العدالة الاجتماعية في ظل المسار الثوري في تونس
فصل ضمن كتاب: العدالة الاجتماعية: المفهوم والسياسات بعد الثورات العربية
لعبت مطالب العدالة الاجتماعية دورا حاسما في الصراع ضد السلطة الدكتاتورية في تونس، وكانت الدافع الرئيسي للانتفاضة الثورية التي شهدتها البلاد في نهاية 2010 ومحركها الأساسي، والتي نجحت في طرد الديكتاتور.
ماذا غنمت الحركة الاجتماعية من هذا النصر؟ وماهي الحصيلة المؤقتة، على المستوى الاجتماعي، لأربع سنوات من الحراك الثوري المتواصل؟ وإلى أي حد بإمكان مطالب العدالة الاجتماعية أن تلعب اليوم، دورا فاعلا للشروع في بناء تونس جديدة ديمقراطية وعادلة اجتماعيا؟
أزمة اجتماعية حادة تؤدي إلى الثورة
احتكر الحكم في تونس، مدة لا تقل عن 54 سنة، رئيسان اثنان فقط هما بورقيبة (1956-1987)، ثم بن علي (1987-2010). حاول الأول تنمية البلاد وتدعيم استقلالها الوطني، إلا أن تنامي الطابع الاستبدادي لحكمه، والانحطاط البيروقراطي لدولته ولحزبه، وضغوط نظام العولمة الرأسمالية الليبرالية الجديدة المتنامية على تونس، ساهمت في إفشال تجربته وتعميق أزمته نظامه، رغم ما أحرزه من تقدم ونجاحات في مجالات عديدة.
قضت أزمة منتصف الثمانينيات إذن على آخر الأوهام حول قدرة النظام البورقيبي البرجوازي الوطني على تحقيق تقدم تونس الاقتصادي والاجتماعي. ولم تكن الحركة الاجتماعية عامة، والحركة العمالية، بوجه خاص، قادرة على عمل شيء ما لقلب الأوضاع لفائدتها، على الرغم من أنها كانت المتضررة الأولى من هذا الفشل. كما كانت البيروقراطية الحاكمة، عاجزة بدورها على إيجاد مخرج للأزمة، ليس لأنها تمثل أحد أسبابها الرئيسية، وإنما أيضا لأنها كانت فاقدة للقدرة على تصريفها.
كانت الرأسمالية العالمية تمر بدورها بفترة انتقال عسير من نمط التعديل الفوردي، الذي استمر حتى نهاية السبعينيات، إلى نمط تعديل ليبرالي جديد، يسعى إلى إعادة تنظيم العمل والعلاقات الاجتماعية السائدة، وإلى إعادة تشكيل العلاقات الدولية بكيفية تسمح بإطلاق حرية الرأسمال في الاستثمار والتجارة والمضاربة المالية وتكديس الأرباح دون قيد أو شرط.
وكان تفوق النهج الجديد في المملكة المتحدة ثم في الولايات المتحدة الأمريكية إيذانا بدخول العالم مرحلة العولمة الرأسمالية الليبرالية الجديدة. لم يصمد النظام البورقيبي العليل طويلا أمام ضغوطها، حيث قبلت حكومة بورقيبة، خلال صيف 1986، برنامج المؤسسات المالية الدولية لمعالجة أزمة النظام الحادة. لكن تطبيق هذا البرنامج كان يتطلب إيجاد حل لمعضلة خلافة بورقيبة. وهو ما تكفل به الوزير الأول، الجنرال بن علي، بواسطة الانقلاب الذي حسم بواسطته الأمر لفائدته في 7 نوفمبر 1987.
ليس برنامج التكييف الهيكلي الذي جرى تطبيقه في تونس خلال ربع القرن الأخير مجرد وصفة تتضمن حزمة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية، ذات الطابع الرأسمالي الليبرالي الجديد، لمعالجة أزمة النظام البورقيبي فحسب، بل إنه، بالإضافة إلى ذلك، برنامج قام بالتأسيس لنظام اقتصادي واجتماعي جديد كان يسعى إلى الحفاظ على ربحية الرأسمال، خاصة عبر مضاعفة استغلال القوى الكادحة التونسية، واستنزاف مقدرات بلادها الطبيعية. نظام يهدف كذلك على المستوى السياسي، إلى إعادة بسط هيمنة الدوائر الرأسمالية العالمية على تونس. بالتالي لم يسمح انقلاب 7 نوفمبر بانتقال السلطة من بورقيبة إلى بن علي فحسب، بل مكن بالخصوص من الشروع في تركيز إستراتيجية اقتصادية واجتماعية جديدة تستجيب لشروط ربحية الرأسمال العالمي، قوامها الانفتاح على السوق العالمية والمرونة الاجتماعية وانسحاب الدولة من الدائرة الاقتصادية.
شرع النظام الجديد في تطبيق سياسة إعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية، وسياسة التقشف في المصاريف العمومية، ثم دعم، سنة 1995، هذا التوجه الرأسمالي الليبرالي الجديد بإجراءين تمثل الأول في انضمام تونس إلى المنظمة العالمية للتجارة، والثاني في انخراطها في خطة الاتحاد الأوروبي الرامية إلى إقامة منطقة تبادل حر في المتوسط، خاضعة لنفوذها وتخدم مصالح قواها الرأسمالية.
مكنت مختلف الإصلاحات الهيكلية الرأسمالية من إعادة تنشيط آليات النمو الاقتصادي، لكن الثمن الاقتصادي والاجتماعي الذي دفعته تونس كان مرتفعا للغاية، حيث أن جزءا هاما من الدخل السنوي كان يغادر البلاد عبر آليات عديدة منها بالخصوص آلية المديونية الخارجية، وترحيل الأرباح، وكذلك تهريب رأس المال الذي كان يقوم به الأثرياء التونسيون، والذي بلغت قيمته، في فترة حكم بن علي، 34 مليار دولار[1].
شملت الانعكاسات السلبية الاجتماعية للنظام الرأسمالي الليبرالي الجديد كامل القطاعات، في مقدمتها قطاع الشغل. كما أدى خضوع الدولة لمنطق النظام الجديد ولشروطه القاسية إلى تقلص حاد لدورها الاجتماعي التعديلي، مما ساهم في ارتفاع الأضرار التي طالت ظروف عيش غالبية السكان، خاصة منهم سكان الأحياء الشعبية وأقاليم البلاد الداخلية.
يتفق الجميع على اعتبار أزمة التشغيل، التي استفحلت بشكل خاص خلال العقد الأخير من حكم بن علي، السبب الأساسي لاندلاع الثورة. وهي أزمة كان يغذيها تفاقم عجز الاقتصاد المحلي وسياسة الدولة على الاستجابة بالقدر الكافي لطلبات الشغل المتزايدة، وهو ما أدى بالخصوص إلى:
- تواصل المستوى المرتفع لنسبة البطالة الهيكلية الرسمية، حيث بلغت 13 بالمائة من القوى العاملة سنة 2010. وهي تطال خاصة الشباب من دون 35 سنة، الذين يمثلون 85 بالمائة من مجموع المعطلين عن العمل. كما تتجلى أزمة سوق الشغل التونسية على مستوى النوع، حيث تصل نسبة بطالة النساء 18.9 بالمائة مقابل 10.9 بالمائة في صفوف الرجال. بالإضافة إلى كون البطالة تطال ولايات الأقاليم الداخلية، حيث تساوي نسبتها ضعف المعدل الوطني.
