مصر بعد الثورة: أهم التحديات على المسار السياسي والاقتصادي

مصر بعد الثورة: أهم التحديات على المسار السياسي والاقتصادي

الخريطة السياسية الحالية:

يعد الجيش لاعبا رئيسيا في الحياة السياسية المصرية منذ توليه السلطة لإدارة المرحلة الانتقالية. وللتعرف على نوايا الجيش وتحليل مواقفه لابد من النظر بشكل سريع على طبيعة وضع الجيش في النظام السابق. في عهد مبارك، كان الجيش في مصر مكوناً أساسياً في النظام، أكثر أساسية بكثير من الجيش في تونس في عهد بن علي. صحيح أن مبارك كان مستقلاً عن الجيش في العقود الأخيرة، لكن غالباً ما كانت القيادة العليا في المؤسسة العسكرية تستشار في المسائل الأساسية في مصر (مثل نقاشات الخصخصة بعد عام 2004 أو خلافة مبارك). وعلى الرغم من أن القوات المسلّحة لم تكن تتورط كما وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة التابع لها، في حملات القمع اليومية، إلا أنها كانت الملاذ الأخير للنظام، فقد لبّى الجيش نداء الرئيس السابق في عدة مواقف: على سبيل المثال ساعد الجيش على إلحاق الهزيمة بحركات التمرد الإسلامية في صعيد مصر في التسعينيات. وأوكِلت إليه أيضاً مهمة محاكمة المدنيين المتّهمين في قضايا تتعلق بالإرهاب في محاكم عسكرية خاصة. للجيش المصري أيضاً حصّة كبيرة في الاقتصاد الوطني: فهو يملك عدداً من الشركات الربحية (مصانع لإنتاج الإسمنت وسيارات الجيب والغسّالات وتعبئة المياه) ومزارع ومساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية المستصلحة.[1]

استطاع الجيش الحفاظ على صورة حامي الوطن التي تكسبه شعبية لدى الناس، وقد استثمرها في الأشهر الأولى للثورة غير أن الجيش بدأ يدخل في صدامات ومشكلات كبيرة مع القوى السياسية المختلفة تصاعدت حدتها بعد استخدام العنف في مواجهة المدنيين. مثل ما حدث في حادثة ماسبيرو التي وقعت في أكتوبر الماضي وراح ضحيتها عدد كبير من المدنيين الأقباط، وهي من أبرز الحوادث التي عمقت الشرخ بين الجيش والشعب. لا يمكن إنكار دور فلول النظام في حوادث العنف المتكررة في مصر بعد الثورة، إلا أن تراخى الجيش في القبض على البلطجية وإحالته للمدنيين لمحاكم عسكرية وتورطه في صدام عنيف مع المدنيين ترك أثار تصدع واضح في العلاقة بين الجيش والقوى السياسية المختلفة. يلجأ عادة الجيش في تفسير ذلك إلى حجج يراها شباب الثورة لتبرير ردود فعله التي غالباً ما تكون عنيفة حيال ما يصفها بأنها “مخاطر تهدّد تماسك الجيش”، فيعتبر مثلا أن “قوى خارجية تتآمر على مصر”، وتقوِّض مباشرة المصداقية المنقطعة النظير التي اكتسبها الجيش بوصفه “حامي ثورة 25 يناير”.[2]

مع هذا لا يمكن إنكار تمتع الجيش بتأيد عدد كبير من الشعب المصري والذي يرى فيه الحصن الأخير لضمان تماسك الدولة. يمكن تخيل حجم التسأولات والمخاوف التي تساور الجيش المصري حول مستقبله ومصير امتيازاته. يخشى المجلس دخول أراضٍ مدنية مجهولة بالنسبة إليه في مجال السياسة. فأعضاؤه الحاليون -باستثناء المشير طنطاوي- لم يكونوا جزءاً من لعبة القوة التي مارسها النظام السلطوي السابق. يلاحظ أن الجيش يتوخى اليقظة الشديدة في تعامله مع القادة المدنيين الصاعدين، فقد أحجم عن تسليم السلطة مباشرة إلى حكومة انتقالية مدنية، وفرض لاحقاً شروطا لتسليم السلطة السياسية. وهناك عدة أمور تثير الجدل حول دوافع الجيش ولا يمكن التطلع إليها بغض النظر عن وضع مصالح الجيش في الحسبان مثل قيامه بفرض قانون الطوارئ من جديد، وإصراره على إجراء ثلاث جولات لانتخاب مجلس الشعب، والإبقاء على كوتة “العمّال والفلاحين” في البرلمان، وإصدار قانوناً انتخابياً مثيراً للجدل فتح المجال أمام تقسيم الدوائر الانتخابية لصالح جهات معينة.

في هذا الإطار تبنى المجلس العسكري فكرة وضع مبادئ حاكمة للدستور وقد وجدت الفكرة بشكل عام قبولا لدى التيارات السياسية المختلفة ما عدا الإخوان والسلفيين. لكن ما أن صدرت وثيقة تحدد هذه المبادئ حتى أثارت جدل واسع النطاق خاصة في الامتيازات التي منحها الجيش لنفسه ولا زالت الوثيقة حتى اللحظة الراهنة محل نقاش عام.

لا شك في أن صفقة جديدة ستبرز بين الجيش والنظام السياسي الوليد لضمان مصالحه، لكن سيظل حجم تدخل الجيش في مسائل سياسية مرهون بقدرة السلطة المدنية الجديدة على ترسيخ الانتقال الديمقراطي.

في هذا الإطار نجد أن حكومة الدكتور شرف والتي أستمد (شرف) نفسه شرعيته من ميدان التحرير، قد فقدت مصداقيتها خاصة أن عدد لا بأس به من وزرائها لا يعبر عن الثورة. كما أن الحكومة ككل ليست ممكنة بمعنى أنها لا تمتلك الصلاحيات المنوط بها امتلاكها مما يجعلها أقرب إلى أن تكون سكرتارية للمجلس العسكري.

أما فيما يتعلق بالقوى السياسية حاليا فيمكننا الحديث عن شباب الثورة الذي كون الكثير من الائتلافات والأحزاب عقب صدور قانون الأحزاب الجديد. ستطرق الورقة لأحزاب بشكل أكثر تفصيلا في قسمها الثاني.

هنا ائتلافات مثل 6 أبريل تعرضت لاتهامات من المجلس العسكري بالتمويل من الخارج وبالتالي العمالة وتعرضت بعض رموزها مثل أسماء محفوظ للمحاكمات العسكرية.

