ظاهرة الطّالب “مشروع بطّال” في الجزائر… أين يكمن الخلل؟ (دراسة تحليلية نقدية)
ورقة مشاركة في:
الملتقـى الدولي حـــول
” إستراتيجية الحكومة للقضاء على البطالة و تحقيق التنمية المستدامة “
الذي نظمته: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير
مخبر الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية في الجزائر
جامعة المسيلة
خلال الفترة 15-16 نوفمبر 2011م
الملخص:
أمام تحولات عالمية سريعة و وتيرة إصلاحات داخلية في الجزائر، لا تزال البطالة في الجزائر تشكل مشكلا يعيق عملية التنمية الوطنية، ولا تزال مخرجات الجامعة الجزائرية غير مستثمرة بشكل رشيد و سليم لتحقيق الأهداف المسطرة. وتأتي هذه الدراسة لتسلط الضوء على ظاهرة خطيرة تتمثل عدم وجود تنسيق بين مخرجات الجامعة و سوق العمل في الجزائر. و لهذا الهدف من هذا البحث هو إظهار أن الخلل يكمن في تبني الدولة سياسات خاطئة في معالجة هذه الظاهرة التي تجعل الجزائر بلدا و مجتمعا هي الخاسر الأول في عالم رأسمالي متوحش لا يرحم الضعفاء و لا يؤمن بسياسات تسير على الأخطاء.
Résumé: Pour les transformations rapides mondiale, et le rythme des réformes internes en Algérie, le chômage reste un problème en Algérie qui entrave le processus de développement national, et continue à la sortie de l’université d’Alger est investi judicieusement et correctement pour atteindre les objectifs de la règle. L’étude de faire la lumière sur le phénomène est un grave manque de coordination entre les sorties de l’université et le marché du travail en Algérie. Et pour ce but de cette recherche est de montrer que le défaut réside dans l’adoption de mauvaises politiques de l’Etat dans la lutte contre ce phénomène, qui fait de l’Algérie un pays et la société est le premier perdant dans le monde d’une impitoyable capitaliste faibles sauvage et ne croient pas à des politiques qui vont à des erreurs.
Mots clés: chômage, la sortie de l’université, le marché du travail, de l’éducation.
تمهيد : لا شك أن العالم من حولنا يعرف تحولات مذهلة في مختلف الميادين. و يشهد تطورات عديدة في جميع المجالات. فمنذ اعتلاء القوة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاؤها قاطرة توجيه الاقتصاد العالمي في نهاية القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين عرف العالم ثورة حضارية مذهلة، ونمطا عمليا و علميا جديدا تخضع آلياته إلى السوق المفتوح و الحرية الفردية و تشجيع القطاع الخاص و فرض سياسات تقشفية معلومة و إتباع نهج ليبرالي قائم على الفردية و المصلحة الدائمة. و لهذا نجد بأن من يخرج عن إتباع هذا النهج يجد نفسه في عالم ضده. وربما قد يتعرض إلى عقوبات أو حضر أو احتلال و غزو أجنبي بوسائل حديثة و تقنيات علمية متطورة مثلما هو حاصل في بعض دول العالم العربي و الإسلامي (العراق، ليبيا، ايران، سوريا،…الخ).
و باعتبار الجزائر دولة نامية و جزء لا يتجزأ من هذا العالم. فهي كذلك ـ و بسبب ظروف داخلية و خارجية معقدة وكثيرة ـ كانت ملزمة بإتباع هذا النظام الرأسمالي و تطبيق آلياته. وهذا ما تجسد فعلا بعد الإعلان عن الانفتاح في 1989م إلى غاية اليوم. غير أن تطبيق هذا النهج الليبرالي أوقع الاقتصاد الجزائري في اختلالات كثيرة، ومن أبرزها نجد ظاهرة البطالة التي تعد من أهم الظواهر المتفشية في المجتمع الجزائري. وللإشارة فقط لا يمكن القول أن هذه الآفة توجد فقط في الجزائر أو أية دولة نامية بعينها.بقدر ما هي ظاهرة تعرفها حتى الدول المتقدمة و مثال ذلك ما تعرفه بريطانيا حاليا(08/2011) من احتجاجات والتي من أبرز مطالب فئة الشباب فيها توفير الحكومة مناصب عمل لفئة العاطلين عن العمل. خاصة منهم الشباب الحامل للشهادات الجامعية و القادرين عن العمل.
وفق هذا السياق، و بالتركيز على حالة الجزائر لكونها بلدنا و نحاول المساهمة جميعا لإصلاحه و تطويره نحو الأحسن. كل حسب إمكانياته و قدراته، فإنه يمكن القول أن الجامعات الجزائرية في تزايد، وعدد المتخرجين منها يعرف نموا متزايدا هو الآخر، غير أن هذا الوضع أوقع الجزائر في مشكلة جديدة تستدعي علاجها. تتمثل في ظاهرة ” الطّالب البطّال” أو الطالب مشروع بطال. حيث ما يلاحظه المرء أن الدولة تبني هياكل ضخمة و تصرف أموال كثيرة على خلق جيل متعلم و فئة طلابية متميزة. لكن في الأخير نجد موقعها في الشارع. ولم تستغل استغلالا عقلانيا لخدمة الوطن و المجتمع بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه.ولهذا جاءت مداخلتي هذه لدراسة هذه الظاهرة، ومحاولة معرفة حقيقتها و توضيح متطلبات حلّها.
من كل ما سبق يمكننا طرح الإشكالية التالية: لمذا توجد ظاهرة عدم التنسيق بين الجامعة و محيطها الخارجي في الجزائر؟، و لمذا سوق العمل بمنظماته المختلفة في الجزائر لا يستثمر مخرجات الجامعة الجزائرية و يوظفها في عملية التنمية المحلية و تحقيق الأهداف المسطّرة؟
سوف يتم الإجابة عن هذه الإشكالية بطريقة تحليلية نقدية حسب الخطّة التالية:
01/- تحديد مفاهيم الدراسة.
02/- أين موقع الجزائر من عصر الاستثمار في الإنسان؟
03/- واقع سوق العمل في الجزائر.
04/-إشكاليات مطروحة: مشروع الطّالب البطّال/هجرة الأدمغة.
05/- متطلّبات علاج الظّاهرة في الجزائر.
- خاتمة.
01/- تحديد مفاهيم الدّراسة
بالنّظر إلى عنوان هذه الدراسة نجد أنه يحمل مفاهيم مركّبة من عدة مصطلحات، لذلك يجدر بنا إعطاء تعاريف لهذه المصطلحات حتى تترسّخ لنا أفكار أولية عن مضمون البحث و معرفة معاني وحقيقة كل هاته المصطلحات :
أولا: البطالة: الباحث في موضوع البطالة يجد تعاريف كثيرة و عديدة لها. ودون التطّرق إليها جميعا يمكن القول إنّ ” البطالة ( unemployment ( ظاهرة اجتماعية اقتصادية (Socio- Economic Phenomenon ) وجدت مع و جود الإنسان “(1). ولكن بتطور البشرية في كافة الميادين خاصة منذ اختراع الآلة أصبح لمفهوم البطالة تداولا كبيرا لدى الباحثين و الدارسين. ليس في الدول النامية فقط و إنما مس حتى الدول المتطورة. و البطالة تعني عموما ” عدم وجود فرص عمل مشروعة لمن توافرت له القدرة على العمل والرغبة فيه”.(2) ودون التطرق إلى كل التعاريف التي أعطتها المدارس النظرية الاقتصادية لظاهرة البطالة وتفسير دلالاتها نجد أنّ ” هناك شرطان أساسيان و يجتمعان معا، لتعريف العاطل بحسب الإحصاءات الرسمية، وهما :
أ – أن يكون قادرا على العمل.
ب- أن يبحث عن فرصة للعمل.(3)
و تأسيسا على ذلك، يجمع الاقتصاديون والخبراء على تعريف العاطل بأنه “كل من هو قادر على العمل، وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى”. و ينطبق هذا التعريف على العاطلين الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة ، وعلى العاطلين الذين سبق لهم العمل واضطروا لتركه لأي سبب من الأسباب(4).وعليه نجد أن هذه الظاهرة تنشأ نتيجة ظروف و عوامل سياسية و اقتصادية و اجتماعية و تفرز كذلك مشاكل عديدة مثل الانتحار و الهجرة السرية و الانحراف والإرهاب و غيرها. بالإضافة إلى ما تقدم ذكره نجد في الدول النامية أن البطالة تمس شريحة واسعة من أفراد المجتمع، خصوصا حاملي الشهادات الجامعية الذين بتعطيلهم تتعطل التنمية و تتخلف الأمة و العكس صحيح.
