برامج التمويل الأصغر ودورها في القضاء على الفقر والبطالة
ورقة مشاركة في الملتقـى الدولي حـــول:
” إستراتيجية الحكومة للقضاء على البطالة و تحقيق التنمية المستدامة “
الذي نظمته: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير
مخبر الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية في الجزائر
جامعة المسيلة
خلال الفترة 15-16 نوفمبر 2011م
تمهيد
تقدم برامج التمويل الأصغر مجموعة متنوعة من الخدمات المالية كخدمات الإقراض والإيداع والإدخار لتلبية الإحتياجات المالية للفقراء القادرين على بدء مشروعات إقتصادية مدرة للدخل.
ويعتبر إعلان هيئة الأمم المتحدة سنة 2005 السنة الدولية للتمويل الأصغر بمثابة الإعتراف الدولي بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه برامج التمويل الأصغر المنفذة من قبل الجهات المؤسساتية المختلفة ،سواء من حيث أهمية الخدمات المالية المتاحة للجميع في إطار بناء أنظمة مالية مفتوحة للجميع،أو من حيث أهمية المشروعات الصغيرة والبالغة الصغر المحدثة في ظل هذه البرامج ودورها في توفير فرض العمل ورفع مستويات المعيشة في إطار التنمية المستدامة المتكاملة
إنطلاقا من ذلك،فإن تقديم الخدمات المالية للفقراء القادرين على بدء مشروعات صغيرة،من شأنه زيادة دخل الأسر،وتخفيض معدلات البطالة وخلق طلب واسع على السلع و الخدمات الأخرى خاصة ما يتعلق بخدمات التغذية والتعليم والصحة،وبدون شك فإن وصول هذه الفئات من المجتمع إلى الخدمات المالية وغير المالية عبر برامج التمويل الأصغر هو من الأدوات الأكثر فعالية في معالجة ظاهرة الفقر و البطالة في إطار تحقيق التنمية المستدامة المتكاملة.
ولإثراء هذه المداخلة،سيتم معالجة الإشكالية المطروحة من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول:الإطار المفاهيمي للتمويل الأصغر.
- المحور الثاني:تطورات وتحديات التمويل الأصغر
- المحور الثالث:واقع التمويل الأصغر في الجزائر وأساليب تطويره.
المحور الأول:الإطار المفاهيمي للتمويل الأصغر
أولا:السياق الدولي للتمويل الأصغر
تتعدد المصادر التمويلية المتاحة أمام الفقراء،فهم يستعينون بالنظم غير الرسمية مثل المرابين(مقرضي المال) أو المشاركة في جمعيات تناوب الإقراض والإدخار المنتشرة في الكثير من الدول،كما يستعينون بأصولهم الخاصة في تمويل إحتياجاتهم للنقود(التمويل الذاتي)،وما يلاحظ حول هذه الأساليب التمويلية أنها تتسم بمخاطر عديدة كإرتفاع تكاليف الاقتراض ودرجة المخاطر المرتبطة بها،وعدم المرونة مما يجعلها لا تتلائم و خصوصيات الفقراء،وأما عن المصادر التمويلية الرسمية فمعظم الفقراء ومحدودي الدخل يفتقرون إلى الحصول على تلك الخدمات المالية المقدمة من طرف المؤسسات المالية الرسمية كالبنوك التجارية وغيرها من المؤسسات المالية الأخرى،حيث تشير بعض المصادر إلى أنه على مستوى الإقتصاديات النامية لا تقدم أنظمتها المالية الرسمية خدماتها المالية سوى لنسبة تتراوح مابين 20 ℅ و 30 ℅ من سكان تلك المناطق(1) .
وخلال العقود الثلاثة الماضية ظهرت مؤسسات مالية يصطلح عليها عموما بمؤسسات التمويل الأصغر،تهتم بتقديم الخدمات المالية للعملاء قليلي الدخل أو الفاقدي الأهلية للحصول على تلك الخدمات المالية من المؤسسات المالية الرسمية التي تحابي فئة الأغنياء على حساب فئة الفقراء.
