الرعاية الصحية في العراق باعتبارها حقا إنسانيا
توفير الخدمات الصحية من قبل الدولة جزء أساسي وحيوي من حق الحياة، الذي هو بدوره جزء هام من حقوق الإنسان المبدئية، وهو ما دفع بالقائمين على مؤتمر حقوق الانسان في العراق المنعقد في استانبول بتركيا حاليا الى إثارة هذا الملف الحيوي ومن زوايا شتى مثل تدهور الخدمات وهجرة الأطباء والتلوث البيئي.
وحاول المؤتمرون ان يحمِّـلوا العهد الجديد كامل المسؤولية عن تدهور الوضع الصحي في العراق، في حين يرى مسؤولون عن القطاع الصحي أن الغرض من هذا الطرح هو خدمة أجندات سياسية،ولفت الأنظار بعيدا عن مسؤولية النظام السابق في تدهور الخدمات في المجالات كافة وليس الصحة فقط.
وفيما اعتبر المؤتمرون تدهور الوضع الصحي في العراق حاليا بمثابة جريمة إبادة جماعية للعراقيين بسبب ما وصفوه بتحطيم البنية التحتية للنظام صحي في العراق خلال السنوات العشر الماضية وما نتج عنه من تهديد واضح لشعب كامل، يقول الناطق باسم وزارة الصحة زياد طارق لاذاعة العراق الحر أن ذلك تسقيط سياسي، وأن منظمة الصحة العالمية أشادت بانجازات العراق الطبية مثل القضاء على شلل الأطفال، والوقاية من الأوبئة التي انتشرت في الآونة الأخيرة.
ويرفض عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية حبيب الطرفي القول إن الخدمات الصحية في العراق غير جيدة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أنها دون مستوى الطموح، لكن المشاكل تعود الى عهد النظام السابق سواء بالنسبة للتخصيصات او استهداف الأطباء، لأن النظام السابق كان أعطى الأولية لمؤسسته العسكرية ، كما أنه لاحق الأطباء ما أدى هجرتهم، وهناك حاليا اكثر من 5000 طبيب عراقي في بريطانيا لوحدها عدا بقية بلدان العالم، حسب قوله.
ويؤكد نقيب الأطباء ناظم عبد الواحد أن هجرة الأطباء هي كالسابق دون تغيير، في حين ذكر المؤتمرون ان اكثر من 20 الف طبيب غادروا العراق خلال السنوات العشر الماضية، منهم نسبة 50 في المائة من الخريجين الجدد، وقتل 2000 طبيب، ونحو 40 في المائة من أطباء الداخل يرغبون في المغادرة، لكن على الدولة تحسين أوضاع الأطباء الأمنية والمعيشية والعلمية.
وبعيدا عن تبادل الاتهامات بين المراقبين للوضع الصحي في العراق والمسؤولين عنها يبدو ان هناك حقائق ومعطيات لابد من اطلاع الرأي العام العراقي عليها، وهي ان الصحة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن كما يقول المتحدث باسم وزارة الصحة زياد طارق، وأضاف ان من الأخطاء المرتكبة في العراق ان الدولة تتحمل كل النفقات الصحية في حين ان أغنى الدول وأكثرها استقرارا مثل الولايات المتحدة ودول الخليج تفرض على المواطنين مبالغ مقابل الخدمات التي تقدمها لهم. ويوضح طارق أن لدى وزارة الصحة 1200 فقرة دوائية و2263 مركز صحي و 450 مؤسسة صحية من مستشفى عام ومستشفى تخصصي وهذا عبأ كبير على الدولة ويتسبب في خلل في الجودة.
ويؤكد النائب حبيب الطرفي أن القطاع الصحي كونه من مؤسسات الدولة فهو تعاني من نفس المشاكل التي تعاني منها بقية القطاعات مثل قلة التخصيصات وبالتالي صعوبة بلوغ المعايير الدولية، لأن نسبة النمو السكاني في العراق تبلغ 3 في المائة أي ان المحافظة التي عدد سكانها مليون يرتفع سنويا بمعدل 30 الف مواطن أي انها ستكون بحاجة الى 3 مراكز صحية في العام على الأقل، في حين ان المركز الصحي الواحد في العراق الآن، وبسبب الفساد حسب قوله، يبنى كل 4 سنوات أو أكثر.
