مقدمة: الاقتصاد السياسي للسلطوية في المنطقة العربية
إن رؤية الباحثين في مجال الاقتصاد السياسي، من اليسار واليمين، والذين لا يكلون عن المجادلة مع بعضهم البعض، يتفقون على حقيقة أن شعوب المنطقة العربية تُعد من أكثر الشعوب تعرضًا للاستغلال في العالم؛ يعد أمرًا مثيرًا للارتباك. فمن ناحية، تجادل المقاربة الماركسية بأن «التراكم عن طريق نزع الملكية» قد بلغ ذروته من الناحية التاريخية.[1] بصياغة أخرى، فإن النخب الحاكمة في المنطقة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، قد انخرطت بشكل عميق في ممارسة مراكمة الثروة عبر انتزاعها من أيدي الشعوب، مستخدمين وسائل العنف (المباشر وغير المباشر)؛ الأمر الذي أسفر عن تعرض تلك الشعوب لمزيد من الإفقار وفقدانها للحقوق يومًا بعد يوم. على الجانب الأخر، إذا اتبعنا مقاربة «السوق الحرة»، سواء الكلاسيكية أو النيوكلاسيكية أو النيوليبرالية؛ فيمكننا المجادلة بأن «المحسوبية» هي أيضًا قد بلغت ذروتها التاريخية.[2] ومجددًا، بصياغة أخرى، فإن النخب الحاكمة انخرطت بعمق في الفساد الاقتصادي الذي يجعل الفقراء أكثر فقرًا ويلحق ضررًا بالغًا بالرأسمالية ذاتها.
ولكي نتمكن بشكل مبسط من فهم مدى تأثير الاستغلال الاقتصادي على الحقوق والحريات وتعزيز القمع في المنطقة؛ يمكننا النظر للأمر، بشكل مؤقت، عبر عدسة وسائل الإعلام. وهو ما يعكس لنا أن كلا المقاربتين اتفقتا على مدى خطورة الوضع. يشرح جوناثان هاردي بشكل نقدي وجود تقليد راسخ في مجال الاقتصاد السياسي «التقليدي»، يدافع عن أن «السوق الحرة» تضمن وجود وسائل الإعلام الحرة المستقلة عن الحكومات؛ ومن ثم فإنها تتمتع بالحرية فيما تنتجه. وتعتقد تلك المدرسة الفكرية أن «السوق الحرة» من شأنها ضمان تمثيل وسائل الإعلام للمجتمع؛ إذ يجب على المؤسسات الإعلامية الاستجابة لاهتمامات جمهورها باعتبارهم مستهلكي محتوى. ورغم ذلك، فإن واقع الأمر يوضح أن المستثمرين في وسائل الإعلام يعقدون ترتيبات مع الحكومات، بسبب الأجندات المشتركة والاستفادة المتبادلة جرّاء التعاون فيما بينهم.[3] ومن المثير للانتباه أن رؤية هاردي النقدية لوسائل الإعلام النيوليبرالية تدعمها أيضًا جليان دويل الأكاديمية المتخصصة في مجال اقتصاد إعلام «السوق الحرة»، والتي تجادل بأنه منذ الأيام الأولى للصحافة المطبوعة، خضعت قدرة التواصل مع الجماهير للعديد من أشكال التدخل من جانب الدولة والسلطات، الأمر الذي أسفر عن تأثر الصناعات الإعلامية –ليس فقط بأغراض السياسات الصناعية والاقتصادية «الاعتيادية»، مثل النمو والقدرة على التأثير– ولكن أيضًا بطائفة من الاعتبارات الخاصة التي تعكس الأهمية الاجتماعية والسياسية والثقافية للاتصال الجماهيري.[4] خلاصة القول أن فرضية التحول نحو الديمقراطية، بمعنى أنه كلما حظينا بالمزيد من وسائل الإعلام الخاص كلما زادت احتمالات رسوخ الديمقراطية والحريات، تبدو أمرًا يصعب تحقيقه بشدة على أرض الواقع، هذا إذا ما افترضنا إمكانية تحقيقه بالأساس. وبهذا المعنى، يمكننا القول بأريحية أن المنطقة العربية، رغم وجود «وفرة» في وسائل الإعلام الخاصة، إلا أن انتهاكات الحريات والحقوق فيها بلغت مستويات غير مسبوقة تاريخيًا.
