العدالة الاجتماعية وإصلاح التعليم هما الحل.. الطبقة الوسطى فى طريقها للانقراض
الى فريقين اثنين لا ثالث لهما، انقسم المصريون، أغنياء وفقراء وبعبارة أخرى «ناس فوق وناس تحت». فريق يسكن العشش والعشوائيات والقبور، وآخر يسكن الشقق الفارهة والفلل والقصور وفضل الانسلاخ عن نسيج المجتمع ليتخذ من الكمباوند جدارا عازلا بينه وبين شركاء الوطن الواحد.
بين هؤلاء وهؤلاء وعلى أرض مصر المحروسة كان هناك فريق ثالث يحفظ للمجتمع المصرى توازنه لكنه راح ضحية للانفتاح والخصخصة وغيرهما من السياسات الاقتصادية التى عصفت دون رحمة بقطاع عريض من أبناء الطبقة الوسطى والقت بهم فى غيابات الجب ودوائر التهميش والنسيان لتصبح الفجوة مرعبة والهوة كبيرة بين المصريين.
يقول البعض: ضاعت الطبقة الوسطى، تآكلت، تاهت وذابت ـ ذوبان الثلوج وبرودة وجدان الضمير المصرى وتجمد الدماء فى عروق الرأسماليين وتصلب شرايين الأغنياء الجدد ـ وذاب معها منظومة القيم الاجتماعية التى حفظت توازن الأمة.
لكن البعض لا يزال يجزم بأن هناك بقايا تحتضر وبلغت روحها الحلقوم وليس لها من معين سوى الله عز وجل. فاض بها الكيل وطفح ولم تفلح محاولات الانقاذ لانتشال بقايا أطلال هؤلاء المستورين الذين طحنتهم رحى غلاء الأسعار وتدنى الأجور.
بالطبع، بين سندان ضيق ذات اليد والأجور المنخفضة ومطرقة الضغوط الحياتية والمتطلبات اليومية، تواضعت الأحلام والتطلعات نحو النجاح والترقى والطموح المشروع ولم يعد هناك بصيص من أمل لدى الحالمين بصعود السلم الاجتماعي. فبرغم وعود الحكومة بالاصلاح لا تزال الأسعار ملتهبة والأجور ثابتة والتعليم مكلفا وفواتير الغاز والمياه والكهرباء لا ترحم وتكاليف العلاج والصحة تلتهم أى مدخرات صغيرة كانت أم كبيرة.
ان حماية المهمشين وعودة هذه الطبقة بقطاعها العريض ومواجهة فساد صغار وكبار موظفى الدولة لن يأتى الا بحزمة من التشريعات التى تعيد لهم هيبتهم وكرامتهم المسلوبة حتى يعودوا من جديد الى المشهد المصري.
«الأهرام» تفتح ملف تآكل الطبقة الوسطى وقد استطلعت الآراء حول الأسباب والحلول حتى تعود الروح لضحايا الظلم الاجتماعى والاقتصادى والسياسى قبل أن تنقرض هذه الدولة وتصبح فى خبر كان.