- وبروز ظاهرة هيكلية جديدة تتمثل في بطالة أصحاب الشهادات الجامعية، حيث ارتفع عدد المعطلين من هذا الصنف من خمسة آلاف و900 معطل سنة 1994 إلى 139 ألفا سنة 2010.
- وتفاقم ظاهرة العمالة الناقصة واتساع دائرتها لتشمل قبل اندلاع الثورة 60 بالمائة من الناشطين المشتغلين.
أزمة الدخل
تبرز الأرقام الرسمية تحسن مؤشرات الفقر في تونس، حيث تفيد هذه الأرقام أن عدد الفقراء قد انخفض من 823 ألف فقير سنة 1980 إلى 399 ألف فقير سنة 2000، وبالتالي فإن نسبة الفقر قد انخفضت بشكل ملحوظ من 32.4 بالمائة سنة 2000 إلى 15.5 بالمائة سنة 2010[2]. كما أفادت مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية لكن محمد الناصر، غداة سقوط بن علي، أن نسبة الفقر الحقيقية تساوي 25 بالمائة من مجموع السكان، وهي نسبة قدرتها بناء على المعطيات المتوفرة لديها حول على عدد المنتفعين بآليات المساندة التي توفرها الوزارة كبطاقات العلاج المجاني وبطاقات العلاج ذات التعريفة المنخفضة وحصر الأسر المنتفعة بمنح العائلات المعوزة وجرايات الشيخوخة وغيرها من البرامج الاجتماعية.
لكن وبصرف النظر عن تضارب النسب المتعلقة بمستويات الفقر، ومدى مطابقة الطرق والمعطيات المعتمدة في قياسها، فإنه بات من المتأكد، خاصة بالنسبة للعقد الأخير من حكم بن علي، أن مستوى عيش عموم التونسيات والتونسيين قد سجل تراجعا لافتا. وهو تراجع كان يدعمه استفحال أزمة التشغيل، من ناحية، واهتراء المقدرة الشرائية للأجور وتنامي الضغط الجبائي على الطبقات الكادحة بوجه خاص، من ناحية أخرى. كما ساهم تراجع تدخل الدولة الاجتماعي، في إطار سياسة التقشف في المصاريف الاجتماعية، بدوره في تشديد وتيرة آليات الاقصاء الاجتماعي وتوسيع دائرة الفقر.
في المقابل، وبشكل مواز، كانت عائلات الزوج بن علي-الطرابلسي، والعائلات المصاهرة لها تراكم الممتلكات وتكدس الأرباح وتبسط نفوذها على الأخضر واليابس[3]. وكانت لا تتردد في التظاهر بهذا الثراء السريع وغير المشروع، وهو ما كان يؤجج لدى الطبقات الشعبية مشاعر الحيف اجتماعي والظلم الصارخ. وهو ما كانت تدل عليه الاحتجاجات الاجتماعية، والاضرابات العمالية التي تسارعت وتيرتها في آخر سنوات حكم بن علي. ولعل أبرز هذه الاحتجاجات الاجتماعية على الاطلاق، انتفاضة الحوض المنجمي، بجنوب غرب البلاد، خاصة مدينة الرديف التي صمدت فيها الحركة الاحتجاجية في وجه القمع الشرس ستة أشهر كاملة.
ليس هناك شك، بعد مرور أربع سنوات على سقوط بن علي، حول حقيقة أن الوضع الاجتماعي قد شهد مزيدا من التأزم. حيث لم تقع معالجة أزمة التشغيل الحادة، كما لم يجري تخفيف الفقر أو فك عزلة الأقاليم المهمشة. لكن الأسوأ هو ارتفاع حجم البطالة بشكل غير مسبوق، واهتراء المقدرة الشرائية لعموم الأجراء والكادحين، وتوسع نطاق هذا التقهقر الاجتماعي ليشمل شرائح اجتماعية كانت تتمتع، قبل 14 يناير 2011، بوضعيات مريحة نسبيا. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ أن ما ينتظر هؤلاء جميعا، في الأسابيع والأشهر القادمة، هو المزيد من إجراءات التقشف والتعديلات الهيكلية التي سوف تحمل معها مزيدا من الأضرار الاجتماعية.
ارتفع عدد المعطلين عن العمل من 492 ألف سنة 2010 إلى 610 آلاف سنة 2013، بزيادة بنسبة 24 بالمائة. في نفس الوقت ارتفعت نسبة البطالة بنقطتين من 13.3 بالمائة إلى 15,3 بالمائة. لكن المتضرر الأكبر هم حاملي الشهادات الجامعية حيث ارتفع عدد المعطلين على العمل في صفوفهم من 139 ألف سنة 2010 إلى 250 ألف سنة 2013، بزيادة بنسبة 80 بالمائة. كما أنه من غير المتوقع أن يطرأ تحسن في مستوى التشغيل خلال الأشهر القادمة، حيث قررت الحكومة في ميزانية الدولة لسنة 2014 تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية.
أما بالنسبة لتطور للأجور فإن المتأكد هو تواصل اهترائها نتيجة التضخم المالي الذي تشهده تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة. وتجدر الملاحظة هنا إلى أن الحكومة تصرح بمعدل تضخم سنوي يساوي 5,3 بالمائة، فيما تؤكد “منظمة الدفاع عن المستهلك” من جهتها، على أن هذه النسبة تقع في الحقيقة ما بين 10 و15 بالمائة وهو ما يؤكده الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يطالب منذ مدة طويلة بمراجعة محتوى السلة المعتمد لاحتساب نسبة التضخم لملائمتها مع تطور الاستهلاك في تونس. ومما يزيد في التأكيد على حقيقة تراجع المقدرة الشرائية لعموم الأجراء، الذين يمثلون 72 بالمائة من مجموع القوى العاملة المشتغلة، عدم تحقيق أية زيادة في الأجور على امتداد السنتين الأخيرتين (2013 و2014). باستثناء الترفيع المتوقع في الأجر الأدنى الصناعي الذي ستفضي إليه المفاوضات الاجتماعية حول هذا الموضوع، التي انطلقت منذ نهاية شهر أبريل بين الحكومة ومنظمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل.
ومما يدعم الاعتقاد بتواصل مسار تراجع المقدرة الشرائية للأجراء ولعموم الطبقات الشعبية هو ما برمجته الحكومة في ميزانية 2014 من ضغط جبائي إضافي على الأجور بـ12 بالمائة، وترفيع في الأداء على القيمة المضافة بـنسبة ـ7.2 بالمائة، والزيادة في الأداء على الاستهلاك بـنسبة ـ6.5 بالمائة. كما تتهيأ الحكومة إلى التخفيض في ميزانية الدعم بنسبة 22 بالمائة سنة 2014 وهو إجراء يندرج ضمن تمشي الحكومات المتعاقبة بعد 14 يناير والمتمثل في مزيد من التقليص في “التحويلات الاجتماعية ” أو” الأجر غير المباشر”. أخيرا يجدر التذكير بأن السياسة النقدية المطبقة عبر الترفيع في أسعار الفائدة تزيد في الضغط على مدا خيل الأجراء وتضعف بدورها من قدرتهم الشرائية.