ثانيا: الطالب مشروع بطال: لا شك أن التنمية الفعلية للدول لا تتحقق إلا بالاهتمام بالبحث العلمي و تطوير وسائله المادية و المعنوية عبر مختلف المراحل التي تمر بها الدولة الوطنية. و حين نتكلم عن البحث العلمي نقصد بذلك مخرجات الجامعة من طلبة و باحثين…الخ.فهم العمود الفقري لنهضة الدولة و تقدمها الإقليمي و العالمي و الحضاري. ولهذا نجد أن عصرنا هذا يوصف بعصر ” الاستثمـار في الإنسان”Investment in human beings” بكل الطرق والأساليب الثقافية والعلمية والجسمانية، فالعنصر البشـري المؤهّل صحياً وعقلياً وثقافياً هو الطاقة الدافعة لأي مشروع اقتصادي أو سياسي أو ثقافي نحو النجـــاح و الريـادة. إن الفرد الواعي و الجيل المتعلم هو العنصر الأشد حيوية و العامل الأقوى في تقدم الأمم و تطوّر الشعوب، وارتقاء الدول و امتلاكها لأسباب القوّة.” إنّ حقائق العصر تؤكّد لنا بما لا يدع مجالا للشك أنّ قوّة الحضارة الغربية إنمّا جاءت من التركيز على التعليم ومن الابتعاد عن معترك الصّراع السّياسي أو التنافس بين الأطراف المتطلّعة نحو تحقيق المصالح الآنية”(5).
وفق هذا السياق، السياسات الرشيدة هي تلك السياسات التي توظف مخرجات الجامعة و تجعلها تساهم في عملية التنمية الوطنية. سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. ولهذا نجد أنشطة الحكومات الواعية هي تلك التي تخلق تنسيقا جيدا بين مخرجات الجامعة و سوق العمل بشكل لا يفرز نسبة كبيرة لبطالة الطلبة و حاملي الشهادات الجامعية. لكن ما يلاحظ في الجزائر انه لا يوجد تنسيق بين مخرجات الجامعة و سوق العمل، وبالتالي أصبح الطالب عبارة عن مشروع بطال.أي إن الدولة لما تقوم بصرف أموال كثيرة لتعليمه و تنشئته و تربيته منذ الصغر إلى الكبر و يصل إلى مرحلة العطاء و العمل لا يجد العمل الذي يريده. و شهادته الجامعية غير مرغوب فيها في المؤسسات التي يريد العمل فيها. و على هذا الأساس نجد أن ” الطاقات مبعثرة و مدارس أو مراكز التكوين المهني تقوم بمجهودات لتكوين و تدريب الشباب الذين لم يوفقوا في اجتياز امتحان البكالوريا.لكن هذا التكوين لا يجدي نفعا في اغلب الأحيان لسبب رئيسي و هو أن التكوين و التدريب تم بقصد التكوين لا غير، و أن الشباب لا يعثر على الوظيفة التي يحلم بها. و المفروض في مثل هذه الحالة، أن تقوم الدولة أو الجهات المسؤولة عن التكوين و التأهيل بتحديد احتياجات الإدارات و الشركات و تتعرف على احتياجاتهم، ثم تقوم بتدريب و تأهيل الشباب للوظائف المطلوبة. وفي هذه الحالة لا يبق الشباب مرميا في الشارع بعد تخرجه، و إنما يلتحق مباشرة بالجهة التي أعلنت احتياجها إليه(6). وأمام استفحال هذه الظاهرة التي تنخر الاقتصاد الوطني و تقتل الطاقات الجزائرية نجد العالم من حولنا يعمل من أجل كسب هذه الطاقات و جلبها إليه حتى يوظفها و يستفيد من عطائها غير المحدود.وما وجود الآلاف من الأدمغة الجزائرية الكفأة و المتخصصة (في أوربا و أمريكا و بعض دول الخليج) لدليل على صحة ما نقول.
02/- أين موقع الجزائر من عصر الاستثمار في الإنسان؟
الباحث في مختلف العصور الغابرة يجد بأنّ المجتمعات البشرية تطورت و بنت حضاراتها المختلفة باستخدام شيء مقدس هو ” العقل”.فهذه الملكة الربانية و المتفردة فقط لدى الإنسان هي التي جعلت من الخيال حقيقة ومن الفكرة واقع.ومن الإطار النظري واقعا يلمسه الإنسان بيديه و يراه بعينيه و يسمعه بأذنيه.ومثال ذلك ما يستخدمه فرد القرن الواحد و العشرين من وسائل الكترونية و تقنيات حديثة كالانترنيت و الهاتف النقال و الكمبيوتر المحمول و غيرها. فبالرغم من توفر كل هذه الإمكانات المادية فإن التقدم لا معنى له إذا لم يكن للعقل قيمة و للفرد المتعلم و الباحث سلطان على هذه الإمكانات المتوفرة. وعلى هذا الأساس يرى أحد الباحثين أنه ” لم تعد الجامعة مجرّد مؤسسة تربوية عليا ولكن أساسا فاعلا إستراتيجيا منتجا لسلع إستراتيجية (المعرفة)، تساعد المتخرجين على المنافسة في سوق العمل، والمشاركة بالأفكار والمشاريع المقاولاتية، كما توفر للدولة الموارد البشرية الكفأة القادرة على التطور المستمر والقادرة على الإنتاج البحثي والإبداع العلمي، بل وحتى تعميق الأفكار والقيم والمعايير والقواعد الأخلاقية والقانونية بما يتوافق وحاضرها العالمي دونما الانسلاخ من خصوصياتها الوطنية، لغوية كانت أم دينية أم حضارية أم تاريخية(7).
وبالنظر للوضع السائد في الجزائر نجد بأن الخطاب الرسمي يرى أن الجزائر حققت انجازات ضخمة في مجال البحث العلمي و تطوير الجامعة الجزائرية. وان ما حققته الجزائر في السنوات الأخيرة من نسب مرتفعة لدليل على نجاح الإصلاحات التي تطبقها الدولة في مجال التربية و التعليم، و هذا ما “يبرز التقدم الإيجابي لنسب النجاح المسجلة، خلال السنوات الأخيرة، في مختلف الامتحانات، أن النتائج الدراسية تندرج في إطار منطق التقدم المتواصل على المستويين النوعي والكمي. أما الجوانب الكمية فتتمثل في نسبة النجاح في البكالوريا التي بلغت هذه السنة (2011)أكثر من 62 بالمائة، فيما لم تتعد قط30 بالمائة قبل تطبيق الإصلاحات. فيما انعكست الجوانب النوعية لهذا التطور في التزايد المستمر مع مرور السنوات لعدد المرشحين الفائزين بتقدير حوالي 44 بالمائة من تعداد إجمالي الناجحين سنة 2011م(8).
ولكن حسب الكثير من الباحثين و المختصين الجزائريين أن هذه النسب العالية في النجاح سواء لحاملي البكالويا أو المتخرجين من الجامعات الجزائرية لا تعكس حقيقة الوضع. وأن ” الجامعات أصبحت تقوم بدور محو الأميــة لا غيـر”(9). فهي لم تعد تساهم في عملية التنمية الوطنية و تطوير المجتمع الجزائري، بل أصبحت عبء على أفراد المجتمع الجزائري إلا حالات استثنائية لا يقاس عليها.فكثير من المتخرجين لا يجدون مصروف يومهم، وأصبحوا هم الفئة التي تمنح لها الزكاة و الهبات المختلفة، وهذا ما جعل الكثير من الفئات غير المتعلمة والتي نالت حضا من العمل في السوق السوداء تصف فئة الجامعيين الحاملين للشهادات الجامعية بـ ” الطالب الطلاب”.أي متسول و يحتاج لمد العون إليه من الآخرين.