من هذا المنطلق، دعونا نطرح عدسة وسائل الإعلام جانبًا ونعود إلى الاقتصاد، حيثما يمكننا رؤية العديد من الأدلة في أبحاث إسحق ديوان بـشأن مصر باعتبارها أحد الأمثلة السلطوية في المنطقة، على أن غالبية القروض البنكية تذهب دومًا للشركات الخاصة المرتبطة سياسيًا بالدولة.[5] وأرى هنا أن تبادل المصالح هذا بين رجال الأعمال والنخب السياسية، سواء كانت عسكرية أو مدنية، أمر شائع للغاية في الاقتصادات النيوليبرالية في المنطقة. مع ذلك، تُميّز أنجيلا جويا في أبحاثها بين تحرير الاقتصاد من خلال الليبرالية والنيوليبرالية، وهو أمر من المهم معالجته في أبحاثنا وتحليلاتنا. بالنسبة إليها، يشير مصطلح الليبرالية لعملية التخلص من القيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية، وهو ما يمكن فهمه كعملية «إصلاحات سلبية»، بمعنى إزالة التشريعات واللوائح المقيدة للسوق الحر. وهي تُميّز النيوليبرالية عن هذا، باعتبارها مشروعًا يستلزم «إصلاحات» أكثر راديكالية تستهدف طبيعة الدولة ذاتها؛ ومن ثم، فهي أكثر طموحًا وجذرية من مجرد تحرير الاقتصاد.[6] ولكي نتمكن من فهم هذا الأمر، دعوني أستعين بهذا المثال: في إطار الليبرالية الاقتصادية يمكن تكليف متعاقدين من القطاع الخاص بمشاريع للبنية التحتية من خلال إجراء مناقصات تتمتع بالشفافية. بينما من ناحية أخرى، يغدو الأمر في إطار النيوليبرالية حينما يتم إجراء المشروعات نفسها عبر تكليف متعاقدين في القطاع الخاص من خلال «أوامر مباشرة» من الحكومة.
وبينما يبدو جليًا صعوبة تحمُّل تكاليف إدارة نظام قمعي؛ فإن الحفاظ عليه لأمد طويل هو الأصعب. في هذا السياق، ونظرًا لــ «إخفاق» التحول الديمقراطي في المنطقة العربية؛ تبدو استدامة القمع بمثابة دينامية بحاجة لمزيد من الدراسة في هذا الجزء من العالم. إذ تبزغ الحاجة للتركيز على موضوعات تتناول الاستدامة الاقتصادية للقمع السياسي في المنطقة العربية، وتسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين نماذج السلطوية التي تتعايش جنبًا إلى جنب، فضلًا عن آليات الدعم الداخلي والخارجي لها. واستجابةً لدعوة تقديم أوراق بحثية لهذا العدد الخاص، والطموح، الذي يركز على هذا الأمر؛ تلقيت أوراقًا تناقش موضوعات متنوعة جغرافيًا؛ إذ تتناول مصر والسودان والجزائر والمملكة المغربية والمملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي. كما أنها تتنوع أيضًا من ناحية الموضوعات؛ إذ تناول الباحثون موضوعات الاقتصاد الريعي والفساد والدولة التنموية والحكومات الملكية العربية وإمكانية الوصول للخدمات الأساسية والهيمنة العسكرية، والتنظيمات شبه العسكرية، بالإضافة إلى التدهور الكبير الذي لحق بالحقوق والحريات في أعقاب الانتفاضات العربية.