نستخلص من خلال هذا العرض المكثف للوضع الاجتماعي في تونس، قبل الانتفاضة الثورية وبعدها:
- أن ظروف عيش عموم التونسيات والتونسيين قد شهدت تدهورا ملموسا، خاصة خلال السنوات الأخيرة من حكم بن علي. فيما كانت أقلية من العائلات الحاكمة تكدس الثروات الطائلة، على مرأى ومسمع الجميع. مما ولد لديهم الإحساس بالجور الاجتماعي والظلم، وغذى فيهم مشاعر عدم الرضا والنقمة على النظام القائم، ودفعهم للمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
- هيأت إذن الأزمة الاجتماعية الطبقات الشعبية للانتفاضة ضد البطالة والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والفقر، من أجل نظام اجتماعي بديل يضمن لها حقوقها، على أساس مساهمتها الحرة والواعية في إنتاج الثروة وفي الاقتسام العادل لثمارِها. ثم دفعتهم
- لكن الحصيلة المؤقتة للثورة لا تزال دون المطلوب بكثير، بل هي مخيبة للآمال. حيث أن ظروف معيشة الشعب الكادح قد ازدادت سوءا. وهو ما يؤكده تقهقر الترتيب الدولي لتونس على مستوى مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المرتبة 78 عالميا سنة 1993، إلى المرتبة 81 سنة 2010 ثم المرتبة 94 سنة 2012[4].
كيف تتعامل الأحزاب والقوى السياسية مع مطالب العدالة الاجتماعية التي تنادي بها الطبقات الشعبية والتي ثارت من أجلها؟ وما هو دورها في دفع المسار الثوري أو عرقلته؟
مطلب العدالة الاجتماعية ومختلف القوى المحلية والخارجية
لا تزال المطالب الاجتماعية تمثل، ثلاث سنوات ونصف بعد سقوط السلطة الدكتاتورية، المحرك الأساسي للاحتجاجات الشعبية، وحجر عثر أمام جميع محاولات النظام القائم لإعادة ترميم الشروط السياسية لنشاط الاقتصاد المهيمن دون الاستجابة للمطالب الشعبية، وذلك رغم غياب افتقارها لحزب ثوري لا يكتفي بإعلان النوايا، وإنما يقود الحراك الثوري لخوض النضال المباشر من أجل تحقيقها.
كما لا تزال مضاعفات الثورة تلقى بثقلها على جميع دوائر الحياة، حيث ما انفك النظام المحلي يتقلب على وقع الضربات التي يتلقاها من الحركة الجماهيرية، تارة، ومحاولات تجديده، من قبل قوى الثورة المضادة الخارجية والداخلية، تارة أخرى.
وفي حين لا تزال مطالب العدالة الاجتماعية تفرض نفسها، ليس على النظام القائم فحسب، وإنما أيضا على جميع الأحزاب السياسية، دون استثناء، يكتفي جزء كبير من الطيف السياسي بتعويم هذه المطالب ضمن الشعار العام المنادي بـ”تحقيق أهداف الثورة”، على غرار ما دأب عليه الحزب الحاكم في ظل النظام الديكتاتوري، عندما كان يربط تحقيق المطالب الاجتماعية بما كان يسميه “تحقيق التنمية الشاملة”.
تميز المشهد السياسي في تونس قبل 14 يناير 2014 بهيمنة شبه مطلقة لحزب بن علي “التجمع الدستوري الديمقراطي”. أما المعارضة، التي كان جزئها الكبير غير قانوني ومطارد، فكانت تتمثل بالخصوص في الحركة الديمقراطية التقدمية التي ساهمت في النضال ضد الدكتاتورية، وكان لها دور هام في تهيئة الشروط لإسقاطها. وكذلك الحركة السلفية، خاصة حزب حركة النهضة فصيلها السياسي الأبرز.
تغير هذا المشهد بعد الانتفاضة الثورية. وتمثلت أبرز تحولاته في حل الحزب الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال أكثر من نصف قرن. وتسجيل عدة أحزاب سياسية حضورها العلني والقانوني لأول مرة في الساحة السياسية، وهي الأحزاب اليسارية الراديكالية والأحزاب السلفية، كما شهدت الحركة الديمقراطية بشكل عام، تحولات عميقة أفضت إلى تفككها، وإلى إعادة تشكلها على أرضيات سياسية متعددة. كما تجدر الإشارة بروز المركزية النقابية، الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، اتحاد الصناعة والتجارة كقوى فاعلة على الساحة السياسية. وهو دور ما انفك يتأكد في ظل غياب قوة سياسية قادرة على ملء الفراغ السياسي الذي تركه حزب “التجمع الدستوري الديمقراطي” المنحل.
تلعب مختلف هذه القوى دورا بالغ الأهمية في كل المسائل المتصلة بالمطالب الاجتماعية، وبتحقيق العدالة الاجتماعية، التي تطالب بها الطبقات الكادحة. ويختلف هذا الدور ما بين مؤيد ومناهض لهذه المطالب بحسب الطبيعة الاجتماعية لكل واحد منها.
ولئن كانت الحركة الديمقراطية تقليديا نصير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم التونسيات والتونسيين، إلا أن التغيرات الهامة التي شهدتها بعد الثورة جعلت جزءا منها يغير مواقفه الاجتماعية بصفة جذرية. فبعد أن كان يوحد الحركة الديمقراطية نضالها ضد الاستبداد السياسي وانتهاك الحقوق الديمقراطية والاجتماعية الأساسية، عجل واقع ما بعد بن علي، سيرورة الفرز داخلها، ما بين جناح إصلاحي انحاز لوجهة نظر ومصلحة البرجوازية الكبيرة المحلية والعالمية، وجناح حافظ على طبيعته الاجتماعية التقدمية، على الرغم من بقاء بعض مكوناته تحت تأثير إيديولوجيا الإصلاح البرجوازي، يضم بالأساس الجبهة الشعبية وكذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان ولا يزال يمثل نقطة ارتكاز هامة للحراك الديمقراطي التقدمي في تونس، وأخيرا جناح ثوري، هو الأصغر حجما، منخرط بشكل مباشر في الحراك الثوري ولكنه يظل عاجزا على تنظيمه ودفع مساره. أما الطبقة العمالية والطبقات الكادحة عموما فهي لا تزال إما منعزلة سياسيا، أو تحت تأثير القوى السياسية الفاعلة.