كما ظهرت حملات لمرشحين محتملين للرئاسة ولكن هذه الحملات لم تستطع على أرض الواقع أن تكون لاعبا رئيسيا في تحريك مجريات الأمور حتى حينما اجتمع عدد كبير منهم: عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي والبرادعى وعمرو موسى وسليم العوا وهشام البسطويسي وحازم أبو إسماعيل وأصدروا بيانا جماعيا (انسحب منه الدكتور البرادعي)، يؤكدون فيه على ضرورة تسليم السلطة بحد أقصى أبريل 2012 ولم يجد هذا البيان صدى لدى القائمين على إدارة شؤون البلاد.

المأزق الاقتصادي الراهن:

شهدت حالة المعيشة في مصر تدهورا ملحوظا وزاد عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر ليصل إلى 40% من إجمالي عدد السكان. لعب تفارق المصالح الخاصة للقائمين على الحكم والإدارة وحلفائهم في الداخل والخارج عن المصلحة الوطنية المصرية، دورا رئيسا فيما أل إليه حال الاقتصاد في مصر. من هنا ظهرت “مأسسة الفساد” بحيث أصبحت هناك قرارات جمهورية وقوانين ولوائح وقرارات في كثير من المؤسسات تراعى هذا الفساد وتعزز من سطوته وجبروته بصرف النظر عن الأضرار الفادحة التي تعرض لها الاقتصاد المصري ككل واقتصاد الفقراء ومحدودي الدخل والطبقات المنتجة من العمال والفلاحين ورجال الصناعة الجادين[3].

تعرض القطاع الزراعي طوال هذه الفترة لضربات قاصمة لم تتمثل فقط في الإهمال المتعمد لتطوير هذا القطاع بل تمثلت في انتهاج مجموعة من الإجراءات السلبية التي أدت في النهاية إلى انخفاض متوسط اكتفاءنا الذاتي من جميع السلع الغذائية الحيوية لأقل من 45%. ومن قبيل هذه الإجراءات الضارة، منح الأراضي القابلة للاستصلاح إلى رجال مال وأعمال حولوها إلى منتجعات سياحية وشخصية ورفع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات وإعمال آليات السوق الاحتكارية من جانب كبار التجار والمسئولين في الحكم، وعدم توفير مستلزمات الري وإمدادات المياه، فانتشرت الزراعات المروية بالمجارى ومياه الصرف الصحي كما انعكس ذلك سلبيا على زيادة العجز في الميزان التجاري وتعاظم فاتورة وارداتنا من المواد الغذائية لتتجاوز 25 مليار دولار في عام 2010. [4]

وفي مجال الصناعة، فإن النمط الغالب على الاستثمار الخاص ظل بعيدا في الواقع عن الصناعة، فظلت البنية الاقتصادية المصرية هشة وعرضة للتقلبات والاهتزازات كلما هبت رياح عاتية عالميا أو إقليميا أو حتى محليا.

وإذا كانت حكومات الرئيس السابق حسنى مبارك قد أنفقت في إقامة البنية التحتية للمجتمع منذ عام 1982 حتى تاريخ تنحيه ما يربو قليلا على 400 مليار جنيه في صورة طرق، وكباري، ومحطات مياه، ومحطات صرف صحي، ومحطات كهرباء، ومدارس، ومستشفيات.. الخ، بخلاف ما أنفقه القطاع الخاص والاستثماري في مجال التشييد والبناء والمقدر بحوالي 100 مليار جنيه أخرى، فإن حجم العمولات والرشاوى التي أهدرت والتسرب الذي حدث يقارب 40 مليار جنيه (حوالي 10% من حجم الأعمال) ذهبت طوال هذه الفترة إلى جيوب وحسابات عدد محدود من كبار المقاولين ورجال الحكم والإدارة والمكاتب الاستشارية القريبين من الحكم.[5]

ترتب على السياسات المالية والنقدية وشكل إدارة أسواق المال والبورصة طوال الثلاثين عاما الماضية أضرارا كبيرة كان من الممكن تجنبها لولا أن بعضها كان مقصودا لذاته من أجل تلبية مصالح دائرة ضيقة من رجال المال والأعمال ورجال الحكم والإدارة مثل: التلاعب في أسعار الصرف، ونظم الاقتراض المصرفي، وتغيرات سعر الفائدة، ونظم الاستيراد والتمويل عبر ما يسمى كمبيالات التحصيل، وطريقة الإقراض بالنقد الأجنبي، وحسابات المراسلين بالبنوك، والإقراض بدون ضمانات كافية كما أن طريقة وضع أولويات الإنفاق بالموازنة العامة وتحميل المواطنين بعبء الضرائب المتزايدة كل ذلك قد أربك الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد.[6]

إذا يمكن القول انه لا يمكن أن يتم إصلاح الاقتصاد المصري بمعزل عن الإصلاح السياسي. عقب الثورة تم تطهير النظام من مؤيدي رأسمالية السوق الحر التي لم تستطع سياساتها في ظل الفساد الذي استشرى أن تؤتى بثمار لأغلبية الشعب المصري. لكن هذا التطهير غير كافي لإقامة اقتصاد قوى. فقد ظهرت الشعبوية الاقتصادية بديلاً مفحماً عن السياسات النيوليبرالية المرتبطة بالنظام القديم. فالاقتصاد المصري لا يزال يترنّح تحت وطأة الإضرابات العمّالية التي تشلّ البلاد ومن مظاهر ذلك: السوق المالية المجمَّدة، وهروب كثير من المستثمرين الأجانب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية [7]

تراجعت الكثير من مؤشرات أداء الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة بعد ثورة 25 يناير متأثرة بشكل أساسي بضعف الإنتاج وحالة الانفلات الأمني وبدأ الإنتاج تدريجيا في العودة ولكن في قطاعات معينة قد لا تؤثر بدرجة كبيرة في زيادة النمو الاقتصادي.
ورغم التراجع في الإنتاج على المستوى المحلى إلا أن هناك بعض الموارد التي ارتفعت بشكل ملحوظ أهمها تحويلات المصريين بالخارج والتي ارتفعت من 10.46 مليار دولار إلى 13.14 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وكذلك عائدات قناة السويس وارتفعت إلى 5.1 مليار دولار مقابل 4.5 مليار دولار وجاء التراجع الحاد في إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وعدل النمو الاقتصادي وتراجع احتياطي النقد الأجنبي المباشر والذي تراجع إلى اقل من 25 مليار دولار مقابل 36 مليار دولار في ديسمبر الماضي.