قبل الاطلاع على هذا العدد الخاص، ونظرًا لطبيعة وتباين الأوراق البحثية التي يحتوي عليها، فإنني أدعو القراء لارتداء «عدسة الاقتصاد السياسي» التي من شأنها أن تجعل تصفحهم لهذه المجموعة المتخصصة من المقالات والتنقل بينها أمرًا يسيرًا. هذه العدسة «غير المثالية» يتم ضبطها وفقًا للاختلافات اللافتة للنظر بين مجموعات الدول في المنطقة العربية، فبينما تستطيع الدول الغنية بالنفط توزيع الثروة على سكانها مقابل السلام الاجتماعي والتصدي مقدمًا للمطالب الاجتماعية الأكبر؛ فإن الدول التي تنتج النفط بمعدلات أكثر تواضعًا لكل فرد، تنزع لتخصيص غالبية الريع لصالح نُخبها، وتوظف جزءً كبيرًا منه لتمويل جهاز قمعي لتأسيس وحماية حكمها. يستند إطار التحليل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هذا إلى أعمال ميلاني كامت وآخرون، إذ يتم تقسيم بلدان المنطقة لثلاث فئات: الأولى «دول وفيرة الموارد محدودة العمالة» (Resource-Rich-Labour-Poor: RRLP)، وهي البلدان التي يحظى الفرد فيها بنصيب عال من إنتاج النفط محدد بـأكثر من 10 آلاف دولار أمريكي سنويًا. وتضم هذه الفئة دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى ليبيا التي يحكمها حاليًا أمراء الحرب، ومن الصعب أن نتمكن من إدراجها بثقة ضمن هذه المجموعة. الفئة الثانية «دول وفيرة الموارد وفيرة العمالة» (Resource-Rich-Labour-Abundant: RRLA)، وهي البلدان التي يتراوح فيها نصيب الفرد من إنتاج النفط بين 250 دولار أمريكي و10 آلاف دولار أمريكي سنويًا. وتضم هذه الفئة الجزائر والعراق والسودان وسوريا واليمن. وأخيرًا، الفئة الثالثة «دول محدودة الموارد وفيرة العمالة» (Resource-Poor-Labour-Abundant: RPLA)، وهي البلدان التي لا يوجد بها إنتاج للنفط أو أن إنتاجها من النفط يبلغ نصيب الفرد فيه أقل من 250 دولارًا أمريكيًا سنويًا. وتضم هذه الفئة مصر والأردن ولبنان والمملكة المغربية وفلسطين وتونس.[7] هذه العدسة، وأكرر «غير المثالية»، ستساعد القراء بشكل عام على فهم الأشكال المختلفة للاقتصاد السياسي للسلطوية في المنطقة، بينما ستمنحنا على وجه الخصوص فكرة جلية، على سبيل المثال لا الحصر، عن الكيفية التي تصرفت بها جيوش الجمهوريات في أعقاب الانتفاضات العربية، ولماذا يختلف النظام الملكي المغربي بشكل كبير عن النظم الملكية في دول مجلس التعاون الخليجي.
يتكون هذا العدد الخاص من سبعة مقالات؛ هذه المقدمة، ومراجعة لكتاب، ومقال رؤى وأربعة دراسات. وقد نشرت المقالات في تواريخ مختلفة، واحدًا تلو الآخر، دونما ترتيب معين. بعد الانتهاء من قراءة هذه المقدمة التمهيدية، أوصي بشدة بقراءة مراجعة الكتاب أولًا، إذ أنها تُمهّد الطريق أمام فهم أفضل لبعض الحقائق والتحليلات التي ستساهم بدورها في عملية استيعاب بقية المقالات، ووضعها في إطار الصورة الجيوسياسية الأوسع.
كتب أسامة دياب مراجعة الكتاب، وقدم فيها نقاش نقدي لكتاب آدم هنية «المال والأسواق والحكومات الملكية»، مُركزًا على «السلطوية كتراكم رأسمالي». من وجهة نظري، وإضافة لما أوضحت أعلاه، يشرح دياب كيف يعد كتاب هنية بمثابة ثروة هائلة من البيانات والمعلومات المُقدمَة في إطار نظري ومفاهيمي مُقنع. وهو يرى أن الكتاب يشكل مرجعًا لا يمكن الاستغناء عنه، ليس فقط للمهتمين بالاقتصاد السياسي للخليج والمنطقة العربية، وإنما أيضًا للمهتمين بالاقتصاد السياسي العالمي. لاسيما وأن الكتاب يستند لفرضية مفادها أن الخليج يشكل عنصر بناء فاعل في العالم، وليس مجرد نتيجة له كما قد يعتقد الأغلبية. وبهذا المعنى، فإن الاطلاع على مراجعة دياب ستساعدنا على استيعاب القوة الجيوسياسية لدول مجلس التعاون الخليجي في المنطقة برمتها، وذلك باعتبارها قوة عالمية وليس فقط كشريكة في السلطوية. بمعنى آخر، أرى أن تحليل دياب لكتاب هنية يمكن النظر إليه في الإطار الذي اقترحته أعلاه بشأن الدول «وفيرة الموارد محدودة العمالة»، ولكنه يتجاوز ذلك لنظرته لدول الخليج باعتبارها أحد مهندسي السياسة العالمية، وليس مجرد لاعب في سياقاتها.