ما انفك الجناح الإصلاحي للحركة الديمقراطية يلعب، منذ سقوط بن علي، دور قوة الشد للمسار الثوري، وكابح للنضالات، ومغلب لمنطق التوافق ضد استحقاقات الثورة واستكمال مسارها، وتعميق القطيعة مع النظام القائم. في المقابل، يساهم هذا الجناح في مسار إعادة تشكيل قوة سياسية جديدة تعوض الحزب الحاكم المنحل، وتكون قادرة على إعادة الاستقرار للنظام القائم. وفي هذا الإطار، سجلت مختلف مكونات هذا الجناح الاصلاحي تقاربا وتلاحما مع العديد من القيادات والقوى السياسية التي كانت تنتمي لسلطة بن علي. ومن أبرز التشكيلات السياسية التي أفرزها هذا المسار، هو حزب نداء تونس الذي يعد، من حيث نوايا التصويت في الانتخابات القادمة، أهم حزب سياسي، بعد أن نجح في انتزاع الصدارة من حزب النهضة.
ويعد حزب نداء تونس والأحزاب العديدة الأخرى التي تدور في فلكه، سواء تلك المتحالفة معه في “الاتحاد من أجل تونس”، أو مجموعة الأحزاب سليلة حزب التجمع المنحل، من أبرز أعداء الحقوق الاقتصادية للطبقات الشعبية في المرحلة الراهنة. حيث أن جزءا هاما من هذه المجموعة هو الذي أشرف، في ظل حكم بن علي، على تطبيق سياسة التقشف والتعديلات الهيكلية الرأسمالية الليبرالية الجديدة، وتيسير إعادة التملك الاستعماري الجديد لتونس، بالإضافة إلى دورها في الجرائم العديدة الأخرى التي ارتكبت في حق الشعب التونسي. والآن تشهد الشبكة التجمعية انتعاشه ملحوظة، وعودة قوية إلى الساحة السياسية، مستفيدة في ذلك من تردي الأوضاع العامة بالبلاد، وعجز أو تنكر مختلف القوى السياسية للمطالب الاجتماعية للثورة.
لم يعد اليوم حزب نداء تونس يكلف نفسه عناء إخفاء توجه الرأسمالي الليبرالي الجديد، والمعادي لمطالب الثورة. كما لم يعد بخاف على أحد، كونه الإطار السياسي الأهم لإعادة تشكل الحركة الدستورية-التجمعية. وهو يساند اليوم بكل قوة حكومة مهدي جمعة، المكلفة بتطبيق برنامج المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي، والمتمثل في تشديد طابع سياسة التقشف في المصاريف الاجتماعية، وتسريع نسق إعادة الهيكلة الرأسمالية الليبرالية الجديدة للهياكل الاقتصادية والاجتماعية التونسية. أي البرنامج الذي يسعى إلى تثبيت النظام الاجتماعي الذي ثار ضده الشعب، وتشديد طابعه الاقتصادي والاجتماعي المعادي لمصالح عموم التونسيات والتونسيين.
في المقابل، يغلب على الحركة الديمقراطية التقدمية التردد والمراوحة ما بين المساندة الفعلية لمطالب الثورة، والاصطفاف وراء القوى الليبرالية والاصلاحية، بدعوى أولوية مهمة إنجاح “الانتقال الديمقراطي” قبل الخوض في المسائل الاقتصادية والاجتماعية. وعلى الرغم من تأكيد الجبهة الشعبية في برنامجها وفي خطابها وفي نضالها الميداني على تبنيها المطلق لمطالب الثورة، إلا أنها غالبا ترجح المسائل السياسية في نشاطها وتترك جانبا هذه المسائل.
أما الحركة السلفية فإنها وجدت أرضية خصبة في أوساط الجماهير الشعبية، التي أنهكها الاستغلال وسحقها الظلم وأضر بها الفقر، وأهانتها القوى الأجنبية والاستعمار الجديد، لتنتشر بسهولة. وقد تتوج صعودها بنجاحها في انتخابات أكتوبر 2011 التي مكنتها من استلام السلطة ومن إمكانية تحقيق برنامجها، ناهيك وأن زهاء 40 بالمائة من الناخبين قد وضعوا ثقتهم في الإسلاميين وعلقوا آمالا كبيرة على وعودهم الانتخابية.
يتفق الحزبان الأكبر حاليا في تونس حول تبينهما للنظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي الجديد. في حين ترفض الجبهة الشعبية، القوة السياسية الثالثة، من حيث نوايا التصويت في الانتخابات القادمة، هذا النظام حيث ينادي برنامجها بضرورة: “اعتماد منوال تنمية وطني يقطع مع المنوال القائم”. لكن تتفق هذه القوى السياسية في القوال بأهمية المطالب الاجتماعية التي نادت بها الثورة. مع اختلاف هام هو أن الجبهة الشعبية لم تباشر السلطة إلى حد الآن، وبالتالي ليس من الممكن التثبت من صدق نواياها، قبل وصولها إلى سدة الحكم. في حين مارسها حزب النهضة وخاصة حزب نداء تونس، الذي يتكون بالأساس من التجمعيين والدستوريين الذين سيطروا على الحكم أكثر من نصف قرن، كما شغل السبسي، مؤسس نداء تونس والقيادي في النظام السابق، خطة رئيس الحكومة من مارس إلى نوفمبر 2011، وبالتالي أصبح بالإمكان وضع أقوالهم ووعودهم على محك التجربة الملموسة.
تتبنى حركة النهضة مقولة العدالة الاجتماعية، التي ترددت عديد المرات في برنامجها الانتخابي “من أجل تونس الحرية والعدالة والكرامة”[5]: “يستند منوالنا للتنمية على ثلاث منطلقات أساسية ومتلازمه تتمثل في: مطالب الثورة وانتظارات المواطنين التي تتمحور حول التشغيل والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والقطع مع الفساد والتنمية الجهوية المتوازنة…”[6]. وكذلك: “يقوم منوالنا في التنمية للمرحلة القادمة على مبادئ التوسيع والتنويع والتكامل وتعبر عنه الاهداف العامة التالية: تحقيق العدالة الاجتماعية بمكافحة الفقر والرفع من المستوى المعيشي للمواطن…”[7].
ثم تعد حركة النهضة التونسيين، في حال انتصارها في الانتخابات ووصولها إلى السلطة، بعدد هائل من الاجراءات والمبادرات تضمنتها بنود برنامجها الـتي يبلغ عددها 365 بندا، أغلبها ذات صلة بظروف عيش الشعب التونسي: ” حتى لا يبقى من بين التونسيين فقير”[8]. ومن بين هذه الاجراءات، نذكر بالخصوص: ” تطبيق خطة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى توفير الشغل للتونسيين والتونسيات ومرافق الحياة الكريمة وتحقيق التنمية الجهوية”[9] و: “معاجلة قضية التشغيل باعتبارها قضية وطنية… وضمان التوازن الجهوي من خلال تطوير البنية الاساسية والمرافق الجماعية في المناطق الاقل حظا في التنمية… والعمل على تحقيق الامن الغذائي…”.
