أزمة في صناعة الدواء بعد تعويم الجنيه: المرضى يعانون والمستثمرون يضغطون

أزمة في صناعة الدواء بعد تعويم الجنيه: المرضى يعانون والمستثمرون يضغطون

تعاني مصر حاليًا من أزمة نقص الدواء وارتفاع كلفة الإنتاج، وهي الأزمة التي تفاقمت مع تراجع قيمة الجنيه -بعد تعويمه- أمام الدولار، في الوقت الذي تعتمد فيه صناعة الدواء على استيراد المواد الخام الضرورية للتصنيع، وبالأمس عقدت لجنة الصحة في مجلس النواب اجتماعًا مشتركًا مع عدد من شركات الدواء الكبرى وممثلي وزارة الصحة في مسعى للبحث عن حل للأزمة.

كان البنك المركزي قد أعلن يوم الخميس 3 نوفمبر عن تحرير سعر صرف الجنيه والسماح بتسعيره وفقًا للعرض والطلب، بعد شهور ظل فيها سعر الجنيه في السوق الرسمي ثابتًا مقابل الدولار عند 8.88 جنيه.

وشهد الأسبوع الأول لتحرير الجنيه تراجعًا كبيرًا في قيمته ليصل سعر الدولار من 13 جنيه -وهو السعر الاسترشادي الذي أعلن عنه البنك المركزي صباح قرار التعويم- إلى 18 جنيهًا، قبل أن تتعافى العملة المحلية ليصل الدولار إلى 15.8 جنيه أمس الإثنين.

وصاحب قرار تخفيض الجنيه التخلص من قواعد كانت تقضي بمنح الأولوية في النفاذ للعملة الأجنبية في البنوك لمستوردى الدواء والمستحضرات الطبية ضمن حزمة من السلع الأساسية، وهو ما كان يعني تمتعهم بسعر منخفض نسبيًا للدولار غير المتوفر بالمقارنة بغيرها من السلع التي يضطر مستوردوها لشراء الدولار من السوق الموازي بسعر أعلى. وأدى إلغاء تلك القواعد الآن لاستيراد الأدوية بـ «أسعار السوق».

أحمد العزبي، رئيس شعبة الصناعات الدوائية في اتحاد الصناعات، والذي كان واحدًا ممن حضروا اجتماع لجنة الصحة، قال إن تكلفة استيراد الدواء ارتفعت بنسبة 100%، في الوقت الذي ارتفعت فيه تكلفة إنتاج الدواء المحلي بنسبة 50%.

العزبي، الذي رفض الحديث لـ «مدى مصر» عن مجريات الاجتماع في مجلس النواب، قال إن «الأزمة الأكبر التي تواجه صناعة الدواء الآن هي الارتفاع الكبير في التكلفة بسبب تعويم الجنيه، خاصة وأن الدواء هو السلعة الوحيدة الخاضعة للتسعير من الحكومة».

المستهلكون يعانون

أول من تأثر كان المستهلكون. نهى شمس الدين واحدة من مصريين عديدين أحسوا بأزمةنقص الدواء في الفترة الأخيرة.

تقول نهى، وهي أم لطفلة مصابة بمرض السكر، لـ «مدى مصر»: «بحثت عن الأنسولين في أكثر من صيدليه ولم أجده، والمخزون الذي أملكه منه حاليًا لا يكفي إلا شهرًا واحدًا فقط»، مضيفة: «لا أعلم ما إن كنت سأتمكن من إيجاد المزيد في الصيدليات لاحقًا».

من ناحية أخرى، يقول رئيس شعبة الصناعات الدوائية إن بعض شركات الدواء أخذت في تعديل توزيع الدواء على الصيدليات لتفادي حالات نقص الدواء، مضيفًا أن «هذا الوضع أمر مؤقت بالرغم من أن موعد وصول الشحنات الجديدة من الواردات ما زال غير معلوم»، لكن العزبي، الذي تحمل سلسلة من الصيدليات اسمه، يقول أيضًا إن «المخزون الحالي قد يكفي لشهر واحد أو اثنين، بحسب الصيدلية».

ويبدو أن الأزمة قد تتفاقم بالنسبة للمرضى في نواحٍ أخرى، فقد حذرت نقابة الأطباء في بيان أصدرته في وقت سابق من الشهر الحالي، من عجز شركات الدواء المصرية عن استيراد مكونات الإنتاج بالأسعار الحالية، ومن ارتفاع النفقات الذي يهدد بإغلاق مراكز الغسيل الكلوي.

وكان وزير الصحة أحمد عماد الدين قد قال في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي إن أزمة الدواء مختلقة و«إن الحكومة قوية ولا تخشى أحدًا»، وأضاف في تصريحات صحفيةأمس الأول أن أسعار الدواء ستبقى ثابتة.

مشكلة التعويم أم سياسات الصحة؟

يرى علاء غنام، المسؤول عن برنامج الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن أزمة شح الدواء ترجع في المقام الأول إلى «السياسات المتبعة لا إلى قرار تعويم العملة».

ويقول غنام إن الشركات العالمية تنتج أدوية باهظة الثمن، «ولأسباب تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، تتمكن من تحديد سعر الدواء وفقًا لتقديراتها».

وبينما يقول العزبي إن الشركات المحلية تحقق هامش من الربح لا يتجاوز 15% إلى 25%، على نحو يتباين بين الشركات، يرى غنام في المقابل ضرورة كبح سلطة ما أسماه بـ «الاحتكارات» في التحكم في السوق، معتبرًا ذلك «مسئولية تقع على عاتق وزارة الصحة ضمن نظام لتسعير الدواء».

وتعاني شركات قطاع الأعمال العام من خسائر متراكمة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، مع اعتماد تلك الشركات على استيراد 80% من المواد الخام المستخدمة في الصناعة، بحسب غنام، الذي يدافع عن  ضرورة رفع أسعار الدواء المثبتة من قبل الحكومة لحماية شركات صناعة الدواء الحكومية، مع تأسيس نظام للتأمين الصحي في المقابل «يعمل كطرف ثالث يتحمل عبء ارتفاع أسعار الدواء بالنيابة عن المواطنين، أو الاعتماد على موازنة الدولة لأداء نفس الدور».

ويغطي نظام التأمين الصحي 55% فقط من السكان وفقًا لتقرير صادر من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عام 2013.

الحل الذي يطرحه رئيس شعبة الصناعات الدوائية يختلف عن هذا، فالآلية الصحيحة لحل المشكلة من وجهة نظر العزبي هي «العودة للنقاش حول التوازن بين العوامل الاقتصادية المؤثرة في موازنات شركات الدواء من ناحية، وضرورة توفر الدواء بسعر مناسب للمرضى من ناحية أخرى. هذا النقاش ما زال قائما ولم يصل بنا بعد لحل»، على حد تعبيره  .

Start typing and press Enter to search

Shopping Cart