يقول د. رفعت السعيد الرئيس السابق لحزب التجمع: هناك متغيرات حدثت خلال فترة الطفرة البترولية فى دول الخليج التى استقطبت عددا كبيرا من أبناء الطبقة الوسطى من المثقفين وكذلك العمال من الطبقة الفقيرة. وقبل ان نتناول ما حدث للطبقة الوسطي، لا بد لنا من العودة قليلاً الى الوراء لنرى كيف ظهرت هذه الطبقة فى مصر. فعندما قرر محمد على بناء دولته الحديثة وجد نفسه بحاجة الى موظفين يشغلون السلم الوظيفى ولم يكن أمامه سوى أبناء الفلاحين وجرى إجبارهم على التعليم وبعدها يتحولون الى موظفين يصعدون سريعاً فى سلم الادارة.. وهنا نجد أنفسنا أمام نموذج مثير يمضى عبر المتوالية التالية ابن فلاح فقير ـ يتعلم ـ يتوظف ـ يصعد سريعاً ليصبح موظفا كبيرا ـ يغدق عليه الوالى فيصبح مالكا كبيرا..ومثلما صنع محمد على طبقته بقرار، كذلك فعل عبد الناصر وصنع طبقة وسطى من أبناء الاصلاح الزراعى وأبناء القطاع العام. هذه الفئة خرج منها المثقفون خريجو الجامعة، أبناء فلاحى الاصلاح الزراعى والقطاع العام وقد قمنا شباب الطليعة وكنت ـ واحدا منهم ـ بعمل استطلاع للرأى جاءت نتيجته أن 76% من أساتذة الجامعات أعضاء هيئة التدريس كانوا من أبناء فلاحى الإصلاح الزراعى وموظفى القطاع العام. وهذا يعنى أنه إذ لم يقم الزعيم عبد الناصر بعمل اصلاح زراعى ومجانية للتعليم لم تكن هذه الطبقة لتظهر فى مصر. هذه الطبقة هى التى حملت منظومة القيم التى حفظت توازن المجتمع.
البرجوازى الصغير
يوضح: لكن المأساة الحقيقية هى افتقاد الديمقراطية. فصورة البرجوازى الصغير المتطلع لأعلى هى الصورة السائدة.. وانتهت مرحلة النضال التى جعلت الناس يتباعدون عن مصالح طبقتهم.
ملحوظة فى تاريخ التعليم ـ على مدى فترات طويلة ـ كان المصريون ينظرون للتعليم على أنه وسيلة لتطوير أوضاعهم.. ولهذا كنا نرى الأم تبيع غيطها كى ينجح الابن ويحصل على وظيفة حكومية. أما الطبقة الوسطى فهم الآن فى حالة يرثى لها، وليس لديهم مانع من بيع ملابسهم حتى يحصل أبناؤهم على تعليم متميز فى الجامعات الأجنبية كى يمكنهم الالتحاق بسوق العمل وحتى هذا أصبح أمرا مستحيلاً. الطبقة المستورة تهبط ويهبط معها طموحها. والحل الوحيد لا بد لها من النضال حتى تحافظ على وجودها. فحلم العدالة الاجتماعية أصبح كابوسا وهو نوع من الأغنيات الجميلة تتكرر منذ 40 عاما واذا تحقق وزادت المعاشات 10% تضيع مع التضخم. واذكر تصريحا ليوسف بطرس غالى بأنه سيحقق العدل الاجتماعى وسيوجه 50 مليار جنيه من آخر موازنة قام بها لصالح المستحقين للمعاشات.
والحق أنه قام بالسطو على أموال المعاشات ويجب عليه ردها فلم يجد أمامه الا ميزانية الدولة وقد وقفت فى مجلس الشورى أناقش هذه القضية وهؤلاء الذين يلفقون ما يسمى بالعدل الاجتماعي.
نظرية التساقط
ويطالب: د. السعيد الرئيس السيسى بألا يثق فى كل الاطروحات الاقتصادية التى يقدمها له الاقتصاديون.
صحيح أن الاقتصاد ينمو من خلال التشغيل وهو ما قام به هتلر عندما قام بإنشاء »الاوتو بان« الذى استوعب أعدادا كبيرة تحصل على مرتبات معقولة.. وكذلك يؤمن الاقتصاديون فى بلادنا بنظرية التساقط وأن المصانع عندما تنشط ستتساقط الثروة من أعلى إلى طبقات المجتمع الأقل علوا. ولكن هذا غير صحيح فأصحاب هذه المصانع يؤمنون بنظرية أخرى وهي»البحر يحب الزيادة«.
