة و الكبيرة على عكس المؤسسات الصغيرة الخاصة التي تواجه صعوبات كثيرة في الحصول على ما تحتاج إليه من رؤوس أموال.

2-2- الاندماج في الاقتصاد العالمي

ان منطقة الدول العربية في حاجة إلى تسريع وتيرة اندماجها في الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ، كما تحتاج إلى تخفيض درجة الحماية الجمركية و تفكيك الحواجز غير الجمركية غير الفعالة ، و إزالة عوائق ما وراء الحدود على التجارة، كما أنه من الضروري تصحيح أسعار الصرف التي قيمت بأكثر من قيمتها الفعلية طوال العقدين الماضيين.

2-3- تنويع النشاطات الاقتصادية

يعد تنويع الأنشطة الاقتصادية محددا أساسيا لخلق فرص عمل جديدة، حيث أن تزايد القوى العاملة بشكل سريع يجعل استيعابها بواسطة القطاع العام أكثر صعوبة ، خاصة مع تذبذب عائدات النفط، و هذا ما يؤكد ضرورة تقوية دور القطاع الخاص في توليد فرص جديدة شرط تبنيه إستراتيجية تنموية تقوم على تشجيع التنويع الاقتصادي الأمر الذي يساهم في تحقيق استقرار معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي .

يتضح مما سبق انه لابد على الدول العربية أن تسعى إلى تطبيق سياسات و إجراءات جديدة لمواجهة مشكلة البطالة سواء على المدى القصير أو المدى الطويل ، و هذا بهدف الحفاظ على تماسك مجتمعاتها و تأمين استقرارها.

الخاتمة

يتضح مما سبق أن البطالة في أي اقتصاد يعد أمرا طبيعيا،و لكنها إذا تجاوزت حدودا معينة فإنها تصبح مشكلة لها خطورتها، و تأخذ هذه المشكلة أشكالا متعددة تختلف و تتغير إما حسب طبيعة البطالة الخاصة ،أو حسب نمط التشغيل ،أو حسب طبيعة النشاط الاقتصادي السائد في البلد ،و تؤكد الإحصائيات و البيانات خطورة هذه المشكلة التي أصبحت تواجه مختلف الدول و لاسيما العربية منها،فضلا عن الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية التي ساهمت في زيادة تفشي هذه الظاهرة ،هذه الأخيرة التي تظهر بشكل مباشر على كافة المستويات سواء الاقتصادي منها ،أو الاجتماعي ،و حتى السياسي ،انطلاقا من ذلك لجاة معظم الدول العربية إلى اتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من حدة هذه الظاهرة من خلال جملة من السياسات و البرامج، فرغم الجهود المبذولة في هذا المجال إلا انه يتوجب على الدول العربية بناء إستراتيجية تنموية تعمل على مواجهة هذه المشكلة.وعليه وجب ضرورة تبني التدابير الموالية :

– السعي لتحقيق التعاون و التكامل الاقتصادي العربي؛

– محاولة التنسيق و الربط بين البرامج التعليمية و التدريبية في الوطن العربي مع احتياجات سوق العمل بها ؛

– ضرورة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة و المتوسطة و التي من خلالها يمكن تشغيل عدد كبير من العمالة خاصة اذا وجدت الدعم الكامل من طرف الحكومات العربية؛

– السعي نحو اعتماد إستراتيجية عربية موحدة لاسترداد الأموال العربية المهاجرة من اجل توفير الموارد المالية اللازمة  لعملية التنمية الاقتصادية.

قائمة المراجع :

  • علي عبد الوهاب نجا ، مشكلة البطالة وأثر برنامج الإصلاح الاقتصادي عليها- دراسة تحليلية تطبيقية -، الدار الجامعية مصر ،2005 ،ص :04 .
  • سامية الخضر ، البطالة بين الشباب الحديثي التخرج ، دار كتب عربية للنشر ، الطبعة الثانية ، مصر، 2008 ، ص : 10 .
  • البشير عبد الكريم ، تصنيفات البطالة ومحاولة قياس الهيكلية والمحبطة منها ، مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا ، العدد الأول ، 2004 ،ص:155 .
  • بشير الدباغ وعبد الجبار الجرمود ، مقدمة في الاقتصاد الكلي ، دار المناهج للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، الأردن ، 2006 ، ص : 282 .
  • علي عبد الوهاب نجا ، مرجع سابق ، ص ص : 17 ، 30 .
  • عبد الحميد صلاح محمد ، أزمة البطالة – دراسة مقارنة السعودية ، مصر ، الكويت -، دار هبة النيل للتوزيع والنشر ، الطبعة الثانية ، 2010 ، ص : 52 .
  • ألبر داغر، الموسوعة العربية للمعرفة من اجل التنمية المستدامة – البعد الاقتصادي – ، الدار العربية للعلوم، المجلد الرابع، الطبعة الأولى، بيروت ، 2007 ،ص:142.
  • سيف الإسلام حسين عبد الباري ، البطالة – الأسباب والمخاطر المترتبة عليه ومنهج الإسلام في معالجتها – ، دار البنين للنشر ، الطبعة الثانية ، مصر ، 2008 ، ص ص : 30، 32 .
  • عبد السميع أسامة السيد ، مشكلة البطالة في المجتمعات العربية والإسلامية ، دار الفكر الجامعي ، مصر ، 2008 ، ص ص : 114، 115 .
  • ألبر داغر ، مرجع سابق ، ص : 140،138.
  • طاهر أحمد وسعودي أحمد ، البطالة – المشكلة والحل -، المحروسة للنشر والخدمات الثقافية والمعلومات ، مصر ، 2007 ، ص ص : 64،66.
  • نفس المرجع السابق ، ص : 65 .
Share this post

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart