رد الاعتبار لدور القطاع الخاص في الاستثمار كإستراتيجية للحد من البطالة في الجزائر

رد الاعتبار لدور القطاع الخاص في الاستثمار كإستراتيجية للحد من البطالة في الجزائر

 

ورقة مشاركة في الملتقـى الدولي حـــول:

” إستراتيجية الحكومة للقضاء على البطالة و تحقيق التنمية المستدامة “

الذي نظمته: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير

مخبر الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية في الجزائر

جامعة المسيلة

خلال الفترة 15-16 نوفمبر 2011م

مقدمة:

     في إطار التحولات الاقتصادية الكبرى, التي غيرت من طبيعة الاقتصاد العالمي, وهيمنة أفكار الانفتاح والليبرالية على معظم اقتصاديات دول العالم, لم تجد الجزائر في ظل هذا الوضع الجديد إلا مسايرة الركب خاصة وأن اقتصادها في حد ذاته يشهد مرحلة انتقالية نحو اقتصاد السوق ويعاني من اختلالات هيكلية ووظيفية حادة مما مهد الطريق لتبني نصائح صندوق النقد الدولي والتي من بينها منح الريادة في المجال الاقتصادي للقطاع الخاص, وتدعمت هذه النصائح بعد انضمام الجزائر إلى الشركة المالية الدولية  I. F. S التابعة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير B.I.R.D التي تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص بحيث أن مساعداتها المالية مشروطة بتنفيذ برامج توسيع وتنمية دور القطاع الخاص.

    وفي هذا الشأن يرى أحد خبراء الشركة وهو السيد والتر أيكان أنه” من المستصوب للنهوض بالقطاع الخاص أن تبحث الحكومة مسألة إلغاء المثبطات الواضحة, وذلك بتوفير بيئة اقتصادية ليبرالية”. 1  وبذلك تصبح مسألة رد الاعتبار إلى القطاع الخاص لنجاعة الاستثمار في الجزائر إحدى المظاهر الأساسية لمنهجية الإصلاح الاقتصادي وبالتالي التخفيف من حدة البطالة مما يحقق أفضل السبل للوصول إلى تنمية مستدامة. 2

    وفي هذا الإطار مرت إشكالية التنمية في الجزائر بمرحلتين أساسيتين هما:

     مرحلة أولى, وتميزت بتسخير الاستثمار كأداة لنقل التكنولوجيا حيث لم تكن الدولة في ظل هذه المرحلة بحاجة إلى أموال بقدر حاجتها إلى التكنولوجيا وتجسدت هاته الحاجة في تبنيها لسياسة الصناعات المصنعة والتي هي في الأساس استثمارات اقتصادية تكفلت الدولة لوحدها بأعبائها قصد إحداث تنمية صناعية تهدف إلى الخروج من دائرة التخلف من جهة، والقضاء على البطالة من جهة أخرى بيد أن صعوبة الوفاء بتحديات التنمية اجبر السلطة على الاستعانة بالقطاع الخاص وطنيا كان أم أجنبيا رغم ما أحدثته هاته الاستعانة من تعارض مع المنهج الاشتراكي المتبنى آنذاك من طرفها في مواثيقها الأساسية كبرنامج طرابلس وميثاق الجزائر لسنة 1964، وضمن هذا المنطق المتناقض أصدرت السلطة القانون رقم 63/277 المؤرخ في 27/7/1963 المتضمن قانون الاستثمار والذي اعترف بدور ومكانة القطاع.

  غير أن تعرض الاقتصاد الوطني لأزمة مالية بعد الانهيار المفاجئ لأسعار النفط في سنة 1986 أرغم السلطة على المرور إلى المرحلة الثانية, من مراحل اللجوء إلى الاستثمار الخاص وبالنسبة لهذه المرحلة  فلقد عرفت  بفكرة تسخير الاستثمار الخاص كأداة لجلب رؤوس الأموال وتميزت هاته المرحلة بمايلي( الاستغناء عن المنهج الاشتراكي وتبني معتقدات النظام الرأسمالي، الانفتاح على القطاع الخاص ودعوته إلى الاستثمار الاقتصادي، ترقية القطاع الخاص إلى مرتبة الشريك الاقتصادي) وتكرست هذه الأفكار في عملين قانونيين أساسيين هما: القانون رقم 88/25 المؤرخ في 12/7/1988 المتعلق بالاستثمار الخاص الوطني. والقانون رقم 90/10 المؤرخ في 14/4/1990 المتعلق بالنقد والقرض. 3

   ورغم الظروف السياسية المتميزة بالاضطراب إلا أن القطاع الخاص كان له موضع قدم مهم في النشاط الاقتصادي للدولة والتي لم تجد بدا من الاعتراف به بل وحتى في مشاركته في نجاعة الاستثمارات المحلية في الجزائر.  وعند هذا المستوى لنا أن نتساءل عن: الآليات القانونية المتبعة من قبل الحكومة الجزائرية لنجاعة الاستثمارات المحلية؟

    على ضوء هذه الإشكالية ولتحليل موضوعنا هذا، تطرقنا في البداية إلى التنظيم القانوني الجديد للقطاع الخاص المحلي ودعوته للمشاركة في الاستثمار(المبحث الأول) من خلال القواعد الجديدة من حيث إنشاء المؤسسة الخاصة ونشاطها(المطلب الأول) وكذا القواعد الجديدة لتسيير الاستثمارات الخاصة(المطلب الثاني) لنتوصل إلى الاتجاه نحو تطوير الاستثمار الخاص المحلي(المبحث الثاني) من خلال محاولات تحريك عجلة الاستثمار المحلي(المطلب الأول) وكذا تبني قانون تطوير الاستثمار (المطلب الثاني). وسنفصل ذلك فيمايلي:

المبحث الأول

التنظيم القانوني الجديد للقطاع الخاص المحلي ودعوته للمشاركة في الاستثمار

    أدخلت قوانين الاستثمار عدة مفاهيم جديدة لتنظيم المؤسسة الخاصة الجزائرية تجلت ملامحها في إزالة القيود التنظيمية التي كانت تؤطر القطاع الخاص في السابق كمايلي:

المطلب الأول

القواعد الجديدة من حيث إنشاء المؤسسة الخاصة ونشاطها

الفرع الأول- من حيث الإنشاء:

   اعتقد المشرع أن المؤسسة الخاصة هي الوسيلة الأساسية للإقلاع الاقتصادي أو الإنعاش الاقتصادي حسب تعبير البعض كما أنها البديل الوحيد للخروج من الأزمة والانتقال إلى اقتصاد السوق، وبناء على ذلك فهناك ربط تام بين مفهوم الأزمة وضرورة تجنيد القطاع الخاص وكان هذا الأخير هو العلاج الوحيد لها. 4

  وفي هذا الإطار تم إنهاء العمل بنظام الاعتماد المسبق بشأن إنشاء المؤسسة الخاصة لتكريس شفافية أكثر على توزيع مساعدات الدولة، طبقا لمبدأ العقلانية الاقتصادية. وقد مهد ذلك لبروز قواعد جديدة لإنشاء المؤسسة الخاصة، تتمثل في:

أولا- قاعدة حرية التجارة والصناعة:

 مبدئيا تقضي قواعد القانون الطبيعي بإعطاء الحق والحرية لأي شخص بممارسة النشاط الذي يريده، هذا المبدأ يطال كل أنواع النشاط وسائر القطاعات بدون استثناء. لكن عمليا وعلى المستوى الوضعي فإن هذا المبدأ أصبح على صلة أكبر وقرابة أكثر بالقطاع الصناعي والتجاري وأصبح بنفس الوقت يخضع لمزيد من الضوابط والاستثناءات. 5

  وقد بينت التشريعات الجزائرية أن الاستثمارات تنجز في حرية تامة مع مراعاة التشريعات المتعلقة بالنشاطات المقننة وحماية البيئة. وتستفيد هذه الاستثمارات بقوة القانون من الحماية والضمانات المنصوص عليها في القوانين بهذا الشأن. 6

    هناك تغير واضح في المجال التشريعي لصالح المزيد من التحرر الاقتصادي بما يسمح بتعميق وتكريس مبادئ اقتصاد السوق والحث على المنافسة. 7، وفي الجزائر لازال الاقتصاد يشهد مرحلة انتقالية إلى الاقتصاد الحر, وهو في محاولة مستمرة لمسايرة التطور الاقتصادي العالمي ومحاولتها الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة(OMC) ويتطلب ذلك تطوير الوسائل القانونية والاقتصادية ومنها المنافسة. ففي ظل النظام الاشتراكي لم يفسح المجال للمنافسة الحرة، حيث ظلت الجزائر منتهجة لهذا النهج القائم على مبدأ الاحتكار إلى أواخر الثمانينات، حيث قررت تغيير سياستها الاقتصادية تزامنا مع المرحلة الانتقالية إلى اقتصاد السوق الذي يكرس مبدأ حرية التجارة والصناعة. 8

  والقانون رقم 89/12 المؤرخ في 05 جويلية 1989 المتعلق بالأسعار, هو أول قانون اهتم بالمنافسة الذي تم استبداله بالأـمر رقم 95/06 المؤرخ في 25/01/1995 الذي ألغى الأمر رقم 03/03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 المتعلق بالمنافسة المعدل بدوره والمتمم بالقانون 08/12 المؤرخ في 25 يونيو 2008 المتعلق بالمنافسة. 9

   ولما كان المشرع الجزائري قد نص على مبدأ حرية التجارة أي حرية انسيابها دونما عوائق، فيتوجب، بموجب مفهوم المخالفة, حظر كل ما من شأنه تقييد التجارة، أي ضرورة بث المنافسة التجارية بالسوق, والحيلولة دون تفاديها سواء من الأفراد أو الحكومة. وبذلك جاء قانون المنافسة ليعالج عددا من الممارسات التي يسعى إليها كل من التجار والمؤسسات, من خلال حظر تلك الممارسات وإضفاء روح المنافسة في السوق وجعل السوق مفتوحا دون تعسف من المحتكرين.

   يعد مبدأ حرية التجارة من دعائم النظام الرأسمالي الحر الذي يتفرع عنه حرية المنافسة والاحتكار المشروع، وتعد فيه المنافسة مجرد وسيلة لتحقيق النمو والرفاه، والمفهوم السليم لها يربطها بالنمو بالأداء العام للاقتصاد. 10

   وقد درج الفقه القانوني على معالجة حرية النشاط التجاري حيث اختلفت الدول في تقرير هذه الحرية تبعا للنظم السياسية والاقتصادية التي تتبعها. ومبدأ حرية التجارة معناه أن يكون لكل شخص حرية الاتجار متى توافرت الشروط اللازمة لذلك، كما أن الوجه الآخر لهذا المبدأ هو حرية المنافسة التي تؤتي ثمارها وتنعكس فوائدها على المستهلك والتاجر والمجتمع في آن واحد.11

  غير أن حق الإنسان وحريته في العمل-كما قيل- شأنهما في ذلك شأن كل حق وحرية، لا يمكن أن يكونا مطلقين وبدون حدود أو قيود لأن مبدأ التكافؤ في الفرص بين الناس لا بد فيه من وجود نظام قانوني يحميه وإلا ساد المجتمع البشري قانون الغاب الذي يسمح للقوي بالاعتداء على الضعيف. 12

  تقوم التجارة على الثقة والائتمان، لذا يفترض في التاجر أن يتمتع بالشرف والصدق والأمانة في أعماله، وأن يمتنع عن كل فعل يخالف أصول التعامل التجاري كما هو مستقر عليها في العرف التجاري. 13

ثانيا- قاعدة المساواة بين الأعوان الاقتصاديين المحليين:

   فقد التمييز بين القطاع العام والقطاع الخاص، وفي الجزائر التركيز على الوطنية له أبعاد اجتماعية ونفسية أكثر منها سياسية أو اقتصادية إذ تظهر فيمايلي:

1– الاستثمار بحسن نية:

 ويقصد بحسن النية بذل الجهود الملائمة لانجاز المشروع والاستمرار في أدائه بما يكفل تحقيق الغاية الاقتصادية منه.

  إن التصور القانوني لهذا المفهوم يتضمن زاويتين: من قبل الدولة، يتجلى حسن النية في توفير المناخ القانوني الملائم للاستثمار الخاص. ومن قبل المتعامل الخاص يتجلى حسن النية في تأديته نشاطه في إطار المشروعية الممنوحة من قبل الدولة ودون عرقلة قاعدة حرية التجارة والصناعة المذكورة أعلاه.

2– الاستثمار قصد التعاون:

 أي علاقة التبادل بين مختلف الأعوان الاقتصاديين لتحقيق تنمية متوازية غير اقصائية, ويتجسد ذلك في الاشتراطات العقدية القائمة على مبدأ سلطان الإرادة وهكذا يحل العقد شريعة المتعاقدين محل التنظيم شريعة المتعاملين.

3– الاستثمار قصد التضامن:

 وان كان مبدأ اجتماعي أكثر منه قانوني إلا أنه أحد سمات المؤسسة الخاصة الحديثة, وقد تكرس في الجزائر بعد عجز الدولة عن ضمان التنمية المستديمة وهو ما يفرض على القطاع الخاص ضرورة تبني روح التضامن مع الدولة  من أجل تجاوز الأزمة ويرتبط هذا السلوك الجديد بنوعية المكانة التي يحتلها القطاع الخاص والتي تدعمت أكثر عقب العجز المالي المزمن  الذي يعاني منه القطاع العام  والذي بدأ التفكير في فتح رأسماله أمام مشاركة القطاع الخاص. 14

الفرع الثاني- من حيث النشاط:

   المستثمر الخاص لم يعد مقيد بسقف أقصى للاستثمار إذ يجوز له وبكل حرية تجنيد كل قدراته المالية دون قيد أو شرط باستثناء احترام القواعد العامة المنصوص عليها في القانون التجاري والمتعلقة برأسمال الشركات، بحيث إذا تجاوز الرأسمال التأسيسي للشركة ذات المسؤولية المحدودة ينجر عنه تعديل في الشكل القانوني لها لتصبح بالتالي ومتى توافرت الشروط شركة مساهمة والعكس صحيح. 15

  مع ملاحظة أنه في ظل الوضع القانوني الجديد للنشاط الخاص حضي بتوسع كبير وأصبح له وجود قانوني معترف به يتساوى من حيث الحجم والكيف مع نشاطات المؤسسة العمومية الاقتصادية وبالتالي لا يمكن اعتباره نشاط مكمل لنشاطات القطاع العمومي.

  واشترطت الدولة من القطاع الخاص للاستثمار الوفاء بالاشتراطات التالية:

1– الاشتراطات الاقتصادية:

 تتمثل هذه الاشتراطات فيمايلي:

مساهمته في إحلال المنتوج المحلي محل المنتوجات المستوردة،

تحقيق التكامل الاقتصادي بين مختلف القطاعات الوطنية عامة أو خاصة،

تفعيل أدوات الإنتاج المحلية المملوكة للقطاع العام أو الخاص.

2– الاشتراطات الاجتماعية:

   في ظل الوضع الراهن أصبحت مرتبطة أساسا بمشكلة البطالة المتعاظمة والتي عجزت الدولة عن حلها بوسائلها الخاصة مما تطلب الأمر، دعوة القطاع الخاص للمشاركة معها في القضاء على هذا المشكل، وذلك بالترخيص للمستثمرين الخواص بالاستثمار في النشاطات التي تساهم في ترقية الشغل وإحداث مناصب العمل. 16

  ومن أهم مظاهر فشل السوق عدم أخذه بعين الاعتبار الآثار الجانبية التي تشمل كافة النتائج المترتبة على نشاط ما يصيب الأفراد دون تقاضي مقابل لها, وقد تكون ضارة ومن أبرزها لجوء رجال الأعمال إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال, وفي هذه الحالة يصبح تدخل الدولة وجوبيا للتقليل من تلك الأضرار أو القضاء عليها. ولما كان من نتائج البطالة انتشار الفقر وهشاشة كبيرة في الطبقة الاجتماعية, ولاحتمال تأثيرها على مسار الإصلاحات الاقتصادية, فإن الحكومات المتعاقبة بادرت للتدخل بموجب إستراتيجية للتشغيل من أجل التوظيف الكامل الذي ينبني على أساس التشغيل المنتج. وفي سبيل تحقيق هذه الإستراتيجية وقع على عاتق الدولة مهام ضخمة للتدخل بها في المجال الاقتصادي تباشرها من خلال إجراءات عاجلة وأخرى آجلة نذكر منها:

– اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الإنتاج المحلي من أثر المنافسة المدمرة التي تأتي في إطار تحرير تجارة الاستيراد  حتى لا تفلس المؤسسات العامة والخاصة المحلية مع ما يترتب من تسريح لأعداد ضخمة من العاملين.

– النهوض بقطاع الإنتاج السلعي والزراعي والخدمات والتصدير وتفعيل قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, لأن القضاء على البطالة مرتبط بخلق فرص عمل منتجة.

– وقف وتجميد عمليات التنازل عن أسهم المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص المحلي والأجنبي, لأن الربح يدفع ممتلك الأسهم للاستغناء عن العمال والاعتماد على التكنولوجيا في الإنتاج, والبديل الأفضل أن تعالج الدولة مشكلات المؤسسات العامة بدعم من موارد الدولة التمويلية.

– احتفاظ الدولة بسلطتها السيادية في وضع نصوص تشريعية وقرارات موجهة لتوفير الحماية الاجتماعية للعاملين نذكر من بينها تدخل الدولة بتدابير متنوعة للحفاظ على الشغل نذكر منها برنامج إعادة إدماج العمال المسرحين, إنشاء مراكز البحث عن العمل(CRE) وتشجيع العمل الحر(CATI). 17 وبمبادرة من الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة سعت الحكومة إلى دعم وتمويل إحداث المؤسسات الصغيرة, كما دعت إلى ذلك منظمة العمل الدولية 18, لأجل مساعدة العمال البالغين ما بين 35 و50 سنة وحمايتهم من البطالة 19, وينصب التمويل على العون المالي والخدمات الاستشارية المالية.20

3– الاشتراطات التقنية:

   يتعين على النشاط الخاص أن يحترم المعايير التقنية المعمول بها وخاصة في مجالات التقييس والمعيارية المتعارف عليها وطنيا ودوليا كما يفترض في هذه النشاطات المساهمة في نقل وتحويل التكنولوجيا وذلك من خلال شراء واستعمال الحقوق الصناعية وبراءات الاختراع قصد تنمية القدرات الوطنية في مجال الإنتاج والتحكم.

   ولقد أدرج النظام الضريبي الجزائري في منطق الإصلاحات المنتهجة في الجزائر والتي تقوم على أساس عقلنة الأداء الاقتصادي والتعامل مع منطق السوق الحر قصد تكييفه مع الواقع الجديد وزيادة فعاليته وتمكين المؤسسة للتكيف مع مستلزمات اقتصاد السوق. 21 ,ومن الامتيازات التي أقرها المشرع لفائدة المستثمر الخاص نذكر مايلي:

   أولا- الامتيازات الجبائية:

   من أجل تشجيع الاستثمار، وتتمثل في إعفاءات كلية أو جزئية من الضرائب والرسوم شبه الجبائية المختلفة مثل ماتقرره قوانين المالية من الإعفاء الكلي للمؤسسات السياحية الجديدة من الضريبة على الأرباح الصناعية والتجارية، والهدف من ذلك تخفيف الضغط الضريبي على القطاع الإنتاجي.

ثانيا- الامتيازات المالية:

  تشمل التخفيضات من حجم الفوائد التي يدفعها المستثمر على القروض التي تمنحها له الدولة.

ثالثا – الامتيازات العينية:

  تشمل الأسبقية في الحصول على الأراضي لإقامة المصانع والوحدات الإنتاجية وكذا تسهيلات التموين بالتجهيزات والمواد الأولية وذلك عن طريق الغرفة الوطنية للتجارة. وزيادة على الحوافز الجبائية وشبه الجبائية والجمركية, تستفيد الاستثمارات مما يأتي :

  • الإعفاء من الحقوق الجمركية فيما يخص السلع غير المستثناة والمستوردة والتي تدخل مباشرة في إنجاز الاستثمار,
  • الإعفاء من الرسم على القيمة المضافة فيما يخص السلع والخدمات غير المستثناة المستوردة أو المقتناة محليا والتي تدخل مباشرة في إنجاز الاستثمار،
  • الإعفاء من دفع حق نقل الملكية بعوض عن كل المقتنيات العقارية التي تمت في إطار الاستثمار المعني,

الاستغلال ولمدة ثلاث سنوات بعد معاينة الشروع في النشاط الذي تعده المصالح الجبائية بطلب من المستثمر:

  • الإعفاء من الضريبة على ارباح الشركات,
  • الإعفاء من الرسم على النشاط المهني.

  ومحاولة من الجزائر لإصلاح النظام الجبائي بالفصل بين الضرائب المفروضة على الأشخاص المعنويين والأشخاص الطبيعيين, وتقليص عدد الضرائب والمعدلات قصد تبسيط النظام وزيادة شفافيته انسجاما مع الاتجاهات العالمية في الإصلاح الضريبي من جهة, وقصد رد الاعتبار للضرائب العادية لتحل محل الجباية البترولية من جهة أخرى. 22.

 

المطلب الثاني

القواعد الجديدة لتسيير الاستثمارات الخاصة

 تم الانتقال في هذا الإطار من التوجيه الإداري للاستثمار إلى التوجيه الاقتصادي وكذا استبدال التنظيم الاستثنائي للتسيير بالتنظيم العادي المنصوص عليه في القانون الخاص.

الفرع الأول- التوجيه الاقتصادي للاستثمار:

 حيث حلت الغرفة الوطنية للتجارة محل ديوان توجيه ومراقبة الاستثمارات الخاصة، وهي هيئة ذات طابع صناعي وتجاري تشرف وتوجه النشاطات الخاصة (تمارس رقابة اقتصادية على القطاع الخاص) حيث تؤمن وظيفة المساعدة والإدارة وتوجيه القطاع الخاص نحو النشاطات ذات الأولوية وذلك بأن تضع تحت تصرفهم الوسائل الضرورية لاختيار النشاط الملائم لهم كما تتولى استقبال طلبات الشراء للتجهيزات المتعلقة بالمشاريع الخاصة. 23

الفرع الثاني- القواعد العادية لتسيير الاستثمار:

  بمقتضى أحكام الدستور والقوانين المعمول بها في هذا الإطار، لم يعد للدولة التدخل في تسيير المؤسسة الخاصة(استقلالية التسيير) ومن مظاهر ذلك نذكر مايلي:

– يعتمد المستثمر على موارده الذاتية لا موارد الدولة

– الحرية في التعاقد، بحيث تخضع عقود المتعامل الخاص إلى القانون التجاري أو المدني حسب طبيعة المعاملة، غير أنه في هذا الشأن يجب التمييز بين العقود التي تبرمها المؤسسة الخاصة مع الدولة وهنا تعتبر صفقات عمومية تخضع لرقابة القضاء الإداري، ولتقنيات إبرام وتنفيذ العقود الإدارية، التي من صورها احترام دفتر الشروط الصادر عن الإدارة المعنية. 24

أما بالنسبة لعقود المؤسسة مع المتعاملين الاقتصاديين العموميين أي المؤسسات العمومية الاقتصادية، فبعد أن أصبحوا مجرد أعوان اقتصاديين خواص فإنها تخضع لنطاق تطبيق القانون الخاص على أساس مبدأ سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين.25

– الحرية في التقاضي وذلك بمنح المؤسسة الخاصة الحق في اختيار الجهة الفاصلة في النزاع, والتي نفرق بشأنها بين اللجوء إلى القضاء العادي أو اختيار هيئة تحكيم وذلك طبقا لقانون (الإجراءات المدنية والإدارية) إلا أنه بالنسبة لمنازعاتها مع الدولة والمتعلقة بإبرام الصفقات العمومية فإنها تخضع لرقابة القضاء الإداري. 26

                                                    المبحث الثاني                                                   

الاتجاه نحو تطوير الاستثمار الخاص المحلي

  نظرا لإخفاق قانون الاستثمار في جذب رأسمال الخاص المحلي بفعل مظاهر البيروقراطية, مما تسبب في تجميد المشاريع الاستثمارية, ولإزالة هذه المظاهر قامت السلطة بمحاولة تحريك عجلة الاستثمار المحلي وكذا تبني قانون تطوير الاستثمار كمايلي:

المطلب الأول

محاولات تحريك عجلة الاستثمار المحلي

الفرع الأول- إجراءات سد ثغرات قانون ترقية الاستثمار: يمكن إجمال هذه الإجراءات فيمايلي:

أولا- الحد من الإجراءات البيروقراطية المعيقة للمستثمرين المحليين:

    مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية اضطرت السلطة إلى الإذعان لاشتراطات صندوق النقد الدولي فأصدرت بذلك المرسوم التشريعي رقم 93/12 المؤرخ في 15/10/1993 المتعلق بقانون ترقية الاستثمار. ولكن عائق وجود ذهنيات لازالت تعمل بمنطق التسيير الإداري للاستثمار إضافة إلى عائق غياب الأمن والاستقرار السياسي كافيان لتجميد مساعي جلب الاستثمار. 27, وبالتالي تم الحد من الإجراءات البيروقراطية هاته, وتتمثل في إلغاء شروط الدراسة التقنية والشكلية لملفات الاستثمار من قبل الهيئة المختصة(وكالة ترقية الاستثمار).

ثانيا- إعادة النظر في نسبة الفائدة المصرفية وتبسيط نظام الصرف من قبل الهيئات المالية:

  حيث يمكن لأي بنك فرض النسبة التي يراها مناسبة عن طريق الاتفاق وتحديد نسب الفائدة مع المستثمرين بالنظر إلى طبيعة التعهدات ومدتها والأخطار المحيطة بها. ويتمثل تبسيط نظام الصرف في وجوب مرور كافة عمليات الصرف عبر بنك تجاري معتمد أو مكتب صرف معتمد.

ثالثاحل مشكل العقار محل الاستثمار(العقار الصناعي):

  بإعادة النظر في المناطق الصناعية بمنع المضاربة من قبل المستفيدين بالعقار الصناعي وإنشاء جهة مختصة بمنح الأراضي تتولى تحرير دفاتر شروط منح العقار ومراقبة عمليات المنح وإصدار قرارات المنح. كما يمكن إنشاء لجنة مركزية لتسوية الحالات المجمدة بهذا الشأن(يمكن أن تضم ممثلين عن وزارة الصناعة, أملاك الدولة, أرباب العمل…).

الفرع الثاني- إجراءات تمس أهم قطاعات الاستثمار المنشئة لمناصب الشغل: يمكن ذكر أهم هذه القطاعات فيمايلي:

أولاقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة وقطاع السياحة:

    تحت ضغط البطالة وندرة رؤوس الأموال الضرورية لإنعاش الاستثمارات المنتجة لجأت السلطة إلى محاكاة التجربة الايطالية من خلال محاولة بعث قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة. ومن حيث تدابير الدعم والمساعدة فإنها تهدف إلى توفير إطار تشريعي وتنظيمي ملائم لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومواكبتها للتطور التكنولوجي مما يؤدي إلى إنعاش النمو الاقتصادي وبروز مؤسسات جديدة وتشجيع تنافسية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحسين آدائها.

  ويمكن إنشاء صناديق ضمان القروض البنكية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو نظام القرض المصغر والأخطار الناجمة عنه. وكذا مراكز خاصة تتولى تأسيس وإعلام وتوجيه ودعم ومرافقة هذه المؤسسات.

  يعتبر الحصول على التمويل بجميع مراحله أحد المتطلبات الأساسية لأي برنامج يهدف إلى تنمية الصناعات الصغيرة, ولتحقيق ذلك يمكن إتباع الوسائل التمويلية التالية 28:

– يتعين على حكومات الدول النامية إقامة مؤسسات مالية متخصصة للتعامل مع الصناعات الصغيرة في ظل شروط سهلة وميسرة الإقراض تتمشى مع قدرة هذه الصناعات على الوفاء بذلك.

– الضمانات: يمكن الاستفادة من التجربة اليابانية في الأخذ بنظام هيئات الضمان, حيث أنه وفقا لهذا النظام تتولى هذه الهيئات ضمان منشآت الضمانات الصغيرة لدى البنوك والمؤسسات المالية مقابل تقاضي عمولات ضئيلة بعد أن تقوم بإجراء دراسة شاملة للمنشآت الصناعية الصغيرة، ثم إصدار الضمان اللازم للبنوك, وبموجبها تحصل المنشأة الصغيرة على احتياجاتها من التمويل, بحيث تلتزم هذه المؤسسات بسداد السلف نيابة عن المنشآت الصغيرة في حالة توقفها عن السداد. 29

  وقصد تثمين قطاع السياحة تم ترقية القطاع الفندقي وتحسين نوعية خدماته وكذا تخفيف آجال دراسة ملفات الاستثمار وتحديد كيفيات اعتماد مسير المؤسسة الفندقية.

   ولتحقيق الأهداف العامة لخطة التنمية السياحية تم العمل من خلال إستراتيجية محددة ترتكز على جملة من المحاور والأسس, منها تطوير الإطار القانوني والمؤسسي لعمليات التنمية وذلك من خلال:

– مراجعة وتبسيط التشريعات والخطوات الخاصة بعمليات الاستثمار وتخصيص الأراضي والتعاقدات والتصاريح والموافقات الخاصة بالاستثمار في القطاع السياحي.