الأن، وبحسب ترتيب صدور المقالات، هناك مقال «رؤي» لروبرت سبرينجبورج، والذي يُشكك فيه على قدرة الاقتصاد المصري (دولة محدودة الموارد وفيرة العمالة) بصورته الحالية على الاستدامة، أو كما يسميه «النموذج السيساوي للتنمية». ويُلقي سبرينجبورج نظرة سريعة على نماذج التنمية الاقتصادية في مصر تاريخيًا منذ عام 1952، والتي استندت بشكل كبير للغاية على الدعم المالي الخارجي؛ فجمال عبد الناصر اضطر للتحول للسوفييت بعدما أسفر نموذجه للاشتراكية العربية عن وجود عجز شبه دائم في الميزانية وميزان المدفوعات. فيما أخفق نموذج انفتاح السادات، أحد أوائل نماذج النيوليبرالية في العالم، وعجز عن تحقيق نمو اقتصادي كاف. الأمر الذي أجبره في منتصف السبعينيات على مناشدة دول الخليج المصدرة للنفط، وحديثة الثراء آنذاك، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليتمكن من تغطية عجزه المالي. ولاحقًا نسخة مبارك لرأسمالية المحسوبية، والتي أخفقت كسابقتيها في إنعاش الاقتصاد، ثم أجبرته الأزمة الاقتصادية لاحقًا على دعم الجهود الأمريكية في طرد الجيش العراقي من الكويت مقابل خفض الدين الخارجي بقيمة ثلاثين مليار دولار. وهكذا، يمكن القول بأن الإرث الاقتصادي الذي تسلمه السيسي لم يكن مقنعًا على مستوى النهج المتبع، ناهيك عن نتائجه غير المشجعة. من ثم؛ لا يعد مفاجأة أن السيسي قرر تبني نموذج اقتصادي آخر، كما لا يعد مفاجئًا أيضًا إخفاقه في تحقيق النتائج المرجوة، نظرًا لسجل سابقيه.
بعد ذلك، يتعمق هذا العدد الخاص أكثر في دراسات الحالة للاقتصاد السياسي للسلطوية، إذ يتناول محمد العوفي الدول المغاربية، محللًا إنفاقها العام على الأمن في مقابل التنمية، في كل من المغرب (دولة محدودة الموارد وفيرة العمالة) والجزائر (دولة وفيرة الموارد وفيرة العمالة). تعتمد الدراسة على قياسات كمية ونوعية للإنفاق العسكري، وكذلك الإنفاق على السياسات الاجتماعية الثلاث (الحماية الاجتماعية، الصحة، والتعليم)، متناولةً هذه القضية من وجهة نظر الاقتصاد السياسي للتسلح والتحليل الشامل للأمننة. ويقدم العوفي خلاصة مفادها أن الإنفاق العسكري في الدولتين يتزايد بوتيرة متسارعة، رغم تأثيره الضار على السياسات الاجتماعية؛ نتيجة لسباق التسلح العسكري بين الجزائر والمغرب، إلى جانب السيطرة الفعلية للنخبة العسكرية على السلطة في الجزائر، والضغوط التي تمارسها النخبة العسكرية في المغرب.
أما دراسة أسماء البنا فيمكن اعتبارها بمثابة اختبار لحجج هنية المذكورة أعلاه، فهي تتناول العلاقة بين الإصلاحات الاقتصادية والحرية السياسية؛ وذلك من خلال تحليل «رؤية 2030» للمملكة العربية السعودية (دولة وفيرة الموارد محدودة العمالة)، وكذلك تعهد محمد بن سلمان بالتحول الديمقراطي. وتهدف رؤية 2030 لتحقيق تغيير اقتصادي بنيوي في الدولة الخليجية البارزة، وتعد بمزيد من الشفافية والمحاسبة وإشراك المواطنين، بالإضافة إلى خلق مساحات اقتصادية واجتماعية أكثر انفتاحًا. وتستند الورقة في إطارها النظري لمفاهيم التحول الديمقراطي والدولة الريعية والصفقة السلطوية، فيما تعتمد على المنهج الوصفي التحليلي لفهم العلاقة بين الإصلاحات الاقتصادية والتحول الديمقراطي. وتخلُص البنا لأن النظام السعودي ينجز الإصلاحات الاقتصادية باعتبارها وسيلة لتحقيق غايته في احتواء التغيير الداخلي والخارجي، واحتكار السلطة، وإضفاء شرعية جديدة على النظام. ويتم تنفيذ تلك الأهداف من خلال إعادة تشكيل النخب، وتمركز السلطة، والقمع المتواصل للمعارضة، وضمان استقرار النظام وتكريس سلطويته.
