الفلّاحون الجزائريّون بين السلب الاستعماري واضطرابات الانفتاح
مقدّمة
لا يمكن فصل مسألة السيادة الغذائية والحقّ في الغذاء عن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والايكولوجي للكيان الذي نريد تحليل القضية فيه، سواء أكان ذلك مجتمعًا أم دولة أم منطقة. لذا، سيتعمّق التحليل بالضرورة في علاقات الهيمنة الحالية المتمثّلة بالاقتصاد السياسي العالمي، والمتجذّرة في الموروثات التاريخية للاستعمار والاستعمار الجديد، وخاصّة في بلدان الجنوب. بناء على ذلك، على أي مناقشة للسيادة الغذائية التصدّى لمسائل الاقتصاد السياسي وتاريخ سلب الفلاحن أراضيهم وزعزعة استقرارهم في فترة الاستعمار، وما بعدها. فلا يزال الإرث الاستعماري، وآثاره العميقة على النسيج الاجتماعي، يخرق ويؤثّر عى كافّة جوانب الحياة اليومية في الجزائر.
أستهلّ هذه الدراسة بتقديم نظرة تاريخية للتحوّلات التي طرأت على الفلّاحين الجزائريّن منذ الفترة الاستعمارية، ثمّ سأتناول بعض جوانب الاقتصاد السياسي الجزائري في الخمسين سنة الماضية. وسأبدأ بتحليل ونقد محاولة الجزائر فكّ الارتباط عن النظام الإمبريالي الرأسمالي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، واضعًا المسألة الزراعية في هذا السياق، وتحديدًا، عبر تقييم تجربة التسيير الذاتي و «الثورة الزراعية » لفهم تأثر هذه التطوّرات – بإنجازاتها وإخفاقاتها وأوجه قصورها – على السياسات الزراعية في الفترات اللاحقة. ثم سأنتقل إلى البحث في لبرلة القطاع، التي بدأت في الثمانينات وقوّضت إنجازات العقدين السابقين، مؤدية إلى مزيد من الخلخلة والتدهور في أوضاع الفلاحين والريف في البلاد. فيما بعد، سأحلّل نموذج «الأمن الغذائي » الذي وضعه صناع القرار الجزائريين والمقرن بالتبعية المزدوجة؛ بعبارة أخرى، الاعتماد على الريع النفطي الذي يموّل واردات الجزائر وتبعيتها الغذائية. وأخرًا وليس آخرًا، سأحاول تقديم صورة مفصّلة عن الإمكانات الزراعية الجزائرية لتفكيك الخرافات السائدة التي تقول أن البلدان المغاربية بإمكانها أن تصبح بلدانًا زراعية مصدّرة. وفي الختام، سأعرض بعض الأفكار والملاحظات كتوصيات تصبو للانسجام مع مبادئ السيادة الغذائية.