وكشفت مصادر مسئولة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي عن ارتفاع النمو في الطلب الاستهلاكي خلال الستة شهور الماضية وهذا هو السبب الأساسي لزيادة النمو الاقتصادي من قيمة سالبة إلى قيمة موجبة بلغت 1.8% في نهاية يونيو الماضي.

وبلغت قيمة الاستثمارات الكلية المنفذة في عام 2010\2011 المنتهى في يونيو الماضي نحو 229 مليار جنية بانخفاض نحو 3%عن العام السابق وبلغ معدل الاستثمار 16.7% من الناتج المحلى الإجمالي مقابل 22.3 % في عام 2007/2008 وبلغ نحو 19.5% في يونيو 2010 وبلغت جملة الاستثمارات الحكومية شاملة الهيئات الاقتصادية والشركات العامة وفقا للتقرير الختامي لأعمال خطة العام الماضي 2010/2011 الذي شهدت أحداث الثورة ستة شهور منة نحو 82.4 مليار جنية بنسبة 36% من الاستثمارات الكلية مقابل 105.1 مليار جنية حيث بلغت استثمارات الحكومة 37.9 مليار جنية بانخفاض 10.4 مليار جنية و16.4 مليار من الهيئات الاقتصادية بانخفاض 13مليار ومن الشركات العامة 28.1 مليار جنية بانخفاض 600 مليون جنية وشهدت أعمال الفترة 12% زيادة في المتحصلات الضريبية و605 نقصا في المنح الخارجية و3.2% نقصا في الإيرادات العامة. [8]

وبالنسبة لوضع الموازنة لعامة للدولة فقد شهد العجز تزايد من قبل الثورة بفعل السياسات المالية للدولة في النظام السابق فقد ارتفعت المصروفات العامة إلى 392 مليار جنية منها نحو 81 مليار جنية فوائد الديون و122.8 مليار دعم ومزايا اجتماعية وقد شملت منظومة الدعم 67.7 مليار جنية للمواد البترولية و32.7 مليار جنية دعم السلع التموينية و3.1 مليار جنية دعما لصادرات و1.1 مليار جنية دعما للكهرباء و2.2 مليار دعم إسكان محدودي الدخل ودعم مزارعين ونقل الركاب والتامين الصحي ودعم الإنتاج الصناعي بنحو 16مليار جنيه.

وفيما يتعلق بالأداء المصرفي فإنه من الملاحظ التراجع الملحوظ في معدلات نمو الودائع بالعملة المحلية من 14.3% إلى 6.5% في يونيو الماضي مقارنة بيونيو 2010 ورغم زيادتها من 900 مليار جنية إلى 965 مليار جنيه وفي ظل هذه الأوضاع فقد انخفضت قيمة الجنية مقابل الدولار بنحو 5% وتراجعت توظيفات البنوك وعمليات إقراضها والتي لم ترتفع سوى بمستوى معدلات الفائدة على القروض القديمة. [9]

رغم هذا الوضع الحرج الذي يمر به الاقتصاد المصري إلا أن إصلاحه ممكن جدا إذا ما نجحت عملية الانتقال الديمقراطي والقضاء على الفساد وإرساء دولة القانون.

الأحزاب السياسية: التحديات والفرص

عقب ثورة 25 يناير تمكنت كثير من القوى التي كانت محظورة مثل السلفيين والإخوان من إنشاء أحزاب كما تمكنت أحزاب كانت تحت التأسيس مثل حزب الكرامة من الحصول على ترخيص هذا إلى جانب تكوين أحزاب جديدة للقوى الجديدة التي قامت بالثورة وكان الشباب هم ركيزتها الأساسية. تمكنت هذه الأحزاب من الحصول على ترخيص بعد صدور قانون الأحزاب الجديد.

يمكن القول بأنه كانت هناك انتقادات عديدة لقانون الأحزاب في صورته الأخيرة منها وجود القيود ذاتها التي كانت موجودة في القانون القديم، فلن تقوم الأحزاب عن طريق الإخطار إنما يتوجب عليها الحصول على ترخيص وذلك بإعطاء لجنة الأحزاب في المادة 8 الأحقية في الاعتراض على إنشاء الحزب خلال 30 يوما، وكذلك توسيع اختصاصات هذه اللجنة في البحث والاستقصاء واللجوء لجهات أخرى لجمع المعلومات دون تحديد هذه الجهات. إضافة إلى أن القانون الجديد يوجب نشر أسماء الـ5000 آلاف اسم الشرط توافرهم لتكوين حزب في صحيفتين يوميتين مما يكلف مبالغ طائلة لا تستطيع العديد من الأحزاب الجديدة توفيرها. كذلك أستمر وجود عبارات يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة ومن شأنها إعطاء مزيد من القوى للحاكم مثل “عدم إضرار الحزب بالسلام الاجتماعي” كذلك غياب أي قواعد خاصة بضمانات الديمقراطية الداخلية للأحزاب.[10]

سنحاول استعراض برامج وأهداف وهيكلة عدد من الأحزاب التي تمثل تيارات فكرية مختلفة.

حزب العدل:

عقب التنحي مباشرة قرر مجموعة من النشطاء الذين عملوا مع بعضهم في إطار الجمعية الوطنية للتغير وحملة دعم البرادعي للرئاسة، إنشاء حزب انطلاقا من أن مرحلة ما بعد إسقاط النظام تطلب إعادة لبناء نظام جديد. من هنا ولدت فكرة إقامة حزب العدل.

نظرا لان العمل في إطار الجمعية الوطنية وحملة البرادعي سمح لهؤلاء الشباب بتكوين قواعد لهم في المحافظات لم يكن الأمر بعسير عليهم في جمع التوقيعات المطلوبة لإقامة الحزب وهو ما عبر عنه أنيس النجار عضو المكتب السياسي للحزب وأحد الأعضاء المؤسسين، قائلا: “كنا نعرف أن الحزب القوي لابد له من تواجد قوي في المحافظات لذلك قمنا بجمع توكيلات من 24 محافظة كما أنه كان هناك 7 مقرات في 7 محافظات (قنا/بني سويف/البحر الأحمر/الشرقية/الإسكندرية/البحيرة وبورسعيد) مختلفة بدأت عملها قبل بدء عمل المقر الرئيسي “[11]

كان حزب العدل هو الحزب الثالث الذي حصل على الموافقة بعد حزب الحرية والعدالة للإخوان المسلمين وحزب النور السل في.

يعترف الشباب المؤسسين للحزب أن خبرة العمل المؤسسي كانت تنقصهم فحاولوا تعويض ذلك من خلال القراءة والاستفادة من خبراتهم التنظيمية التي اكتسبوها في إطار عملهم في الجمعية الوطنية للتغير وحملة البرادعي وكذلك المشاركة في تنظيم الثورة.

يقوم برنامج الحزب على ملامح رئيسية في إطار خطة بعيدة المدى تهدف إلى النهوض بـ:

*الأمن

*النمو الاقتصادي

*العدالة الاجتماعية

*الصحة

*التعليم

يدار الحزب بشكل “جماعي” على حد وصف النجار، من خلال مكتب سياسي مكون م 7 أفراد ومختص بالشئون السياسية ولجنة تنسيقية مكونة من 5 أفراد وتتولى المهام الإدارية. هذه المجموعة تكونت بفعل الشرعية التأسيسية إلى أن تتم الانتخابات داخل الحزب عقب انتهاء الانتخابات التشريعية.

هناك أيضا عدة أجهزة يدار الحزب من خلالها فهناك اللجنة العليا التي تتكون من ممثلي المكاتب في القاهرة والمحافظات ومنسقي اللجان النوعية (ما تمثل حكومة الظل) ورؤساء المنظمات الحزبية المهنية (مهمتها العمل على تطوير النقابات) وتتكون اللجنة النوعية من أكثر من 80 فردا من أعضاء الحزب الذين يقدرون بـ15 ألف عضو 70% منهم من الشباب.

يعتمد الحزب في تمويله على تبرعات أعضائه ومنهم رجال أعمال، يدفع كل شخص قسط من المال شهريا لاحتياجات الحزب.

يعتمد الحزب على بعض الوسائل في سياسته الترويجية، من هذه الوسائل التواجد الإعلامي الملحوظ لأعضاء الحزب وذلك اعتمادا على شهرة كوادره من الشباب الذين كانت لهم مشاركة سياسية ملحوظة قبل الثورة وأثنائها وعن طريق الدعاية المحلية التي تخص كل محافظة على حده، إضافة إلى الاتصال الشخصي عبر المؤتمرات الجماهيرية وحملات طرق الأبواب.

يعتبر مؤسسو الحزب إن المسار السياسي الذي يتبعه المجلس العسكري من أهم العقبات التي تواجه الحزب فـ”المجلس لا يحمل المبادئ الثورية ويحاول إعادة تقديم شخصيات النظام السابق بصورة أكثر رونقا” كما قال النجار لكنه أكد أيضا على أن تأثير الثوار لازال ملموسا على المجلس والدليل هو “وجود12 ألف محاكمة عسكرية لمدنين وهو دليل على تأثيرنا وعلى ضعف المجلس”.[12] يعد تحدى الوصول إلى الناس في شتى ربوع مصر من أهم التحديات لدى الحزب الذي ذهب أفراده إلى كل محافظات مصر واستخلصوا من هذه الجولات أن فئات الشعب التي لم تنل حظ وافر من التعليم أو من الثروة لديها رغبة في المشاركة وغير صحيح أن معظمها يؤيد التيار الإسلامي وإنما يعود أي توفق لجماعة الإخوان المسلمين إلى “فراغ الساحة وقدرتهم التنظيمية، أما ما يحتاجه الناس هو استشعار النزاهة ووضوح الرؤية السياسية فيمن يخاطبهم.”[13] كما شرح النجار.

يعتبر التمويل-خاصة في ظل غياب ثقافة التمويل السياسي- ونقص الخبرة التنظيمية من أهم مشكلات الحزب الحالية.

حزب الحرية والعدالة:

كان نشاط الإخوان المسلمين محظورا في ظل النظام السابق لذا لم يتمكنوا من إقامة حزب وبعد تغيير النظام كان طبيعي أن يتمكن الإخوان من إنشاء حزبهم خاصة أن لديهم خبرة تنظيمية كبيرة ازدادت صلابة من تجربتهم في مواجهة النظام السابق. قررت جماعة الإخوان إقامة حزب ليمثل الفكر السياسي للجماعة.

من هنا برزت إشكالية التداخل بين الجماعة والحزب وهو ما أكده أحمد عقل عضو أمانة الاتصال السياسي في حزب الحرية والعدالة قائلا: “الحزب مستقل عن الجماعة لكن هذا الأمر ليس مفعلاً حتى الآن على ارض الواقع أما هيكليا فمفترض أن تختص الجماعة بالعمل الاجتماعي والديني ويكون الحزب هو الهيكل المعبر عن الإخوان سياسيا”.[14] وتعود أسباب ذلك إلى غياب الكوادر الحزبية، كما أن إعادة الهيكلة في وجود كيانين هما الحزب والجماعة يحتاج إلى وقت، إضافة إلى أن الثقافة الإخوانية لا زالت غير متقبلة لفكرة الانفصال.

لا زال الإطار التنظيمي للحزب في طور التبلور لكن هناك هيئة عليا مكونة من رئيس الحزب ونوابه ثم أمانات في كل محافظة. يذكر في هذا الصدد أن اختيار قيادات الحزب تم من خلال الجماعة.

يرتكز برنامج الحزب على عدة أسس منها أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع وان الشعب هو مصدر السلطات والشورى هي السبيل لتحقيق مصالح الوطن وأن الإصلاح الدستوري والسياسي والأخلاقي نقطة الانطلاق لإصلاح باقي المجالات. يهدف الحزب لبناء دولة مؤسسات وتوفير حياة كريمة للمواطن والارتقاء والاعتناء بالتعليم والبحث العلمي وبناء مجتمع مدني قوى وفعال.[15]

يعتمد الحزب في تمويله على الاشتراكات السنوية للأعضاء التي يصل حدها الأدنى إلى 20 جنيه في السنة ومن يستطيع أن يدفع أكثر من ذلك يدفع.

تتميز الجماعة بحضورها في الشارع المصري، فقد استفاد الحزب من هذا التواجد وطور وسائل جديدة للتواصل منها التواصل المباشر عن طريق شرح برنامج الحزب في التجمعات مثل المقاهي وفي إطار حملات في الشوارع، إضافة إلى الزيارات المنزلية والمؤتمرات الجماهيرية والصالونات الثقافية والتوعية على مستوى المحافظات سواء داخل أو خارج مقرات الحزب. ولا يمكن أن نغفل في هذا الصدد النشطة ذات الطابع الاجتماعي المنسوبة للجماعة والتي لا يمكن فصل مردودها عن المردود العام تجاه الحزب خاصة أن العقل الجمعي المصري لا زال غير فاصل بين الحزب والجماعة فكلاهما عند المواطن المصري يمثلا الإخوان المسلمين.

يعتبر الحزب أن الانتقادات الموجهة له بشأن أن الناس تختار التصويت للجماعة من أجل الخدمات التي تقدمها يرد أحمد قائلا: “أن هذا شيء يحسب للجماعة وليس ضدها وإن الأمور لا تقاس هكذا، فقد كان هناك رجال أعمال في عهد النظام السابق يقومون بتقديم خدمات وأموال وكان الناخب يستفيد منها بل ويحصل على الرشوة ثم يعطى صوته في النهاية للإخوان”.[16]

يعتبر الإخوان أن صورتهم تم تشويها بقسوة من قبل النظام السابق الذي استخدمهم كفزاعة، لذلك يعتبر الحزب أن عليه مهمة إصلاح هذه الصورة وإرسال رسائل تطمينية للمجتمع وإنهم على استعداد للتعامل مع كافة القوى السياسية كما حرصوا على أن يضم الحزب أعضاء من المسيحيين.

حزب النور

 تم إشهار حزب النور في يونيو2011، ويضم طبقا لقياداته نحو 7 آلاف عضو بينهم 50 قبطيا. يؤكد الحزب في برنامجه على أهمية ترسيخ هوية مصر الإسلامية والعربية والالتزام بالمادة الثانية من الدستور. كما يدعو لبناء دولة عصرية تختلف عن الدولة الثيوقراطية من جهة وعن الدولة اللادينية من جهة أخرى، بحيث تكون قائمة على تعددية المؤسسات والفصل بين السلطات، فضلا عن تحقيق الديمقراطية في إطار الشريعة الإسلامية وحرية الأحزاب السياسية مع الالتزام بالدستور وثوابت الأمة. وفي الجانب الاقتصادي من البرنامج يعتبر الحزب أن البطالة هي العائق الأساسي أمام الإصلاح الاقتصادي مطالبا الدولة بتوفير فرص عمل للمواطنين عن طريق المشروعات العامة والصغيرة والمتوسطة، كما يدعو إلى التوسع في أساليب التمويل الإسلامي المعتمدة على المرابحة والمشاركة وليس على الفائدة الربوية، ولكن بشكل متدرج بما لا يضر بالاقتصاد والمجتمع. ومن هنا فالحزب يعتبر أن تغيير المنكرات واجب ولكنه يتم بأسلوب تدريجي وليس بأسلوب الصدمات. وقد افتتح الحزب مقرات في 16 محافظة بين الوجهين القبلي والبحري وسيناء، منها 33 مقراً في الإسكندرية وحدها. للحزب مفاهيم مركزية كثيرة أهمها: المجتمع، الاقتصاد، التعليم، الشعب، الأمة والإسلامية.[17]

حزب الكرامة:

 في منتصف التسعينيات، كانت هناك شريحة ممن شاركوا في تأسيس الحزب الناصري تمثل تيار تقدمي شعرت بأنها مهمشة ومحرومة من حقوقها عن عمد من قبل القيادة التقليدية للحزب الناصري. هذه الشريحة هي التي شاركت في الحراك الشعبي الذي حدث في السبعينيات سواء بالمشاركة في المظاهرات التي كانت تطالب بالحرب أو في انتفاضة يناير 1977 وكانت تأمل في إحداث تغير جذري في السلطة وحلموا وعملوا منذ هذا الحين على إحداث هذا التغير. تشرح وفاء المصري أحد مؤسسي الحزب ونائب الرئيس لشئون الخدمة العامة ذلك قائلة: “أمام الجمود الحزبي في إطار الحزب الناصري قررنا تأسيس حزب الكرامة، امتلكنا الجراءة على التغيير وإعادة طرح التساؤل حول ماهيتنا وأهدافنا، من خلال هذا تبلورت رؤيتنا المعتمدة على الناس وذلك عبر كتلة وطنية جامعة تضم جميع الفصائل الوطنية تحت مظلة واحدة لإحداث عملية التغيير، كذلك الإيمان بأن عماد هذا التغير هو المواطن المصري بمختلف شرائحه وهذه الرؤية مسجلة في برنامج الحزب منذ نشأته في 1998”.[18]

العدالة الاجتماعية ومواجهة العدو الصهيوني وتحقيق مشروع نهضوي لمصر يشترك في تحقيقه كل المصرين على قدر اختلافهم وتنوعهم ويكون لكل منهم نصيب عادل في الثروة والسلطة وعودة مصر على مستوى السياسة الخارجية كقائد لعالمها العربي وفاعل رئيسي في محيطها الأفريقي وعودتها أيضا لظاهرها الإسلامي، هي أهم الملامح الرئيسية لبرنامج حزب الكرامة.

لم يحصل حزب الكرامة في النظام السابق على ترخيص وظل حزب تحت التأسيس، يمارس نشاطه ويحضر بقوة من خلال كوادره في مختلف محطات النضال ضد النظام من خلال التواصل مع قضايا الناس في الشارع، فجميع الإضرابات والاعتصامات كان حزب الكرامة مساندا لها ومشاركا فيها، كذلك المشاركة في المظاهرات الخاصة بالقضية الفلسطينية واحتلال العراق مما عرض رموز الحزب للاعتقالات أكثر من مرة إلى حد أنه تم القبض على حمدين صباحي المرشح المحتمل للرئاسة ومؤسس الحزب في 2003 عقب مظاهرات العراق وكان آنذاك عضو في مجلس الشعب ويتمتع بالحصانة والهجوم على مقر الحزب والعبث بأوراقه، هذا ما شرحته وفاء المصري “كنا نتعرض لقيود لان مشروعنا كان أقرب لحلم المواطن المصري، نحن لم نقفز على أمال الشعب المصري بل كنا ولا زلنا جزء لا يتجزأ من نسيج الشعب، من هنا كانت هناك خشية من النظام من أن هذا الصوت المعتدل الممثل لرمانة الميزان بين كل القوى السياسية أن يلتقي ويتصل بالمواطن فيحدث اضطراب للنظام”.[19]

قبل التأسيس الرسمي لم تكن الهيكلة بشكل هرمي بل كانت هناك أمانات متشعبة تدير الحزب بشكل أفقي. ثلث عضوية الحزب كانت للشباب منذ ما قبل الثورة.

