البرلمان القادم وتشريعات العدالة الاجتماعية
مفهوم العدالة الاجتماعية ليس فقط مفهوما مرتبطا بالاقتصاد بالمعنى التقني، أنما له أبعاده السياسية التي يعد من أهمها نشر روح وثقافة التعايش السلمي بين المواطنين، فبدون شعور المواطنين بقدر من العدالة فيما بينهم لا يمكن للمجتمع أن يعيش حالة من الاستقرار والتي بدورها تؤثر في مختلف الطبقات فيه. ويقوم مفهوم العدالة الاقتصادية والاجتماعية في إطاره القانوني على البحث في تشريعات تعيق تحقق العدالة الاجتماعية في مصر، ولعل أهم المحددات التي تناولها للحفاظ على نظام أقرب للعدالة الاجتماعية تشمل الحفاظ على نظام يضمن عدالة المشاركة في صناعة النمو، وعدالة توزيع ثمار النمو والعدالة التعويضية.
ولعل أهم محاور العدالة الاجتماعية من الناحية التشريعية هي التي تقوم على تحقيق:
- النفاذ للفرص لتكوين المهارات بعدالة.
- القدرة على استغلال المهارات المكتسبة بعدالة.
وهو ما يتطلب تشريعات تضمن تحقق مجموعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى السكن والغذاء والضمانة الاجتماعية والعمل اللائق والصحة. وهي التشريعات التى تغطى جوانب إتاحة الحق والحصول عليه والقدرة على تقييمه بحرية لضمان فعاليته.
ومجموعة التشريعات التى تضمن نفاذا عادلا للأسواق لضمان استفادة الجميع بعدالة من المهارات التى تتراكم من خلال الحقوق، مثلا: يجب العمل على تشريعات لتنظيم الإفلاس، وقانون الحريات النقابية وقانون شفافية المعلومات.
ومن ثم فالفلسفة التشريعية يجب أن تكون متكاملة ومتناغمة، وتتناول هذه الورقة الجانب التأسيسي والجانب المتعلق بالعدالة الاقتصادية:
- شفافية الموازنة العامة للدولة: لا يمكن ضمان عدالة اقتصادية حقيقية دون توجه واضح لاتاحة المعلومات حول الإنفاق العام والإيرادات العامة للجمهور حتى يتمكنوا من المراقبة على الإنفاق العام ومتابعته. لا يزال القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة -وهو القانون الأساسي الذي ينظم الإجراءات المتعلقة بالموازنة العامة- يحمي سرية الوثائق الخاصة بالموازنة العامة ولا يلزم الحكومة أو البرلمان بنشر أو إتاحة أيا من التقارير، بل يوضح فى مادتيه 30 و32 أن الجهاز المركزي للمحاسبات ملزم فقط بتقديم تقريره عن الحساب الختامي إلى مجلس الشعب ووزارة المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية.[1]
وتلزم كذلك اللائحة التنفيذية للقانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة في مادتها الـ 191″الجهاز المركزي للمحاسبات بتقديم تقرير عن نتائج ومراجعة الحسابات الختامية الواردة بالموازنة العامة بالدولة إلى وزارة المالية خلال شهرين من تاريخ تسلمه الحساب الختامي للوحدة” بدون أي إلزام بنشره في وسائل الإعلام أو الاتصال أو إتاحته للعامة بأي شكل.
ولكن قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988 المعدل بقانون رقم 157 لسنة 1998 -مثله مثل قانون الموازنة العامة- يلزم الجهاز المركزي للمحاسبات في مادته الـ18 ارسال ملاحظاته على الحساب الختامي للموازنة العامة إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب ووزارة المالية فقط، وتنص نفس المادة من ذات القانون على أن تقرير الجهاز لمتابعة تنفيذ الخطة وتقويم الأداء ترسل فقط إلى مجلس الشعب والجهات المعنية بدون أي ذكر أو إلزام بإتاحتها للمواطنين. وهو ما يتطلب تعديلا آخر.
هذا القصور التشريعى على الرغم من أن يوجد أيضا عدد من الاتفاقيات الدولية التي تلزم مصر بإتاحة المعلومات الرسمية للمواطنين (المالك الدستوري لها). وقعت مصر في أواخر عام 2003 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتم التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية والبرلمان عام 2004 على أن يعمل بهذه الاتفاقية اعتبارا من 14 ديسمبر 2005. في نص الاتفاقية العديد من المواد التي تؤكد التزام الدول الأطراف في الاتفاقية على اتخاذ تدابير تتعلق بتعزيز الشفافية، ولكن تنص الاتفاقية صراحة في المادة 13/”أ” و”ب”: “تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها” و”ضمان تيسر حصول الناس فعليا على المعلومات”.
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصدقة عليه مصر ينص في المادة 11 على أن لكل إنسان حق في التماس مختلف ضروب المعلومات”، والمادة 9 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، المصدق عليه من مصر أيضا، يؤكد على حق كل فرد في الحصول على المعلومات.
وبالرغم من وجود كل هذه الالتزامات على مصر في توفير وإتاحة المعلومات وتشجيع إسهام الناس في عمليات اتخاذ القرار عن طريق تعزيز الشفافية وإتاحة المعرفة، إلا أن البنية التشريعية المنظمة لمسألة إتاحة المعلومات عامة وشفافية الموازنة بشكل خاص ما زالت منتقصة.
- تشجيع التعاونيات بأنواعها: لكي تقوم التعاونيات بدورها لا بد من تعزيز طابعها الشعبي للتعاونيات بقدر تخلصها من هيمنة الأجهزة الحكومية وبقدر خضوعها للإرادة الحرة منذ لحظة تأسيسها حتى تصفية نشاطها ويتطلب ذلك:
- إعادة النظر في العلاقة الحالية بين الأجهزة الحكومية والمنظمات التعاونية.
- ألا يكون تأسيس المنظمات التعاونية بإذن من الجهة الإدارية، وألا تتدخل هذه الجهة في عملها بما يعوق إدارتها لشئونها، ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة التعاونية.
- حرية اتخاذ القرار التعاوني بدون تدخل من أي جهة خارجية.
- دعم الوحدات التعاونية القاعدية لتكون أساسا قويا للتطور الديمقراطي للبنيان التعاوني.
- دعم الهوية المؤسسية الشعبية للتعاونيات كمنظمات أهلية تعبر عن إدارة أعضائها.
إن قوانين القطاع التعاوني السارية وهى قانون رقم (28) لسنة 1984 بشأن الاتحاد العام للتعاونيات وقانون رقم (109) لسنة 1975 بشأن التعاون الاستهلاكي و قانون رقم (110) لسنة 1975 بشأن التعاون الانتاجي وقانون رقم (122) لسنة 1980 والمعدل بالقانون رقم (122) لسنة 1981 بشأن التعاون الزراعي و قانون رقم (14) لسنة 1981 بشأن التعاون الاسكاني وقانون رقم (123) لسنة 1983 بشأن تعاونيات الثروة المائية الاتحاد العام للتعاونيات؛ تحتاج لمراجعة شاملة، تقوم على تعميق الديمقراطية الداخلية للتعاونيات وذلك من خلال الإصرار على إعمال آليات الديمقراطية الداخلية التي تكفل قيام علاقات ديمقراطية بين الأعضاء، وتأكيد اختيارية العضوية وحرية الانضمام للتعاونية والانسحاب منها، وحق العضو في الترشيح للمواقع التعاونية القيادية وانتخاب المرشحين والتصويت على القرارات دون انتقاص لهذا الحق من قبل الجهة الإدارية، ومن خلال وضع الأعضاء بأنفسهم للائحة الداخلية، والتأكيد على قاعدة صوت واحد للعضو الواحد، ومن خلال العمل على تسجيل اجتماعات الجمعيات العمومية ومساهمة معظم أعضائها فيها، ووضع ضمانات لتداول المراكز القيادية التعاونية لإنهاء جمود النخبة القيادية وتكوين قيادات جديدة.