ما يلاحظ عموما أن الجزائر ” دولة غنية و لكن ليست متقدمة، إذ تتوافر لديها الموارد و السلع، لكنها لا تملك قاعدة علمية و تكنولوجية متينة لتوليد المعرفة الجديدة(10). فهي في عصر العولمة مثلها مثل بقية “الدول العربية التي نجد وضعها في مجال العلم أصبح يماثل وضع انغولا و نيكاراغوا و الصومال…و أن العربي ينتج ما يتراوح بين 01 و 02 في المائة مما ينتجه الإسرائيلي”(11). وعلى هذا الأساس يمكن القول أن المرحلة الحالية تتميز بإعطاء أهمية كبيرة لتأهيل العنصر البشري وجعله يواكب عصر التكنولوجيا وعصر المعلوماتية المتجددة.إذ لا يعقل أن تحقق الجزائر تنمية حقيقية بسيطرة ذهنيات تقليدية، تعيش و تفكر بنمط سكوني جامد. فتوفر الموارد يتطلب نضج فكري مؤسساتي لتوظيفها بشكل سليم و منطقي لتحقيق الأهداف المنشودة و توظيف اليد العاملة الجزائرية و استثمارها داخل الوطن.و تدعيمها بكل الوسائل من أجل البقاء في الوطن و عدم الهروب منه نحو الخارج. إن هذا لا يعني أنه لا توجد للجزائر سياسات تدعم هذا الطرح، ولكن بالنظر للواقع الملموس و ما يجري من حولنا من تطورات يفرض عملا أكثر و تدعيم أكبر لفئة الشباب العاطلين عن العمل.فالعالم الرأسمالي لا يرحم الضعفاء و تطبيق النظام الليبرالي يفرض يد عاملة مؤهلة من كافة النواحي الجسمانية و الثقافية و العلمية و السلوكية.فلم يعد في عصرنا هذا تسود فكرة ” أهلا بحامل الشهادة في مؤسساتنا” بل تغير الشعار إلى ” ماذا تستطيع أن تضيف لمؤسساتنا” التي تعيش في سوق تطغى عليه المنافسة الشرسة المنتجة لفكرة وواقع شعاره “البقاء للأقوى”.
03/- واقع سوق العمل في الجزائر:
عرف سوق العمل في الجزائر بكل منظماته تحولات عديدة، خاصة بعد الإعلان عن الانفتاح السياسي و الاقتصادي في بداية التسعينيات من القرن العشرين.حيث بمجرد أن أعلنت الجزائر عن تطبيق سياسة الانفتاح والاهتمام بالقطاع الخاص حتى تبعتها عشرية أمنية غير مستقرة. عرف فيها الاقتصاد الجزائري اختلالات كثيرة وتبعية للمؤسسات الأجنبية و وضعا صعبا كاد أن يؤدي بالجزائر لحالة اللاّدولة و الانهيار و التدمير الشامل. خاصّة إذا علمنا بأنّه اقتصاد هش و قائم على الريع ومشاريع التنمية الوطنية تمول كلّها منه. ولكن بعد استتباب الأمن و اعتلاء السلطة السياسية في الجزائر قيادة ليبرالية(15/أفريل/1999) أعلنت الجزائر تطبيق اقتصاد السوق و فتح الشراكة مع الدول المتقدمة و تشجيع الاستثمار الأجنبي، و إعادة بناء بنية اقتصادية و نسيج اقتصادي جديد يواكب عصر العولمة. و على هذا الأساس نجد رئيس الجمهورية( عبد العزيز بوتفليقة) في إحدى خطاباته( افريل 2009) يقول:
“…حرصنا على تكييف إطار تسيير الاقتصاد مع الواقع الجديد وعلى توسيع وتحديث منشآتنا القاعدية الاقتصادية وعلى تطهير مؤسساتنا المالية والشروع في تحديثها وعلى إعادة تحديد حيز القطاع العمومي الاقتصادي وترشيد تنظيمه. وقد باتت الظروف مواتية لمباشرة حركة واسعة لتنويع نسيجنا الاقتصادي وتكثيفه. وستسعى الدولة بكل طاقتها إلى حفزه ودعمه بإنعاش الاستثمار في فروع الاقتصاد العمومي التي عادت إلى النشاط والنجاعة وبالسعي إلى كسر بقايا العراقيل التي قد تكبح المبادرة الخاصة وبالتشجيع الجبائي للنشاطات التي تدر قيمة مضافة كبيرة وتلك التي ترتكز على الإبداع والتجديد وبإعادة توجيه بنوكنا نحو تمويل نشاطات الإنتاج والخدمات ذات المضمون التكنولوجي وبمواصلة الانفتاح على الاستثمار الأجنبي شريطة أن يسهم فعلا في الإنتاج وفي إنماء الثروة الوطنية وكذا في التطور التكنولوجي للبلاد… صممت على تحقيق هدف رئيسي يتمثل في إنشاء ثلاثة ملايين منصب شغل خلال السنوات الخمس المقبلة. وسأسهر باستمرار على تسخير كافة وسائل النشاط العمومي لتحقيق هذا الهدف الذي سيتيح إدماج الأغلبية الساحقة من شبابنا مهنيا وفتح آفاق مشرقة في وجه الجميع…”(12).
الملاحظ من خلال محتوى هذا الخطاب الرسمي أن الجزائر تعاني من اختلالات كثيرة و أن سوق العمل فيها يعرف عدة مشاكل تعيق تحقيق التنمية الوطنية، وأن أحد أهم هذه المشاكل هي ” عدم ملاءمة المخرجات التعليمية لمتطلبات سوق الشغل، حين لا تلقى المخرجات التعليمية الطلب الفعال في سوق الشغل، فلا تجد الكثير من التخصصات الفرص المناسبة بعد التخرج، أو تظهر الحاجة إلى بعض المهن و الوظائف التي لا يوفرها التعليم العالي”(13)، وقد أبدت الجزائر في الكثير من المناسبات دعمها للتخصصات العلمية على حساب تخصص العلوم الإنسانية. فهذه الأخيرة في نظر السلطة الجزائرية لا تضيف لسوق العمل أي شيء، وأن السوق الجزائري بحاجة إلى تخصصات علمية نحتاجها في الإنتاج و الواقع أكثر من فروع العلوم الإنسانية، لأن الواقع العالمي يفرض ذلك، وأن البلد بحاجة إلى فئة تملك العلم و الخبرة و التمرين و التدريب و التطبيق بدل العلم النظري غير المفيد. ولكن بالنظر إلى الواقع ورغم ما حققته الحكومة الجزائرية و ما سوف تحققه للحد و الإنقاص من زيادة نسبة البطالة في الجزائر نجد أن البطالة مست مختلف شرائح المجتمع، و أن الكثير من حاملي الشهادات الجامعية التطبيقية و المتخصصة يعانون من التهميش و يعملون في غير ما درسوا عليه. ولهذا يجدر بنا أن نطرح السؤال التالي: ما سبب وجود البطالة في الجزائر*؟.
لا شك أن للبطالة في الجزائر أسباب كثيرة، وانتشارها يعود لعوامل لا يمكن حصرها، وهذه الأسباب تختلف من مرحلة لأخرى، ومن منطقة لأخرى، ولكن عموما يلخص لنا الباحثين “مقدم عبيرات” و “ميلود زيد الخير” أسباب تواجدها في السنوات الأخيرة في النقاط التالية:
- ميل سياسة التشغيل إلى الصيغة التعاقدية، مما يعني انخفاض مناصب العمل الدائمة إن لم نقل انعدامها في بعض الأنشطة الاقتصادية بسبب تجميد آلية التوظيف الدائم، خاصة في قطاع الإدارة والخدمات(14). فتطبيق الجزائر للنظام الليبرالي جاء ليكرس نظام العمل التعاقدي بدل الدائم، وهذا ما تجسد فعلا في نظام عقود ما قبل التشغيل لمتخرجي الجامعات الجزائرية، حيث يتم تعيين الكثير من حاملي الشهادات الجامعية في البلديات و الدوائر و المحاكم و غيرها للعمل خلال فترة عام أو عامين وقد ينتهي عقد العمل بعد هذه الفترة ليجد الشاب نفسه في الشارع ويعاني البطالة.