وتعتبر المنظمات غير الحكومية وبعض البنوك التجارية كبنك الشعب الأندونيسي وبنك غرامين ببنغلاديش من بين الأوائل الذين عملوا في ميدان التمويل البالغ الصغر،وقد بينوا من خلال ذلك أن الفئات التي يستبعدها النظام المالي الرسمي بمختلف مؤسساته المالية يمكن أن تكون مجالا مربحا من وجهة النظر التجارية البحتة.
ثانيا:مفهوم التمويل الأصغر (*)
يمكن في إطار التعريف بالتمويل الأصغر تقديم التعاريف التالية:
– التعريف الأول:“التمويل الأصغر هو تقديم الخدمات المالية للفقراء من منظمي مشروعات العمل الحر” (2).
– التعريف الثاني: يعرف التمويل الأصغر على أنه مجموعة الخدمات المقترحة (المقدمة )للأفراد الذين ليس لهم القدرة على الحصول على تلك الخدمات من المؤسسات المالية التقليدية(3) .
– التعريف الثالث:يعرف التمويل الأصغر على أنه”منهجية إقراض توظف بدائل للضمانات لتقديم وإسترداد قروض قصيرة الأجل لرأس المال العامل لأصحاب المشاريع الصغيرة”(4) .
– التعريف الرابع:برنامج التمويل الأصغر يعني “توفير الخدمات المالية كالإقراض والإيداع والإدخار التي تتكيف مع إحتياجات الفقراء القادرين على تنظيم المشروعات”(5).
ونلاحظ إنطلاقا من هذه التعاريف أن برامج التمويل الأصغر تركز على ضرورة تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات المالية وليس خدمات الإقراض فقط هذا من جهة،ومن جهة أخرى تركز على تقديم تلك الخدمات المالية المتنوعة إلى شريحة الفقراء القادرين على خلق المشروعات المدرة للدخل.
وما يمكن قوله مما سبق هو أن مفهوم التمويل الأصغر يقصد به تلك البرامج التي تركز على تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات المالية وليس خدمات الإقراض فقط للأفراد الذين ليس لهم القدرة على الحصول على تلك الخدمات من المؤسسات المالية الرسمية،القادرين في نفس الوقت على بدء مشروعات إستثمارية مدرة للدخل،بمعنى أنه يأتي لمعالجة مشكلة الفقر والبطالة ،إضافة إلى معالجة مشكلة الإقصاء الإقتصادي والإجتماعي الذي يعانيه الكثير من الأفراد القليلي المردودية والكثيري المخاطرة من وجهة نظر المؤسسات المالية الرسمية.
ثالثا:خصائص برامج التمويل البالغ الصغر
تتميز برامج المؤسسات العاملة في ميدان التمويل الأصغر بالخصائص التالية(6) :
- تقديم القروض الصغيرة والقصيرة الأجل لأغراض رأس المال العامل؛
- التقييم البسيط و السهل لإستثمارات المقترضين؛
- إستخدام بدائل مستحدثة كالضمانات الجماعية وأسلوب الإدخار الإلزامي بدلا من إستخدام الضمانات العينية؛
- إمكانية حصول المقترض على قروض جديدة يتوقف على مدى وفائه بإلتزاماته في تسديد القروض السابقة؛
- الدفع المبسط لأقساط القروض كأسلوب الدفع الأسبوعي أو الشهري،أو أسلوب الدفع اليومي في بعض برامج التمويل الأصغر؛
- إرتفاع معدلات التحصيل لأقساط القروض مقارنة بمعدلات تحصيل القروض على مستوى بعض المؤسسات المالية التقليدية؛
- إستخدام أدوات الإدخار الطوعي كأسلوب يزيد من قدرة المقترض على تلبية إحتياجاته الخاصة الظرفية؛
- فرض أسعار فائدة مرتفعة لتغطية التكاليف.
- خدمات مالية ملائمة من حيث السرعة والتوقيت والقيمة.
رابعا:أهمية التمويل الأصغر وعلاقته بالبطالة والفقر
يمكن أن نستشف أهمية التمويل الأصغر بصفة عامة وعلاقته بمشكلة الفقر والبطالة بصفة خاصة من خلال النقاط التالية:
- في أنه يعتبر أداة من الأدوات الهامة في الحد من ظاهرة الفقر المتعددة الجوانب،
- في أن تقديم خدمات مالية جوارية تتكيف مع خصوصيات الأفراد المستبعدين من النظام المالي الرسمي كانت لها الكثير من الآثار الهامة على الجوانب الإقتصادية والإجتماعية لأولئك الأفراد،
- في أن الهيئات والمؤسسات التي قامت بتنفيذ برامج تقديم خدمات التمويل الأصغر قد حققت من خلال تلك البرامج أرباحا إلى جانب تحقيق أهدافها الإجتماعية،
- في أنه يوفر مجموعة متنوعة من الخدمات المالية للفقراء ومنخفضي الدخل المستبعدين في كثير من الأحيان من الأنظمة المالية الرسمية بمختلف أشكالها المؤسساتية،
- في أنه يعمل على تمكين الفقراء على زيادة دخلهم الأسري،وتحقيق أمنهم الإقتصادي والحد من ضعفهم المالي،وذلك من خلال بدء مشروعات مصغرة وصغيرة مدرة للدخل.
- في أنه يعمل على تحفيز الإقتصاديات المحلية من خلال خلق الطلب المتنوع على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات خاصة ما يتعلق منها بخدمات التغذية والتعليم والصحة،
- في أنه يوفر مجموعة متنوعة من الخدمات المالية للفقراء ومنخفضي الدخل المستبعدين في كثير من الأحيان من الأنظمة المالية الرسمية، وهو ما يساعدهم على بدء مشروعات مصغرة وصغيرة مدرة للدخل.
- الأهمية الإستراتيجية المستمدة من المشروعات المصغرة والصغيرة في حد ذاتها،على إعتبار أنها بمثابة الأداة المحركة للنمو الإقتصادي،والمصدر الرئيسي في توفير مناصب العمل،وتحقيق مستويات هامة من الكفاءة الإستخدامية للموارد المتاحة .
المحور الثاني:تطورات وتحديات التمويل الأصغر
أولا:نظرة سريعة حول تطور التمويل الأصغر في المنطقة العربية
شهدت صناعة التمويل الأصغر نموا كبيرا خلال السنوات الثلاثين الماضية،حيث شهدت هذه الصناعة إقامة ما يقرب من 10.000 مؤسسة للتمويل الأصغر عبر العالم بمجموع معاملات قدره 50 مليار دولار أمريكي،هذا وقد بلغ عدد المستفيدين من خدماتها عبر العالم أكثر من 110 مليون شخص.
ومن مميزات صناعة التمويل الأصغر في المنطقة العربية الوقت الراهن ما يلي(7):
- من حيث طبيعة مؤسسات التمويل الأصغر:الغالبية العظمى من مؤسسات التمويل الأصغر في المنطقة العربية عبارة عن منظمات غير حكومية غير ربحية.
- من حيث منهجيات الإقراض:تتمثل في الإقراض الجماعي التضامني والإقراض الفردي،حيث على الرغم من سيطرة القروض الجماعية في الماضي،فقد عرفت السنوات الأخيرة زيادة تقديم مؤسسات التمويل الأصغر للإقراض الفردي على مدى السنوات القليلة الماضية.
- من حيث طبيعة المنتجات المالية المعروضة:تشكل قروض المشروعات الصغيرة غالبية محافظ القروض،كما أنه في السنوات الأخيرة بدأت مؤسسات التمويل الأصغر في تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات المالية الأخرى كالقروض الإستهلاكية،وقروض السكن والتعليم،والقروض الموسمية،وكذلك المنتجات الإسلامية لتلبية حاجيات السكان المستهدفين.كما تقدم مؤسسات التمويل الأصغر في كل من الأردن ومصر منتجات التأمين الأصغر على نطاق محدود جدا.