أما فيما يتعلق بموقف حزب نداء تونس من مطالب العدالة الاجتماعية فإن الجواب يصعب العثور عليه نظرا لعدم نشر هذا الأخير لأي برنامج. وسوف نكتفي بهذه الإشارات العامة التي نجدها على موقع الحزب على الإنترنت، في باب “مشروعنا”[10] حيث نقرأ: “وستقدم حركة نداء تونس خارطة طريق تتمثل في خطة عاجلة لمعالجة الأوضاع المتردية حاليا. كما ستتقدم بمشروع برنامج متكامل للخمس سنوات المقبلة وبخطة تمويله لإعطاء حلول لتطلعات الشباب والجهات ودعم برامج التنمية”. وكذلك: “تؤكد حركتنا على ضرورة تسوية تاريخية بين القوى الحية وقوى الإنتاج بالبلاد ومن شرائح شعبية ومتوسطة، تفضي إلى عقد اجتماعي جديد تتم صياغته بالحوار بين الفاعلين السياسيين والنقابيين والمهنيين. إن هذا العقد الاجتماعي الجديد سيسمح بترسيخ مبدأ الحوار الاجتماعي وتعميمه وترسيخ مبدأ العمل اللائق على أرض الواقع وكذلك تأمين المسارات المهنية والحق في التكوين المستمر طيلة الحياة المهنية مع اعتماد مبدأ التشاركية في تسيير نظم الحماية الاجتماعية بين الدولة والنقابات والأعراف. وذلك بالتوازي مع تأمين كل أسباب تحسين تنافسية المؤسسة الاقتصادية التي تمثل الضمانة الأولى لخلق الثروة ومواطن الشغل. كما سيسمح العقد الاجتماعي بالتأسيس لسياسة دخل ضامن للقدرة الشرائية للطبقات الشعبية والمتوسطة”. ثم: “وإذ نؤكد على ذلك فإننا نؤكد بالتوازي على الدور المحوري للمؤسسات والاستثمار الخاص للخروج من الأزمة الحالية وإحداث مواطن الشغل. لكن صعوبة الظرف الاقتصادي الحالي تجعل من واجب الدولة التعهد ببرنامج وطني للتشغيل يشتمل على حزمة من الإجراءات الاستثنائية من أجل مقاومة البطالة الحادة في صفوف الشباب بصفة عاجلة خلال سنتين وهي الفترة الضرورية لعودة النمو الاقتصادي إلى نسق تصاعدي”.
في حين تكفي تجربة الحكم الطويلة للتأكد من مدى صدق النوايا الاجتماعية لحزب نداء تونس، واستعدادها لتحقيق تطلعات الشباب والجهات… في الواقع يجيب نداء تونس بنفسه على هذا السؤال، ولو بطريقة غير مباشرة، عندما يعتبر أن تحقيق العدالة الاجتماعية مشتق من النمو الاقتصادي والسوق والتبادل الحر، وهو ما أثبتت تجربة تونس الماضية بطلانه. كما يفند وعود نداء تونس استمرار دعمها للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ما انفكت تفرضها المؤسسات المالية على تونس منذ ما يزيد عن ربع قرن.
وليست حركة النهضة بأحسن حال رغم حماسية برنامجها الاجتماعي وسخاء وعودها، حيث لم يعد من الصعب الحسم في هذا الموضوع بعد تسلمها مقاليد الحكم في البلاد وتكوينها لائتلاف حكومي ثلاثي (الترويكا) حضي بأغلبية مريحة في المجلس التأسيسي. فهي على غرار حزب نداء تونس تعلن تبنيها “للاقتصاد الحر” وهي التسمية الملطفة للنظام الاقتصادي المهيمن، على الرغم من إقرارها: “عجز المنوال الاقتصادي السابق على حل مشكلات الاقتصاد التونسي وعلى رأسها البطالة والتفاوت الجهوي”. كما يمكن نذكر بأبرز الوعود الاجتماعية التي التزم بها حزب النهضة قبل انتخابات أكتوبر 2011 التي حملته إلى السلطة والتي لم تسعى إلى تحقيقها، خاصة منها التشغيل، حيث وعدت بإحداث نصف مليون موطن شغل، قبل أن تخفض العدد إلى 300 ألف موطن شغل، ليصل الأمر بحكومة الترويكا، التي تتزعمها النهضة إلى إعلان تجميد التشغيل في الوظيفة العمومية خلال سنة 2014، وهو قرار لم تجرؤ على اتخاذه حكومات بن علي من قبل. كما تنكر لوعدها بالترفيع في الاجر الادنى الصناعي والأجر الأدنى الفلاحي خلال سنة 2013، على خلاف ما جرت عليه العادة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. كما وعدت بإحداث صندوق للبطالة ولكنها لم تفعل، على الرغم من مطالبة الاتحاد العام التونسي للشغل بذلك والعديد من منظمات المعطلين عن العمل، خاصة اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل.
في التحليل الأخير تتبنى الأحزاب الرأسمالية الليبرالية مقولة العدالة الاجتماعية قولا، ولكنها تعمل على تنفيذ سياسات التقشف وإعادة الهيكلة التي تفاقم التفاوت الاجتماعي وتغذي الأزمة الاجتماعية، وتكتفي بمعالجة الضحايا عن طريق الوعود بالغد الأفضل، وترقب انعكاسات ثمار النمو الاقتصادي وتنامي أرباح المشروعات الرأسمالية، خاصة منها الأجنبية، أو عن طريق المشروعات الخيرية التي يرجى من الأثرياء كفالتها بالتبرعات والصدقات.
بعد عامين من الحكم أجبرت حكومة النهضة على الاستقالة يوم 9 يناير، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد مجددا تنديدا بقرار الحكومة تسليط إتاوات جديدة على قطاع النقل. وهي احتجاجات سبقتها، خلال صيف 2013، موجة من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية، ضمت مئات الآلاف من المواطنات والمواطنين، مطالبة بحل المؤسسات المنبثقة عن انتخابات أكتوبر 2011. وهي احتجاجات مردها ارتفاع البطالة وتدهور المقدرة الشرائية وتفاقم أزمة الأقاليم الداخلية وتراجع النشاط الاقتصادي وانخرام الأمن خاصة بسبب انتشار الجماعات الجهادية الارهابية. وكذلك بسبب شبهات عديدة حول قضايا فساد مالي، كالقضية المنشورة لدى القضاء والمعروفة باسم “شيراتون غايت”، والمتعلقة بوزير الخارجية السابق، القيادي في حزب النهضة وصهر رئيسها.
في المقابل تمثل الجبهة الشعبية القوة السياسية الائتلافية الوحيدة في الوقت الراهن، التي تتبنى مقولة العدالة الاجتماعية في خطابها، وتسعى من خلال ما تقترحه من برامج وعبر نضالها الميداني، إلى تغيير المنطق الاقتصادي والاجتماعي السائد في تونس، وإعادة ترتيب الأولويات المحلية لجعلها تتوافق مع مبادئ العدالة الاجتماعية وأهدافها.
لكن وبقدر أهمية التبني الكامل لمقولة العدالة الاجتماعية، وكذلك الرغبة والسعي للتقدم في هذا الاتجاه، فإن استنباط البدائل وصياغة البرامج لا يقل أهمية، بما في ذلك إقناع المعنيين بذلك، وخاصة تشريكهم الحر والواعي في صياغة هذه البدائل والبرامج والنضال من أجل الشروع في تحقيقها. كما أن النضال المتماسك والمتواصل، مع من هم في أشد الحاجة إلى إجابات عملية وسريعة على مطالبهم الأكثر إلحاحا، يعد بدوره من الشروط الضرورية لخلق ميزان القوى الاجتماعي القادر وحده على قلب منطق الأشياء السائد، والشروع في بناء تونس جديدة على أسس العدالة الاجتماعية، والحرية والسيادة الوطنية.
نجد في التوطئة العامة لبرنامج الجبهة الشعبية إشارة واضحة لأحد أبرز أهداف الجبهة الشعبية “تحقيق العدالة الاجتماعية”. وهي تعتبر أن تحقيقها يتوقف على تعزيز الدور الحيوي للدولة في الاقتصاد، بصفتها منتج ومستهلك في آن واحد. ويتم ذلك بالخصوص عبر: “تفعيل دور التخطيط الوطني والديمقراطي التشاركي للاقتصاد بجميع مستوياته المحلية والجهوية والمركزية. ويتم ذلك أيضا من خلال تعزيز الدور التعديلي للدولة، والعمل على حماية القطاعات الناشئة من المنافسة الأجنبية. ثم التعامل بشكل جدي مع الرأس المال الوطني في مرحلة الانتقال الراهنة، وجعله طرفا مساهما في بناء اقتصاد وطني وداعما لمجهود الدولة.” وكذلك عن طريق: “دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من خلال، سن قانون أساسي يحدد المبادئ التي يتأسس عليها ولا سيما مبدأ أولوية الإنسان على رأس المال. وبعث تعاونيات إنتاج وخدمات وجمعيات تنموية كإطار لهذا القطاع. ووضع الآليات الضرورية لتمويله وتطويره، وأخيرا، ضبط قواعد التسيير الديمقراطي والشفاف داخل مكوناته.” وأخيرا بواسطة: “ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لتحقيق الكرامة، وتفعيل التنمية الوطنية، حيث لا كرامة للمواطنات والمواطنين التونسيين، بدون ضمان هذه الحقوق التي تعد من مقومات العيش الكريم، والتي تعتبر من الواجبات الأساسية للدولة وتعهداتها. وبالإضافة إلى ذلك يعد ضمان هذه الحقوق، لكافة أفراد الشعب، شرطا أساسيا لمشاركتهم الفعالة في تحقيق التنمية الوطنية المنشودة”.
أخيرا، يبدو أن تونس بصدد مزيد الابتعاد عن أهداف العدالة الاجتماعية، خاصة بعد تكوين حكومة “الكفاءات” التي يترأسها مهدي جمعة، منذ نهاية يناير الماضي. حيث أعلن جمعة، مباشرة بعد حصوله على ثقة المجلس التأسيسي، موافقته على برنامج صندوق النقد الدولي، عن طريق التزام كتابي وجهه لمجلس إدارة الصندوق، يقبل من خلاله تمديد فترة برنامج الاصلاحات الهيكلية وسياسة التقشف، من يونيه 2015 إلى مارس 2016. وفي ذلك التزاما صريحا بقبول شروط الاتفاق الذي أبرمته حكومة النهضة مع الصندوق في أبريل 2013 بواشنطن.
هل بإمكان حكومة جمعة أن تكون، في نفس الوقت، وفية لأهداف الثورة، من ناحية، ومنفذا مطيعا لتعليمات الدوائر الرأسمالية الأجنبية التي تسعى إلى معالجة الأزمة التونسية بأدوات الرأسمالية النيوليبرالية الأكثر وحشية، وبالعصا الغليظة أيضا، من ناحية أخرى؟ وكما لم تدخر النهضة جهدا، من قبلها، في تطبيق نفس السياسة، ستواصل حكومة جمعة السير على نفس الطريق، لكن دون أن يعيق عملها الخوف من حكم صناديق الاقتراع.
تتواجد حكومة جمعة إذن في ظرف دقيق للغاية يتميز بتأكد المخاوف المحدقة بعموم التونسيات والتونسيين الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. فبالإضافة إلى استمرار السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة قبل الثورة، توافقت الحكومات المتعاقبة، مع الدوائر المالية والسياسية الاستعمارية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوروبي، على عدة برامج تهدف كلها إلى تسريع نسق التعديلات الهيكلية الرأسمالية الليبرالية الجديدة وتوسيع نطاقها، وكذلك مواصلة سياسة التقشف في مصاريف الدولة الاجتماعية وتقليص الاستثمارات في الجهات وفي الخدمات الاجتماعية.
ويتضح اليوم، بما لا يدع مجالا للشك، أن حكومة مهدي الجمعة لم تنقطع عن تطبيق هذه السياسة المعادية لمصالح الشغالين والطبقات الكادحة عامة، فهي مكلفة بتطبيق ميزانية التقشف التي أعدتها حكومة الترويكا وصادق عليها المجلس التأسيسي، وهي ميزانية تلزم الدولة، ومن خلالها القطاع الخاص، بتجميد الأجور بالتوازي مع الزيادة في الضغط الجبائي المباشر وغير المباشر عليها، والتقليص من دعم المواد الأساسية ومصادر الطاقة، مما سينتج عنه مزيد من اهتراء القدرة الشرائية للأجراء والطبقات الشعبية والمتوسطة بكيفية غير مسبوقة. كما تلزم الميزانية الجارية الدولة بإيقاف الانتداب والامتناع عن بعث المشروعات. وذلك في الوقت الذي قررت فيه الطبقة الحاكمة في قانون المالية التخفيض في الضريبة على أرباح الشركات من 30 إلى 25 بالمائة بحجج واهية، الغرض الوحيد منها هو الحفاظ على امتيازات الرأسمال الكثيرة، وخاصة منه الأجنبي.
إن الإجراءات المزمع اتخاذها من طرف الحكومة الحالية هي تفعيل للشروط الواردة في الاتفاق الموقع في أبريل 2013 في واشنطن بين حكومة الترويكا وصندوق النقد الدولي، والاتفاق الأخير الموقع مع الاتحاد الأوربي في لكسمبورغ في 20 أبريل الجاري.
وتستمر السياسة المعادية لعموم الأجراء والكادحين وتشتد قسوتها في الوقت الذي تستفحل فيه البطالة وتهميش مئات الآلاف من القوى العاملة، ومن بينها المعطلين عن العمل أصحاب الشهادات الجامعية. كما يتواصل نهب ثروات البالد الطبيعية واستنزاف مواردها المالية خاصة عن طريق استمرار منظومة المديونية الفاسدة وتهريب الرأسمال إلى الخارج.
تمثل القوى الأجنبية، العقبة الأساسية في طريق العدالة الاجتماعية في تونس والتحرر الوطني. وهي القوى التي أحكمت قبضتها السياسية والاقتصادية على تونس، خلال ربع القرن الأخير، على خلفية فشل تجربة “الانتقال الديمقراطي الوطني” في فك الارتباط الاستعماري واستعادة السيادة الوطنية السياسية والاقتصادية، وفشلها في ضمان تواصل تنمية القدرات الإنتاجية والتحسن المتواصل لظروف عيش الأغلبية وضمان حقها في المشاركة الحرة في تحديد مصيرها بنفسها.