- تباطؤ نمو المشاريع الاقتصادية وتأخر آجال تسليمها. الشيء الذي يؤدي إلى زيادة التكاليف التي يصعب تحملها. مما سيفضي في النهاية إلى حل أو غلق المؤسسات المعنية وما سينتج عنها من حالات التسريح الفردي أو الجماعي للعمال.
– عدم توفير البيانات والدراسات الإحصائية بشكل دقيق يعكس الواقع الحقيقي كما هو الشأن في الدول المتطورة.فبالنسبة للجزائر يلاحظ أحيانا وجود تباين و تناقض في المعلومات المصرح بها بين مختلف الهيآت مثل:الديوان الوطني لإحصائيات،المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، تقارير الحكومة تقارير البنك العالمي….. إلخ.
– تزايد السكان بوتيرة سريعة،الشيء الذي نتج عنه زيادة في قوة العمل لا تتوافق مع الزيادة في مناصب العمل المعروضة،مما أدى إلى تراكم عدد البطالين،ترتب عنه ارتفاع في معدلات البطالة.
– غياب التنسيق و التكامل بين الهيئات والإدارات المشرفة على تخطيط القوى العاملة مثل:وزارة التخطيط،وزارة العمل و الحماية الاجتماعية، مراكز الدراسات و الأبحاث… إلخ(15)
ووفق هذا السياق نلاحظ أن سوق العمل في الجزائر غير منظم ولم تتحدد بعد علاقة القطاع العام بالقطاع الخاص، فالدولة لا تزال تحتكر العمل. حيث المعضلة التي يعاني منها سوق العمل الجزائري هي أن الدولة تشرف على القطاع الخدماتي و الإنتاجي في آن واحد. و القطاع الخاص ليس مؤهلا و لا تمنح له الفرصة كثيرا لتحريك عجلة التنمية للأمام.فالغريب في السياسات الجزائرية أن القطاع الخاص لا يملك القدرة على منافسة الخارج، وان فتحت الدولة له الاستثمار فإن مآل المشاريع هي الفساد و التبذير و السرقة، ومثال ذلك ما عرفته بعض البنوك الخاصة ( فضيحة بنك الخليفة).
نخلص مما سبق ” أن انتشار البطالة وتفاقم حدتها يعود إلى مجموعة من الأسباب التي تتباين من دولة إلى أخرى، فنجد منها ما هو راجع إلى عدم وجود تكامل في إستراتيجية التنمية بالنسبة للجانبين الاقتصادي و الاجتماعي و هو يدخل في نطاق مسؤولية الدولة المسيرة.و نجد منها أيضا ما هو مرتبط بعوامل لا تتحمل فيها الدولة مسؤولية كبيرة”(16).
04/-إشكاليات مطروحة: مشروع الطالب البطال/هجرة الأدمغة في الجزائر:
من أبرز الإشكالات التي تعاني منها الجزائر، والتي تؤثر على وجود سوق عمل منظم وسليم فيها ما يلي:
أولا: ظاهرة مشروع الطالب البطال: تعد هذه المشكلة من أهم المشكلات التي تعيق عملية التنمية في الجزائر، و حتى و إن أشرنا إليها سالفا فإنّ هذه الظاهرة تهدد البناء الاقتصادي و تهدّم الإصلاح المطبّق من طرف الحكومات الجزائرية المتتالية. وكما هو معلوم أن الباحثين و الطلبة هم أساس تقدم المجتمع و هي الطبقة المثقفة التي حين تخرجها من المؤسسات التعليمية من المفروض هي من تملك دواليب الحكم و تشرف على التسيير المحلي و الوطني و الدولي، فالشباب الجامعي و الجيل الجديد المتعلم و الراشد يحمل من الأفكار و المعرفة ما لم يحمله الجيل القديم.خاصة مع تطور الوسائل الحديثة و التكنولوجية المذهلة. و لكن بالنظر إلى الواقع الجزائري نجد بأن أكبر فئة مهمشة هي فئة الجامعيين و خريجي الجامعات الجزائرية، حيث بعد أن يحصلوا على الشهادات الجامعية يلجؤون إلى البحث عن وظيفة أو أي عمل فإنهم لا يجدون مبتغاهم، وبالتالي يلجؤون إلى التوجه نحو أعمال و أنشطة أخرى خارج نطاق تخصصهم.مثل القيام بأنشطة حرة أو التجارة أو ممارسة حرفة معينة أو غير ذلك.
يرى أحد الباحثين العرب أنّ ” عصر العولمة لم يعد السؤال من يتحكم بالوسائل المادية ـ من أراض و موارد طبيعية و حتى رؤوس الأموال ـ بل من يتحكم بالوسائل اللاّمادية، تكنولوجيا متطوّرة و إعلام و بحث علمي و معلومات(17). و لكون البحث العلمي يحتل مكانة كبيرة في عصرنا هذا نجد أن الجزائر تسخر ميزانيات ضخمة لقطاع التربية و التعليم العالي و التكوين المهني. و تعمل على بناء الكثير من الهياكل البيداغوجية و تزيد دائما مبالغ لميزانية التسيير في القطاعات المذكورة. غير انه بمجرد أن يتخرجوا ويصبحوا في مرحلة العطاء تستغني عليهم و يكون مآلهم الشارع. إن هذا يعد من المشاريع الفاشلة في الجزائر، و عواقبه تكون وخيمة على المدى البعيد على استقرار و امن البلاد و المجتمع. وعلى الأساس يمكن القول أن الخلل يكمن في غياب نظرة مستقبلية لدى صانعي القرارات في كيفية توظيف مخرجات الجامعة مع متطلبات سوق العمل بمنظماته المختلفة. فالشعور بعدم الولاء للوطن و غياب الثقة لدى الجامعيين اتجاه مؤسسات بلادهم و حرق المرافق العامة ينبع في كثير من الأحيان من غياب هذا التنسيق و غياب هذه الرؤية لدى صانعي القرارات.
ثانيا: هجرة الأدمغة: لاقت هذه الظاهرة دراسات عديدة من طرف الباحثين و المختصين. و هذا لما لها من آثار وخيمة على تحقيق تنمية حقيقية على مستقبل البلدان التي تشهد هذه الظاهرة. ولعل الجزائر لا تخرج عن نطاق هذه البلدان، فقد كشفت” خديجة هني” الخبيرة الجزائرية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو”، إنّ البلدان العربية تفقد 50 بالمائة من أدمغتها كل عام، ويتعلق الأمر بحسبها، بخيرة الكوادر العربية يتقدمهم الأطباء والمهندسين الذين يختارون الهجرة إلى ما وراء البحار سيما أوروبا، وبدرجة أقل الولايات المتحدة الأميركية، وتأتي الجزائر في صدارة الدول العربية المعانية من نزيف الهجرة، إذ تفتقد خدمات 45 ألف كادر على الأقل يتوزعون عبر القارات الخمس.وقالت هني في مقابلة مع “إيلاف”، إنّ مصيبة الأمة في نخبة باحثيها العلميين من ذوي “المؤهلات الفكرية البارعة” الذين اختار 23 بالمائة منهم مغادرة الديار دوريا مباشرة بعد إنهاءهم من الدراسة، ويشكّل المعطى بحسبها مؤشرا على معدلات هجرة غير مسبوقة للكفاءات العربية التي بات الأوروبيون والأميريكيون يستفيدون من طاقاتهم(18).
تشير بعض الدراسات الحديثة بأنّ الكثير من الباحثين و كبار الخبراء في مختلف التخصّصات قد غادروا المؤسّسات العمومية إلى مؤسّسات خاصّة أو مؤسّسات أجنبية لعدم توفر ووجود المناخ الملائم لهدر هذه الطاقات في النسق الداخلي للجزائر، وسوف نورد بعض الأمثلة عن درجة الاستنزاف و الفرار و الهروب للكفاءات “Brain drain” التي تجعل الجزائر هي الخاسر الوحيد من هذه الظّاهرة، حيث أنّه بعد أن تتم دراستهم وتكوينهم وإسراف مبالغ و ميزانية ضخمة التي تقدّر مثلا “حسب قانون المالية لسنة 2006م بـ: 95.689.309.000 دج خاصّة لقطاع التعليم العالي، و235.888.168.000 دج لوزارة التربية و 17.054.308.000دج لقطاع التكوين المهني و التمهين” (19) لتنشئتهم في المؤسّسات التعليمية و المهنية و وصولهم إلى مرحلة النضج تفقدهم ليتجهوا إلى خدمة دول أخرى، وتستفيد منهم دول أجنبية حقّ الاستفادة، وذلك نظرا للحوافز( الأجور، المنح، العلاوات، رحلات و أسفار…الخ) المرتفعة التي تقدمها لهم هذه الدول.