وعن التخصيصات الحكومية والتكاليف الحقيقية للصحة التي يقول المؤتمرون في استانبول انها لا تتجاوز نسبة 2 الى 3 في المائة، يكشف المتحدث باسم وزارة الصحة زياد طارق هوة كبيرة فاصلة تقدر بعشرات الأضعاف بين التخصيصات والتكاليف الحقيقية مما يؤدي الى التقليل من جودة الخدمات، إذ لا تزيد حصة الفرد الواحد من التخصيصات المالية في الموازنة العامة للدولة عن 179 دولار لكل فرد في العام الواحد، في حين أن تكاليف العلاج لبعض المواطنين تتجاوز آلاف الدولارات لكن وزارة الصحة لا تتوقف عن تقديمها لهم دون المطالبة بأي تعويض او مساهمة شخصية.
ويضيف النائب حبيب الطرفي عضو لجنة الصحة والبيئة أن تحسين الخدمات الصحية مسؤولية مشتركة بين العديد من مؤسسات الدولة مثل وزارة البيئة والبلديات والمالية والتخطيط مع الصحة كي تقدم خدمات صحية جيدة للمواطنين.
ويؤكد نقيب الأطباء ناظم عبد الواحد انه بالرغم من الخطط الإستراتيجية التي تضعها الدولة لتحسين الخدمات الصحية الا انها لازالت دون مستوى الطموح لذلك لابد من تظافر الجهود بسبب عدم كفاية عدد الأطباء المتدربين رغم افتتاح مراكز صحية عديدة في مجال الرعاية الصحية الأولية، وايضا هناك حاجة لثقافة صحية لدى المواطنين وتعاونهم مع وزارة الصحة لإنجاح تلك الاستراتيجيات.
ويعتبر إشراك القطاع الخاص في العملية الصحية وسيلة لتحسين الخدمات ألا ان المتحدث باسم وزارة الصحة زياد طارق يعتقد بعدم استعداد المجتمع لذلك وان انتفاضة ستندلع اذا أقدمت الحكومة على مثل هذه الخطوة لأن المستشفيات العامة ستخلو من الأطباء.
ويؤيد النائب حبيب الطرفي ذلك مشيرا الى ضرورة الفصل بين أداء القطاع العام والخاص، وان اللجنة النيابية للصحة والبيئة تعمل الان على وضع تشريعات قانونية لتحسين الخدمات.
ولا يخفي نقيب الأطباء ناظم عبد الواحد ان هنالك خللا في النسبة والتناسب بين عدد الأطباء والزيادة السكانية المضطردة في العراق ويطالب بالعمل على تقليل هذه الهوة وتطبيق التشريعات بدقة حيث أشار المؤتمرون في استانبول الى هناك طبيب واحد لكل 1000 مواطن.
وإجابة على حقيقة ان هناك فجوة كبيرة بين الخدمات الصحية في العراق ودول الجوار يقول النائب حبيب الطرفي إنه يعود الى اختلاف الظروف والأوضاع.
وتقول المواطنة أم مريم أن المستشفيات في العراق متفاوتة من حيث النظافة، وايضا سلوك الأطباء يختلف حين يعملون في المستشفيات العامة والخاصة، ومستشفيات الطوارئ تخلوا من الأطباء رغم حاجة المواطنين الماسة لهم في الأوقات المتأخرة من الليل، عدا خلو الصيدليات في المستشفيات الحكومية من الأدوية اللازمة ما يستدعي المواطن لشرائها بمبالغ طائلة من الصيدليات الأهلية.
ويخلص نقيب الأطباء ناظم عبد الواحد الى حقيقة ان الوضع الصحي في العراق كارثي، كما أتضح ذلك أيضا خلال مؤتمر آخر عقد في استانبول قبل نحو أسبوعين لخريجي كليات الطب في العالم، هذا هو واقع الحال، كما يقول نقيب أطباء العراق.