وفي مساهمته لهذا العدد، يدرس نبيل زكاوي مفهوم «التنمية السلطوية» في المملكة المغربية (دولة محدودة الموارد وفيرة العمالة) وذلك من خلال اختبار الوعود الملكية بإنجاز «دولة التنمية». وفي هذا الإطار، يدرس زكاوي المسار التنموي المتناقض للدولة المغربية؛ فهو يفحص الطبيعة السلطوية للنموذج التنموي المغربي في ضوء نظريتي التحديث والسلطوية التنموية، مسترشدًا بنظرية السلطوية التنافسية. وينتهي زكاوي لأن الدولة المغربية بينما تستهدف تنمية المجتمع، فإنها ذاتها تظل مستعصية على التنمية؛ إذ أن القيود المفروضة على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين تُعزى بشكل كبير لحقيقة أن التحول السياسي للدولة بات خيارًا مستبعدًا. وبشكل خاص، يُعد نمط التنمية في المغرب امتدادًا للسلطوية السياسية المسئولة عن إخفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويُختتم هذا العدد الخاص بدراسة عن الاقتصاد السياسي للسلطوية في السودان (دولة وفيرة الموارد وفيرة العمالة)، إذ يناقش فؤاد أعلوان مستقبل الديمقراطية العربية في ظل الاقتصاد الريعي. وهو يوضح كيف دأبت السلطويات العربية، منذ أمد طويل، على توظيف هذا النموذج الاقتصادي كأداة رئيسية. ويفترض أعلوان أن الاقتصاد الريعي يعد أمرًا مهلكًا، ليس فقط لعرقلته التحرير الاقتصادي، وإنما لتعطيله المسار الديمقراطي أيضًا. ومن أجل فهم أفضل للعوامل التي تشكل وتحافظ على الاقتصاد الريعي كنظام للقمع؛ يركز أعلوان على حالة السودان، إذ يتجسد النظام الريعي بشكل عميق. مسلطًا الضوء على التحديات المعرقلة لانتقال السلطة من المؤسسة العسكرية إلى النخب المدنية، في ظل صمود الاقتصاد الريعي واستفحال الممارسات السلبية التي تعزز السلطوية، مثل انتشار الزبائنية السياسية واستشراء الفساد واستفحاله. ومن المؤسف أن الدراسة توضح بجلاء استحالة بناء نظام ديمقراطي في ظل بنية اقتصادية ريعية. مع ذلك، تتناول الدراسة مناقشة الوسائل التي من شأنها تفكيك الاقتصاد الريعي في السودان لضمان بزوغ دولة منتجة، وذلك عبر تجاوز العقد الاجتماعي الريعي والانتقال لميثاق اجتماعي جديد.
_____________________
[1] هارفي، ديفيد (2004). الإمبريالية الجديدة (The New Imperialism). (أكسفورد، مطبوعات جامعة أكسفورد).
[2] لامبسدورف، يوهان وجراف، ماركوس توب، وماتياس شرام: محررون (2005). الاقتصاد المؤسسي الجديد للفساد (The New Institutional Economics of Corruption). (نيويروك: روتليدج).
[3] هاردي، جوناثان (2014). مقدمة في الاقتصاد السياسي الناقد لوسائل الإعلام (Critical Political Economy of the Media: AN Introduction). (نيويورك: روتليدج).
[4] دويل، جيليان (2013). فهم اقتصاديات وسائل الإعلام (Understanding Media Economics). الطبعة الثانية (لندن: سيدج).
[5] ديوان، إسحاق ومارك شيفباور (2018). الخدمات المصرفية الخاصة ورأسمالية المحسوبية في مصر (Private Banking and Crony Capitalism in Egypt). الأعمال والسياسة 20 (3)، ص ص 390- 409.
[6] جويا، أنجيلا (2020). جذور الثورة: الاقتصاد السياسي لمصر من عبد الناصر إلى مبارك (The Roots of Revolt: A Political Economy of Egypt from Nasser to Mubarak). (كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج).
[7] كامت ميلاني وآخرون (2015). الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط (A Political Economy of the Middle East). (نيويورك: روتليدج).