حاليا في المرحلة الانتقالية هناك رئيس جاء عبر الانتخاب و3 نواب منتخبين وهيئة عليا مكونة من 87 شخص جاءت بالاختيار من قبل الرئيس على أساس عدة معاير: تمثيل كل المحافظات ومراعاة أن يكون ثلث عدد أعضائها من الشباب معاونة له وتشكيل أمانات مختلفة تجهز لمؤتمر عام في مدة زمنية أقصاها سنه يتم بعضها انتخاب الرئيس وأعضاء اللجنة العليا ورؤساء الأمانات. الرئيس في الحزب مدة رئاسته 3 سنوات ولا يجوز له التجديد وذلك ينطبق على نواب الرئيس ورؤساء الأمانات. عدد أعضاء الحزب يفوق الـ5 ألاف و800 شخص.

يعتمد الحزب في تمويله على الجهود الذاتية والتبرعات والإسهامات من قبل أعضاء الحزب ومن خلال اشتراكات شهرية للأعضاء كانت توفي الاحتياجات في مرحلة ما قبل التأسيس. بعد الثورة لا زال الوضع كما هو. تعد مشكلة التمويل من التحديات التي تواجه الحزب إضافة إلى بناء الحزب تنظيميا بناء قويا. التحدي الأكبر أمام الحزب هو قدرته في ظل هذه الظروف على الوصول للناس والالتحام بمطالبهم وذلك يتطلب بناء تنظيمي قوى.

حزب المصريين الأحرار:

ولدت فكرة الحزب عقب نتيجة الاستفتاء الذي حدث في مارس الماضي. يشرح أحمد خيري عضو المكتب السياسي للحزب فكرة نشأة الحزب قائلا: “اكتشفنا أن هناك حشد ديني طائفي للناس يعمل على تغييب عقولهم ويستخدم الدين كوسيلة للوصول إلى أهداف سياسية فقررنا التصدي لهذا عبر إنشاء حزبنا إضافة إلى أننا لم نجد في برامج الأحزاب الأخرى ما يعبر عن رؤيتنا”.[20]

يرتكز برنامج الحزب على المبادئ الليبرالية العامة المؤكدة على مدنية الدولة مع احترام الأديان كمكون رئيسي من مكونات المجتمع المصري. يؤكد البرنامج أيضا على أهمية احترام حقوق وحريات الموطن وضمان المساواة وفقا لمبدأ المواطنة واحترام دولة القانون. يقوم برنامج الحزب بتبني اقتصاد السوق الحر كحزب ليبرالي. يوضح خيري هذه المسألة قائلا: “إننا ندرك أن مصر تعانى من تدهور في الحالة الاقتصادية لذا نتبنى الاقتصاد الحر في إطار تدخل الدولة لضمان وصول الخدمات لمستحقيها وضمان عدم الاحتكار أو الإخلال بشروط المنافسة الحرة على غرار التجربة الألمانية”.[21] أما على مستوى السياسة الخارجية فيرى الحزب ضرورة التوجه شرقا نحو دول مثل الهند والصين والبرازيل وإيران وتركيا.

لازال الحزب لم يستقر بعد على شكل هيكلي نهائي ولم تتم الانتخابات الداخلية نظرا للانشغال بالانتخابات البرلمانية لذا تقرر تشكيل مكتب سياسي من الوكلاء المؤسسين عدد أعضاؤه 22 عضوا تم انتخاب 3 منهم ليشكلوا معا مجلس رئاسي لتسيير أمور الحزب لحين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية وإجراء انتخابات الحزب الداخلية. يقدر أعضاء الحزب بحوالي 120 ألف عضو. هناك أيضا لجان نوعية مختلفة ومنسقين إقليمين يشرفون على كل المحافظات حيث هناك أمين لكل محافظة ومجموعة من اللجان الخاصة بكل محافظة.

يعتمد الحزب في مصادر تمويله على اشتراكات الأعضاء وحملات جمع التمويلات مثل إقامة معرض فني يتبرع الفنانين فيه بأجر لوحاتهم المباعة، إضافة إلى تبرعات رجال الأعمال.

يتخذ الحزب من الحملات الإعلانية والمؤتمرات الجماهيرية وسائل للاتصال الجماهيري ويعتمد على استطلاعات الرأي في إعداد برنامجه والتي تطبق في كل المحافظات.

يعتبر الحزب أن أهم التحديات التي تواجهه تكمن في النجاح في التمثيل في البرلمان رغم الوقت الضيق قبل الانتخابات وإعداد كوادر حزبية إضافة إلى الدعم المالي الذي يظل قليل “مقارنة بالأحزاب الإسلامية”.[22]

البرلمان والجمعية التأسيسية للدستور: أهم الفرص والتحديات

منذ إسقاط الرئيس السابق مبارك وتسلم الجيش للسلطة بشكل مؤقت، بدأت القوى السياسية تواجه التحديات التي تفرضها المرحلة الانتقالية فمن ناحية هناك احتياج لتسليم السلطة إلى مدنين ومن ناحية أخرى هناك مشكلة ضيق الوقت التي تواجه معظم الأحزاب الجديدة التي تحتاج إلى تنظيم نفسها لدخول الانتخابات البرلمانية القادمة والحصول على مقاعد داخل البرلمان الذي من المفترض أن يقوم باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور.

 في خضم هذه التحديات هناك مخاوف تساور المجموعات السياسية خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية يمكن إجمالها في الخوف من استمرار الحكم العسكري و/أو عودة الحزب الوطني الديمقراطي في شكل من الأشكال، والخوف من سيطرة الإخوان المسلمين.[23]

وقد زادت حدة التوتر في الأونة الأخيرة بين الجيش والقوة السياسية بعد عدة حوادث مثل حادثة ماسبيرو وحوادث العنف التي تورط فيها الجيش تجاه المدنيين إضافة إلى المحاكمات العسكرية للمدنين وتأزم الموقف بعد إعلان الوثيقة التي أعلنها د. على السلمي نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتي تتضمن بنودا رأت فيها بعض القوى السياسية محاولة للسيطرة من قبل الجيش.

من ناحية أخرى هناك تحدى حصول فلول النظام القديم وأعضاء الحزب الوطني المنحل على كتلة ذات شأن في البرلمان، حيث أن العائلات البارزة ولا سيما في المناطق الريفية، ورجال الأعمال الذين كانوا سابقاً أعضاء في الحزب الوطني الديمقراطي، سيتمكّنون من استخدام شبكاتهم القديمة للفوز بتمثيل واسع في الانتخابات النيابية، سواء كمستقلين أم ضمن أحزاب.[24]

الواقع أنه قبل الاستفتاء الذي جرى في مارس الماضي بل وعقبه كان هناك خلاف جوهري بين فريقين: الأول من أنصار “الدستور أولاً”، الذين يتألّفون في غالبيتهم من الليبراليين واليساريين، يرون أنه من غير المنطقي انتخاب مجلسَين برلمانيين ورئيس للبلاد فيما يرجح أن يؤدي الدستور الذي سيوضع لاحقاً إلى تغيير كبير في المنظومة السياسية، مما يقتضي إجراء انتخابات جديدة في فترة لا تتعدّى العام الواحد ولا يمكن إغفال تخوفات هذا الفريق من سيطرة الإخوان على البرلمان الجديد وتحكمهم في صياغة الدستور. أما المطالبون بإجراء الانتخابات أولاً، وعلى رأسهم حزب الحرية والعدالة، فيردّون بأن الدستور الجديد لن يكون شرعياً إلا إذا ارتكز على الانتخابات. كما يعتبرون أن هذه المسألة باتت محسومة بعد الاستفتاء الذي جرى في مارس الماضي ووافق بمقتضاه ثلاثة أرباع الناخبين على إجراء انتخابات تشريعية قبل وضع الدستور.[25] وهنا يثار تحدى أخر حول مدى وعى غالبية الشعب المصري لهذه المسائل المتعلقة بقضايا تثيرها النخبة فهناك تساؤل يطرح نفسه حول ما إذا كان الـ77% الذين قالوا نعم للتعديلات الدستورية كانوا يدركون أن هذه الـ”نعم” تعنى أن الانتخابات ستأتي قبل الدستور وهنا أيضا تسارع المخاوف المتعلقة بسيطرة التيار الإسلامي الذي أستخدم شعارات وحجج دينية للترويج لـ”نعم” للتعديلات لأن هذه هي الأجندة التي تبناها هذا التيار. هذا التخوف يحضر بقوة في الانتخابات البرلمانية ورغم تحذير استخدام الشعارات الدينية إلا أن جماعة الإخوان والسلفيين سيستخدمون الدين كأداة تأثير على الناخب المصري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وتشهد حاليا مصر أعمال عنف في عدة محافظات مثل كفر الشيخ وسوهاج ودمياط وغيرها مما يهدد بعدم إجراء الانتخابات البرلمانية على الأقل في الدوائر التي لم يستقر بها الوضع الأمني بعد.

إن البرلمان المصري حاليا معطل ولا يمكن الحديث عن دور حقيقي فعال يمكن أن يلعبه البرلمان بمعزل عن إجراء إصلاحات هيكلية داخل البرلمان وهو الأمر المرهون بتشكل الانتخابات الجديدة لأن أعضاء البرلمان الجدد هم من لهم حق تغير لائحة عمل البرلمان.

يعانى البرلمان المصري من سوء إدارة بمعنى أنه يوجد عدد كبير من العاملين والباحثين داخل البرلمان لكن ظل عملهم طوال السنوات السابقة مرهون بإرادة الحزب الوطني فلم يكن يستطيع أي نائب من غير أعضاء الوطني الحصول على المعلومات اللازمة لعمله كما كان الأجر الزهيد الذي يحصل عليه لا يسمح له بالاستعانة بباحثين متخصصين أو مستشرين يعاونوه. يحتاج النواب أيضا إلى الحصول على دورات تدريبية في مجالات التشريع وتقديم الاستجوابات وإعداد التقارير والكلمات وكيفية الاستماع والحوار والتفاوض والتوصل إلى حلول في إطار مبادئ العمل الجماعي. من المرجح أن يكون هناك عدد لا بأس به من النواب لأول مرة في هذا البرلمان، لابد من حصول هؤلاء على تدريبات في أسس العمل البرلماني وآلياته. كما يجب على البرلمان الجديد أن يكون واعيا بمطالب واحتياجات الشعب، والعمل وفقًا لسياسة تتيح للبرلمان تحقيق توقعات الشعب، وتحديد آليات تضمن وصول مقترحات ومتطلبات كافة أطياف الشعب إلى البرلمان.

لا يمكن للبرلمان أن يقوم بدوره بفاعلية بعيدا عن المناخ السياسي والثقافي بشكل عام والذي لا يمكن للبرلمان أن يتطور من دون إصلاحات جادة على هذين الصعيدين السياسي والاجتماعي وهو ما فصله النائب السابق ومرشح الرئاسة الحالي حمدين صباحي: “سياسيا لابد من تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، استقلال البرلمان بنصوص في الدستور وبالممارسة، وجود نظام انتخابي يتيح تنوع في البرلمان يسمح بتمثيل مختلف الشرائح والقوى السياسية والاجتماعية المصرية والعمل على تهيئة المناخ الثقافي الذي يمكن أن يستوعب هذا والعمل على تطوير أداء النواب”.[26]

إن البرلمان المصري الجديد أمامه فرصة ذهبية لبناء برلمان جديد على أسس ديمقراطية تتلاءم مع واقع هذا القرن[27] وهو الذي يمكن أن يجعل من التجربة المصرية تجربة رائدة.

من أهم التحديات التي تواجه البرلمان القادم هي ضمان بناء برلمان يتمتع بالشفافية والانفتاح والمسئولية، وأن يمثل كل التيارات السياسية، وأن يكون فاعلاً.

ومن أهم المسئوليات التي تقع على عاتق البرلمان الجديد اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية.

فيما يتعلق بالجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور فقد أعلن السلمي عن كيفية تشكيلها قبل أيام قليلة (نوفمبر الجاري) على النحو الأتي:

ثمانون عضواً من غير أعضاء مجلسي الشعب والشورى يمثلون كافة أطياف المجتمع المصري من قوى سياسية وحزبية ونقابية ومهنية ودينية علي النحو الآتي:

– (15) من الهيئات القضائية بواقع (٤) المحكمة الدستورية العليا (٤) محكمة النقض (٣) مجلس الدولة (٢) هيئة قضايا الدولة (٢) النيابة الإدارية، ترشحهم جمعياتهم العمومية.