ومن بين الحالات التي يمكن الاستشهاد بها في هذا المجال هو ” “مغادرة 40.000 باحث جزائري إلى الخارج مقسّمون على النسب التالية: هروب 50% أطباء و23% مهندسون و15% علماء ، قد غادروا الجزائر إلى البلدان الأوروبية بسبب أن مبلغ الأجر الذي يتقاضاه الباحث في الجزائر 500 أورو في حين يتجاوز في مثل هذه البلدان 6000 أورو في الشهر” (20).
بالإضافة إلى هذا المثال، فإنّ هناك مثال آخر يمس شركة سوناطراك التي رغم الامتيازات التي تقدّمها و الأجور التي تمنحها للعمال مقارنة بقطاعات أخرى مثل قطاع التعليم و الصّحة والأمن…الخ، إلاّ أنّه بالمقارنة مع نظيراتها الأجنبية لا تساوي شيئا. وعليه فهي الأخرى تعرف نزيفا في كوادرها نحو الشركات الأجنبية الأمريكية و الأوربية، وهذا ما يتّضح لنا من خلال ما ذكرته السّيدة “بلكحة” خلال افتتاح الأيام العلمية والتقنية السابعة لسونا طراك بوهران في إطار الأسبوع الثالث للطاقة في الجزائر، حيث قالت أنّ:
” 78 إطارا وتقنيا متخصّصين في مجال التنقيب غادروا عددا من فروع سوناطراك منذ بداية السنة الجارية (أي 2006 م).وتتوقع أن تنتهي هذه السنة(2007م) بمغادرة 637 إطار ومستخدم في مختلف المجالات الإدارية والتقنية، في إطار التقاعد والذهاب المبكر بالنسبة للذين يمنحهم القانون حق الاستفادة من هذا النوع من التقاعد وغيرها ” (21).
وكان الأمين الوطني للاتحاد العام للعمال الجزائريين المكلف بالشؤون الاقتصادية ، “محمد لخضر بدرالدين” قد صرّح أنّ أكثر من 2000 إطار وتقني جزائري غادروا سوناطراك نحو الشركات البترولية والغازية العالمية . وفي نفس الظرف طلب وزير الطاقة والمناجم من الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر التوقف عن استنزاف إطارات وتقنيي سوناطراك، و تعتبر الأجور التي تمنحها مؤسسة سوناطراك، خاصة الفرع الذي يشهد اكبر نسبة للهجرة و المتمثلة في التنقيب ، يدفع راتبا يتراوح بين 05 و 06 ملايين سنتيم شهريا للتقني في التنقيب الذي يشتغل في الصحراء ، مقابل 60 مليون سنتيم يتلقّاها نظرائهم الأجانب الذين يشتغلون لصالح الشركات الأجنبية في نفس الظروف(22)، وفي السّياق نفسه توجد ” بعض الشركات المتعددة الجنسيات تمنح لمهندس يعمل لديها 25مليون سنتيم(250.000دج) مقابل 05 ملايين سنتيم ( 50.000 دج) في شركة سوناطراك كلّ شهر” (23)، بينما تملك الشركات البترولية الخليجية نفس الصنف من التقنيين رواتب شهرية تتراوح بين ما يعادل 35 و45 مليون سنتيم شهريا . كما تعتبر طريقة التوظيف الجديدة التي عمدت إليها فروع مجموعة ” سوناطراك “أحد الأسباب التي هجرتها الكفاءات، وهي الطريقة التي تعتمد على عقود العمل السنوية المتجددة . ويقول الكثير من التقنيين من الجيل الجديد الذين يشتغلون في سوناطراك ” إنّنا قبلنا ظروف العمل و الرواتب الممنوحة لنا بهدف اكتساب الخبرة ، في انتظار التنقل إلى حيث يمكننا أن نحقق كسبا أكبر في الجزائر أو في الخارج ” . وكان أحد أهم القطاعات الذي تتحكم فيه سوناطراك ” مهددا بالإفراغ ” يتمثل في قطاع إصلاح القنوات و الذي تمنح الشركات الأجنبية للمتخصصين فيه رواتب تصل إلى 80 و 100 مليون شهريا، نظرا إلى حساسية هذا التخصص و مخاطره” (24) .
وفي هذا المجال يرى الكاتب ” أنطوان زحلان” أن” هجرة الكفاءات و نقل التكنولوجيا والمعلومات و التنمية الاجتماعية و الاقتصادية تدور جميعها على التعلم” (25)، الذي بدونه لا يمكن الحديث عن أية تنمية اقتصادية. فالجزائر من خلال تعاملها مع الدول الأجنبية نجد بأن النمط السائد هو طراز الصفقات التي لا تنطوي على نقل للتكنولوجيا بل تسفر عن إقامة مشروعات الإنتاج الجاهز و تسليم المفتاح. ولما كان المقاولون الرئيسيون من الأجانب عامة، ولما لم يكن للدول العربية ( التي تعد الجزائر واحدة منهم ) من سياسات تكنولوجية تنتهجها، فإنّ هذه المشاريع لا تتيح للمهندسين و العلماء إلاّ القليل من فرص العمالة، و إن كانت الأنشطة الجارية تنطوي على استخدام القوى البشرية من المهنيين بأعداد غفيرة، إلا أن الاضطلاع بها يتم بطريقة تنخفض فيها الفرص المتاحة محليا لتطوير المؤسسات الوطنية إلى الحد الأدنى، بحيث يغلب الاعتماد على البحث والتطوير الأجنبيين، وعلى شركات الهندسة و الاستشارات الأجنبية، وبعبارة أخرى لا يقوم أي ترابط متبادل بين نظام التعليم العالي و التطبيقات الإنمائية (26).
05/- متطلبات علاج الظاهرة في الجزائر:
تلقى المشاكل التي تواجهها الحكومات عموما صعوبات في كيفية علاجها و استئصالها، ولكن بتوفر بعض العوامل مثل الإرادة و تسخير الإمكانات المادية و البشرية في المكان و الوقت المناسب، و إجراء التنفيذ و ملازمته وتقويمه تسهل عملية علاج المشاكل بشكل سريع و عقلاني. وبالنظر إلى الإشكالية التي نعالجها في بحثنا هذا يمكن القول أن معرفة الخلل سبب لمعرفة الحل. فبالنظر إلى حالة الجزائر من كافة النواحي نجد بأنها تتمتع بإمكانيات ضخمة و مقدرات طبيعية و بشرية لا مثيل لها مقارنة بدول نامية أخرى.فهي دولة نفطية و تحتل موقعا جيوسياسيا ممتازا مطلا على البحر الأبيض المتوسط و هي بوابة إفريقيا قديما و حديثا. كما أن فئة الشباب هي الفئة الأكثر تواجدا مع نسبة السكان فيها. ولكن مع توافر كل هاته الخيرات نجد بأنها دولة غنية و لكنها غير متقدمة. أو كما وصفها احد الخبراء الاقتصاديين الجزائريين بأن” السّياسة الاقتصادية المتّبعة في الجزائر تجعل البلد مصدّرًا للثروة و مستوردًا للفقر”(27). فهي فقيرة لعدم استغلال الثروة في تحقيق تنمية فعلية لتقدم البلد و ترفيه المجتمع. وفي هذا السياق لا ننكر ما أنجزته الحكومة طيلة هذه السنوات و ما أقرته السلطة السياسية من برامج اقتصادية ضخمة التي حققت الكثير من المكاسب و أعطت العديد من فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل. غير أن الحقيقة المرة التي لا يمكن نسيانها أن الاعتماد على الريع فقط في الجزائر أصبح يكرس اقتصادا استهلاكيا بدل اقتصادا إنتاجيا. ففي عصر العولمة و المناخ العالمي المحيط بنا لا شأن للدول القوية من الجزائر سوى تحقيق مصالحها و نهب ثروات الشعب الجزائري.حتى و لو تم ذلك بوسائل ظاهرها التعاون والإصلاح و إقامة علاقات و شراكة، و باطنها النهب و خلق التخلف الداخلي و التبعية الدائمة للدول المتقدمة.
لم يبق، و نحن في عصر العولمة، أمام أصحاب القرار في الجزائر إلاّ الرجوع إلى دولة المؤسّسات لا دولة الأفراد لأن” دوام الحال من المحال”. فكيف يمكن للمرء أن يتصور مدى أهمية الريع في كيان الدولة الحالية إذا تصور على سبيل الفرض و التقدير، توقف عائدات النفط و توقف الإعانات الخارجية، إنّه ليس الاقتصاد وحده هو الذي سيصاب بالإفلاس بل إنّ أجهزة الدولة و مشاريع ” التنمية ” ستصاب هي الأخرى بالشلل التام . ليس هذا و حسب، بل إنّ الطبقة التي عبّر عنها ابن خلدون بـ ” أهل الدولة و بطانتها و رجالها…و من تعلّق بهم ” و هي الطبقة المسيّرة و المهيمنة التي تعيش من أعطيات الريع، إنّ هذه الطبقة التي تشكل طبقة “الخاصّة ” في الدولة الريعية ستخسف بها الأرض خسفا(28).
و على هذا الأساس يمكننا القول أن إجراء الإصلاح هو السبيل لحل المشاكل العالقة في الجزائر.إصلاح سياسي و إصلاح اقتصادي و إصلاح ثقافي و اجتماعي…الخ. فمهما قامت الحكومة للحد من بعض هذه الظواهر خاصة منها مشكلة البطالة فإنها صعبة الحل. و بالتالي يتطلب علاجها توفر الإرادة السياسية من السلطة السياسية و تضافر مجهودات جميع قوى الدولة للحد من اتساع هذه الظاهرة التي تعيق تقدم الدولة و تطور المجتمع الجزائري، ومعنى هذا أن العبء لا تحمله الجهات الرسمية فقط و إنما تحمله كذلك الفواعل غير الرسمية مثل منظمات المجتمع المدني و وسائل الإعلام و المواطنون و غير ذلك. لأن الشخص البطال من وجهة نظر سوسيولوجية هو فرد جزائري و مواطن جزائري ينبغي احترامه و إعطائه حق العمل و حق الحياة و حق العيش الكريم.
من كل ما سبق نستنتج أن مخرجات الجامعة الجزائرية تعيش وضعا صعبا و حالة تستوجب الاهتمام بها من كافة قوى المجتمع. ولكي يتم علاج مشكلة بطالة هذه الفئة الحيوية و تبعاتها يقترح الباحث مجموعة من الإجراءات العلمية و العملية التي ينبغي أن تتبع، وهي كالتالي:
أولا: تسطير سياسات عامة واضحة و شفافة: يرى أحد الخبراء الجزائريين أن المشكل الرئيسي الذي تعاني منه الجزائر حاليا هو وجود خلل في السياسات العامة وأن ” الرؤيا المنقوصة للإصلاح و تسطير السياسات العامة بطريقة غامضة، تقودنا إلى الحديث عن خلل آخر يتمثل في إصرار السلطة على انفرادها بتحديد السياسات والدعوة إلى إتباع سياسات عامة تخدم مصالحها، كما تراها هي من زاويتها الخاصة بها، في حين أنه كان من المفروض أن تكون رغبة الإصلاح و البت في السياسات العامة نابعة من المجتمع نفسه”(29). فالمرء يلاحظ في الجزائر أن عملية التنمية الوطنية يسودها غموض في بناء الاستراتيجيات و البرامج المطبقة، و لهذا نجد أن الخلل في السياسات العامة ينجر عنه مشكلة البطالة المنتشرة والسائدة. فكلما كانت الدولة تملك سياسات عامة عقلانية و رشيدة و مبنية على فكر سليم و وواعي فان علاج هذه الظاهرة يسهل حلها و إنقاص حجمها وبالتالي تقل آثارها الاجتماعية و النفسية. و باعتبار السياسات التعليمية جزء من السياسات العامة للدولة فإنه يتطلب:
- تطوير قطاع التعليم العالي و تحديثه ليصبح أكثر قدرة على تخريج طلبة مؤهلين و قادرين على تلبية المتطلبات السوقية و التطلعات التنموية في مختلف الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية، مزودين بالمؤهلات الأكاديمية و التطبيقية التي تنسجم مع الاحتياجات الحالية و المستقبلية للمجتمع.
- التركيز على النوع أكثر من الكم، حيث لا يهم جلب اكبر عدد ممكن من الطلبة أو تخريج اكبر دفعة. بل المهم هو جودتهم و نوعيتهم و قدرتهم على إحداث التطور المستقبلي في المجتمع. على اعتبار أن التنمية المحلية لن تتحقق إذا كانت مؤسسات التعليم العالي لا ينتج منها طالبا ذو جودة و نوعية ينعكس عنها التطور المطلوب(30).
- خلق تنسيق بين الجامعة و محيطها الخارجي، وذلك من خلال تطبيق مناهج علمية و إحصائية لعدد المنظمات الخدمية و الإنتاجية ومعرفة حجم احتياجاتها من فرص العمل، ووفق هذه النسب يتم التكوين و التعليم و التأطير وغيرها. وبصيغة أخرى يتم تطبيق مناهج علمية في تحديد احتياجات المؤسسات و المنظمات المحركة لسوق العمل.
ثانيا: أن تكون فلسفة التعليم العالي واضحة وذات أسس علمية تطبيقية: يبق البحث العلمي النظري ناقصا و لا يحقق أهدافه إلا إذا تم تدعيمه بالبحث التطبيقي و عمل يسقط التنظير على الواقع، فما فائدة علم الطالب إذا لم يكن له اطلاع على الواقع الذي يعيشه؟ وما فائدة دراسته إذا لم يستطع توظيفها في المخبر و يستفيد منها المجتمع و تضيف شيئا جديدا للبلد؟…الخ. وحسب رأي احد الاقتصاديين فان عالمنا هذا ” تحتاج فيه المؤسّسات إلى قوى عاملة مدربة و مكوّنة في الميدان لا على السبورة، أي” التعليم بالممارسة Learning by doing أو التعليم الذاتي بالممارسة في الميدان الصناعي”(31). فالتعليم الذاتي و خروج الطالب من قوقعة المدرج إلى الواقع تعد من الوسائل الضرورية للتغيير و تحقيق الأهداف المجتمعية. وعلى هذا الأساس يتطلب من الحكومة أن تدعم البحث التطبيقي الجامعي و تفتح التخصصات التي لها علاقة بالواقع الجزائري و كيفية إصلاحه.إذ لم يعد يجدي نفعا في عصر العولمة التسيير الارتجالي و التفرد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالجامعة و مخرجاتها.
ثالثا: نزع العراقيل البيروقراطية اتجاه خريج الجامعة: يواجه خريج الجامعة في الجزائر صعوبات كثيرة للحصول على منصب شغل.و لعل من أبرز هذه الصعوبات هي تلك السيطرة التي تفرضها الذهنيات البيروقراطية التقليدية على الوضع و على الإدارات الجزائرية من جهة، فهي التي تعرقل مشروعه و طموحاته حين يسعى لإيجاد عمل يلبي به مطالبه الاجتماعية العديدة، فحين يبادر في وضع ملف أو استخراج وثائق لطلب عمل ما في مؤسسة وطنية أو خاصة يجد ردود أفعال غير محفزة و تفقده الأمل لبناء مشروع ناجح يستفيد منه و يفيد به غيره. وخير مثال عن ذلك أن القرار الأخير الصادر من طرف رئيس الجمهورية(مارس 2011) بمنح بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية للشباب الذين تجاوز سنهم الثلاثين سنة لاق ترحيبا كبيرا من طرفهم، خاصة حاملي الشهادات الجامعية.فالكثير منهم لم تتاح لهم فرص العمل لفقدانهم هذه الوثيقة و عدم توفرهم عليها حرمهم من المشاركة في الكثير من مسابقات التوظيف المعلنة من طرف مؤسسات الدولة. إن “إزالة العقبات البيروقراطية وتقديم المساعدات التحفيزية لإنشاء مناصب الشغل، وكذا توفير مناخ ملائم للأعمال والاستثمار توضح القطاعات الواعدة بخلق مناصب العمل وتقديم تحفيزات أكبر لجلب المستثمرين المحليين والأجانب وكل ذلك ينعكس مع الجوانب المتعلقة بالشغل”(32).
رابعا: تشجيع الاستثمار و إنعاش الشغل: لاشك أن السوق الداخلية في الجزائر ذات صلة بالسوق الخارجية، و لهذا نلاحظ أن السوق الداخلية تعرف عدة هزات و أزمات في حال وجود أزمات اقتصادية عالمية(اقتصاد ريعي تابع). وعلى هذا الأساس يعد الاستثمار الأجنبي المباشر أحد أهم المصادر للتخفيف من حدة البطالة، فمن المجدي للجزائر” الاستعانة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، فهي تعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة مما يخلق فرصا للتصدير كما يساهم في تخفيض العجز في ميزان مدفوعاتها من خلال الاستغلال للموارد المادية و البشرية المتاحة. كما يؤثر الاستثمار المباشر على استعمال مجالات جديدة في الإنتاج و الإدارة و التسويق و كذا في إيجاد الروابط الخلفية و الأمامية مع قطاعات الاقتصاد الإنتاجية و الخدمية المختلفة و ينتج عن كل هذا تحقيق التقدم الاقتصادي و الاستقرار للدولة المضيفة على الرغم من بعض السلبيات التي تظهر عند التطبيق العملي”(33) ، ولكي يتم ذلك ينبغي للجزائر أن توفر كل التسهيلات للأجانب حتى يستثمروا في الجزائر. فالاستثمار في الجزائر يجلب رؤوس الأموال الأجنبية و يوظف اليد العاملة العاطلة، كما يجلب الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر الخبرة و نماذج العمل الناجحة و الوسائل الحديثة للتصنيع و الإنتاج الاقتصادي. و لكن من وجهة نظر أخرى نلاحظ أن الكثير من الشركات الأجنبية غادرت البلاد بسبب عدم وجود المناخ الملائم للاستثمار. إن “الهدف يجب أن يتجه صوب إنشاء مناصب شغل عن طريق تحفيز وجلب الاستثمار والمحاور الرئيسية المعمول عليها لإتاحة فرص عمل دائمة – بعد أن أصبح منصب العمل المؤقت في إطار الإصلاحات ولأسباب كثيرة هو قاعدة السياسة الاقتصادية – يمكن ذكرها فيما يلي:
- المؤسسة المتوسطة والصغيرة يجب توزيعها وتوسيعها على نطاق واسع.
- يجب تثمين وترقية النشاطات العائلية في شكل مؤسسات صغيرة.
- ضرورة إنعاش الاستثمار المحرك للنمو والمنشئ لمناصب شغل.
- ترقية الشراكة والاستثمار الأجنبي والنهوض بها.(34)
ووفق هذا السياق دائما لا يوجد سبيل للجزائر لتحقيق النهوض الاقتصادي سوى تبني سياسات اقتصادية داعمة للشغل، و تحفيزه و الاعتناء به، فبالعمل تتحقق كل الطموحات، وبالشغل تتحقق التنمية المستديمة. وعلى هذا الأساس يتطلب خلق شراكة ايجابية بين القطاع العام و القطاع الخاص، وجعل هذا الأخيرة هو المحرك الحقيقي للتنمية في الوطن، فتدخل الدولة لا يشمل كل شيء بل دورها هو التوجيه و المراقبة و تسهيل الخدمات و دعم الحراك في السوق الاقتصادي، وان زمن السيطرة و هيمنة الدولة على كل شيء من تسيير و تخطيط و إنتاج و تقويم و ..الخ لم يعد يجدي نفعا. كما ان الجهة التي تمتص اليد العاملة المؤهلة في الجزائر هي القطاع الخاص. وعليه يتأسس سوق محلي منافس و قوي.
خاتمة:
في ختام هذه الدراسة يمكن القول أن الجزائر بلد غني و لا يزال محل أطماع القوى الأجنبية، قديما و حديثا. ففرنسا قديما ما احتلت الجزائر لمدة قرن ونصف سوى للثروات التي تملكها، و الدول الغربية القوية حاليا ما تتعامل مع الجزائر سوى لامتلاكها ثروات ضخمة ومؤهلات لو استغلت أحسن استغلال لأصبحت من أقوى دول العالم في عصر العولمة، ورغم وجود كافة هذه النقائص و الاختلالات و العيوب فانه يتطلب من كافة قوى النسق السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي نضجا فكريا يدعم العمل كقلب رجل واحد لتخليصه من هذه التهديدات المتتالية. وحتى يتم ذلك ينبغي أولا تحصين البيت الداخلي بوسائل حديثة يكون الشباب فيها ـ خاصة الطلبة و خريجي الجامعات و الباحثين و المفكرين و المهندسين والرجال أصحاب الخبرة و الاختصاص ـ هو قاعدة حاضرها و صرح مستقبلها. فمن المعروف أن أي بلد في العالم لا تخلوا بيئته من وجود مشاكل كالبطالة و غيرها، ولكن الحكومات الرشيدة هي التي تعرف كيف تستثمر الموارد البشرية التي تملكها في بناء سياساتها الاقتصادية بعقلانية و رشد. ولعل الجزائر حتى تحقق ذلك يتطلب منها أخذ العبرة من بعض الدول الأجنبية مثل دول النمور الآسيوية ودول تشهد قفزة تنموية متطورة كتركيا و إيران و غيرها.فالنموذج التركي يملك مؤشرات اقتصادية تجعله في قطاعات عديدة أحسن من الكثير من دول الاتحاد الأوربي، وعلى هذا الأساس يعد من أحسن النماذج التي يمكن الحذو مثله في كيفية تعامله مع موجة التحولات العالمية و عصر العولمة الاقتصادية.
وحتى يتم التقليل من مشكلة البطالة في الجزائر يجب خلق إصلاح عام وشامل و مؤسس علميا و منهجيا من طرف المختصين و ذوي الخبرة الهادفة، وليس من السياسيين و السياسات الارتجالية و الترقيعية، وليتم ذلك يتطلب الأمر وجود المناخ السياسي الملائم، أي أن الدولة ينبغي أن تقوم على مؤسسات سياسية حرة و ديمقراطية و يسيرها جيل الشباب المتعلم و المثقف و الواعي. كما ينبغي توفر مناخ اقتصادي شفاف قائم على مؤسسات اقتصادية تتفاعل مع بعضها لبناء الاقتصاد و منافسة الشركات الأجنبية. ومن أهم النقاط التي يجب تطبيقها كذلك هو إقامة شراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص بما يوظف اليد العاملة المؤهلة. فعصر العولمة هو عصر إقامة الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص.
وفي سياق حديثنا عن البطالة في الجزائر لابد من تغيير الذهنيات و أنماط التفكير في المنظمات الإدارية من تفكير سكوني جامد إلى تفكير علمي متجدد. أي سلوكيات و أنماط تفكير جديدة تواكب تطلعات الشباب الجزائري و تعي نقاط قوته و نقاط ضعفه ،وهذا العامل مهم و هو الذي يساعد خريجي الجامعات الجزائرية من تأصيل الثقة في مؤسسات دولتهم الوطنية وعدم مغادرتهم إلى بلدان أجنبية تنزف طاقاتهم التي استمدوها من وطنهم الأم الجزائر عبر مراحل عديدة وشاقة.
لا ينكر أحد منا تواجد آلاف الباحثين الجزائريين في الخارج لا لسبب سوى أنهم لم يجدوا فرص العمل في الوطن، وأنهم عبروا لدى برامج الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية و الوطنية و حتى في التقارير المتخصصة في شأن الهجرة أنهم حيثما توفر المناخ العام الملائم في الوطن سوف نرجع و نستثمر طاقاتنا في بلدنا و ليس في دولا أجنبية رأسمالية مادية ومصلحية، وهذا لكون الفرد الجزائري يبق غريبا في بلاد الآخرين و لو عمل قرونا و قرون.
وفي الأخير يمكننا القول إنّ عصر العولمة يتطلّب الاعتماد على النفس و الإصرار على خلق بيئة محفّزة من أجل استقطاب الاستثمار الأجنبي و المحافظة على الموارد المتوفّرة البشرية و المادية. فلا يمكن أن تنجح السّياسة الاقتصادية في الجزائر ما لم تكن نابعة من خطط المختصين لا السّياسيين، و تطبق في إدارة مؤهّلة معرفيا وتكنولوجيا و تنظيميا، فما يلاحظه المرء في عملية تنفيذ البرامج الاقتصادية في السنوات الأخيرة يتضح له أنّه يوجد تضارب في السّياسات التنموية، وان مخرجات الجامعة لا تشارك في عملية صنع القرارات وهذا يفقد للدولة المصداقية اتجاه المجتمع. فالجزائر من خلال الوضع الراهن أصبحت تفرز ظواهر لا تعود على الدولة بالخير و التطور، مثل بطالة الفئة المتعلمة و خريجي الجامعات، وتهميش المفكرين و الباحثين و المختصين، وغيرها من الظواهر الأخرى مثل ظاهرة الرشوة و المحسوبية و المحاباة. وعليه يتعيّن على القيادة السّياسية أن تعي درجة هذه الظواهر المعيقة للتنمية الاقتصادية و توفّر كل السبل للتقليل من انتشارها أكثر حتى يجد المواطنون الاستقرار و الثقة لخدمة الوطن و العمل فيه بكل جدٍّ و إخلاص.
الهوامش:
01/- أحمد حويتي و آخرون، البطالة و علاقتها بالجريمة و الانحراف في الوطن العربي. الرياض:1998.ص17.
02/- تعريف البطالة ، يوم 26/11/2009.نقلا عن: http://www.3asq.com/showthread.php?t=104574 (تاريخ الاطلاع: 20/08/2011).
03/- رمزي زكي، الاقتصاد السياسي للبطالة تحليل لأخطر مشكلات الرأسمالية المعاصرة. الكويت: سلسلة عالم المعرفة، أكتوبر 1998.ص14.
04/- نفس المرجع الآنف الذكر، ص15.
05/- عبد العزيز بن عثمان التو يجرى، العالم الإسلامي في عصر العولمة. بيروت: دار الشروق، 2004م، ص33.
06/- عمار بوحوش، نظريات الإدارة في القرن الواحد و العشرين.بيروت: دار الغرب الإسلامي، 2006، ص142.
07/- امحند برقوق، ” الجامعة الجزائرية : بين تناقضات الحاضر و التطلع للامتياز”20/05/2011.نقلا عن : http://www.politics-ar.com/ar/index.php/permalink/3058.html(تاريخ الاطلاع: 23/07/2011).
08/- مصطفى بامون، ” دعا مسؤولي القطاع إلى تقليص نسبة التسرّب المدرسي بوتفليقة يحث بن بوزيد على تطوير التخصصات العلمية”، جريدة الخبر، الجزائر، العدد6457 ، يوم 25/08/2011م، ص08.
09/- بوحوش، مرجع سابق، ص142.
10/- محمد الطاهر قادري، ” أين نحن من عصر العلم؟”. جامعة زيان عاشور بالجلفة، الملتقى الوطني الأول حول تقويم دور الجامعة الجزائرية في الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل و مواكبة تطلعات التنمية المحلية، 19/05/2010.
11/- نفس المرجع الآنف الذكر.
12/- خطاب الرئيس بوتفليقة بعد أدائه اليمين، نقلا عن: http://www.bouteflika2009.com/arabe/content/view/494/84/ (تاريخ الاطلاع: 22/07/2011).
13/- خالد لكاص، مردودية نظام التكوين العالي في الجزائر محاولة تقييمية مدعمة بدراسة قياسية، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، 2002، ص71.
* كشف الديوان الوطني للإحصاء “ONS” عن النتائج حول التشغيل في الجزائر، حيث تبين من خلاله أن نسبة البطالة في الجزائر بلغت 10.2 بالمائة نهاية عام 2009، أي بانخفاض 1.1 بالمائة مقارنة بسنة 2008، و 15 بالمائة عام 2007.و بالنسبة لعام 2009، مست البطالة فئة الشباب، لأن نسبة 87 بالمائة من البطالين تقل أعمارهم عن 35 سنة، حسب ما ورد في نفس المصدر.و استنادا لنفس المصدر، حدد عدد الأشخاص الذين يعانون من البطالة بـ1.072.000 من مجموع الفئة النشيطة المقدرة بـ10.5 مليون نسمة، كما بلغت الفئة النشيطة العاملة 9.4 مليون شخص، و بنسبة 26.9 بالمائة.وفي ذات السياق، سجل الرجال نسبة 84 بالمائة من الفئة العاملة، مقابل 15 بالمائة فقط للنساء. نقلا عن موقع:
http://www.tsa-algerie.com/ar/economics/article_1514.html
14/- مقدم عبيرات و ميلود زيد الخير، “مشكلة البطالة في الفكر الاقتصادي مع الإشارة إلى برامج الإصلاح الاقتصادي في الجزائر “، جامعة عمار ثليجي –الأغواط،د م ن، د س ن.
15/- نفس المرجع الآنف الذكر.
16/- نفس المرجع الآنف الذكر.
17/- علي الخضر، ” القطاع العام من منظور الليبرالية الاقتصادية”، صحيفة اقتصاد( دمشق)، (نيسان) 2002م، ص11.
18/- “هجرة الأدمغة الجزائرية” 18مايو 2008،نقلا عن : http://fares.akbarmontada.com/t154-topic (تاريخ الاطلاع: 22/08/2011).
19/- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجريدة الرسمية، السنة الثالثة و الأربعون, العدد 85، 27- 12- 2006م، المتعلق بقانون المالية، ص34.
20/- Mohamed Belkacem et hassan Bahloul, ” 40000 chercheurs Algériens a l’etranger”, le point Economique Algérie, (Alger), N56,( Décembre) 2006,p.05.
21/- ل بوربيع، ” إجراءات تحفيزية جديدة في الأفق هاجس هجرة الكفاءات يهدد سونا طراك”، جريدة الخبر، السنة السابعة عشرة، العدد 4873، (ديسمبر) 2006م، ص02.
22/- نفس المرجع و نفس الصفحة.
23/- – Seddik lardjame, ” Le Marché des compétences menace sur Léentreprise publique “, le point Economique Algérie,(Alger), N56,( Décembre) 2006,p.02.
24/- بوربيع، مرجع سابق.
25/- أنطوان زحلان، ” مشكلة هجرة الكفاءات”، بحوث و مناقشات الندوة التي نظمتها اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا ( أكوا) الأمم المتحدة، لجنة من المؤلفين، هجرة الكفاءات العربية. ط03، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985م، ص23.
26/- نفس المرجع الآنف الذكر، ص26.
27/- محمود بلحيمر، ” سياسة اقتصادية تنتج الفقر”، الخبر الأسبوعي( أسبوعية جزائرية)، العدد 415، (فيفري) 2007م، ص24.
28/- محمّد عابد الجابري، العقل السّياسي العربي محدّداته و تجلياته، ط5، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 2004م، ص47.
29/- بوحوش، مرجع سابق، ص137.
30/- علي عبد الله و لخضر مداح، ” التعليم العالي في الجزائر و إدارة الجودة الشاملة كمدخل لجودة مخرجاته”، جامعة زيان عاشور بالجلفة، الملتقى الوطني الأول حول تقويم دور الجامعة الجزائرية في الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل و مواكبة تطلعات التنمية المحلية، 19/05/2010. ص110.
31/- جورج قرم، الفوضى الاقتصادية العالمية الجديدة جذور إخفاق التنمية ( ترجمة خليل أحمد خليل)، بيروت: دار الطليعة للطباعة و النشر، 1994م، ص103.
32/- بوحفص حاكمي،” التشغيل والبطالة في الجزائر بين تحدي الإصلاح وآفاق المستقبل”، نقلا عن موقع:
http://www.mowaten.org/economy/06-05/12-05-06-02.htm
33/- زغدار احمد، ” الاستثمار الأجنبي المباشر كشكل من أشكال دعم التحالفات الإستراتيجية لمواجهة المنافسة”، مجلة الباحث، جامعة ورقلة، العدد 03، 2004، ص166.
34/- بوحفص حاكمي، مرجع سابق.