- من حيث التوزيع الجغرافي لعدد المقترضين:سجلت مصر أكبر عدد من المقترضين خلال سنة 2009 متفوقة على المغرب الذي كان يتميز بأكبر عدد من المقترضين في السنوات السابقة.
- من حيث جودة المحفظة:على الرغم من أزمة التخلف عن السداد في السوق المغربية خلال سنة 2008 وتقلب بعض الأسواق في فلسطين،فقد كانت جودة المحفظة في المنطقة العربية فوق المتوسط ،
- من حيث الكفاءة والربحية:حققت مؤسسات التمويل الأصغر في المنطقة العربية أرباحا في سنة 2009،مسجلة المنطقة العربية بذلك أعلى معدل عائد على الأصول بمستوى 3.4% .
ثانيا:التحديات التي يواجهها التمويل الأصغر
خلال السنوات الأولى من بداية التمويل الأصغر كان التحدي الرئيسي لهذه الصناعة هو إيجاد أساليب جديدة لتقديم وتحصيل القروض من الفقراء أصحاب المشروعات المصغرة،ولكن في الفترة الحالية أصبحت هناك العديد من التحديات التي تقف عائقا أمام نمو قطاع التمويل الأصغر،والتي يمكن ذكرها في العناصر التالية:
- تحقيق الربحية والإستدامة المالية
- تحقيق معدلات أعلى من الإنتشار أو معدل أعلى من الوصول إلى الفئات الأقل حظا
- وصول مؤسسات التمويل الأصغر إلى مصادر التمويل المستدام
- إندماج مؤسسات التمويل الأصغر في النظام المالي الرسمي
- ضمان الرقابة والإشراف الفعال على نشاط مؤسسات التمويل الأصغر،خصوصا فيما يتعلق بالتدابير المحددة من الجهات الرقابية المصرفية
- إستخدام التكنولوجيا البنكية في مجالات تقديم خدمات التمويل الأصغر
- عدم خروج مؤسسات التمويل الأصغر عن مهمتها الإجتماعية
- حوكمة مؤسسات التمويل الأصغر
- وبصفة عامة وبدون شك سيؤدي التغلب على هذه التحديات وغيرها من جعل صناعة التمويل الأصغر
المحور الثالث:واقع التمويل الأصغر في الجزائر وأساليب تطويره
أولا:الطلب على التمويل الأصغر
إستنادا إلى المؤشرات المتعلقة بتحديد عدد الأسر الفقيرة التي تعاني من عدم تلبية إحتياجاتها المالية،وبناء على وضعية المشروعات المصغرة والصغيرة الناشطة في القطاع الرسمي وغير الرسمي،والتي يرتفع عددها من فترة إلى أخرى و تعاني من عدم القدرة على الوصول إلى مصادر تمويلية مناسبة،يظهر جليا أن هناك طلبا كبيرا محتملا على خدمات التمويل الأصغر في الجزائر،والذي يحتاج إلى التفكير في أساليب تغطيته بالشكل المقبول والملائم من حيث الوقت والتكلفة.
ثانيا:الجهات المقدمة لخدمات التمويل الأصغر
- برامج المساندة الحكومية لبدء مشروعات مصغرة وصغيرة:هناك ثلاثة برامج حكومية تم تأسيسها في إطار سعي الحكومة في مكافحة البطالة وتشجيع منظومة المشروعات المصغرة والصغيرة،وهذه البرامج هي كالتالي:
- برنامج الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب
- برنامج الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر
- برنامج الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة
وتوفر هذه البرامج الثلاثة المساعدة المالية والفنية لأصحاب المشروعات المصغرة والصغيرة المدرة للدخل،منها القروض المدعومة والمخفضة الفائدة،والإعفاءات الضريبية،إضافة إلى برامج تكوينية حول أساليب التسيير المالي والإداري المشروعات المصغرة والصغيرة.