– (15) من أساتذة الجامعات علي أن يكون من بينهم (٥) على الأقل من أساتذة القانون الدستوري يرشحهم جميعا المجلس الأعلى للجامعات.

– (15) يمثلون النقابات المهنية يتم اختيارهم في اجتماع مشترك لمجالس هذه النقابات.

– (5) عن النقابات العمالية ترشحهم الاتحادات العمالية.

– (5) عن الفلاحين ترشحهم اتحاداتهم.

– (5) اتحاد الجمعيات الأهلية على أن يكون من بينهم ممثل لذوي الاحتياجات الخاصة.

– (1) اتحاد الغرف التجارية.

– (1) اتحاد الصناعات.

– (1) جمعيات رجال الأعمال.

– (1) المجلس القومي لحقوق الإنسان.

– (1) القوات المسلحة.

– (1) الشرطة.

– (1) الاتحادات الرياضية.

– (1) اتحادات طلاب الجامعات.

– (1) الأزهر.

– (1) الكنائس المصرية.

– (10) شخصيات عامة يرشحهم مجلس الوزراء.

 وعلى الجهات المشار إليها ترشيح ضعف العدد للاختيار من بينهم.

 ويختار الأعضاء الباقون من بين ممثلي الأحزاب والمستقلين، بحسب نسبة تمثيلهم بمجلسي الشعب والشورى، بحد أقصى خمسة أعضاء وبحد أدنى عضو على الأقل.

 ويجب أن يكون من بين أعضاء الجمعية التأسيسية عشر سيدات على الأقل، وخمسة أعضاء علي الأقل لا تجاوز أعمارهم الخامسة والثلاثين. [28]

وقد قوبلت الوثيقة بردود أفعال من القوى السياسية جاءت في معظمها غاضبة إلا أن هذا الغضب كانت له أسباب مختلفة فالتيار الإسلامي يعترض على فكرة المبادئ الحاكمة للدستور والتيار الليبرالي واليساري وشباب الثورة يعترضون على المواد التي تعطى للجيش سلطات واسعة. وقد تطور الأمر بعد مليونية 18 نوفمبر التي كان مطلبها الأساسي تسليم السلطة في جدول زمني محدد ورفض وثيقة السلمي، إلى صدام عنيف حدث بين الجيش والمدنيين المعتصمين بالميدان والذي أدى إلى تصاعد الغضب.

يمكن القول بشكل عام أن الجيش الذي يواجه احتمال خسارة النفوذ الذي كان يتمتّع به في ظل عقود من الحكم السلطوي، يحاول إرساء توازن حساس بحيث لا يفرض حكم عسكري نهائي لكن في نفس الوقت يحاول الحفاظ على امتيازاته السياسية والاقتصادية في النظام الوليد. لقد تمكن الجيش من الظهور في صورة متماسكة في الأشهر الأولى للثورة. لكن فيما تتصاعد الضغوط من الجبهة المدنية على مشارف الانتخابات التشريعية في 28 نوفمبر الجاري، يكتشف الجيش المصري شيئاً فشيئاً أنه لم يعد قادراً على تسيير الأمور بحسب رغبته[29]، خاصة في ظل الزخم الذي تشهده الحياة السياسية حاليا فبجانب القوى السياسية أصبح رجل الشارع مدركا للعلاقة وثيقة الصلة بين الأوضاع السياسية وبين حياته اليومية وإن كان هذا الإدراك يحتاج لكثير من الجهد لتفعيله وترجمته في شكل مشاركة سياسية إيجابية وفعالة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] فيليب دروز فنسانت، هل الحكم العسكري في مصر مؤقت فعلا؟، موقع مركز أبحاث كارنجي أندومنت

[2] المرجع السابق

[3] عبد الخالق فاروق، مأزق الاقتصاد المصري عشية ثورة 25 يناير وكيفية الخروج منه، موقع المؤتمر الوطني

[4] المرجع السابق

[5] المرجع السابق

[6] المرجع السابق

[7] ميشيل دون ومارا رفكين، مصر:غياب الإصلاح السياسي قوض الإصلاح الاقتصادي، فبراير 2011 في موقع كارنجى أندومنت

[8] عبد الرحيم أبو شامة، الاقتصاد في وضع حرج بعد الثورة، 17 سبتمبر 2011 في موقع جريدة الوفد

[9] المرجع السابق

[10] محمد عجاتي، قانون الأحزاب وخطوة جديدة نحو الديمقراطية,أوراق البدائل,2011

[11] مقابلة أجرتها الباحثة مع أ/ أنيس النجار، عضو المكتب السياسي للحزب وأحد الأعضاء المؤسسين في 2 نوفمبر 2011

[12] المرجع السابق

[13] المرجع السابق

[14] مقابلة أجرتها الباحثة مع أ/ أحمد عقل عضو أمانة الاتصال السياسي في حزب الحرية والعدالة أول نوفمبر2011

[15] برنامج حزب الحرية والعدالة من موقع الحزب  http://hurryh.com/Uploadedimage/files/mainsystem.pdf

[16] المرجع السابق

[17] رابحة سيف علام، الأحزاب المشهرة حديثة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ، ورقة غير منشورة

[18] مقابلة أجرتها الباحثة مع أ.وفاء المصري أحد مؤسسي حزب الكرامة ونائب رئيس الحزب لشئون الخدمة العامة في 27/10/2011

[19] المرجع السابق

[20] مقابلة أجرتها الباحثة مع أ/ أحمد خيري عضو المكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار في 2 نوفمبر 2011.

[21] المرجع السابق

[22] المرجع السابق

[23]ميشيل دون، مصر: الانتخابات أم الدستور أولا؟ يونيو2011 في موقع كارنجي أندومنت

[24] ميشيل دون، مصر:الانتخابات أم الدستور أولا؟ مرجع سابق

[25] المرجع السابق

[26] مقابلة أجرتها الباحثة مع أ.حمدين صباحى النائب البرلمانى السابق والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في 22 أكتوبر 2011

[27] على عليوة،أندرس جونسون، مصر لديها فرصة لبناء برلمان جديد على أسس ديمقراطية، 25/10/2011 في موقع محيط

[28] الجمعية التأسيسية للدستور تضم 80 عضوا يمثلون المجتمع، 2 نوفمبر 2011،موقع الأهرام الإلكترونى

[29] فيليب دروز فنسانت،هل الحكم العسكري في مصر مؤقت فعلا؟، موقع كارنجى اندومنت

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart