سوق العقارات بعد التعويم.. فرصة للأغنياء وضغط على الفقراء
جاءت حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، وعلى رأسها قرار تعويم الجنيه، لتحمل تأثيرًا مباشرًا على سوق العقارات، على نحو يرجح أن يعاني منه في المقام الأول جمهور العقارات الأفقر، في الوقت الذي قد يحمل فيه فرص إضافية بتحقيق أرباح كبيرة لجمهور العقارات الفاخرة، الذي يستهدف الاستثمار لا السكن.
يرى كريم إبراهيم، مهندس معماري بشركة «تكوين» لتنمية المجتمعات المتكاملة، أن الضغط الشديد الذي سيواجه جمهور الوحدات السكنية منخفضة المستوى سيدفع نسبة كبيرة منهم لسوق العقارات غير الرسمي في العشوائيات بالأساس.
وقال إبراهيم لـ«مدى مصر» إن «التقديرات المتوفرة حول نصيب هذا السوق من الوحدات السكنية التي يجري عرضها سنويًا يشير إلى حوالي 65% كمتوسط خلال العقد الأخير، لأسباب تتعلق بقدرة المطورين العقاريين في هذا القطاع على التعامل بمرونة مع متغيرات السوق العقاري، وتخفيض التكلفة مع التهرب من سداد ضريبة المبيعات، والحصول على الأراضي على نحو غير رسمي بأسعار بخسة على سبيل المثال».
وقالت مذكرة بحثية لبنك الاستثمار الإماراتي «أرقام»، اطلع عليها «مدى مصر»، إن العقارات ذات المستوى المنخفض، وإن كان جمهورها، الذي يستهدف السكن لا الاستثمار بهدف حماية قيمة المدخرات، لازال شرهًا للشراء، لكن هذا الجمهور يواجه تحديات قوية بشأن قدرته على الوفاء بأسعارها على خلفية الارتفاعات الكبيرة في أسعار العقارات عمومًا خلال السنتين الماضيتين لأسباب تتعلق في المقام الأول بارتفاع كلفة البناء من قبيل تبني الدولة لآلية بيع أراضيها عبر المزادات، على نحو أصبح يهدد قدرة هذا الجمهور على الشراء مع الارتفاع الجديد في الأسعار بسبب تعويم الجنيه.
وقدر محمد مرعي، محلل قطاع العقارات في شركة «برايم» القابضة للاستثمارات المالية، الارتفاع المتوقع خلال سنة في أسعار الوحدات السكنية منخفضة المستوى بنحو 30%، في ظل تركز العجز في عدد العقارات قياسًا إلى الطلب عليها في هذا المستوى من العقارات.
وعمومًا، فيما يتعلق بقطاع العقارات كله، ترى شركة «مباشر» للخدمات المالية في مذكرة بحثية لعملائها، إطلع عليها «مدى مصر» إنه «نظريًا، من المفترض أن يستفيد المطورون العقاريون من انخفاض قيمة العملة المحلية، حيث أن ذلك يؤدي لزيادة الطلب على العقارات، والتي تعد أداة جيدة للتحوط ضد تخفيض العملة وارتفاع مستويات التضخم».
وبلغ متوسط معدل التضخم في العام المالي الماضي 10.63%، مقابل 10.94% في العام السابق، لكن العام الحالي شهد معدلات تضخم مرتفعة، تجاوزت 16% في شهر أغسطس، قبل أن تتراجع إلى 14.6%، ثم إلى 14%، في الشهرين التاليين. كما كان بنك الاستثمار بلتون قد رجح في مذكرة بحثية قبل أيام زيادة الضغوط التضخمية في النصف الأول من 2017 ليصل معدل التضخم لأعلى مستوى في النصف الأول منه إلى ما بين 25-30%.
وبلغ معدل النمو في قطاع الأنشطة العقارية 4.6% في العام المالي الماضي، لكن هذا المعدل بلغ 6.2% في الربع الرابع من نفس العام، وهو ما قد يشير لنمو إضافي مع تزايد المبيعات على خلفية ارتفاع مخاطر التضخم.
ومع ذلك، فمذكرة شركة «مباشر» تقول إن «الشركات التي تتبع نموذج البيع على الخطة (البيع المسبق للوحدات السكنية قبل بنائها) المتبع من قبل معظم الشركات العاملة بالسوق المصري، سوف تعاني من انخفاض هوامش الربحية لديها نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء بعد تعويم العملة المحلية»، مضيفة «بخصوص المبيعات المستقبلية للمطورين العقاريين، نعتقد أن المطورين المصريين لديهم القدرة على تمرير الزيادة في التكلفة للمستهلك النهائي».
وقالت «مباشر» إن انخفاض قيمة العملة المحلية سوف يؤدي إلى زيادة تكلفة خامات إنتاج الأسمنت، وعلى رأسها الفحم والغاز الطبيعي المستوردين من الخارج، لكنها زيادة تعتقد «مباشر» أن شركات الأسمنت يمكنها تمريرها للمستهلك النهائي كما فعلوا من قبل.
بينما أوضح «مرعي» لـ«مدى مصر» أن العقارات منخفضة المستوى، وهي نفسها تلك التي يتولى بناءها مطورين من ذوي حجم الأعمال المحدودة، هي الأكثر تأثرًا بتلك الارتفاعات في التكلفة بسبب اعتمادها شبه الكامل على شراء خامات البناء أولًا بأول بحسب احتياجاتهم المباشرة، ما يضعهم تحت ضغط التغيرات السريعة في أسعار الحديد والأسمنت مثلًا»، مضيفًا: «على العكس من ذلك، فالعقارات الفاخرة، وهي تلك التي يتولى بنائها المطورين العقاريين الكبار، تبدو أقل تأثرًا في ظل النهج الذي تسير عليه هذه الشركات من تكديس الخامات مسبقًا على نحو يقيها لفترة طويلة نسبيًا من التأثيرات المباشرة للارتفاعات السريعة في أسعار تلك الخامات».
وقالت مجموعة طلعت مصطفى في تقرير أرسلته إلى البورصة، اليوم الأحد، إنها حققت مبيعات قدرها 5 مليارات و539 مليون جنيه منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر الماضي، بنسبة نمو بلغت 107% خلال الأشهر التسعة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وارتفعت أرباح الشركة بنسبة 15.7% في نفس الفترة.
وفضلًا عن ذلك، فسيحمل قرار رفع أسعار الفائدة بنسبة كبيرة بلغت 3% والذي صاحب قرار تعويم الجنيه، تأثيرًا مباشرًا على قدرة الفئات التي تستهدف العقارات منخفضة المستوى في الأساس.
وقالت «مباشر» في مذكرتها إن القرار لن يؤثر على نحو كبير على أرباح الشركات العقارية مع اعتماد معظمها بالكامل على الدفعات المقدمة من عملائها، لكنه في المقابل سيعيق الطلب على قطاع العقارات «حيث أن فائدة التمويل العقاري عادة ما يتم تحديدها وفقًا لمعدلات الفائدة السائدة».
من المستفيد
لكن هذه الأنباء السلبية فيما يتعلق بقدرة الفئات الأقل قدرة على شراء الوحدات السكنية، من جراء تعويم الجنيه، هي الوجه الآخر ربما لفرص كبيرة لفئات اجتماعية أعلى يرجح أن تزيد من استثماراتها في قطاع العقارات في محاولة للاستفادة من فرص استثنائية بالنسبة لها تتيحها الأسعار المنخفضة نسبيًا مع التراجع الكبير في سعر الجنيه.
ونصح بنك «أرقام» في مذكرته بالاستثمار في العقارات الفاخرة للاستفادة من الرواج الاستثنائي، الذي قال إن هذا المستوى من العقارات سيحظى به مع إقبال قطاع كبير من العاملين في الخارج وغير المقيمين على الاستثمار في هذه العقارات التي أصبحت رخيصة السعر بصورة كبيرة نتيجة تراجع سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية التي في حوزتهم.
وقالت المذكرة إن معدل تملك غير المقيمين يتركز في العقارات الفاخرة على نحو يتضح من تركز ملكيتهم في العقارات التي تبيعها شركات التطوير العقاري الأكبر على حساب غيرها، 20% من عقارات شركة إعمار، و10% من عقارات شركة بالم هيلز، و10% من عقارات شركة سوديك، و5% من عقارات شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير.
ويرى فتح الله فوزي مؤسس مجموعة مينا للاستثمار العقاري ورئيس لجنة التشييد في جمعية رجال الأعمال، إن تلك التوقعات بشأن الاستثمارات الجدبدة من قبل غير المقيمين تخفف من بعض التوقعات بتراجع المبيعات مع الارتفاع في الأسعار الوشيك في العقارات متوسطة المستوى وفوق المتوسطة.
ويقول فوزي إن بيع الوحدات الجديدة متوقف تقريبًا بسبب الارتباك من قبل المطورين العقاريين في تسعير الوحدات انتظارًا لتقييم دقيق لحجم الارتفاع الضروري في الأسعار النهائية بعد تقييم السعر الذي سيستقر عليه الدولار.
ومن جانب آخر، رجحت مذكرة بحثية لـ«برايم»، استفادة المضاربين السابقين في العملة الأجنبية في السوق الموازي من سوق العقارات كملاذ جديد لمدخراتهم بعد تراجع جاذبية السوق الموازي للعملة على خلفية قرار تعويم سعر الجنيه.