ونشير هنا إلى وجود تباين بين هذه البرامج الثلاثة من حيث حجم القروض المقدمة،ومن حيث طبيعة السكان المستهدفين،ومن حيث الأهداف الإجتماعية التي تسعى إلى تحقيقها،وعموما جميع هذه البرامج تستخدم تقريبا نفس أسلوب التنظيم في تنفيذ برامجها.
كما نشير أيضا إلى أن البنوك تعتبر مشاركا رئيسيا في هذه البرامج،من حيث قيامها بتقديم القروض المكملة للتركيبة المالية للمشروعات المصغرة والصغيرة،وذلك وفقا لشروط إتفاقيات الشراكة المبرمة بين البنوك العمومية وكل من هذه البرامج الحكومية الثلاثة.
- البنوك العمومية:بدأت بعض البنوك الجزائرية في السنوات الأخيرة الإهتمام بتمويل المشروعات المصغرة مرغمة على ذلك من طرف الدولة في الكثير من الأحيان، أو بدافع مجاراة التغيرات التي تشهدها البيئة المصرفية التي تعمل بها ،وذلك في إطار الإتفاقيات المبرمة بينها وبين البرامج الحكومية الهادفة إلى تطوير وترقية منظومة المشروعات المصغرة في الجزائر مثل برامج الوكالة لدعم تشغيل الشباب،وبرامج الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر وغيرها،إلا أن صيغ وأساليب وإجراءات التمويل المعمول بها ضمن هذه البرامج لا تتلائم ولا تتفق في الكثير من جوانبها مع الممارسات المعمول بها دوليا ضمن ما يعرف ببرامج التمويل الأصغر،والتي أشرنا إليها في الفقرات السابقة.
ولكن،وعلى الرغم من ذلك هناك بعض التجارب الحديثة للبنوك الجزائرية التي حاولت فعلا تنفيذ برامج للتمويل الأصغر وفقا للمبادئ والإجراءات المعروفة والمعمول بها ضمن برامج التمويل الأصغر على المستوى الدولي،ومن ضمن هذه البنوك الجزائرية نذكر ما يلي:
- تجربة بنك البركة الجزائري(8) :
في إطار أحد المشاريع التنموية الممولة من قبل برنامج التعاون الدولي الألماني DEVED-GTZ وبمشاركة وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على مستوى مدينة غرداية،ومن اجل تسهيل حصول الحرفيين على التمويل الكافي للممارسة نشاطاتهم الحرفية،تم في هذا السياق تأسيس مع نهاية سنة 2008 مؤسسة للخدمات المالية المسماة إختصارا FIDES Algérie بالتعاون مع بنك البركة الجزائري،حيث تقوم المؤسسة بدراسة وتقييم مشاريع الحرفيين ومدى قابليتها للحصول على التمويل،حيث بناء على تلك الدراسة ترسل مؤسسة الخدمات المالية تلك الطلبات إلى بنك البركة الجزائري لتقديم التمويل لتلك المشاريع المقبولة،كما تقوم مؤسسة الخدمات المالية في إطار الإتفاقية المبرمة مع بنك البركة الجزائري بضمان المتابعة المستمرة للحرفيين المتحصلين على التمويل.
ونشير هنا إلى أن التمويل المقدم من قبل البنك هو وفق صيغة التمويل بالمشاركة بمبلغ أقصى قدره 500.000 دج لمدة تتراوح بين 12 و 24 شهرا،وتشير الإحصائيات المتوفرة حاليا إلى أنه خلال السنة الأولى من النشاط تم تمويل 45 مؤسسة،أين تم تسجيل حالتين فقط عن التأخر عن السداد في الآجال المتفق عليها.
أما فيما يخص تمويل النساء الحرفيات الماكثات في البيوت فقد تم إعتماد صيغة القروض بدون فوائد(القرض الحسن)،بمبالغ تتراوح مابين 10.000 دج و50.000 دج،ولمدة تتراوح مابين 3 إلى 12 شهرا،مع شرط أن يكون هؤلاء النساء منظمين في شكل مجموعات متضامنين فيما بينهم(أسلوب ضمان المجوعة).