سارعت دول الاتحاد الأوروبي، تتقدمها فرنسا، مباشرة بعد فرار بن علي من تونس، إلى تقديم الدعم السياسي والمالي لحكومته، التي استمرت من بعده، قبل أن يجبرها الحراك الثوري، بدورها، على الرحيل يوم 25 فبراير. ثم تواصل هذا الدعم لكافة الحكومات المتعاقبة، بما فيها حكومة “الترويكا”، وخاصة “حكومة التكنقراط” الحالية.
ويمثل “الاستثمار الأجنبي”، أي تدخل الرأسمال العالمي المباشر في تونس، ركيزة أساسية لهذا النظام القائم باعتباره الطرف الفاعل والمستفيد الأساسي منه. كما أنه الفاعل المركزي في منظومة العولمة الرأسمالية الليبرالية الجديدة، وهو يندرج في سياق تاريخي محدد لا يمكن التغافل عنه عند التطرق إلى هذا الموضوع، وبناء عليه لا يمكن اعتبار هذا الأخير، بأي شكل من الأشكال، طرفا محايدا في الصراع الاجتماعي الدائر الآن في تونس.
فعلى عكس ما يزعمه الخطاب الرسمي السائد ليس “الاستثمار الأجنبي” نصير الثورة، أو طوق النجاة لتحقيق طموحات الشعب التونسي وتطلعاته. فبقدر ما كان فاعلا أساسيا في تركيز نظام بن على ودعمه وحمايته والاستفادة منه، كان كذلك المسؤول على الأضرار التي لحقت بالجماهير الكادحة وخاصة الشباب وبالبلاد عامة.
إن من أهم واجبات الثوريين اليوم، إماطة اللثام عن هذا الدور المعادي لمصالح الشعب التونسي، وبلورة المطالب الانتقالية التي من شأنها أن تضع الحركة الثورية والشعب التونسي على مسار التحرر من نظام الاستغلال والهيمنة الأجنبية، وخلق الشروط الملائمة لتحقيق انتقال سياسي واقتصادي واجتماعي يضمن السيادة الشعبية الوطنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم التونسيات والتونسيين. ولكون الشعوب لا تهدي لنفسها، مرارا وتكرارا، إمكانية خلاصها الذاتي، يجب علينا أن نكون في مستوى هذه المسؤولية التاريخية وأن نواصل النضال بنفس العزيمة والمثابرة.
لقد رسخ الخطاب السائد في أذهان عموم التونسيات والتونسيين ونخبهم، فكرة أن “الاستثمار الأجنبي” هو “الصديق زمن الضيق”، ونصير طموحاتهم الخاصة والجماعية والوطنية على الدوام، مبررا في ذات الوقت ما يتمتع به هذا الاستثمار من حرية مطلقة ومن امتيازات فرضت على حساب المصالح الحيوية للشعب التونسي.
لذلك يستمر هذا الخطاب، قبل الثورة كما بعدها، في تمجيد “الاستثمار الأجنبي” والإشادة بدوره الإيجابي المزعوم. كما يهدف نشر هذه الأفكار وتداولها الواسع، في الظرف الراهن، إلى إرباك ثقة التونسيات والتونسيين في قدرتهم، التي برهنوا عليها بإسقاطهم للديكتاتور، في التحرر الذاتي وفي بناء مستقبل أفضل لهم، بالاعتماد على قدراتهم الخاصة في كنف الحرية، وفي عقد الشراكات وإقامة صلات التعاون مع الأصدقاء والأشقاء، على أساس استقلالية القرار والسيادة الوطنية والمصالح المشتركة. هذه المعاني التي أفرغتها وجردتها من معانيها أنظمة وحكومات تعاقبت على حكم تونس، بعد أن أسقطت مشعل استكمال التحرر الوطني وضمان الحقوق وتحقيق الازدهار والرقي. لقد جعلت الثورة التونسيات والتونسيين يتحولون من موضوع للتاريخ إلى صانعات وصانعين له.
ليس من الغريب أن تحاول اليوم قوى الثورة المضادة، التي كرست جهودها لخدمة مصالح قوى الهيمنة الأجنبية، كسر المعنويات العالية التي أصبحت تتمتع بها الطبقات الكادحة التي فرضت إرادتها على جلاديها، وذلك من خلال ترديدها المتواصل لفكرة أن خلاصنا رهن حسن استعداد الاستثمار الأجنبي. هكذا وفي الوقت الذي تدخل فيه الطبقات الكادحة وجماهير الشبيبة ساحة الفعل السياسي لتأخذ مصيرها بيدها، يضاعف المستأجرون جهودهم لإقناع الجماهير الشعبية بأنه لا خلاص لهم إلا عبر استسلامهم لمشيئة الرسمال العالمي. ولقد وصل الأمر بالبعض منهم إلى حد إطلاق صيحات الاستغاثة نحو القوى الأجنبية لحثها على تنظيم “خطة مارشال” لنجدة تونس.
يقوم تواجد الرأسمال الأجنبي في تونس على قاعدة الحرية شبه المطلقة التي استعادها تدريجيا، خاصة في ظل حكم بن علي، والتي نجد من مقوماتها ترسانة من الحوافز والإعفاءات الجبائية المتنوعة والامتيازات، التي وردت بالخصوص، في مجلة تشجيع الاستثمارات (1993) أو في اتفاقات “حماية الاستثمار” التي عقدها نظام بن علي مع أكثر من خمسين دولة واتفاقات التبادل الحر والتي من أبرزها اتفاق الشراكة الأورو-متوسطي (1995).
تتناقض الحرية شبه المطلقة التي يتمتع بها الرأسمال الأجنبي في تونس، في جوهرها، مع قيم المواطنة والمبادئ الديمقراطية، كالعدالة والمساواة، وتعد كذلك خرقا صارخا للدستور التونسي الذي كان فصله 16 ينص على أن “أداء الضرائب والمساهمة في التكاليف العمومية واجب على كل شخص عل أساس الانصاف”، كما لكافة المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية والتي تعنى بضمان الحقوق الفردية والجماعية للسكان وبصيانتها وتطويرها.
كما أن الاستثمار الأجنبي يكرس البنية المجالية التي أرسى أسسها الاستعمار المباشر الذي كان يقسم تونس إلى جزء “مفيد”، يتم دمجه في السوق العالمية، وجزء “غير مفيد” من وجهة نظر مصالحة الاقتصادية، يقع إهماله وتهميشه. وبالتالي فهو له ضلع كبير اليوم في تواصل انخرام التوازن الجهوي ما بين أقاليم مدمجة في دائرة العولمة الرأسمالية الليبرالية الجديدة، وبالتالي تتركز بها الاستثمارات الأجنبية مما يكسبها حيوية نسبية مقارنة بالأقاليم المنبوذة التي تفتقد للتجهيزات الأساسية والمنشآت الاقتصادية وبالتالي إلى موارد الرزق التي تكفل الحياة الكريمة.