– تحديث التشريعات الخاصة بتنمية المناطق السياحية شاملة الجوانب الإدارية والاقتصادية والفنية. 30

ثانياقطاع النقل وقطاع الصيد البحري وتربية المائيات:

  من حيث النقل البحري تم الاعتراف بالنشاط الملاحي الخاص دون تمييز بين المستثمرين كما أجاز القانون للشخص المعنوي الأجنبي الخاضع للقانون الجزائري تملك سفينة ذات جنسية جزائرية. أما من حيث النقل الجوي لا يمكن استغلال خدمات الطيران الداخلية إلا بواسطة مؤسسات خاضعة للقانون الجزائري والتي يجب أن يكون أكثر من نصف رأسمالها من جنسية جزائرية (بالنسبة لشركات المساهمة) وأن يكون الشريك الوحيد من جنسية جزائرية(بالنسبة للشركات ذات المسؤولية المحدودة) ويجب أن يمتلك رأسمالها كليا أشخاص من جنسية جزائرية(بالنسبة لشركات الأشخاص). ومن حيث النقل البري الذي يشمل النقل بالسكك الحديدية (يمكن للخواص استغلال ذلك عن طريق الامتياز شريطة خضوعهم للقانون الجزائري)ونقل الأشخاص(في إطار مخطط وطني للنقل ومخططات ولائية حضرية) والبضائع(خضوعه لتنظيم خاص).

   وبخصوص قطاع الصيد البحري وتربية المائيات فقد تم إنشاء وزارة خاصة بالصيد البحري والموارد الصيدية من جهة وإصدار قانون خاص لقطاع الصيد البحري قصد تنمية الصيد البحري وتربية المائيات وفقا للالتزامات الدولية، وعموما تميز القانون الجديد بتكريس التزام الدولة بدعم نشاطات القطاع وتركه للمبادرات الخاصة.

المطلب الثاني

تبني قانون تطوير الاستثمار

     إدراكا من السلطات العمومية لأهمية الاستثمار الخاص-نتيجة القيود المالية على الاستثمارات العمومية- راجعت قانون الاستثمار بطرح قانون جديد يلغي القيود على الحدود القصوى المسموح باستثمارها، وإلغاء التصريحات المسبقة بالاستثمار، مع منح الاستثمارات ذات الأولوية تحفيزات جبائية ونقدية مع ضمانات واسعة بخصوص المخاطر السياسية. 31 رغم أن الاستثمار يفترض مسبقا القبول بهامش معين للمخاطر. وهذا يتأتى بطبيعة الحال عن عدم إمكانية التأكد المطلق ومهما كانت الظروف واضحة أمام النشاط المعني. وهنا من الضروري إعداد دراسة تحليلية مقارنة للعوائد والمخاطر المتوقعين. 32

الفرع الأول- منح الحرية التامة للاستثمار:

أولا- إضفاء الطابع المرن على مفهوم الاستثمار: إذ لم يعد يقتصر فقط على النشاطات الاقتصادية المنتجة للسلع والخدمات وإنما أصبح يظم أيضا النشاطات المستعادة في إطار الخوصصة والنشاطات المترتبة عن منح الامتياز أو الرخصة.

ثانيا- تكريس الحرية التامة للاستثمار: يبرز ذلك في مبدأ المعاملة بالمثل إذ يعامل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الأجانب بمثل ما يعامل به الجزائريين في مجال الاستثمار، وكذا إلغاء التصريح المسبق كشرط إجباري للاستثمار المعمول به سابقا، وعدم رجعية تشريعات الاستثمار المستقبلية(المراجعات أو الإلغاءات) إلا إذا طلب المستثمر ذلك.

الفرع الثاني- انتقال دور الدولة من دورها كمستثمر اقتصادي إلى دور المحفز للاستثمار:

حيث أصبح النشاط الاستثماري ككل مفتوح أمام المبادرات الخاصة محلية كانت أم أجنبية دون أدنى تخصيص للدولة، ويعد هذا نوعا من الانسحاب الايجابي للدولة من زاويتين هما:

أولاتدعيم أجهزة الاستثمار: من خلال استحداث مجلس وطني للاستثمار لتوحيد مركز القرار المتعلق بالاستثمار  يعمل تحت سلطة رئيس الحكومة(الوزير الأول) وله مهام ذات طابع استراتيجي(تحديد السياسة العامة للاستثمار وتحديد القطاعات المرتبطة به وإيجاد المعايير الملائمة لتوجيه الاستثمار نحو الأهداف المسطرة وبرنامج الحكومة وأولوياتها) ومهام ذات طابع استشاري(كل القرارات الضرورية لتنفيذ وترتيب ودعم الاستثمار وتشجيعه) ومهام ذات طابع تنفيذي(الفصل في الاتفاقيات بين الوكالة والمستثمرة). ويقترح على الحكومة كذا تحويل وكالة ترقية الاستثمار إلى وكالة وطنية لتطوير الاستثمار.

ثانياتبسيط إجراءات الاستثمار: إذا كانت الأنشطة لا تخضع لترخيص مسبق تكتفي وكالة الاستثمار بتلقي تصريح المستثمر وتقيده في سجل خاص وتسلم له شهادة إيداع، أما إذا كانت تتطلب ترخيص مسبق فتتلقى الوكالة الملفات المقدمة من قبل المستثمر قصد الحصول على الترخيص ويشهد بالاستلام لحساب الإدارة المعنية وتجيب بتبليغ مباشر للوكالة في أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ إخطارها من قبل الوكالة وبانعدام الرد تتولى الوكالة ذلك وتكون للإجراءات المتخذة من قبلها بمثابة الترخيص لانجاز الاستثمار.

  وتجدر الإشارة أنه يجوز حق الطعن للمستثمرين الذين يرون أنفسهم أنهم غبنوا بشأن الاستفادة من المزايا, من إدارة أو هيئة مكلفة بتنفيذ هذا الأمر, وكذا للأشخاص الذين يكونون موضوع إجراء سحب تمت مباشرته في حالة عدم احترام الالتزامات المنصوص عليها قانونا أو الالتزامات التي تعهد بها المستثمرون, تسحب المزايا الجبائية  والجمركية وشبه الجبائية والمالية دون المساس بالأحكام التشريعية الأخرى, وتصدر الوكالة مقرر السحب. ويمارس هذا الطعن لدى لجنة, ويمارس دون المساس بالطعن القضائي الذي يستفيد منه المستثمر, ويجب ممارسة هذا الطعن خلال(15) يوما التي تلي تاريخ التبليغ بالقرار محل الاحتجاج أو صمت الإدارة أو الهيئة المعنية مدة (15) يوما ابتداء من تاريخ إخطارها, ويوقف الطعن آثار القرار المطعون فيه, وتفصل اللجنة في الطعن في أجل شهر واحد ولقرارها الحجية التامة أمام الإدارة أو الهيئة المعنية بالطعن.