- تجربة الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي
ضمن إستراتيجية مشروع التنمية الريفية للمناطق الجبلية شمال ولاية المسيلة والممول من قبل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية،تم إبرام إتفاقية تعاون مع الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي تتعلق بتأسيس سبعة(7) صناديق تعاونية جوارية على مستوى البلديات التي يمسها المشروع،وذلك من أجل تسهيل حصول سكان تلك البلديات على التمويل الكافي والملائم لبدء مشروعات إستثمارية فلاحية وغير فلاحية مدرة للدخل.
ونشير هنا إلى أن الفلسفة التي تقوم عليها الصناديق التعاونية الجوارية هي الفلسفة المستمدة من خلال بعض البرامج المعروفة والتجارب الرائدة في ميدان التمويل الأصغر، خصوصا ما يتعلق منها بملكية المواطنين لأسهم تلك الصناديق،والمشاركة في إدارتها،والعمل على تعبئة الإدخار المحلي ومنح القروض الصغرى…إلخ.
وحسب ما يتوفر لدينا من معلومات حول هذه صناديق التعاون الجواري، فإنها مازالت لم تر النور إلى غاية كتابة هذه الأسطر للكثير من العوائق، منها ما يتعلق بالجوانب التنظيمية والقانونية وغيرها.
- هيئة البريد الجزائرية
حسب التقرير النهائي حول التمويل الأصغر في الجزائر:الفرص والتحديات المعد من قبل المجموعة الإستشارية لمساعدة الفقراء والوكالة الفرنسية للتنمية، تعد هيئة البريد الجزائرية المؤسسة الوحيدة التي تقدم خدمات التمويل الأصغر في الجزائر،وبأنها تمثل حالة فريدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث حجم المؤسسة و من حيث عدد فروعها،وأيضا من حيث أداء نظام المعلومات لديها.
وعموما،وفي ظل الآفاق المستقبلية لهيئة البريد الجزائرية،ينبغي التركيز على تعزيز مجموعة من الجوانب الفنية والمالية لاسيما منها ما يتعلق بتحسن الربجية المالية للمؤسسة للوصول إلى ما يكفي من السيولة النقدية دون الإعتماد على الدعم الحكومي،وتعلم تقديم خدمة تقديم القروض من خلال علاقات شراكة فنية مع المؤسسات المالية كي تتحول هيئة البريد الجزائرية إلى بنك بريدي شامل،مع بذل المزيد من الجهد لتحسين نظام المعلومات والإدارة بإستخدام التكنولوجيات الحديثة،والعمل على توسيع قاعدة زبائن المؤسسة،وهو ما يخطط له حاليا من قبل الجهات الوصية على هذه الهيئة المالية.
- المنظمات غير الحكومية
تلعب المنظمات غير الحكومية دورا بارزا في مجال التمويل الأصغر،وقد بدأت بعض تلك المنظمات في الآونة الأخيرة نحو التحول إلى مؤسسات مالية مستقلة مرخص لها بذلك وفقا للقوانين المصرفية المعمول بها،وبالنسبة للجزائر تعتبر جمعية تويزة الجزائرية التي تأسست في سنة 1989،الجمعية المعترف لها بخبرتها في مجال التمويل الأصغر،من خلال إنشائها لبرنامج يتضمن تقديم المساندة لأصحاب المشروعات المصغرة والصغيرة،خصوصا في الولايات التالية:تيزي وزو،الجزائر والبليدة وبومرداس، وتيبازة وبجاية.
ورغم بعض العوائق التي تكتنف مجال عمل جمعية تويزة الجزائرية،إلا أنها تعكف حاليا على تحسين أساليب وإجراءات عملها في نشاط مساندة المقترضين،وهي تفكر في تحويل نشاطها التمويلي إلى عمل مؤسسي.