يشرح: لا شك أن النتيجة العملية لما يسمونه بمشروع التوظيف وقانون الخدمة المدنية سيجعل الكثيرين يخرجون بمعاش مبكر، غير مدركين أن هذا المعاش لا ولن يفى باحتياجات المواطن الذى ساءت صحته ويحتاج لعلاج وزادت عليه الضغوطات الاقتصادية نتيجة لارتفاع الأسعار. للأسف مدت الدولة يدها فى جيوب الفقراء الخاوية الذين أصبحوا أكثر من 40%، فزادت فواتير الكهرباء والغاز والمياه.على أية حال هؤلاء الفقراء استدعيناهم فى 25 يناير فلبوا النداء. ثم قلنا لهم الثورة اتسرقت فصدقونا وخرجوا فى 30/6، ثم طمأناهم بمؤتمر شرم الشيخ. لكن هذا المواطن ظل يسأل نفسه ما الذى سأحصل عليه من كل هذا. واذا قلت له ان المجتمع سينهض، نجده يسأل نفسه ما الذى يعود عليه بشكل عاجل؟.. طبعاً ولا حاجة. المشكلة أنهم دائما يتساءلون من أين ينفق الأغنياء بهذا الشكل الفاحش.
مجانية التعليم
يقول د. عاصم الدسوقى استاذ التاريخ بجامعة حلوان: تختلف الطبقة المتوسطة فى مصر عن الغرب. ففى الغرب هناك طبقة الاقطاع وطبقة العامة، ثم ظهرت طبقة جديدة تسمى البرجوازية وهم أصحاب رأس المال الصناعي. هذه الطبقة اصطدمت بالطبقة الحاكمة وخير شاهد الثورة الفرنسية التى اندلعت بقيادة الطبقة البرجوازية. وقد وضع الفكر السياسى هذه الطبقة فيما يعرف بالطبقة المتوسطة فلا هم اقطاع ولا هم سكان الريف..
ويضيف: لكن طبقة الوسطى فى مصر تضم الموظفين الذين يعملون فى مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص. صنع محمد على هذه الطبقة صناعة حكومية. عندما بدأ محمد على يقر التعليم المدنى وأقر مجانية التعليم وتمكين خريجى المدارس فى الوظائف الحكومية على خلاف ما يحدث فى المجتمعات الغربية الرأسمالية. هذه الطبقة تتعرض منذ الاحتلال لضغوط أصحاب رأس المال التجاري، والزراعى والصناعى لأن الاقطاعيين هم أنفسهم أصحاب رأس المال التجارى والصناعى وعندما وصلوا للحكم تحت الاحتلال البريطانى منهم الوزراء وقيادة الحركة الوطنية بقيادة سعد زغلول، كانت كل تشريعاتهم لمصالحهم ضد الطبقة الوسطى من عمال وفلاحين. ويقف دستور 1923 خير شاهد على ذلك. فالمشرعون رفضوا اقتراح حق العمال فى تكوين النقابات بينما نجدهم يتكتلون فى اتحاد الصناعات1922 وكذلك النقابة الزراعية المصرية العامة لملاك الأراضى فى عام 1921 هذه خطوات تمت قبل وضع الدستور. وفى عام 1927 أسس أصحاب المال التجارى الغرفة التجارية.