وهو ما يبرز اليوم من خلال التوزع الجغرافي للاستثمارات الأجنبية على المجال التونسي، حيث يبرز من خلال التوزع الاقليمي للشركات الأجنبية، ولمواطن الشغل التابعة لها، تركز شديد لفائدة إقليمين فقط: إقليم الشمال الشرقي وإقليم الوسط الشرقي حيث يتركز 92% من الشركات الأجنبية ومواطن الشغل، مقابل 8% فقط للأربعة أقاليم المتبقية.
لقد مثل رفض التفاوت الجهوي، وما نتج عنه من إهمال وتهميش لأقاليم بأكملها، من قبل الجماهير الشعبية الثائرة أحد أبرز دوافع الثورة التونسية. أي رفض الهيكلة المجالية الموروثة من زمن الاستعمار المباشر، والتي عجزت السياسات المتعاقبة منذ الاستقلال على تغييرها. إن هذا العجز ليس نتيجة استعصاء الحل، بل هو استمرار سيادة نفس المنطق الذي أوجد هذه الهيكلة المعادية لمصالح جزء هام من بنات وأبناء هذا الوطن، أي تحديدا الهيكلة المجالية التي واصل “الاستثمار الأجنبي” التدخل على أساسها، مساهما في تعميقها وتشديد نتائجها الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة.
لا يمكن اليوم معالجة هذا الاختلال الاقليمي من دون مراجعة جذرية للمنوال الاقتصادي والاجتماعي الموروث من النظام البائد، بداية من الشروع في التحرر من قيود المنطق الاستعماري الذي يتعهده “الاستثمار الأجنبي”. إن المعالجة الجدية لهذا الاختلال الاقليمي هو أحد شروط التنمية الحقيقة، أي التي تستفيد منها كافة الطبقات الاجتماعية. تماما مثل البطالة التي تعد إهدارا للطاقات الوطنية الكامنة، فإن الصدع الاقليمي يعد بدوره عامل إضعاف وتفكك للجسم الاجتماعي ككل.
البدائل والمطالب الاجتماعية المطروحة
لا كرامة للمواطنات والمواطنين التونسيين بدون مقومات العيش الكريم المتمثلة بالخصوص في مجموعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي تعتبر من الواجبات الأساسية للدولة وتعهداتها. وبالإضافة إلى ذلك يعد ضمان هذه الحقوق لكافة أفراد الشعب شرطا أساسيا لمشاركتهم الفعالة في تحقيق التنمية الوطنية المنشودة ونشر العدالة الاجتماعية في المجتمع التونسي، وهو ما يشترط بالأساس:
ضمان الحق في الشغل من خلال تضمينه في الدستور، وإقرار منحة بطالة شهرية تسند لكل طالبي شغل ولم يحصلوا عليه، ومراجعة مجلة الشغل بما يضمن حقوق العمال والأجراء، وإلغاء نظام العمل بـ48 ساعة في الأسبوع، وضبط خطة وطنية للشروع في تخفيض ساعات العمل الأسبوعية من 40 إلى 35 ساعة وهو ما يمكن من توفير عدد هام من مواطن الشغل.
تحسين المقدرة الشرائية من خلال تدخل الدولة للحد من ارتفاع الأسعار ومقاومة التهريب والاحتكار، وضبط آليات لتحديد الأجر الأدنى حسب الحاجيات الاجتماعية، ومراجعة الأجور بشكل يضمن توفير الحاجيات الحياتية للمواطن، واعتبار القضاء النهائي عل الفقر من أهم أولويات الدولة الوطنية، وتوفير الحدود الدنيا للعيش الكريم.
وكذلك دعم الخدمات الاجتماعية وتطويرها، خاصة منها:
التعليم، وذلك من خلال وضع خطة وطنية لتطوير منظومة التعليم بجميع مستوياته بما يضمن الحق في التعليم العمومي ومجانيته للجميع وتحسين مضامينه في اتجاه البعد الوطني والديمقراطي، بشكل يجعل من العملية التعليمية مساهمة في التنمية الوطنية وتعزيز لسيادة الوطن وتطوير للطاقات البشرية في كل المجالات، إضافة إلى ضمان الحريات الأكاديمية وتطوير هياكل البحث العلمي ودعمها وتكريس استقلاليتها. وإعادة هيكلة منظومة التكوين المهني.
الصحة: تأهيل الخارطة الصحية على المستوى الوطني بشكل يضمن الحد الأدنى من الخدمات الصحية اللازمة لكل مواطن، مع تزويد المناطق الداخلية التي تفتقر إلى أبسط المرافق الصحية بإمكانيات أكثر خاصة في مجال طب الاختصاص والتجهيزات الطبية.
السكن: ضمان السكن اللائق لكل عائلة تونسية، والعمل على التخفيض من نسبة الفوائض المتعلقة بقروض السكن الاجتماعي، وتأهيل المؤسسات العمومية المعنية بالسكن لجعلها قادرة على القيام بدورها في المجال، وعدم السماح ببيع الأراضي المملوكة للدولة المخصصة للبناء للمستثمرين العقاريين الأجانب.
النقل: من خلال المراهنة على النقل العمومي كخيار إستراتيجي، وتجديد أسطول النقل بجميع أنواعه بهدف تحسين الخدمات، وتطوير البنى التحتية للنقل من طرقات وسكك حديدية ومطارات، واستعمال تقنيات وتجهيزات مقتصدة للطاقة وغير ملوثة.
وأخيرا، دعم منظومة التغطية الاجتماعية والتقاعد، والمحافظة على النظام التوزيعي للتقاعد باعتباره مكسبا شعبيا.
ليس لتونس مستقبل سوى الذي سوف يبنيه بناتها وأبنائها من خلال استمرار المسار الثوري من أجل التحقيق الفعلي للحرية والكرامة التي تقوم على ضمان الحقوق لكافة الشغالين والكادحين ولعموم الشعب التونسي. مستقبل قوامه العدالة الاجتماعية، والنظام الجمهوري الديمقراطي والسيادة الشعبية الوطنية.
إن الحركة العمالية والجماهير الشعبية التي استبسلت في الدفاع عن أهداف ثورة الحرية والكرامة والتنمية والتشغيل رغم كل المناورات التي حيكت وتحاك ضد مصالحها من الداخل والخارج، مطالبة اليوم باستعادة دورها في ساحات النضال من أجل مراجعة ميزانية التجويع التي خلفتها حكومة الترويكا والتصدي إلى محاولة لتحميل تبعات الأزمة للشغالين والفئات الشعبية وفرض إجراءات عاجلة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية ومقدرتهم الشرائية على درب تحقيق مصالح أغلبية التونسيات والتونسيين في التشغيل والتنمية والعدالة والحرية والكرامة.
[1] http://is.gd/0yWjQY
[2] http://is.gd/RV3PFL
[3] http://is.gd/gwF73P
[4] http://is.gd/xNpwpf
[5] برنامج حركة النهضة http://is.gd/xrrJmY
[6] نفس المصدر، الصفحة 17
[7] نفس المصدر، نفس الصفحة
[8] نفس المصدر، الصفحة 37
[9] نفس المصدر، الصفحة 5
[10] http://is.gd/9buiRM