ثالثا:النماذج المؤسسية لتطوير التمويل الأصغر في الجزائر
وفقا للتقرير النهائي حول التمويل الأصغر في الجزائر،تم إقتراح خمسة أساليب لتطوير التمويل الأصغر في الجزائر،سنذكرها كمايلي(9):
- إقامة مؤسسات تمويل معنية بالتمويل الأصغر،يتركز نشاطها الإقراضي على تمويل أنشطة الأعمال الحرة والأعمال الحرفية ومقدمي الخدمات،وكذلك القروض الإستهلاكية.
- إقامة شراكة بين هيئة البريد الجزائرية وأحد المؤسسات المالية(بنك عمومي مثلا)،وذلك بدل إقامة المؤسسة المالية لفروع جديدة خاصة بها،وقد تسمح هذه الشراكة لمؤسسة التمويل المتخصصة في التمويل الأصغر بتفويض صلاحياتها إلى هيئة البريد في القيام بأعمالها الإقراضية مباشرة من فروعها بدلا عن المؤسسة المتخصصة في التمويل الأصغر.
- إقامة بنك تجزئة للعملاء المنخفضي الدخل،يعمل على توفير جميع أنواع الأدوات المالية للتمويل الأصغر.
- إقامة الشبكات المالية التعاونية التي تتماشى مع خصوصيات الواقع الإجتماعي والإقتصادي للجزائر،بحيث تعمل على تلبية إحتياجات السكان في المناطق الريفية،ويمكن في هذا الإطار الإستفادة من تجربة الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي.
- إقامة فروع مستقلة و متخصصة في التمويل الأصغر على مستوى البنوك التجارية.
خاتمة
مما سبق يتضح لنا أهمية التمويل الأصغر وعلاقته بمشكلات الفقر والبطالة و الإقصاء المالي التي تعانيها الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل،وبدون شك فإن التفكير الجدي في أساليب تطوير التمويل الأصغر في الجزائر المقترحة ضمن هذه المداخلة سيكون لها آثارا هامة وإيجابية على التقليل من مشكلات الفقر والبطالة والإقصاء المالي في سياق تحقيق التنمية المستدامة في الجزائر.
الهوامش:
(*) هناك من يستخدم مصطلح التمويل الأصغر بدلا عن مصطلح التمويل المتناهي الصغر أو مصطلح التمويل البالغ الصغر،لكنهما يحملان نفس المعنى،أما في اللغات الأجنبية فيستخدم مصطلح La Microfinance
(1) البنك الإسلامي للتنمية،ملخص التقرير الخاص بالتمويل الإسلامي البالغ الصغر،ص.12.
(2) جوديث براندسما و لورنس هارت ،تحسين عمل التمويل البالغ الصغر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ،منشورات مكتب شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي،1998.ص.1.
(3) Sébastien Boyé et autres,Le guide de la Microfinance ,éditions d’organisation,Paris,2006,p.17.
(4) المجموعة الإستشارية لمساعدة الفقراء،موجز الجهات المانحة، رقم 11،مارس 2003.
(5) جوديث براندسما ورفيقة شوالي، إنجاح التمويل البالغ الصغر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، منشورات مكتب شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، ص.1.
(6) المرجع نفسه،ص.1.
(7) تقرير ميسكس 2010 لتحليل ومقارنة التمويل الأصغر في العالم العربي،جوان 2011.(يمكن تحميل التقرير من الموقع التالي:www.themix.org ).
(8) Philippe Couteau,Expérience pilote de microfinance innovante à Ghardaia,les actes des assises nationales de l’artisanat,Novembre 2009,p.132
(9) المجموعة الإستشارية لمساعدة الفقراء،التقرير التهائي حول التمويل الأصغر في الجزائر:الفرص والتحديات،جوان 2006،ص 23-24.
** للمزيد من الإطلاع على المقالات المذكورة باللغة العربية الخاصة بالتمويل الأصغر،يمكن زيارة موقع البوابة العربية للتمويل الأصغر على شبكة الأنترنت التالي: www.arabic.microfinancegateway.org.