وفى عام1933 رفض مجلس النواب الموافقة على اقتراح لزيادة ميزانية التعليم الالزامى لأولاد الفلاحين، يعادل ما نسميه الآن محو الأمية. فى عام 1944 صدر قانون من حكومة الوفد بضرورة أن يلتزم صاحب العمل سواء شركات أو محال عامة أو المراكب الزراعية بإبرام وامضاء عقد عمل للعمال الذين يعملون لديه والاتفاق على ما يسمى «قانون عقدعمل للفرد» فقبل عام 1944 كان العمال فى الشركات وكافة وحدات الانتاج يعملون بلا عقود ومهددين بالطرد. ومع هذا وبظهور القانون، تم استثناء عمال الخدمات والمحال العامة والمراكب الزراعية الذين يعملون فى الأراضى الزراعية وحرموا من حق إبرام عقد العمل. وفى سنة 1952 تقدم أحمد حسين زعيم مصر الفتاة ووزير الشئون الاجتماعية فى حكومة الوفد بمشروع لتطوير الريف المصرى وامداده بشبكات مياه نقية وكهرباء ووحدة صحية وناد ريفى ويقوم بهذه المنشآت ملاك الأراضى الزراعية فى كل مكان واذا رفضوا تتولى الحكومة تنفيذه وتحصل النفقات بفرض ضرائب تصاعدية على الملاك. فماذا قال وزير الزراعة فى يوليو 1951 للدكتور حسين قال له: انت وزير »أحمر« أى شيوعى وتم رفض المشروع. نظام الحكم قبل العام 1953 يخلو من أى حماية للطبقة الوسطى والعمال والفلاحين وهذا يفسر قيام ثورة الاصلاح الزراعى التى تنظم علاقات المالك بالمستأجر وحماية العمال من الفصل التعسفي. طوال فترة عبد الناصر انتعشت الطبقة الوسطى بالتعليم والتوظيف ومنع خلو الرجل وضبط الاسعار.
سياسة الانفتاح
يحلل: لكن بدءا من منتصف الـ1974 وتطبيقاً لسياسة الانفتاح والاقتصاد الحر. عاد تحكم رأس المال من جديد وتأكد هذا مع مبارك حتى تاريخه وبالتالى أصبحت الطبقة الوسطى فى العراء وتتآكل. رفعت الحكومة يدها عن الشأن الاقتصادى والخريجين. هذه هى القضية. الدولة ليست لها سياسة اقتصادية لرعاية طبقات المجتمع. قل على الدنيا السلام.
حلم الصعود
وتقول د. هدى زكريا: الطبقة الوسطى هى قلب المجتمع وروحه لأنها تمثل للفقراء حلم الصعود الاجتماعي. الفقراء يتعاملون معها على أنها تقدم لها سبل تحقيق حلم الصعود الاجتماعى فهى التى تعلمهم كيف يتحدثون مستخدمين شهد الكلام..وهم وراء الكلمات الرقيقة المهذبة وتزداد معهم حساسية استخدام كلمات ودعوات مثل »بعد الشر« و«بعيد عنك«. وهى أيضاً التى تردع الطبقة العليا عن الكلمات والتصرفات السفيهة. فالعليا لها أخطاء أخلاقية وثقافية واجتماعية. والوسطى تقوم بدور تربوى وثقافى واخلاقى وتجديد النسق القيمى للمجتمع كله. كانت هذه الطبقة تعانى قبل عام 1953 كما رأينا فى روايات مثل بداية ونهاية والقاهرة ثلاثين والثلاثية، فكاتبنا نجيب محفوظ ابن الطبقة الوسطي. فى بداية ونهاية سقطت الأسرة بسقوط الأب. أما ثورة 1952 فقد أنعشت هذه الطبقة وأعادت اليها دورها بقوانين مجانية التعليم وأخذت معها الطبقة الدنيا والفقراء الموجودين بالوسطى عن طريق التعليم. اذ كانوا يذاكرون دروسهم على لمبة جاز وفوانيس الشارع وتحت أعمدة الاضاءة. فهناك طبيب ابن مزارع ومدرس ابن عامل وهذه الطبقة امتدت وأخذت شرائح دنيا معها، فاتسعت مساحتها كماً وكيفاً فى الستينيات وحدث معها انتعاش فى القيم والمبادئ.. فنرى انتعاشها وقمة ازدهارها فى أجمل الأغنيات لصلاح جاهين ابن الطبقة الوسطي. لكن موت عبد الناصر كان وبالاً على الطبقة الوسطي.
