زيادة الفوارق الاجتماعية تفاقم الاحتقان الشعبي في تونس
على خلاف ما كان ينتظره التونسيون من ثورة كانت أهدافها تحقيق توازن اجتماعي وتنمية عادلة، يزداد الفقراء فقرا والأغنياء غنى.
أظهرت دراسات أن الفوارق الاجتماعية في تونس تعمقت بشكل حاد ومفزع خلال السنوات الخمس الماضية بعد أن زادت نسبة ثراء طبقة معينة مقابل ارتفاع معدل الفقر والبطالة لعموم الشعب التونسي.
ويهدد ذلك بحدوث خلل في التوازن الاجتماعي مع تشكل وضع جديد على انقاض مفهوم الطبقة الوسطى التي راهنت عليها دولة الاستقلال منذ ستينات القرن الماضي.
وعكست الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها تونس وكان بعضها عنيفا جدا حالة الغضب الشعبي من غياب العدالة الاجتماعية من حيث توزيع التنمية في جهات البلاد التي توصف بأنها جيوب للفقر وفي المناطق داخل العاصمة التي تعد ايضا حزاما للفقر والتهميش.
ويعتقد أن زيادة الهوة بين الفقراء والاغنياء بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي كانت من أسبابها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتهميش، تشكل خطرا على استقرار البلاد.
وألقى تزايد الفوارق بين فئة الأثرياء أو ما يعرف بـ”المجتمع المخملي” وبين فئة الفقراء التي يطلق عليها “الشعب الكريم” بظلالها على رؤية التونسيين لنوعية المشكلات التي تواجه المجتمع حيث تظهر استطلاعات للرأي العام أن 77 بالمائة من التونسيين يعتبرون الهوة بين الفقراء والأغنياء مشكلة كبرى تهدد استقرار البلاد وتؤجج حقدا اجتماعيا يعد أرضية خصبة للاضطرابات.
وكان استطلاع للرأي أجراه في وقت سابق مركز بيو غلوبال الأميركي قد أظهر أن 57 بالمائة من التونسيين يرون أن مستقبل أبنائهم على المستوى المادي سيكون أسوأ من وضعهم الحالي باعتبار أن سلم الارتقاء الاجتماعي لم يعد مرتبطا بالعمل والكسب المشروع وبتكافؤ الفرص في التشغيل وإنما مرتبط بعوامل أخرى أهمها الربح السهل وانتهاز الفرص والحظ، حيث قال 59 بالمائة من التونسيين إن الحظ يعتبر عنصرا أساسيا للارتقاء الاجتماعي من فئة إلى أخرى وللثراء.
وتظهر هذه البيانات أن التونسيين فقدوا على ما يبدو الثقة في الكسب المشروع لتحسين وضعهم المعيشي في ظل استشراء الفساد والمحسوبية.
وتتطابق آراء التونسيين ومواقفهم مع ما يذهب إليه الخبراء الاقتصاديون الذين يؤكدون أن انفلات الأوضاع العامة ضرب في العمق ثقافة العمل والجهد كطريق للكسب المشروع وفتحت البلاد أمام عقلية انتهازية دخيلة عن الثقافة التونسية وهي عقلية لا ترى طريقا للثراء أو للارتقاء في السلم الاجتماعي إلا عبر مختلف أشكال الفساد من مضاربة في الأسواق وشبكات التهريب واقتناص الفرص والربح السهل الذي لا يخضع لأي رقابة.
وخلال السنوات الخمس الماضية بدت تونس مفتوحة على مشهد اقتصادي شرس ومتوحش في حل من أي التزام قانوني وأخلاقي، في انفلات ضرب اقتصاد البلاد واسس لمرحلة جديدة تقوم اساسا على الركض وراء الثراء بكل الوسائل المتاحة ومعظمها غير قانونية.
وطال الفساد معظم القطاعات بما فيها تلك التي تمثل مصدر دخل لمعظم التونسيين من تجارة وخدمات، بينما يشكل التهريب والاقتصاد الموازي معضلة تبدو الحكومة عاجزة عن حلها خاصة مع ارتباط بعض المهربين بشبكات ارهابية.
ويرى خبراء أن نسبة الأثرياء التونسيين ارتفعت خلال السنوات الخمس الماضية إلى حوالي 20 بالمائة وتستحوذ على حوالي 80 بالمائة من ثروات البلاد في مجتمع تصل فيه نسبة الفقر في الجهات المحرومة وفي الأحياء الشعبية إلى أكثر من 50 بالمئة.
وتعكس تلك المؤشرات أن الفوارق الاجتماعية زادت بشكل كبير في سنوات ما بعد الثورة فيما كان التونسيون ينتظرون عهدا جديدا يؤسس لعدالة اجتماعية وتشاركية ومجتمعا أكثر توازنا بين فئاته.
ووفق دراسة أجرتها مؤسسة “أمل للحد من الفوارق الاجتماعية” خلال العام 2015 تصل أدنى النفقات الشهرية للأسر الثرية إلى نحو الف دولار، بينما تتراوح نفقات اسرة من الطبقة المتوسطة بين 750 دولارا وألف دولار أما نفقات أسرة فقيرة فلا تتعدى 250 دولارا.
ويرجع الخبراء هذا الارتفاع السريع لنسبة الأثرياء الى الانفلات الذي شهدته تونس بعد الثورة والذي أسس لشبكات واسعة ومعقدة للتهريب في المناطق الحدودية مع كل من الجزائر وليبيا.
ومع بروز طبقة الأثرياء الجدد اخترقت المجتمع التونسي ظاهرة ما يعرف بأنماط الاستهلاك التظاهري لتتفشى سلوكيات استهلاكية لا تعكس فقط حدة الفوارق الاجتماعية وإنما تؤجج لدى معظم الطبقتين الوسطى والفقيرة نوعا من الحقد الاجتماعي يرافقه استياء من سياسة الحكومات المتعاقبة.
وعلى الرغم من أن مستواهم التعليمي متدن وكثير منهم أمي فإن الأثرياء الجدد يمثلون حالة استثنائية بالنسبة لأنماط الاستهلاك لدى غالبية التونسيين، فقد أظهرت دراسة أعدها المعهد التونسي للإحصاء أن أغلب الأسر عاجزة عن تحقيق التوازن بين نفقاتها المتعلقة بالتغذية والصحة والملبس والترفيه.
أما بالنسبة للأثرياء فإن الأنماط الاستهلاكية مختلفة تماما إذ تساعدها وفرة المال على الإنفاق بسخاء.
ويشدد خبراء التنمية الاجتماعية على ضرورة إرساء سياسات اجتماعية عادلة بين الجهات وبين الفئات تقوم على أساس منوال تنموي جديد يقطع مع الاقتصاد الموازي والانفلات الضريبي ويركز على المشاريع الصغرى التي تنسجم مع خصوصيات المجتمع التونسي وتستجيب لتطلعات التونسيين في تحقيق الارتقاء الاجتماعي الكفيل بالحد من الفوارق الاجتماعية.