  وعليه, إن الاستثمار لابد وأن يجري في ظروف تتسم بالشفافية والوضوح وبذلك تتميز شخصية المستثمر عن غيره في الالتزام بالمحددات التشريعية وبالشروط الاقتصادية, وكل ذلك بما يرفع من سمعته الاقتصادية في المجتمع ويجنبه التكاليف أو الأضرار الأخرى المترتبة على عدم التقيد (أو عدم الالتزام) بالقوانين والأنظمة والتعليمات الرسمية سواء تعلق ذلك بما تفرضه الأجهزة الحكومية(التنفيذية أو الأجهزة التشريعية والقضائية أو كما تتبناه المؤسسة الاستثمارية التي ينتمي إليها المستثمر أو يتعامل معها). 33

الخاتمة:

يمكن في الأخير استخلاص النتائج التالية:

– القطاع الخاص الفعال يشكل عنصرا أساسيا في نمو الاقتصاد المستدام في الجزائر, فعبر الاستثمار وما ينجر عنه من توفير فرص العمل, يستطيع القطاع الخاص تقديم وسائل للحد من الفقر. فهو في الحقيقة يمثل محور عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية نظرا لما يتمتع به هذا القطاع من مزايا وإمكانيات كبيرة تؤهله للقيام بدور ريادي في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية, لذالك هناك علاقة قوية بين القطاع الخاص والنمو الاقتصادي ومدى التأثير الايجابي لمساهمة استثمارات القطاع الخاص في النمو وارتباطها بإدامة التنمية والنمو الاقتصادي في الجزائر مقارنة بتأثير الاستثمارات العامة.

 – مع توجه السياسة الاقتصادية في الجزائر نحو اقتصاد السوق فإن الاتجاه نحو الاعتماد على القطاع الخاص وتنفيذ برامج الخصخصة أدى إلى زيادة في نسبة استثمارات القطاع الخاص.

     ولكن رغم أن الجزائر شرعت في تقديم تسهيلات, ومزايا لاستقطاب المستثمرين, من بينها الحصول على العقارات الصناعية, وتخفيض الضرائب على الفوائد, وتقليص مهلة الحصول على الاستثمار, غير أنه هناك عراقيل ونقائص في النظام الجزائري تعود بالدرجة الأولى إلى عدم تأقلم العقليات مع عملية تحرير السوق:

– فشرط مشاركة القطاع الخاص مع الدولة للقضاء على البطالة في الحقيقة يصطدم بمبدأ العقلانية الاقتصادية الذي هو أساس كل نشاط خاص بحيث أن الخواص يرفضون مبدأ التشغيل الكامل، كما لا يعترفون بظاهرة البطالة المقنعة، وبذلك تتقلص حظوظ الدولة في الحل الجذري للإشكالية ويبقى أمل السلطة في تحقيق ولو تقدم نسبي في طاقات للتشغيل.

– كما أن جنوح الإدارة العمومية التي أساءت توزيع الأراضي المخصصة للاستثمار الخاص إذ أصبح هذا المجال حقل خصب للمضاربة العقارية، بحيث أن أغلب الأراضي تم تخصيصها لأغراض غير استثمارية وذلك بإعادة بيعها على حالتها أو إعادة تخصيصها في شكل تعاونيات عقارية، والغريب في الأمر سكوت الإدارة عن مثل هذه الظواهر السلبية وهو ما يفسر على حسب تعبير أحد الفقهاء على أنه” تواطؤ منها قد يكيف من زاوية علم الإجرام على انه جنوح منظم”.

– إساءة استخدام الامتيازات المالية في أنشطة طفيلية غير منتجة، وهكذا أصبحت الإعفاءات الجبائية بمثابة اختلاسات مرخص بها قانونا ضاعفت من حدة الاختلال المالي والعجز الموازني الذي تعاني منه الدولة.

– غياب حركية إنعاش النمو الاقتصادي مما يعكس عدم فعالية الإصلاحات, ومن أهم ملامح هذا الإخفاق ما تعكسه المؤشرات الاجتماعية لسنة 2005 استمرار التوترات الاجتماعية والتي تتجلى في المطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف المعيشة, فقد بلغ معدل البطالة 11,3 بالمائة سنة 2008 نتيجة لتسريح العمال بعد حل عدة مؤسسات عمومية, وعدم وجود استثمارات جديدة معتبرة.

    ولتحقيق الفعالية أكثر نقترح:

– العمل على ضمان الاستقرار التشريعي في إطار خطة عمل لإزالة المشاكل الهيكلية والتسييرية الموروثة عن النظام السائد قبل الإصلاحات, التي تعرقل جهود تطوير الاستثمار فرغم تغير التشريعات إلا أن الذهنيات لم تتغير.

– ضرورة التنسيق بين السياسة الاقتصادية المنتهجة من قبل الحكومة ومختلف الفاعلين في العملية الاستثمارية من إدارة عمومية والحوار بين القطاع العام والخاص.

الهوامش:

1- قامت الدولة الجزائرية بإعداد برنامج طموح للنهوض بالاقتصاد الوطني، انطلاقا من التعديلات التي تجري من حين لأخر في تشريعاتها الاقتصادية تماشيا مع المستجدات الدولية والوطنية. ومن أهم هذه التعديلات قانون الاستثمار. يتمحور قانون الاستثمار حول توفير مناخ ملائم مع وجود آليات أكثر فعالية لتطوير الاستثمار, ورفع من القدرات التنافسية للمؤسسات الوطنية. وأهم مايميز هذا القانون( المعدل بالأمر رقم 06-08 مؤرخ في 15 يوليو 2006، يعدل ويتمم الأمر رقم 01-03 المؤرخ في 20 أوت2001 والمتعلق بتطوير الاستثمار, جريدة رسمية العدد 47, , مؤرخة في 19 يوليو2006, ص 17) مايلي: عدم التمييز بين القطاع العام والخاص, إنشاء شباك موحد يقدم خدمات في الوقت المحدد لكل الأطراف وطنيين أو أجانب. إلى جانب تميزه عن قانون الاستثمار السابق, فإنه يقدم حوافز جمة للمستثمرين بهدف تحفيزهم وجلبهم للقيام بالاستثمار في الجزائر. راجع في هذا: كربالي بغداد, نظرة عامة على التحولات الاقتصادية في الجزائر, قسم العلوم التجارية, مجلة العلوم الإنسانية, العدد الثامن, ,جامعة محمد خيضر بسكرة, الجزائر, سبتمبر 2005, ص65, نقلا عن: منير يونس, ثمار الإصلاحات النهوض الاقتصادي, مجلة الاقتصاد والأعمال, عدد خاص, أفريل 2002, 22, 23.