من يملك مصر؟
وتضيف: أما بعد الانفتاح، فالأمور سداح مداح حيث انهالت الضربات تلو الضربات على رأس الطبقة الوسطى وانسحبت المجانية بنعومة وارتفعت الأسعار وانتعش التجار وأصحاب البيزنس. وفى نهاية السبعينيات اجريت دراسة حول ِِ«من يملك مصر؟» جاء نتيحتها أن تجار العملة والسماسرة وأصحاب البيزنس هم الملاك الحقيقيون لمصر. هذه الشريحة ليس همها المصانع والانتاج ولكن الأموال وانتعش معها المضاربة فى البورصة. ظهرت طبقات طفيلية من المخدرات والتهريب وأصبحوا هم العناصر الأساسية فى الطبقة الغنية. والمعروف أن الطبيعة الأخلاقية للغنى أنها طبيعة لا أخلاقية، فهى لا تفرض لهذه الشريحة قيم الشرف والأمانة ولكن منطقهم «اللى تغلب به العب به»، و«اخطف واجرى» و«ابتسم بالدولار», وهنا كانت بداية الانهيار القيمى وظهور طبقة طفيلية غنية مؤسسة للفساد ومتهمة بالتحالف مع أجهزة الدولة الضعيفة.
عقد عمل
تضيف: من الناحية الجغرافية، فرت الطبقة المتوسطة بحثاً عن عقد عمل فى ليبيا والسعودية ودول الخليج حتى تحافظ لنفسها على طبقتها ووضعها الاجتماعي. خرجت الطبقة التى كان العرب والشوام يتعلمون منها، فتحولت من فاعل الى مفعول به وارتدت الجلابية والجلباب. وبنظرة عامة نجد صورة التأثر بثقافة صحراوية بدوية وهذا هو الأمر الأصعب. المصريون خرجوا وغابوا خمس أو عشر سنوات ثم عادوا ينظرون بتأفف على الوطن. عادوا خاسرين الراحة النفسية والطمأنينة بينهم وبين أبناء بلدهم. وأصبحوا مشغولين طيلة الوقت بالاستهلاك. أما ابناء الطبقة الوسطى الحقيقيون فقد كانوا دائما منتجين انتاجا حقيقيا. فقدت الطبقة الوسطى معالمها عندما اختنقت ووقعت الطبقة الوسطى فى حيص بيص. وجدت بينها وبين الأغنياء فجوة بعد أن كانت تمد الأغنياء السفهاء بالقيم والمبادئ. وللأسف الشديد ضربت القيم الاجتماعية فى مقتل. وتفكك الضمير الجمعى الذى تم تكوينه على أرضية وأفكار الطبقة الوسطي. كنا نرى فى الهرم الطبقى عوامل ثقافية مشتركة: مصرى مسيحي، مسلم، غني، فقير، ريفى حضري، لكن حدث تفكك، فقد المواطن انتماءه للوطن الأم. من أيام القرن الـ19 ربطنا بين العفة والملبس. كل المجتمع يتطور، يتحرر من الشكليات ويقدم رؤية اجتماعية متحررة راقية.لكن الخطاب الدينى يفاجئك بالتركيز على فكرة الاحتشام ولم يلق الضوء على ثقافة »البحلقة«. وحدث تفكك فى الضمير الجمعى وهاجرت الطبقة الوسطى من الوطن وعادوا بأوهام المنافسات وماركة السيارة والموبايل. فقد المجتمع طبقة مهمة وفقدت الوسطى شخصيتها وذاكرتها. الخطاب الدينى متناقض مع الأخلاق نتيجة لغيابها. وحدث خلل فى التوازن الاجتماعي. وعندما سقطت الوسطى جاءت الثورة تنادى بالحرية والعدالة الاجتماعية وهى صورة تحمل آمال الطبقة الوسطى العريضة فى مصر المحروسة.
الأغنياء الجدد
تقول د. سوسن فايد بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية إن سبب تفتت الطبقة الوسطى هو عدم وجود عوامل جاذبة للاستقرار.. وعدم استقرار الظروف الاقتصادية التى اضطرتها للبحث عن فرص عمل خارج البلاد، خاصة أنه مع الانفتاح أصبح الأغنياء الجدد هم أصحاب السطوة والقوى الاجتماعية والاقتصادية. فنجد مثلا شرائح الطبقة العليا غالبيتهم من أصحاب الأعمال الحرة وانشغلوا بالانفتاح. أما أبناء طبقة «وسطى الوسطى» فهم شباب المثقفين. هذا فى الوقت الذى انسحبت فيه الطبقة العليا من نسيج المجتمع وانعزلوا فيما يعرف بالتجمعات الجديدة فى المدن الجديدة. بالطبع انفصلت أيضاً الوسطى العليا بدخولها فى عالم رجال الأعمال. على الجانب الآخر، هناك أبناء وسطى الوسطى من الشرفاء المنسحبين من العمل العام والنشاط السياسى نتيجة الفساد الادارى والمهني. منهم أساتذة الجامعات والمهندسون حيث يتميز معظمهم بالعلم والاستقرار والحفاظ على المبادئ. وبكل تأكيد خسرهم المجتمع. هذا فى الوقت الذى لم تستطع فيه الطبقة الوسطى الدنيا أن تحافظ على مستواها. ولا تستطيع تحقيق العائد الاقتصادى الذى يمكنهم من الوفاء بمتطلبات طبقتهم..هؤلاء خرج منهم ـ بكل أسف المفسدون ـ فى الجهاز الادارى بفعل الضغوط الاقتصادية، برروا الرشوة لتحسين المرتب. ووجدوا قبولا لدى الجهاز الادارى الذى تعايش مع الفساد تحت اسم تحسين الدخل ومواجهة أوضاع الحياة. ولأن معظمهم لا يستطيع مواكبة أوضاع الحياة، فقد اختلط أولادهم بأبناء الطبقة الدنيا واكتسبوا ملامحهم وسلوكياتهم وألفاظهم.. وهم جميعاً ضحايا للتعليم الوهمى والاعلام غير المدروس الذى لا يقدم لهم علما يخدمهم. هذه الطبقة تعانى من تخلف ثقافي..وبعد مرور ثورتين تاهت البوصلة حتى من النخبة. تفتت الوسطى وارتبط تفتتها بأزمة القيم.. ودخلت وسطى العليا فى صراعات المال والمصالح. وتورطت وسطى الدنيا فى الفساد الادارى بعد أن أصبحت غير قادرة على مواكبة متطلبات الحياة. لكن ما تبقى من وسطى الوسطى فجميعهم يصارع الحياة ويكافح بشراسة حتى لا يسقط فى وسطى الدنيا وحتى يحافط على الضمير والقيم والمبادئ الى حد كبير، والحق أن التعليم الحقيقى هو الذى يمكن أن يوسع من نطاق الوسطي.. وكذلك الاصلاح الادارى للطبقة الوسطى بحيث يعطى لهم فرصة للترقى بأخلافيات وزيادة الدخل دون رشوة واكراميات.
تطالب: لا بد من زيادة مساحة الاستثمار ومزيد من الصلاحيات والامتيازات لطبقة الوسطى العليا حتى نعطيهم فرصا حقيقية لتنمية بشرية تعود على المجتمع على طريقة »خذ من أموالهم«. فعندما نرفع من شريحة الوسطى العليا فاننا نرفع مساحة وسطي. وبالتأكيد نرفع مستوى شريحة العليا وتتحسن أوضاعها عن طريق عائد رجال الأعمال بحيث يحدث التكافل..وهذه مسألة تحتاج الى ثقافة ومناشدة وتوضيح يساعد على الحل. فانقراض الطبقة الوسطى الوسطى يمكن أن يتم التغلب عليه عندما تمد وسطى العليا يدها اليها فترفعها وتعود هذه الطبقة من جديد الى المشهد المصري. وهذا بعنى أننا لا بد أن نتصرف بشكل ايجابى ونقدم خطوة على الأرض حتى تعود الوسطي.
وتحذر: هناك عوامل الطرد تشكل خطورة على الأجيال القادمة ومصر تحتاج لبناء جيل قادم يكون عماداً للمستقبل ويحمل القيم المعنوية ويرسخها فى المجتمع. لهذا لا بد ان يكون التحدى الحقيقى هو انعاش هدف مشترك للسياسات العامة للاعلام والتعليم والمؤسسة الدينية وأن يكون لديها هدف ورؤية مع التأكيد على أهمية البحث العلمى ولا بد أن يكون هناك تعاون بين الباحث ومتخذ القرار فللأسف هناك تضارب بين المؤسسات وهناك تخبط لدى قطاع عريض من الناس الذين يطلقون العنان للاستهلاك. وبناءً على ذلك، لا بد من دعم القيم الروحية والمعنوبة حتى يحدث التوازن فى وجدان المجتمع. لهذا أرجو معرفة مشاكلنا ونجتهد فى حلها باخلاص والتأكيد على قيم العمل والاصلاح والاتقان فى لحظة هامة من عمر الوطن.
العمل عبادة
يقول د. اسماعيل شاهين الأمين العام المساعد لرابطة الجامعات الاسلامية: الشريعة الاسلامية لا تمنع اكتساب المال بطريق مشروع. فما دام الغنى اكتسب أمواله بطرق مشروعة، فإن الاسلام لا يمنع ذلك بل يحض على العمل لاكتساب المال ويدعو الفقراء من جانب آخر والطبقة المتوسطة الى العمل والجد والاجتهاد «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» والاسلام جعل العمل عبادة بل هو من أفضل العبادات فلا يركن الفقير الى الكسل حتى يلحقه الفقر فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى عابداً فى المسجد يعبد الله آناء الليل وأطراف النهار فسأل عمن يعول أولاده ويعطيهم ما يكفيهم من مأكل ومشرب وقال له هذا العابد: أخى فقال الرسول أخوك أعبد منك. ومن هنا كانت الشريعة الاسلامية هى أكبر الشرائع التى تدعو الى العمل المشروع حتى تسير التنمية فى المجتمع ويرقى الفرد والمجتمع غير أن الشريعة فى ذات الوقت حثت الأغنياء على أن يعاونوا الفقراء ويعطوهم من مال الله الذى أتاهم وذلك عن طريق اخراج الزكاة والصدقات حتى يسود التكافل بين أفراد المجتمع ومن ثم تضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويسود التكامل بين أفراده، وبالتالى تتحقق الاخوة الاسلامية التى حضت عليها الشريعة الاسلامية. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون«.
والشريعة الاسلامية أيضاً هى التى حثت على أن يكون الغنى مساعداً لأخيه الفقير بالمال والتوجيه والنصح والارشاد. ومن هنا كانت الزكاة تنمية للمال وزيادة له والصدقة من الغنى للفقير لها ثواب أخروي، حيث قال الرسول صلى الله على وسلم « اتقوا النار ولو بشق تمرة«.
والكل يعرف أن مبدأ الاسلام هو التعاون والاخاء بين المسلمين بعضهم البعض والمدخل الرئيسى للمودة والمحبة بين الناس جميعاً. قال تعالي: »وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان«. ولذلك حضت الشريعة على تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ومتوسطى الدخل عن طريق: تحريم احتكار السلع، الصدقات، الزكاة، عدم جشع التجار، وغلاء الأسعار الى آخر الأمور التى نهت عنها الشريعة حتى تضيق الفجوة بين أفراد الأمة ويعيش الكل فى اخاء ومودة.