الثروة الريعية في السعودية: غزارة وسوء توزيع
ارض المملكة وما عليها وما تحتها مُلكاً مَلكياً للعائلة المنحدرة من الأب، عبد العزيز آل سعود، الى الأبناء والأحفاد حتى يوم الدين. هكذا ترى العائلة الحاكمة، وعلى هذا الاساس تحكم. اما دستورها فهو ليس كدساتير الدنيا ـ عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع ـ انما هو عقد من طرف واحد يملي على الآخر طاعة ما يخطر لملوك المملكة من احكام وتعيين حكام وتشريع قوانين وانتهاج سياسات وسفح ما توافر من موجودات.
أرقام مخيفة
25 ألف أمير سعودي ينحدرون من عائلة آل سعود يقبضون على مقدرات 20 مليون سعودي، 40 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، و37 في المئة منهم يعيشون في العشوائيات، و70 في المئة منهم لا يملكون سكناً خاصاً بهم، ونسبة البطالة بينهم أكثر من 40 في المئة. أما الأمراء، فمن بينهم الملك وأمراء المناطق الإدارية الثلاث عشرة، ومنهم من في مناصب الوزارة والسفارة أو الإدارة، ومن ليس له منهم ذلك فلهو مرتب شهري جار قدره 100 ألف ريال، إضافة إلى منحة سنوية تقدر بـ400 ألف ريال. طبعاً غير هبات تمليك الأراضي، اي من لم يكن منهم مسؤولا بدرجة ملياردير فإنه سيكون كذلك بصفة رجل أعمال. وهذه الأرقام منقولة عن مصادر تُعتبر نيراناً صديقة لحكام المملكة، كصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، ومعهد بروكينغز الأميركي. ومما جاء بين سطور تقاريرهما أن 60 في المئة من الشعب السعودي هم تحت سن الـ 20، وان النساء يشكلن نسبة 60 في المئة من المتعلمين في السعودية، مما يعني زيادة مضاعفة للبطالة في المجتمع، لأن آليات النظام تعرقل دخول المرأة لسوق العمل. المعهد الاميركي يحذر حكام المملكة من نار تحت رماد الواقع البائس للأكثرية من شعب المملكة، وقد أكدت بعض فقرات ميزانية 2014 التي قدمتها وزارة المالية السعودية حقيقة أرقام الفقر المدقع الذي تعاني منه شرائح واسعة من المجتمع السعودي، حيث ذكر في الميزانية رقم 8 مليارات دولار كمخصصات لمعالجة الفقر في المملكة. وتشير تلك التقارير الى حقيقة تزايد الفقر في الأطراف، خاصة مناطق جيزان ونجران وعسير حيث وصلت نسبته إلى ما بين 24 إلى 39 في المئة من السكان. أما مناطق شمال المملكة والمدينة المنورة وجدة، فهي الأخرى تعاني من حدة ارتفاع نسبة الفقر بين سكانها.
امراء المملكة هم من اغنى اغنياء العالم بحسب مجلة فوربس الشهيرة، فهم لا يملكون المليارات نقداً فقط وإنما يملكون اكبر احتياطي نفطي عالمي وأخصب أراضي الجزيرة العربية. ويكفي أن نعيد هنا للذاكرة الرقم الفلكي الذي تركه الامير سلطان بن عبد العزيز بعد وفاته كحصص لورثته: 285 مليار دولار.
بين التخمة والجوع
صدق الذين قالوا قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، ولو كان الفقر رجلا لقتلته، والجوع أبو الكفار، وأخيراً لا توجد بطون متخمة إلا وبمحيطها بطون جائعة، فتخمة أمراء آل سعود هي سبب فقر شعب المملكة وجوعه وحرمانه من ابسط حقوقه الآدمية: العمل المناسب والسكن اللائق والفرص المتساوية للرفاه.
وفساد نظم الحكم هذا يحتم وجود فساد مالي وإداري يجاريه ويبرره. وهذا ما نلمسه من المعالجات الآنية والطارئة التي يعتمدها النظام كمسكنات لتهدئة خواطر المستائين، خاصة بسبب ما يجري في جوار المملكة من حراك شعبي متصاعد يطالب بالتغيير. فتعويض البطالة وقروض بناء المساكن وزيادة مرتبات القطاع الحكومي التي تعامل معها الملك عبد الله بسخاء اضطراري منذ عام 2010، قد امتصت بعض التوتر، لكنها ومع الوقت راحت تتآكل لأنها موسمية وغير شاملة ولأن ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار تبطل مفعولها، ولأن الفساد يقبض على روحها قبل ان يقبض المواطن ما يتبقى منها.
لم يكتف أبناء آل سعود باحتكار السلطة، وإنما أرسوا تقليداً آخر من الاحتكار يتمحور حول الأراضي في المساحات العمرانية. 65 في المئة من أراضي منطقة الرياض بيد أمراء آل سعود الذين لا يخضعون لأي نوع من الضرائب ولا يحترمون تدابير تخطيط المدن، لأنهم فوق أي قانون أو تشريع. وهكذا الحال بالنسبة لمكة وجدة، حيث احتكار عقد الصفقات والمقاولات الكبرى نوع آخر من الحق المكتسب، فيحصلون منه على ريع إضافي. وهناك العمولات التي عادة ما يحصل عليها الأمراء من صفقات التسلح، كما جرى في صفقة اليمامة التي كان بطلها الامير بندر بن سلطان.
تنتج المملكة حوالي 10 ملايين برميل نفط يومياً بأسعار انحصرت في الأربع سنوات الأخيرة بين 70 الى 100 دولار للبرميل الواحد. اجمالي مخصصات ميزانية المملكة لعام 2014 بلغت 265 مليار دولار. كل هذا وأحياء كاملة من مدينة جدة تغرق كل سنة بسبب الافتقاد البيّن للبنى التحتية بينما مخاطر السيول متوقعة كل سنة تقريباً. كل هذا والخدمات العامة كالصحة والتعليم تكاد تكون معدومة في أغلب المناطق الطرفية بالمملكة. وقد تراكم حجم الموجودات السعودية في الصناديق السيادية الاميركية حتى بلغت 768 مليار دولار، تخسر بحسب تقلبات العملة بينما هناك إغفال للاستثمار في قوى العمل والاستثمار في الإنتاج المستدام.