لم تعد التشريعات التعاونية الحالية ملائمة لقيام المنظمات التعاونية بدور فاعل في التنمية في ظل الظروف الجديدة وهناك إجماع على ضرورة إعادة صياغة هذه التشريعات لإجراء تعديلات جوهرية تكفل تمكين التعاونيات من ممارسة نشاطها بحرية وقيامها بدورها التنموي بفاعلية مع التأكيد على طبيعتها كمنظمات أهلية وذلك من خلال:
- إصدار تشريع موحد ومرن يقتصر على المبادئ العامة ويترك لكل قطاع تعاوني وضع نظامه الأساسي.
- إصدار تشريع موحد يخصص بابه الأول للمبادئ العامة، ويخصص باب مستقل لكل قطاع تعاوني.
- إجراء تعديلات جوهرية في التشريعات القائمة تتفق مع توجهات دعم الديمقراطية وإزالة العقبات من خلال النص على أن تكون التعاونيات وحدها المختصة بتحديد قواعد عملها الداخلي، وتحديد العلاقة مع الأجهزة الحكومية بحيث تكون علاقات تعاون دون تداخل في الأدوار، مع حرية اتخاذ القرار التعاوني، وأن يكون للتعاونيين الرأي الأول في تحديد التعديلات التي ستدخل على التشريعات.
- وضع نظام واضح لشبكات الأمان الإجتماعى كجزء لا يتجزأ من الحماية الاجتماعية: لابد من قيام تشريع يوضح كافة برامج الضمان الاجتماعى ويقوم على التكامل فيما بينها بحث تغطى كافة جوانب مكافحة الفقر، فلا يزال لقانون رقم 30 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم 88 لسنة 1996 بشأن الضمان الاجتماعى يعاني من عدم وضوح مواده بشأن الاستهداف بالبرامج، ولا يقدم أية معايير تضمن اشتماله على كافة أسباب الفقر وكافة الفئات المعرضة للفقر، وسهولة ووضوح خطوات التقدم، والرقابة المجتمعية على صرف المعاشات لمستحقيها.
ومن الممكن وضع تصور متكامل لبرامج الحماية الإجتماعية من مصنفة فى أربعة أنواع من التدخلات:
- تدخلات الحماية Protective interventions: تتمثل فى برامج شبكات الأمان الاجتماعي وتشمل التحويلات النقدية غير التساهمية للفقراء فقرا مزمنا، الذين لا ولن يستطيعوا العمل والكسب، متمثلة فى معاشات الضمان الاجتماعي والمعاشات المؤقتة للأسر في فقر مرحلي. بالنسبة للنوع الأول وهي معاشات الضمان الاجتماعي، فقد أجمعت التجربة الدولية على أن قيمة هذه المعاشات تحدد كنسبة من الحد الأدنى للأجر كما هو الحال فى البرازيل، أو تحدد بمبلغ معين يتم تثبيته لمدة لا تزيد عن خمس سنوات، على أن يكون حده الأدنى هو ثلث متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي كما هو الحال في بوليفيا، أو يحدد المبلغ ليغطى نسبة معينة من فجوة الفقر فى الفئة المستهدفة كما هو الحال فى جنوب أفريقيا. أما بالنسبة للمعاشات المؤقتة الموجهة للأسر الأكثر فقرا فتكون مؤقتة.
- تدخلات وقائية Preventive measures: برزت أهمية هذا النوع من التدخلات فى ظل كتابات الجيل الثاني من نظريات الرفاه، والتى تناولت تأثير عدم وجود آليات لتأمين الفئات الهشة من تأثير المخاطر على تدهور العدالة في توزيع الدخل وتعريض الفئات الهشة للفقر المزمن. فبدون البرامج الوقائية يعتمد الفقراء على آليات شخصية تشمل تجنب الإنتاج مرتفع المخاطر حتى ولو ارتفع العائد منه، وبيع الأصول المدخرة في فترات الرخاء إن هذه الاستراتيجيات المؤقتة لتجنب المخاطر ليست منعدمة التكلفة بالنسبة للفقراء والفئات الأكثر هشاشة؛ حيث أنها تؤدي إلى إدارة الأصول بشكل أقل كفاءة بما ينتج عنه تراجع في متوسط الدخل الدائم.
- ومن ثم تشمل هذه البرامج برامج التأمينات الاجتماعية للفئات الهشة ونظم التأمين الصحي وبرامج المساندة المؤقتة. وتحدد قيمة تحويلات المساندة المؤقتة فى التجربة الدولة من خلال دالة احتياجات تقوم على قياس الفجوة بين ما تحتاجه الأسرة للوفاء باحتياجاتها الأساسية شاملة التعليم والرعاية الصحية ودخلها الحالى وهو الحال فى التجربة الألبانية، أو بسد الفجوة بين الحد الأدنى للأجر السنوي في الدولة وإجمالي دخل الأسرة بعد الوقوع في المخاطر المعرضة للفقر كما هو الحال فى إستونيا وأوكرانيا وإندونيسيا.
- تدخلات ارتقائية Promotive measures: تهدف لتحسين الدخول الحقيقية والقدرات من خلال برامج القروض متناهية الصغر والتغذية المدرسية وبرامج التحويلات النقدية المشروطة.
- قانون العمل: لا تزال المسودات المطروحة لقانون العمل ظالمة للعمال بشكل كبير حيث تضمنت مواد من شأنها أن تسهل مسألة فصل العامل أكثر من الموجود حاليا، كما تم التقليل من حقوق العامل في حالة الفصل التعسفي، كذلك التقليل من حقوق العامل في حالة الوفاة، وبعد سن المعاش وفي سن التدرج؛ كما قيد القانون بالكامل الحق فى التدريب المهنى والتنظيم والتفاوض.
- قانون المنافسة ومنع الاحتكار: وهو القانون رقم 3 لسنة 2005 وتعديلاته، فلا تزال مواد القانون غير ممكنة لإنفاذ العقوبات ضد المحتكر، وضعف العقوبات ذاتها.
وهو ما يتطلب إصلاحا فى مجموعة التشريعات التالية:
تشريعات يجب تعديلها | التوجه فى التعديل |
قانون الموازنة رقم 53 لسنة 1973 | ● التوافق مع الشفافية.
● تطبيق موازنة البرامج. ● دعم التخطيط من أسفل لأعلى. |
قوانين القطاع التعاوني السارية حتى تاريخه:
● قانون رقم (28) لسنة 1984 بشأن الاتحاد العام للتعاونيات ● قانون رقم (109) لسنة 1975 بشأن التعاون الاستهلاكي ● قانون رقم (110) لسنة 1975 بشأن التعاون الانتاجي ● قانون رقم (122) لسنة 1980 والمعدل بالقانون رقم (122) لسنة 1981 بشأن التعاون الزراعي: ● قانون رقم (14) لسنة 1981 بشأن التعاون الاسكاني ● قانون رقم (123) لسنة 1983 بشأن تعاونيات الثروة المائية الاتحاد العام للتعاونيات |
● تيسير التمويل والنشأة والتكوين. |
قانون رقم 30 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم 88 لسنة 1996 بشأن الضمان الاجتماعي | ● التحرك نحو إنشاء نظام كامل للحماية الاجتماعية بدلا من البرامج الضيقة ذات الاستهداف الديمجرافى غير الواضح. |
قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 | ● لضمان حقوق العامل كاملة وفق ما تقره منظمة العمل الدولية. |
قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم 3 لسنة 2005 | لمنحه آليات تنفيذ أكثر قوة في السوق. |
[1] المادة 32 من القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة بالدولة