2- لذلك قال سامولسن(نوبل في الاقتصاد):” إذا كنت تريد تعريف التنمية فاجتهد أولا في تعريف الاستثمار”.

3- معدل بالأمر رقم 03-11 مؤرخ في 2- أوت 2003 يتعلق بالنقد والقرض(جريدة رسمية، العدد 52, مؤرخة في 27 أوت 2003, ص3).

4- حسن بهلول, الجزائر بين الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية، دار دحلب للنشر، الجزائر 1993، ص 63.

5- سعيد يوسف البستاني، قانون الأعمال والشركات، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان 2004، ص 193.

6- المادة الرابعة من الأمر رقم 06-08 المؤرخ في 15 يوليو 2006 المتعلق بتطوير الاستثمار(المذكور سابقا).

7– عبد الحميد زعباط, المناخ الاستثماري في الجزائر, مجلة علوم الاقتصاد والتسيير والتجارة, العدد 11-2004, جامعة الجزائر، ص70.

8– تنص المادة 37 من دستور الجزائر لسنة 1996:” حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون”.

9– الجريدة الرسمية 2 يوليو 2008، العدد 36، ص11.

10– المعهد العربي للتخطيط, تقرير التنافسية العربية، الكويت،2003، ص21.

11– مصطفى كمال طه، القانون التجاري، الدار الجامعية، 1988، ص605.

12– أكرم ياملكي، القانون التجاري، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان, الأردن، 1988، ص 158.

13– عزيز العكلي، شرح القانون التجاري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الجزء الأول, عمان،  الأردن2001، ص17.

14– Dahmani Mohamed, l’économie Algérien a l’épreuve des reformes économique, édition economica, paris 1999, p138.

15– راجع نص المادة 549 من التقنين التجاري الجزائري.

16– Bouter. F, les formes juridiques et les investissements étranges, édition Bettahar 1992,p139.

17– صبايحي ربيعة, حدود تدخل الدولة في المجال الاقتصادي في ظل اقتصاد السوق, المجلة الجزائرية للعلوم القانونية الاقتصادية والسياسية, العدد 02/2010, ص 107 ومايليها, نقلا عن: المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي, لجنة علاقات العمل, مشروع التقرير حول تقديم أجهزة الشغل, الدورة العامة العشرون, جوان 2002, ص108.

18– صبايحي ربيعة, نفس المرجع, نفس الصفحة. نقلا عن: محمد الهادي مباركي, المؤسسة المصغرة: “المفهوم والدور المرتقب”, مجلة العلوم الإنسانية, العدد 11, جامعة منتوري, قسنطينة, الجزائر 1999, ص 132.

19– المادة الأولى من المرسوم الرئاسي رقم: 03-714 المؤرخ في 13/12/2003, يتعلق بدعم إحداث نشاطات البطالين ذوي المشاريع البالغين ما بين حمسة وثلاثين(35) سنة وخمسين(50) سنة.

20– المادتان الأولى والثانية من المرسوم التنفيذي رقم 05- 470 المؤرخ في 12/12/2005, يحدد كيفيات تطبيق المزايدة الجبائية والجمركية الممنوحة للاستثمارات المنجزة من طرف البطالين ذوي المشاريع, البالغين مابين حمسة وثلاثين(35) سنة وخمسين(50) سنة.

21– ناصر مراد, الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر, المجلة الجزائرية للعلوم القانونية الاقتصادية والسياسية, العدد 02/2010, جامعة الجزائر, كلية الحقوق, ص 144.

22– مقال للأستاذ رابح شريط، بعنوان: الاقتصاد الجزائري والعولمة: خمس قضايا في الميزان، أستاذ محاضر بجامعة الجزائر,ص.ص135, 136.

23– Saadouni, les incitations fiscales et la promotion des investissements en Algérie in les Annales de l,IEDF année 1994, p54.

24– أحمية سليمان, العقود المبرمجة في النظام القانوني الجزائري والمقارن, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر 1991,ص79.

25– زوايمية رشيد, محاضرات في القانون الاقتصادي ملقاة على طلبة الماجستير, جامعة تيزي وزو  دفعة 1997, ص45.

26– رياض عيسى, محاضرات في المنازعات الإدارية ملقاة على طلبة الليسانس جامعة تيزي وزو دفعة 89/90 ص13.

27– عجة الجيلالي، الكامل في القانون الجزائري للاستثمار- الأنشطة العادية وقطاع المحروقات- دار الخلدونية للنشر والتوزيع، القبة, الجزائر2006, ص 5 ومايليها

28– نجيب مصطفى, وسائل وأساليب تنمية الصناعات الصغيرة في مصر, تك التنمية الصناعية, القاهرة، 1981, ص88.

29– فتحي السيد عبده أبو سيد أحمد، الصناعات الصغيرة ودورها في التنمية, مؤسسة شباب الجامعة, الإسكندرية، بدون ذكر السنة، ص 175.

30– عامر عيساني، الأهمية الاقتصادية لتنمية السياحة المستدامة- حالة الجزائر- أطروحة دكتوراه في علوم التسيير, شعبة تسيير المؤسسات, كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير, جامعة الحاج لخضر, باتنة 2009/2010, ص 153.

31– رابح شريط، نفس المرجع, ص132.

32– هوشيار معروف, الاستثمارات والأسواق المالية, دار صفاء للنشر والتوزيع, الطبعة الأولى, عمان 2003, ص 20.

33– هوشيار معروف, نفس المرجع, ص 19.

 

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart