أزمة المياه في اليمن: الحرب المنسية
تسببت الحرب في اليمن بازدياد الكارثة الإنسانية خصوصاً فيما يتعلق بالمياه، التي هي شحيحة أصلاً في اليمن، فارتفاع أسعار النفط زاد من كلفة إيصالها، إضافة إلى مزارع القات التي تستنزف مخزون المياه.
مرام طفلة لم يتجاوز عمرها عشر سنوات بعد ، تنطلق في رحلة يومية شاقة لجلب المياه لأسرتها على ظهور الحمير لمسافة تزيد على خمسة كيلومترات. يظهر عليها التعب والإرهاق من تلك الرحلة اليومية،اناملها الصغيرة المتشققة ترتجف برداً كل يوم تمضي في رحلتها من القرية إلى مكان خزان المياه.
مع بداية الحرب في اليمن في شهر آذار/مارس 2015، عاد إلى قريتها عدد كبير من الأسر النازحة من المدن بفعل الحرب المستعرة هناك، والتي كانت غادرت القرية منذ عقود، مما ضاعف من كميات استهلاك المياه.
هذه الزيادة في عدد سكان القرية التي تعتمد على خزان وحيد، مصدره المياه الجوفية، زاد من معاناة مرام، فأوقات انتظارها للحصول على حصة أسرتها من المياه باتت طويلة، فانعدام المشتقات النفطية قلل من أوقات تدفق المياه إلى الخزان.
قرية المعلي في محافظة إب تعاني هي الأخرى من الجفاف وقلة هطول الأمطار خلال الأعوام الماضية. يقول رضوان توفيق المنتصر من أهالي القرية: “لأول مرة (منذ عقود) تجف ينابيع المياه في القرية”.
يواصل حديثة: “أصبحت رحلتنا للحصول على المياه متعبة، فمع بزوع الفجر ينطلق الناس لجلب المياه على ظهور الحمير من منطقة تبعد حوالي ستة كيلومترات.”
القرى اليمنية المتباعدة والتشتت السكاني خلق ظروفاً صعبة في التنمية الريفية، فوفق مسح أجرته الهيئة العامة لمياه ومشاريع الريف في عام 2012 حول المياه في المناطق الريفية، يقتصر الوصول إلى إمدادات المياه النظيفة – والينابيع والآبار المحمية – على 34 في المائة فقط من المناطق الريفية، مقابل 70 في المائة من المناطق الحضرية.
أزمة المياه في العاصمة
مدينة صنعاء هي الأخرى تعيش أوضاعاً مأساوية، فسكانها البالغ عددهم ثلاثة مليون نسمة يجدون صعوبة في الحصول على المياه، فإمدادات المياه لا تصل إلا لـ 40 في المائة فقط من المنازل وفي أوقات متقطعة من الأسبوع، مع ارتفاع جنوني في أسعار الماء المنقول عبر ناقلات المياه.
انعدام فرص العمل وإغلاق كثير من الشركات والمحلات أبوابها وتسريح موظفيها والارتفاع الجنوني لأسعار المياه، خلقت ظاهرة جلب المياه عبر علب البلاستيك إلى أمانة العاصمة من خزانات المياه الخيرية المنتشرة في الاحياء السكنية.
يقول محمد الشرس: “لم نعد نستطيع شراء الماء عبر ناقلات المياه، نتيجة ارتفاع أسعارها وفقداننا لأعمالنا، فاضطررنا لجلب المياه للمنزل عبر خزانات المياه الخيرية التي توفر المياه بدون مقابل.”
يشكو الشرس بمرارة من الازدحام الشديد الذي يسببه جلب المياه بقوله: “كل يوم يزداد عدد السكان الذين يأتون لجلب المياه من هذه الخزانات، مما يسبب في بعض الأوقات ازدحاماً شديداً، فقد أصبحت الخيار الوحيد لغالبية الناس”.
أمراض نقص المياه
تفيد إحصائيات الأمم المتحدة أن سوء التغذية والأمراض الناجمة عن نقص المياه تؤدي إلى وفاة 14 ألف طفل يمني، دون سن الخامسة، كل عام.
ففي محافظة تعز جنوب العاصمة صنعاء (270 كلم وسط اليمن) انتشرت أمراض حمى الضنك والإسهال والكوليرا، بمعدلات مثيرة للقلق في مركز المدينة و المناطق الريفية التي تعاني من محدودية الوصول إلى المياه النظيفة.
المدينة التي تشهد حرباً طاحنة منذ نيسان/أبريل الماضي وحصاراً خانقاً تفرضه مليشيات الحوثي وصالح على المدينة تسببت في انتشار الأمراض الوبائية في المدينة، فحسب مؤسسة التوعية والإعلام الصحي في المدينة بلغ عدد الحالات المصابة بحمى الضنك خلال شهر آب/أغسطس وحده حوالي (17430)حالة، ما دفع الحكومة اليمنية إلى إعلان مدينة تعز مدينة منكوبة.
الحرب تدمر قطاع المياه
استمرار الحرب في اليمن خلق وضعاً كارثياً على قطاع المياه، فمع بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2015 أعلنت المؤسسة العامة للمياه فرع صنعاء أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في تقديم خدمة تزويد المنازل بالمياه لفترة طويلة.
وذكرت المؤسسة في بيان صادر عنها أنه وبسبب امتناع المواطنين عن سداد فواتير المياه وتراكم المديونية لدى القطاع الحكومية، بحيث بلغ إجمالي الديون المتراكمة حوالي 8 مليار ريال ما يعادل تسعة مليون دولار، لم تعد قادرة على الاستمرار في إمدادات المياه لفترة طويلة.
وعن حجم الخسائر التي تعرض لها قطاع المياه في العاصمة صنعاء، ذكرت المؤسسةأن الخسائر الأولية في قطاع المياه للعاصمة صنعاء جراء الحرب بلغت نحو اثني مليار و430 مليون ريال أي ما يعادل 12 مليون دولار.
ولمواجهة هذا الوضع المتفاقم في استنزاف المياه أفاد مفيد الحالمي، الوكيل المساعد لوزارة المياه والبيئة، في تصريح خاص لموقع اليمني: “إن الوزارة تعاني منذ بداية الحرب من نتائجها الكارثية على مستوى الموارد المالية أو من صعوبة توفير المياه للمواطنين عبر مؤسسة المياه والصرف الصحي”
يواصل حديثه: “تعمل الوزارة بكل جهد للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار ووفق الإمكانيات المتاحة، وبما يساعد على حل جميع المشكلات رغم أن الحرب عادة أقوى من الجهود التي تبذل في إصلاح ما دمرته الحرب”
حوض صنعاء كارثة مرتقبة
يرجع سبب تدهور مياه حوض صنعاء إلى عدة أسباب أبرزها الحفر العشوائي للآبار، واستنزاف المياه في ظل زيادة الكثافة السكانية للعاصمة صنعاء الناتجة عن معدلات الهجرة القادمة من الريف، وتدني كفاءة إدارة واستخدام الموارد المائية في القطاع الزراعي، كما يؤكد محمد سلطان الخبير الهيدرولوجي بمشروع إدارة حوض صنعاء.
” إن عدم وجود تنسيق موحد بين الجهات الحكومية في وضع التصورات والحلول لمعالجة استنزاف المياه هو أحد العوائق في حل مشكلة المياه في العاصمة صنعاء”.
فحوض صنعاء المائي الذي تعتمد عليه لتزويدها بالمياه يعد أكثرها تدهوراً، إذ يتعرض الحوض لعملية استنزاف مستمرة وعشوائية، مما يعرضه للجفاف في حلول عام 2025 وفقاً للدراسات التي أعدها مشروع إدارة حوض صنعاء
.
العاصمة اليمنية التي تقع على ارتفاع يزيد على 2150متر فوق مستوى سطح البحر وعلى بعد 226كم من ساحل البحر الأحمر تواجه مشكلة نضوب المياه كأول عاصمة في العالم سيجف حوضها المائي وإذا استمر الوضع كما هو وفقاً لسلطان.
تعتبر اليمن أحد أفقر بلدان العالم في الموارد المائية، فلا أنهار تجري فيه، ويعتمد كليا على المياه الجوفية، وجداول المياه الصغيرة، ومياه الأمطار في المقام الأول والتي تقدر في المنطقة الوسطى بـ 400-1100 مليمتر ، أما المناطق الساحلية فلا تزيد عن 100 مليمتر سنويا.
القات استنزاف مستمر للمياه
وتأتي زراعة القات في حوض صنعاء ومحيطه من أبرز الأسباب وأكثرها استنزافاً للمياه، وعلى الرغم من قرب نضوب الموارد المائية في اليمن، يواصل المزارعون استنزاف الأحواض المائية عبر حفر آلاف الابار لري 260 مليون شجرة قات تستنزف نحو 50 في المائة من المياه الجوفية المستخرجة.
وقد ازدادت المساحة المزروعة بالقات خلال العقود الأربعة الأخيرة بنحو 23 ضعـفاً، مرتفعة من سبعة آلاف هكتار عام 1970 إلى 159 ألف هكتار عام 2010، أي ما يساوي 10 في المائة من إجمالي المساحة المزروعة المروية في اليمن بحسب المركز الوطني للإحصاء لعام 2010.
وتشير التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن استهلاك القات للمياه يقدر بـ800 مليون متر مكعب سنوياً لإنتاج 25 ألف طن، أي أن الطن الواحد يستهلك 32 ألف متر مكعب من المياه، وقدر أن حزمة القات الواحدة تستهلك 16 متر مكعب من المياه.
أي 8 في المائة من متوسط نصيب الفرد في اليمن من المياه سنوياً، طبقاً لتقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة “فاو” عام (1995).
تستهلك المزروعات المحيطة بمدينة صنعاء، على سبيل المثال، نصف الكمية المستخدمة للري والبالغة 60 مليون متر مكعب سنوياً، وتذهب الكمية الباقية لزراعة القات.
الحصول على المياه في اليمن أصبح كارثة إنسانية، فقد أصبحت مدن وقرى اليمن عطشى بفعل الحرب المستمرة في اليمن.
ويبقى السؤال المطروح هو: إلى متى سوف يصمد الشعب اليمني في مواجهة كوارث الحرب؟.